"يا تكسي الالام" سيارات باتت "مضافات" للبوح وتوزيع الهموم في الشوارع
في غزة التي يلفها الحصار والتعطل، فان الهموم التي تنام مع أصحابها ليلا تنهض معهم وترافقهم كظلالهم؛ حتى داخل السيارات التي تطوف الشوارع محملة بهم.
هنا في غزة ثمة طرافات كثيرة ممتلئة بالسخرية السوداء، أحدها أن سائقا ظريفا تبادر إليه ذات مرة لو أن الجهات المختصة بترخيص السيارات تجيز تحويلها إلى مضافات بـ"الفراش العربي"؛ فهي من جهة، ستتحول إلى أمكنة أكثر أريحية لتبادل القصص و"الفضفضة"، وأيضا..تفتح بابا أوسع للرزق إذا ما غرق ركابها في تبادل همومهم و طلبوا إطالة المسافات إلى حيث يذهبون.
التي رغبت بإلتقاط ما تيسر من هموم الناس المتجولة في الشوارع؛ مشيا على الأقدام وفي السيارات التي غدت أقرب إلى مقاهي أو "مضافات" متحركة، إلتقطت ثلاث قصص نموذجية تشي بالوطأة الثقيلة للحصار:
1- أبو عماد "المكيّف"
"أبو عماد"، سائق السيارة الـ"سوبارو" وتجاوز عتبة الخمسين بعامين فقط، لم يرق لـ"أبوكايد" الذي كان مسترخيا على المقعد الخلفي في سيارته؛ حينما قال أن "أزمة النفط" التي تعرقل تنقل السيارات زادت من صعوبات الحياة، إلى درجة أنه وسائقون كثر غيره ما عادوا قادرين على تدبر طبخة اليوم لأولادهم - يعرف، ومع ذلك – كما قال: الركاب "لايعجبهم" و يتذمرون من دفع مبلغ 2 شيكل.
"إنهم يفكرون كما لو أن البنزين ببلاش"، قال أبوعماد "رجل الأعمال المتعطلة" منذ تحصل على شهادته الجامعية في "إدارة الأعمال" عام 2003.
"أبو كايد" الذي تبرم من تذمرات "أبوعماد" إلى درجة الرد عليه بأن "السواقين أكثر ناس مكيفين، وبياخدوا 2 شيكل للمشوار من شارع لشارع"، لم يكن يعلم أن مداخلته كانت كافية لتحويل تذمر الأخير إلى حالة غضب: "تعال اقعد مكاني وجرب اشتغل ولما يخلص البنزين إقف على المحطة 8 ساعات؛ مشان تقدر تعبي شوية بنزين تكفيك ليومين وإلا يا عيني لما تقف كل هالوقت ولما يصلك الدور يقولك صاحب المحطة خلص البنزين".
لولا محمد الذي كان يرافقهما "المضافة" وطلب منهما تغيير الحديث في اللحظة الملائمة، لكان تبادل الهموم أنتهي على نحو مختلف.
2 – ورود بنكهة الدموع
المرأة الطاعنة في العمر التي كانت غير قادرة على النهوض من "القعدة" قبالة اتحاد الكنائس في غزة، قالت للشاب الذي غادر المقعد الأمامي من السيارة وأخذ بيدها إليه؛ كي ترخي عليه التعب: "الله يرضى عليك يا ابني، الله لا يرمي حدا ويموت الواحد منا بصحته".
سائق السيارة الذي رد عليها بأن "الله يعين يا حاجة، ولازم نصبر"، لم ينتبه إلى دمعة لمعت في عيني احد الركاب، ولا إلى تنهدات مكتومة من راكب آخر، بينما لم يعرف الشاب الذي أعطاها مقعده و غادر السيارة قبل أن تنتهي الحكاية – لم يعرف أن المراة المثقلة بالتعب تعمل مطرزة للورود على الملابس مقابل 600 شيكل في الشهر.. ستمئة شيكل فقط؛ لكي تعيش ما تبقى لها من عمر دون الحاجة إلى صدقات من أحد.
عندما يصبح صوت "أم كلثوم" حراما
الشاب الغزي "فتحي رضوان" الذي كان يتجول بسيارته مستمتعا بصوت أم كلثوم في "يا مسهرني" أثناء كان "يمشط" شارع عمر المختار لـ"القبض" على أي رجل أو إمرأة يرغب في الأنتقال بواسطته، إصطادت عيناه، رجلا عجوزا كانت وجهته إلى "حي الشجاعية".
العجوز الذي زجره لأنه غارق في الحرام بسماعه لـ"أم كلثوم"، ما كان يدري أنه ما يزال قادرا كما الآخرين.. على الضحك من القلب.
"ما كان بدري"، حتى إستبدل السائق رضوان صوت أم كلثوم بـهيفاء وهبي وهي تتمطى بغنج: "رجب .. شيل صاحبك عني.