الاول من ايار ... في جنين قصص معاناة لاتنتهي
علي سمودي -"عيد العمال ليس لنا فكل الاعياد بالنسبة لنا تتساوى مع باقي الايام الممزوجة بالشقاء والحزن والمعاناة فلا اعياد لنا"...بهذه الكلمات عبر الشاب امين جميل عن رايه في عيد العمال العالمي الذي يحتفل فيه العالم في الاول من ايار، بينما كان يجوب شوارع جنين ليمارس عمله اليومي كبائع قهوة .
ويقول " امارس هذه المهنة منذ 4 سنوات بعد ان فقدوالدي عمله في اسرائيل ورفض سلطات الاحتلال منحه تصريحا فتركت مقاعد الدراسة".
وهو الثمن الغالي الذي دفعه امين هو كما يقول" تركت مقاعد الدراسة رغم كوني متفوقا اضطررت على ان اتخلى عن حلمي بدراسة القانون لانقاذ اسرتي التي تحولت حياتها الى جحيم بعد انضمام والدي لجيش العاطلين عن العمل".
ويتابع " لم يكن لعائلتي المكونة من 8 افراد مصدر رزق اخر ولكوني اكبر الابناء ولعجز والدي عن ايجاد عمل في السوق المحلي فلم يكن امامي خيار سوى التضحية بدراستي ومستقبلي لاضمن حياة ومستقبل باقي اشقائي وجميعهم طلبة في المدارس" .
التضحية الكبيرة
ويعمل امين يوميا لاكثر من عشر ساعات يجوب فيها شوارع جنين يبيع القهوة للمارة ويوزعها على المكاتب ، ورغم حسرته على ضياع مستقبله التعليمي يبدو غير نادم ،ويقول "هذا قدري ونصيبي في الحياة لانه عندما اغلقت كل الابواب امام والدي واصبح الفقر قدرنا والجوع يهدد اسرتنا لم يكن امامي سوى العمل ولو كان بامكاني العمل اكثر لما ترددت لحظة واحدة من اجل واسرتي" .
يوم للعمل
وبينما يعتبر الاول من ايار مناسبة رسمية ويوم عطلة مدفوعة الاجر، فان الشاب احمد جمال سليم الذي يعمل بائعا متجولا غادر منزله في يوم العمال كباقي الايام مبكرا متوجها للحسبة لشراء ما يلزمه من خضار وفواكه ليبيعها على عربته دون ان يفكر لحظة واحدة في عيد العمال ،ويقول "اذا عطلت في عيد العمال فمن سيدفع لي اجرتي ويوفر لي احتياجات اسرتي المكونة من 12 فردا".
ويستدرك قائلا " المعنى الحقيقي للعيد أي عيد وفرحي عندما يكون يوم عملي ناجحا ومفيدا ورابحا".
احمد الذي لا يشارك في الاحتفالات التي تقام بالمناسبة ،يضيف" لا نسمع بعيد العمال الا بالاحتفالات او المهرجانات التي تكثر فيها الخطابات والشعارات ولكن كل ذلك بنظري غير مجدي لان البيانات والخطابات لن توفر مصاريفنا والتزاماتنا "، ويتابع" فعيد العمل بالنسبة لي ليس لعمال فلسطين الذين فرض الاحتلال عليهم ظروفا قاسية وصعبة ومؤلمة فهل يسمع المحتفلين والمدافعين عن حقوق العمال بماساتنا وبظروفنا القاهرة؟" .
ماساة كبيرة
وفي ظل تلك الظروف يعيش احمد وعائلته حياة مريرة، و يقول منذ خمس سنوات عندما طرد والدي من عمله في مصنع في حيفا بذريعة الطوق والحصار فقد حرم من مستحقاته وتعويضاته رغم انه امضى 20 عاما يعمل في نفس المصنع"، ويضيف " والاشد مرارة انه لدى مطالبته الشركة الاسرائيلية باتعابه نصبوا له كمينا واعتقلته قوات الاحتلال وفرضت عليه غرامة باهظة بعد اعتقال لشهر ثم حظروا عليه الحصول على تصريح لدخول اسرائيل".
تاثر الوالد جمال كثيرا جراء ذلك الواقع كونه يعتبر مصدر دخل اسرته الوحيد ، ويقول احمد " وبسبب قلقه وخوفه على اسرتنا اصابه المرض فتركت الجامعة وبدات اعمل بائعا متجولا وحرمت من مواصلة دراستي" .
ارتفاع معدلات الفقر
وتؤكد مصادر النقابات العمالية ان نسبة البطالة في محافظة جنين تعتبر الاعلى على صعيد محافظات الوطن، ويقول رئيس الاتحاد باير سعيد "ان السبب هو ما الحقته الة الاحتلال العسكر ية من دمار في الاقتصاد المحلي وما خلفه الطوق والحصار وجدار الفصل العنصري من اثار سليية طالت مختلف اوجه الحياة وبشكل خاص الطبقة العاملة ".
فالاف المواطنين يعيشون ظروف فقر مدقع بسبب الاوضاع الراهنة لياتي عيد العمال والطبقة العاملة ترزح تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة التي دفعت الكثير من الشبان لترك مقاعد الدراسة والجامعات ولرفع معدلات العمالة في اوساط النساء،فالمواطنة ام احمد رفضت الاستسلام للامر الواقع بعدما عجز زوجها عن ايجاد عمل على مدار عام بعدما فصل من عمله في الناصرة ،وتقول "كنا نعيش حياة هانئة وسعيدة حتى فقد زوجي عمله ولعدم وجود مصدر رزق اخر وبعدما نفذت مدخراتنا وبعت كل ما لدي من مصاغ واصبح مستقبل ابنائي وجميعم طلبة مهدد بالضياع فلم يكن امامي سوى العمل".
ام احمد التي تعمل في تنظيف المكاتب وعدد من العمارات ،تضيف " ورغم انه عمل شاق وصعب فاننا على الاقل قادرين على ان نعيش بكرامة وبحمد الله تجاوزت تاثيرات ذلك على زوجي وابنائي الذين كانوا يرفضون فكرة عملي ".
ظروف عمل سيئة
ويقول رئيس المجلس النقابي رياض كميل "ان نسبة استخدام النساء في العمل في جنين تعتبر مرتفعه جدا خاصة لان ما يحصلن عليه من اجور متدنية واقل بكثير من اجور الرجال".
وتشير العاملات الى انهن يعملن في ظروف عمل صعبة لا تراعى فيها القوانين، وقالت العاملة ام خيري" اعمل 9 ساعات يوميا في معرض للملابس مقابل 500 شيكل شهريا وهي لا توفر ادنى احتياحات اسرتي المكونة من 9 افراد ولكن لا يوجد بديل اخر، اما العاملة هبة فقالت " اعمل في مصنع بمعدل 8 ساعات بشكل متواصل دون تامين او استراحة وحتى احرم من الاجازات براتب يبلغ 500 شيكل "واضافت "حتى في عيد العمال لا يوجد لنا عطلة واي اجازة تخصم من راتبي".
مأس يومية
في المقابل ،فان قطاعات واسعة من المواطنين تعيش ماساة البطالة التي تلقي بظلالها على حياة اسرتهم في ظل عدم توفر أي فرص للعمل او مساعدات تخفف عنهم ،وقال المواطن مراد توفيق" اعيش اسوأ لحظات عمري لاني عاجز عن ايجاد عمل ومحاصر بالديون منذ فقدي لعملي في الخصيرة".
ويضيف " يوميا ابحث عن عمل ولكن دون جدوى و اتمنى ممن يحتفلون بعيد العمال ان يشعروا بمعنى عجز الانسان عن توفير رغيف خبز ابنائه وتوزيع ما ينفق للمهرجانات والخطابات التي لا تغني ولا تسمن من جوع علينا لتسد رمقنا". اما جواد يوسف الذي حاول التغلب على البطالة بالعمل عتالا في حسبة جنين، فقال" رغم انني لم اكن لاشارك لو تلقيت دعوة لحضور أي مهرجان بمناسبة عيد العمال لانه مضيعة للوقت وغير مجدي لعامل فقير مثلي ولكن على الاقل لو تذكرني القائمين على تلك الاحتفالات لشعرت بالفرح لان احد ما زال يذكرنا ونحن نتجرع المرارة بكل اشكالها" ويضيف "منذ طردي من عملي في حيفا لم اجد عملا وتوجهت لكل المؤسسات بحثا عن مساعدة لكن دون جدوى لذلك اتساءل اذا كان الاول من ايار مخصص للعمال وتكريمهم فما الجدوى من احياءه دون عمال وفي ظل معاناتنا التي تجاوزت كل الحدود ".
ويؤكد باير " ياتي عيد العمال ولا زالت الطبقة العاملة تعاني بشكل كبير لذلك فان اتحاد النقابات يضع على راس اولويات توفير برامج دعم ومؤازرة للعاطلين عن العمل اضافة لتوفير فرص عمل كريمة لهم "، واضاف " هناك جهد كبير نبذله لمنع استغلال العمال وتحديدا النساء وضمان عملهم وفق القانون والوحدة القانونية تتابع أي شكاوى تقدم لها لاننا نرفض امتهان كرامة عمالنا واستغلالهم ".