حسن الصفدي..أمعاء وخيمة اعتصام خاويتين منذ 50 يوما
رشا حرز الله
والدة الأسير حسن الصفدي تجلس أمام منزلها في البلدة القديمة بنابلس تضامناً مع ابنها المضرب عن الطعام منذ 46 يوماً(عدسة:بلال بانا/وفا) نابلس 22-4-2012 وفا- رشا حرزالله
حكاية وجع تنطق بها أحجار منزل الأسير حسن الصفدي (33 عاما)، من البلدة القديمة في مدينة نابلس، الذي يطفئ في يوم إضرابه الخمسين، جزءا آخر من جسده في معركة الأمعاء الخاوية.
في منزل متواضع، تزينه الرايات واللافتات، التي تتوسل كل من مر من أمامها بالدعاء كأضعف الإيمان، بينما المقاعد المهجورة، التي وضعت لمن يريد التضامن معه في معركته، تشكو من حجم الغبار المتراكم عليها.
"كل يوم أجلس أنا وشقيقه الذي انقطع عن عمله للجلوس في الخيمة، منذ أكثر من شهر، في البداية كان هناك رفع لمعنوياتنا من قبل المواطنين، بعضهم يتصل بنا للسؤال والاطمئنان عنه، وآخرون كانوا يشاركوننا الاعتصام إما في الخيمة أو في زيارة إلى المنزل، إلا أن هذا لم يعد موجودا الآن" قالت أم فريد الصفدي والدة الأسير حسن.
يملأ صوت ميس شلش المكان وهي تردد "مكتوب ع جبينك بطل...يا ساكن الزنازين"، ووالدة حسن تهز برأسها : "كلهم أبطال، من يتحمل هذا الإضراب وهذا الجوع، بطل".
وتتذكر الوالدة المحاصرة بحزنها يوم اعتقال ابنها: "في 29/6/2011، حضرت قوات الاحتلال للمنزل، حطموا معظم الأثاث وسألوا عن حسن، وبعد التدقيق في البطاقات الشخصية، اعتقلوه، لم أحتمل خرجت وراءه وبدأت بالصراخ، ضربوه بشدة، أخبر المحامي بعدها أنه سمع صراخي ليلة اعتقاله، وأرسل لي رسالة عبر المحامي يخبرني بأن دموعي وصراخي هما سجن آخر".
تجمعت بعض القريبات حول الوالدة المكلومة، المنهكة بمرض هشاشة العظام، كل منهن تحاول التهدئة من روعها، وإقناعها بضرورة تناول الطعام خوفا على صحتها، وبعد جهد حملت كوبا من الحليب، وسرعان ما سابقت رشفة الحليب دمعة مخنوقة: "لو أن هذا الكوب يبلل شفتي حسن، عندما أتناول الطعام أشعر بضيق كبير في صدري، هذا الأمر يجعلني متأكدة أنه جائع فكيف لي أن أهنأ؟" أصبحت أعشق النوم حتى أراه في الحُلم".
أمضى حسن ما مجموعه 10 سنوات في السجن، آخرها في سجن "جلبوع"، وما أن أعلن إضرابه عن الطعام، حتى باشرت سلطات الاحتلال بنقله إلى "مجدو" ومن ثم إلى العزل في سجن الجلمة، وبعد تدهور حالته الصحية، تم نقله إلى مشفى سجن الرملة وهو اليوم يعاني من أوجاع شديدة وفقدان متكرر للوعي، وخسر من وزنه أكثر من 15 كيلو غرام.
وتستذكر والدة الأسير الصفدي، كيف كان يساعدها في الأعمال المنزلية:"يساعدني في ترتيب الأثاث، وحتى الطبخ، كانت المقلوبة أكلته المفضلة، لم أره منذ يوم اعتقاله، أحاول دائما الحديث عبر الإذاعات المحلية حتى يسمع صوتي، أخبرني المحامي أنه سمع مكالمتي وهو في مشفى الرملة، وقال للمحامي، أخبر والدتي أن صوتها كان زادا بالنسبة لي".
حسن ليس الأسير الأول لدى العائلة، فهو شقيق الشهيد فريد الذي استشهد في "هبة النفق "عام 1996، إثر إقدام سلطات الاحتلال على فتح نفق أسفل المسجد الأقصى، كما أن معظم أشقائه أسرى محررون أمضوا فترات طويلة داخل سجون الاحتلال، بالإضافة إلى شقيقته نيللي والتي اعتقلت مدة 18 شهرا، وتقول والدته إن ابنها يرفض الإبعاد إلى أي مكان مقابل إنهاء الإضراب.
"لا أستطيع الوقوف أمام رغبته، هو اختار طريقه، لكنني أم ولا أستطيع تحمل رؤية ابني يموت أمام عيني، أمنيتي أن أجد الدعم المعنوي من المواطنين، هذا يريحني ويشعرني بأننا لسنا وحدنا في هذه المحنة" هذا ما تطلبه والدة حسن من أبناء شعبها.
ويخوض الأسرى في سجون الاحتلال إضرابا مفتوحا عن الطعام، احتجاجا على سياسة الاعتقال الإداري التي ينتهجها الاحتلال بحقهم، وكان الأسير خضر عدنان فجر موجة الإضراب، بعد خوضه إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر أكثر من 60 يوما، قبل أن تفرج عنه سلطات الاحتلال في السابع عشر من نيسان الحالي ثم تلته الأسيرة هناء الشلبي التي أفرج عنها مقابل الإبعاد إلى قطاع غزة.
وانتقلت موجة الإضراب لتشمل أسرى آخرين منهم من تجاوزت مدة إضرابه الـ50 يوما، ومن بينهم ثائر حلاحلة من الخليل، وبلال ذياب من بلدة كفر راعي بمدينة جنين، وقد تم نقل معظمهم إلى مشفى سجن الرملة، نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية.
الأسرى المضربون عن الطعام يعيدون إلى الأذهان ما قاله الشاعر سميح القاسم :"تعجزين عن تناول الطعام و مقعدي خالٍ..فلا ضحك.. ولا كلام أماه! كم يؤلمني! أنكِ تجهشين بالبكاء إذا أتى يسألكم عني أصدقاء لكنني، أومن يا أماه أومن.. أن روعة الحياة تولد في معتقلي".