ولا يزال الدّخان الأسود يهب على "إذنا"
غسان عبد الحميد- يستعد رشاد الطميزي و نشطاء آخرون في لجنة محلية لـ"مقاومة" حرائق الخردة التي تنقث دخانها على بلدة إذنا، هذه الأيام، لتنظيم حملة تطوعية وتنظيف الربيع في مواقع كانت للتنزه و تحولت "وطنا للسخام" !
في إذنا غرب الخليل يصعب التقدير عدد مواطني البلدة الذين لا يزالون مجبرين على إغلاق نوافذ بيوتهم كي لا يدخلها " هواء العصاري " الملوث بالدخان الأسود، مع أن الظاهرة – كما قال الطميزي – قلّت عما كانت علية العام الماضي بنسبة 50 في المئة بفضل تعاون الشرطة و الجهات المختصة.. غير أن " وادي أبو الخيل" و منطقة "البص" المحاذيين لجدار الفصل الذي تقيمه قوات الإحتلال على مسافة تقل عن كيلو متر واحد من بيوت المواطنين " تحولا إلى ملاذ لعدد غير قليل من الحرائق المتجددة...
خلال تموز الماضي ، ضبطت كاميرا الناشط بجمعية تنمية الشباب في إذنا رشاد الطميزي، في يوم واحد، 14 حريقا وهي تنفث كتلا ضخمة من الدخان الأسود في الهواء ، كما لو أن بعضها نجم عن قصف لآبار نفطية، فيما الظاهرة التي تشهد تراجعا ملموسا عما كانت عليه، لا تزال تؤرق المواطنين ، ولا تزال ، ايضا ،في حاجة إلى المزيد من الجهود ؛ لكي يستطيع المواطنون ، سيما اولئك المقيمين على الروابي المطلة على الجدار، فتح نوافذهم الموصدة معظم المساءات، باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة والممكنة لمنع الهواء الخانق من التسرب إلى داخل المنازل.
في إذنا ، لاسيما على الأطراف الغربية المحاذية للجدار والقريبة من "حاجز ترقوميا"، حيث الطرق الزراعية التي تصل المواطنين بحقولهم .. لا يمر الأسبوع دون 3 أيام ( على الأقل ) تضرم فيها الحرائق لاستخراج النحاس والألمنيوم من الكابلات المغلفة بالبلاستيك وشاشات الكمبيوتر والأجهزة الكهربائية المتنوعة، فيما ينتشر على نطاق واسع في المساحات الفارغة التي يفترض أنها مناطق للتنزه وتنفس الهواء النظيف ، أكوام من بقايا تفكيك الخردة من المطاط و " الكاوتشوك " و حطام شاشات الحاسوب ، وأيضا بقع الزيوت المتسربة من قطع السيارات.
كتل الدخان الأسود التي تتبدد على واجهات المنازل ويتنفسها الناس في إذنا و القرى المجاورة غرب و جنوب غربي الخليل، يطلقها رجال وفتية التحقوا بتجارة الخردة يصعب حصر تعدادهم ، على أن الحرائق الأضخم والأكثر ضررا يجري إضرامها في مساحات مفتوحة مزروعة بالزيتون و المحاصيل الحقلية، ما يشكل تهديدا جديا لخصوبة التربة وخضرة الأشجار.
محمد عيسى محاسنة المسؤول في سلطة جودة البيئة ، أشار في لقاءات نظمت للتداول في سبل مواجهة حرائق الخرده إلى أن الجهات المسؤولة وذات العلاقة "متقاعسة" في تخليص المواطنين من الظاهرة التي تبقى تأثيراتها الممرضة بالارض والهواء والمياه لعشرات السنين.
محاسنه ، وهو من سكان إذنا حيث تتواصل " كارثة الدخان الأسود " كما لو أنها قدر يتعذر صده، يشير إلى أن أعدادا متزايدة من الأطفال منخرطين في مهنة تجميع وبيع الخردة وحرقها لاستخراج ما تحتويه من النحاس والحديد والألمنيوم، بغرض الحصول على" قروش " قليلة، لافتا إلى أن هؤلاء الأطفال يتعرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي والتهابات المفاصل ، وما يمكن أن يتبع ذلك من أمراض قاتلة كالسرطان نتيجة استنشاقهم لدقائق " الدايكوسين " الكيميائية السامة .
مواطنون متضررون وناشطون في مواجهة " حرائق الخردة " التي تندلع دون إنذار مسبق، لا سيما في ساعات المساء ، قالوا أن إستمرار الظاهرة ، في ظل غياب قوة ردع حقيقية لمشعلي الحرائق ، من شأنها أن تهدد السلم الأهلي ؛ إذ يهدد مواطنون من المقيمين في أطراف البلدة حيث يتم إشعال النيران في آلاف الأطنان من الخردة بصورة متكرره "بأخذ القانون باليد" !
لمواجهة " غمام الصيف الأسود " كما يسميه مواطنون في إذنا، قال الناشط الطميزي أن الناشطين ضد محارق الخردة سيواصلون جهودهم ، بما في ذلك، لتنظيف امكنة بعض المحارق و زراعتها بالاشجار ؛ لعل الربيع يعود إلى بعض الروابي دون أن يطاله سواد الحرائق.