بين اعتداءات المستوطنين والجيش... مزارعو وادي قانا يدفعون الثمن
عهود الخفش - يسير في شارع ترابي عريض .. يحمل زوادته .. يمشي مسرعا.. هناك من ينتظره إنها مدينته ..رحلة قصيرة ولكنها عسيرة شاقة, مليئة بالخوف والقلق.. في زاوية الشارع هناك تقف دورية الاحتلال, يتربص أفرادها كالوحوش .. مسافة قصيرة ويصل ! يشعر بالأمان, رأى ما يجب أن يراه إنها أشجاره .قانا التي تنام على هم كبير تصحو على هم أكبر .. يلتقط الأوراق المعلقة على الأشجار, مصدرها الاحتلال, إنها إخطارات, لاقتلاع ما قام بزرعه قبل أعوام, والسبب أنها منطقة محمية طبيعية ...ينتشر الخبر.. العيون ترقب والأيدي تلوح بقبضتها في الهواء ..لا نسمح بهذه التفاهات .. واقع مؤلم وصورة قاتمة يرسمها الاحتلال الإسرائيلي بريشته العنصرية, ألوانها قهر وحرمان المزارعين من أراضيهم, في وادي قانا في محافظة سلفيت , مأساة عانت الكثير .. وحكايات تسرد الكثير عن محاولات لسلب الأرض وتشريد أصحابها
نبذة عن وادي قانا
تنهد رئيس بلدة ديراستيا نظمي سلمان , وبدت عيناه وكأنهما تحدقان بمكان بعيد, بنظرات بها مسحة من الحزن, عند توجيه سؤال له عن وادي قانا قائلا": يقع وادي قانا في المنطقة الشمالية الغربية من بلدة ديراستيا ويحيط به من الجهة الشمالية قرى جينصافوت, كفر لاقف, وعزون ومن الجهة الغربية تحيط به سنيريا ، كفر ثلث ، ومن الجهة الجنوبية ،قراوة بني حسان ، ومن الجهة الشرقية ، اماتين وديراستيا ومعظم أراضيه يمتلكها مزارعون من بلدة ديراستيا.
وتبلغ مساحة أراضيه ما يزيد عن 10 آلاف دونم ، وفيه 11 عين مياه تم تدمير اثنتين من قبل الاحتلال .
ويضيف "يشمل وادي قانا كل الأراضي الممتدة من عين وادي المعاصر إلى الحفاير, ونهاية حدود وادي قانا غرباً وكل الأراضي الممتدة على جانبي الوادي والجبال المشرفة على الوادي وكذلك الطرق المؤدية إليه من كافة الجهات الأربعة، وكذلك كافة مصادر المياه المتمثلة بمجموعة الينابيع والعيون.
وبصوته المتحشرج يضيف سلمان " أقيمت على أراضي الوادي وعلى الأراضي المطلة عليه 6 مستعمرات من الشرق "عمانوئيل" , ومن ناحية تطل على الوادي وتحاصره ممستوطنات "يا كير" ومستعمرة "نوفيم", ومن الجهة الشمالية تحاصر المستعمرات الثلاث "كرني شمرون، وجنات شمرون ومعالي شمرون" ، تحاصر هذه المستعمرات الثلاث الوادي من ناحية الشمال"
ويكمل حديثه "تم تغيير اسم وادي قانا الى " ناحال قانا" وتم وضع إشارة على المدخل الرئيسي للوادي, كتب عليها بالعبري والانجليزي, إضافة الى ذلك , قبل أيام اصدر الجيش الإسرائيلي أوامر باقتلاع ما يقارب 1500 شجرة زيتون بحجة أنها منطقة محمية طبيعية, ولكن الهدف منها "يريدون اقتلاع الوجود الفلسطيني من هنا".وفي المقابل لا نقف مكتوفي الأيدي وسنقوم بمتابعة هذا الإجراء من خلال الاعتراض على هذا القرار, واستمرار حملة التضامن مع المزارعين في وادي قانا وتسليط الأضواء على الواقع الذي يعيشه المزارعين نتيجة لإعلان وادي قانا كمحمية طبيعية من جانب واحد , وهذا يتطلب فضح سياسة الاحتلال المزدوجة تجاه المحمية الطبيعية إذا أن إجراءات الاحتلال تطبق فقط بحق المزارعين الفلسطينين أصحاب الأراضي الخاصة, بينما يسمح للمستوطنين القيام بأي أعمال بما فيها بناء مستعمرة كاملة هي "نوف قانا" على أراضي المحمية الطبيعية وفقا للخراط المعلنة من قبل الإدارة المدنية
ويكمل سلمان متسائلا" هل سبق أن أعلنت دولة الاحتلال أي محمية طبيعية على أراض يملكها مواطنون, لماذا لم تأخذ دولة الاحتلال بعين الاعتبار لملكيات الخاصة , بمعنى أن سياسة الاحتلال لتهويد وادي قانا بدأت منذ الإعلان عن المحمية الطبيعية, وبعد ذلك أصبح هناك حزام استيطاني عدد 8 مستوطنات إضافة إلى ذلك السيطرة على ينابيع المياه".
حلوة أم الوادي
امرأة بشرتها بلون الفل , التقينا بها في بيت صغير في الوادي , ترتدي الثوب الفلسطيني وتضع حزام على وسطها.. وشالا ابيض على الرأس.. شارفت على الخمس والثمانين من عمرها .بصوتها الحزين , وبحروفها التي تلتفظ باختصار سنين القهر ووحشية الغاصب وعنجهيته, وبكلماتها المتقطعة التي تحطم سدود الظلم التي يبنيها العدو في أراضيهم المعروفة ب"أم الوادي "اسمها كصفتها إنها "حلوة الخطيب " تتحدث إلينا قائلة": تزوجت وعمري 13 عاما, أنجبت 12ولد كلهم في الوادي, وقمنا بتربيتهم ورعايتهم من خلال العمل في الزراعة, وتضيف "ما شاء الله زوجناهم ولدي ما يقارب المائة حفيد "
ما أجمل عندما يتحدث الشخص عن محبيه, وما أصعبها من لحظات , عندما يفتقد من تقاسم معه الحياة بحزنها وسعادتها وشقائها , بتنهيدة الاشتياق تستكمل الحاجة حلوة حديثها قائلة ": توفي زوجي عام 2002 وهو يعمل في زراعة الأشجار, عشنا معا في الوادي, بغرفه صغيرة بين الأشجار في بياراتنا ولغاية ألان أتي إلى هذا المكان وأنام فيه لأعيش الذكرى, احن إلى العيش هنا , بالرغم من وجود منازل لأبنائي في بلدة ديراستيا, وتكمل "عمري قضيته هنا وبين الأشجار, حبي لهذا المكان ليس له حدود , فكيف اتركه؟
بيدها أخذت تؤشر على جدار الغرفة لتصمت, وكأنها تستذكر شيئا ,ثواني تعود لمحادثتنا فتقول": أترين هذه الملابس المعلقة إنها ملابس ودماية زوجي, ولغاية ألان منذ 12 عام ولم اغسلها , ما زالت رائحته فيها وما زالت تراب أرضه تعلق بها , وكل فترة نقوم بمحاكاته من خلال احتضان الملابس وشم رائحتها والتي تشعرنا بوجوده بيننا , ما زالت الأيام الماضية تعيش في ذاكرتي لا تغيب عن بالي ,
وتضيف "ما في أجمل من تلك الأيام كانت منطقتنا مؤهلة بالسكان, وكان بيتنا مرتعا للضيوف حتى من جاء من عرب ال 48 , فعاشوا في الوادي, فترة طويلة وبعدها انتقلوا إلى أماكن اختاروها سكنا لهم , ومن الذين ولدوا وتربوا في الوادي عبد الرحيم ملوح"
وبدون توجيه سؤال لها عادت تحدثنا عن معاناتها مع الاحتلال الإسرائيلي قائلة":خلال عام 2010 تعرضت لحادثة من قبل المستوطنين الذين تهجموا علينا ونحن في أراضينا فقاموا برمي ورق العنب من يدي وضربي بحجر على ظهري , وتم توجيه ألفاظ بذيئة لنا, وطردنا من أرضنا إضافة إلى ذلك قام الجيش باقتلاع 20 شجرة زيتون لنا , وقبل أيام قاموا بتوجيه إنذارات لاقتلاع 150 شجرة زيتون, بحجة ان الواد منطقة محمية طبيعية , وتضيف" شو ما عملوا فينا المستوطنين وشو ما عملوا اعتدوا علينا لم اترك هذا المكان إلا على قبري وخروجي من الواد يعني خروج روحي " وتنهي الحاجة حلوة حديثها بالمطالبة قائلة":على جميع المسئولين, واخص بالذكر عبد الرحيم ملوح الوقوف معنا ومساعدتنا"
واد قانا الفردوس المفقود
التقينا بالمزارع بلال منصور ويعمل موظفا في التربية والتعليم , تحدث إلينا عن وادي قانا قائلا" قبل عام 1967 كان عدد السكان في واد قانا ما يقارب 420فردا ,وبداية السبعينات أصبح يقل عدد السكان تدريجيا من اجل تعليم الأبناء من جهة ومن المضايقات التي يتعرض لها المزارعين من المستوطنين من جهة أخرى , وفي عام 82 تم صدور قرار بان واد قانا منطقة محمية, ونتيجة الجهل بالنسبة للمزارعين لم يحتجوا, إلى أن أصبح قانون وينفذ من قبل الاحتلال وهذا يعني ممنوع الزراعة فيه , وأصبحوا يسربوا قطعان الخنازير والحيوانات البرية مما اثر على المزروعات, ناهيك عن اعتداءات المستوطنين باستمرار, بيارات تزرع أكثر من مرة ويتم اقتلاع الأشجار, إضافة إلى الاعتداء على المزارعين أنفسهم, ومنهم والدي الذي تعرض للضرب وعلى اثرها تم نقله للمشفى بتاريخ2/7/2010, فالاعتداءات مستمرة بحق المزارعين"
وعن المزروعات تحدث منصور حديثه قائلا": قبل عام 1948 كانت المزروعات في وادي قانا تقتصر على المحاصيل الحقلية والخضروات إلى أن جاء الفلسطينين من يافا وحيفا الذين تم تهجيرهم سنة 48, ونقلوا فكرة زراعة الحمضيات الى الواد,إلى أن أصبح أكثر من خمسين دونما مزروعا بالحمضيات وبعدها أصبح المزارعين يقومون بزارعة أشجار الزيتون "
ويكمل منصور حديثه " خلال وظيفتي في التربية والتعليم أقوم بتوجيه التربية إلى أن تكون الرحلات المدرسية لوادي قانا, ولكن للأسف أن هذه الرحل تمنع من قبل الجهات الرسمية, بحجة انه السلامة العامة غير متوفرة, بينما والشيء الغريب في الموضوع أن الاسرائيلين ينظمون رحل للأطفال الذين أعمارهم ما بين 3-5 سنوات ومعهم حاخامات ليشرحوا لهم أن هذه منطقة إسرائيلية تفصل بين يهودا والسامرة
وينهي منصور حديثه قائلا":بتوجه رسالته للمسئولين قائلا":اخص دعوتي الى رئيس الوزراء ووزيرة التربية والتعليم أن يتم توجيه الرحل المدرسية إلى منطقة واد قانا باعتبار موقعه الجغرافي المتوسط والخلاب ,
بصوته الذي يعبر عن غضبه وشفتاه المتشقة يتحدث المزارع أبو خالد قائلا": اعمل في الزراعة في وادي قانا منذ 40 عاما ومنذ ذلك واعتداءات المستوطنين مستمرة بحقنا وبحق أشجارنا , لم يتركوا شيئا إلا واستخدموه من اجل مصادرة الأراضي, تحت مسمى انها "منطقة طبيعية محمية", فقاموا باقتلاع الأشجار أكثر من مرة, وكنت اقوم بزراعة البيارة مرة اخرى, إضافة الى ذلك قاموا بتقطيع البرابيش اكثر من مرة التي يتم من خلالها توصيل المياه للمزروعات , ووضع السكر في "ماتور" المياه من اجل تخريبه , ولم يتوقف الحال عند هذا الحد بل مارسوا ضدنا اعتداءات من خلال تسريب قطعان المستوطنين بين المزروعات لتخريبها,وكذلك تواجدهم في أراضينا والاعتداء الجسدي علينا , ويضيف "اخر اعتداء يأمروننا باقتلاع أشجار قمنا بزراعتها بأيدينا, ولكن لم نقوم بذلك وسنبقى صامدون أمام عنجهيتهم وتعسفهم ولم نقوم باقتلاع أي شجرة مهما كان الثمن "