مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

تعذيب الأسرى..تدمير للجسد والنفس

رشا حرزالله
حملت الأسيرة المحررة عبير عودة 29 عاماً من قرية صيدا بمحافظة طولكرم، صورة "الأشعة"، والفحوصات الطبية التي تجريها بشكل دوري، وراحت تشرح ما قاله الطبيب المشرف على علاجها، والنصائح التي قدمها لها، لتتفادى تردي وضعها الصحي جراء إصابتها بتشنجات، وفتق بـ"رأس المعدة"، نتيجة التعذيب الذي تعرضت له خلال فترة اعتقال متقطعة دامت 9 سنوات في سجون الاحتلال.
بدأت قصة عبير مع الاحتلال عام 2002م، حيث تم مداهمة منزلها في قرية صيدا، ليحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات ونصف، قضتها متنقلة بين سجون "الرملة والدامون وهشارون"، وبعد الإفراج عنها، أعادت قوات الاحتلال اعتقالها، على حاجز "عناب" العسكري شرق طولكرم عند عودتها لمنزلها عام 2006، وحكم عليها بالسجن مدة سنتان ونصف، وبعد انتهاء محكوميتها في شهر تموز عام 2008، رفضت قوات الاحتلال إطلاق سراحها، وتم تجديد الاعتقال الإداري لها مدة 6 أشهر، وأفرج عنها في صفقة التبادل الأخيرة.
وتروي عودة لـ"وفا"، "فور اعتقالي بدأت أتجرع صنوفاً مختلفة من أساليب التعذيب، فمن الضرب على الرأس، والكلى والمناطق الحساسة في الجسد، إلى الحرمان من النوم والطعام والعزل الإنفرادي".
وتضيف، "عندما استشهد شقيقي محمود عام 2007، وكنت في عزل سجن الرملة، اقتحمت إدارة السجن الزنزانة، واعتدت علي بالضرب، وضرب رأسي بالجدران مرات عدة، وتم ربط يداي وقدماي بشدة لدرجة أنني بدأت أنزف دماً".
وتتابع: "أذكر في أحد الأيام، كنت في غرفة في سجن الرملة، حضرت المجندة وبدأت بتفتيش الأسيرات، كنت قبلها بأيام قد تعرضت للشبح، لتقوم بتربيطي مرة أخرى بالسرير، وتنهال علي بالضرب على الكلى، ثم قامت بإدخال قدمها في فمي، ما أدى إلى تكسير أسناني، وأجبرتني على تقبيل قدمها، وفي إحدى المرات أحضرت مجندة علبة بلاستيكية ووضعتها على رقبتي وحاولت خنقي، كوني لم أنفذ ما طلبته مني".
وبيّنت عودة أن إدارة السجون تستغل وجود الأسير في الزنزانة، لتمارس عليه أبشع صنوف التعذيب، بعيداً عن أعين الأسرى.
وتزيد، "عام 2010، تم شبحي في السرير لمدة ثلاثة أيام، وبعد فك الحبال شعرت بألم شديد، وإعياء، وفقدت توازني، الأمر الذي جعل باقي الأسيرات يشعرن بوضعي ويضربن عن طعام السجن".
ولا يقتصر تعذيب الأسرى في سجون الاحتلال على الجسد وحسب، بل تحاول إدارة السجون تحطيم معنوياتهم، وتعذيبهم نفسياً وترهيبهم لكسر إرادتهم وانتزاع الاعتراف منهم بالقوة وتحت التهديد، وهو ما عاشته الأسيرة المحررة عودة.
تقول، "حاولت مرات عدة أن أحاور إدارة السجن بهدف الحصول على علاج لتسكين ما أشعر به من آلام نتيجة التعذيب، فما كان منهم إلا أن قاموا بنقلي من غرفتي في السجن ووضعي في غرفة أخرى تحت مراقبة الكاميرات، بالإضافة إلى حرماني من الماء والأكل، وقضاء الحاجة".
"هذا الأمر يشكل تدميراً للنفسية، فهو أمر صعب حينما يشعر الإنسان أن كل حركاته مراقبة، ولا يستطيع الحصول على حريته الشخصية، هذا الأمر أشعرني بأنني "سأصاب بالجنون"، ناهيك عن التفتيش العاري للأسيرات، الذي "سحق كرامتنا"، وأحياناً كثيرة كانت إدارة السجن تضعنا مع السجينات الجنائيات، اللواتي مارسن التعذيب بحقنا، وأحيانا كثيرة كانوا يقطعون الكهرباء عن غرفتي، ويرشونا بمياه الصرف الصحي، ويصدرون أصواتاً مخيفة في الليل"، هذا ما تؤكده الأسيرة المحررة عبير عودة.
وبعد الإفراج عنها من سجون الإحتلال بدأت عودة بالتردد على المشافي، والأطباء، وأجرت عمليات عدة، للأنف نتيجة إصابتها بالحساسية الشديدة جراء العزل في ظروف سيئة، كذلك فهي تعاني من ارتداد في المريء، بالإضافة إلى شد في العضل والام في العمود الفقري، نتيجة الشبح.
وفي رأيه حول هذا الموضوع أكد مدير وحدة البحث والتوثيق في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب وسام سحويل، أن ما نسبته 50% من الحالات التي تتردد على المركز هم مواطنون تعرضوا للتعذيب على أيدي قوات الاحتلال، سواء بالتنكيل أو جرحى أو أسرى محررين، ومعظمهم حدث لديهم صدمات نفسية جراء ذلك.
وأكد سحويل أن قضية التعذيب في سجون الاحتلال مازالت مستمرة، على خلاف الرواية الإسرائيلية التي تفيد بتراجع عمليات التعذيب، وهذا ما رصدناه من شهادات لأسرى تم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال مؤخرا، ويتلقون علاجا تأهيلي في المركز، وهناك تراجع من الكم في الأساليب المستخدمة، إلا أن التعذيب مستمر وبوتيرة عالية.
وحول أساليب التعذيب الجسدية قال سحويل:"هناك تركيز على المناطق الحساسة من الجسد، والضرب والشبح وهما أكثر الأساليب استخداماً، ويتركز الضرب على المناطق الجنسية للذكور، وهو ما يشكل بعد نفسي أيضا، حيث يشعر الأسير فيه بنوع من الإهانة لذكوريته.
وعن وضع الأسيرات يشير سحويل إلى أنهن يتعرضن للشتم والضرب على الوجه، لأن الجمال يشكل عنصر مهم للمرأة، وهذا الأسلوب يؤثر على كبريائها وإنسانيتها.
ويؤكد سحويل لـ"وفا"، أن الأسرى الأطفال يتعرضون لنفس أساليب التعذيب التي يتعرض لها البالغين، وحتى بطريقة أعنف، وأشد قسوة، بهدف تخويفهم.
ويشير إلى أن إدارة سجون الاحتلال تستخدم أساليب قاسية في تعذيب الأسرى نفسياً، وهناك ممارسة ممنهجة لاستخدام هذه الأساليب، من بينها العزل بظروف غير صحية في زنزانة تفتقر لكل مقومات الحياة، من حيث النظافة والتهوية، وتكثر فيها الحشرات ومياه الصرف الصحي.
ويؤكد أن العزل الإنفرادي لمدة طويلة يشكل خطورة على الحالة الذهنية للأسير، ويخلق لديه نوعاً من "الهلوسات"، وتخيل أشياء غير حقيقية، كذلك الحال بالنسبة للتفتيش العاري حيث أن تكرار هذه الحالة خاصة على الأسيرات يشعرهن بنوع من العار، والتقدير المتدني للذات، لأنه في كثير من الأحيان يتم السخرية من أجساد الأسرى والأسيرات، عبر ألفاظ غير لائقة من قبل المحققين، ووجدنا من خلال تعاملنا مع الأسرى المفرج عنهم والذين تعرضوا لهذا الأسلوب أن 25% منهم يواجهون مشاكل في العلاقة الزوجية.
وتتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى في سجون الاحتلال بوتيرة غير مسبوقة, وهي تبتدع يومياً أشكالاً جديدة من التعذيب، وسوء المعاملة، وسياسة الإهمال الطبي، والحرمان من زيارة الأهل، وفرض عقوبات جماعية، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة والتي تنص المادة الثالثة فيها على "حظر الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة"، وحرمت التعذيب بكافة أشكاله تحت أي ظرف، كما أنه يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المناهضة للتعذيب.
وحسب البند 11 من ميثاق مناهضة التعذيب الذي عرف مصطلح التعذيب على أنه أي عمل ينتج عنه ألم أوعذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات، أو على اعتراف أو معاقبتة على عمل ارتكبة، أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث على الاعتراف بشيء ما، أو عندما يلحق به هذا الألم أو التعذيب، لأي سبب من الأسباب كـ"التمييز أياً كان نوعه"، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، هذا لا يتضمن الألم أو المعاناة النابعة عن عقاب حسب القانون، وما يتبع ذلك أو يتعلق به".
ويؤكد المستشار القانوني في مؤسسة الحق ناصر الريس أن التعذيب في سجون الاحتلال مستمر ولم يتوقف وإن تغيرت أشكاله، حيث لازالت إسرائيل تستخدم اسلوب الهز العنيف، واستغلال عوامل الطقس، كوضع الأسرى في أماكن باردة في الشتاء، وحارة في الصيف.
وبيّن أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حرمت التعذيب، في سبيل الحصول على اعتراف ومعلومات، واعتبرته المادة 147 من الاتفاقية مخالفة جسيمة وجريمة من جرائم الحرب.
واستناداً للمادة 85 من البروتوكول الأول المكمل لاتفاقية جنيف لعام 1977، فالتعذيب جريمة حرب، كذلك فالمادة 80 للمحكمة الجنائية الدولية، اعتبرت التعذيب جريمة ضد الإنسانية.
ويؤكد الريس، أن الاتفاقيات الدولية ألزمت الدول باتفاقية جنيف وبمنع التعذيب، حتى لو كان في ظروف استثنائية أو حالة الحرب أو الطوارئ، وهذا ينطبق على كل شخص يقوم بممارسة التعذيب، كما لا يسمح له بالتذرع بتنفيذ أوامر الرئيس كمبرر للتعذيب.
ويبيّن الريس أن إسرائيل طرف في اتفاقيات جنيف، وصادقت عليها، لذا يتوجب على الدول الموقعة على الاتفاقية ملاحقة إسرائيل لهذه الخروقات والتجاوزات، وهناك تقصير من قبل المجتمع الدولي في هذا المجال، منوهاً إلى أن السلطة الوطنية ألزمت نفسها بهذه الاتفاقيات.

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024