للمرة الرابعة والستين يزهر الصبار
حمزة الحطاب
للمرة الرابعة والستين تزهر أشجار الصبار، وتزهو بلونها الأصفر في مخيم الفوار الواقع إلى الجنوب من الخليل، لتبقى من أبرز معالم المخيم، فأيمنا تدير بصرك تجد أشجار الصبار تحمل ألواحها وأشواكها وتتراص وتتزاحم بجانب بيوت قاطني المخيم، معلنة مشاركتهم صبرهم في بعدهم عن ديارهم.
يقول عادل غنايم عضو اللجنة الشعبية في المخيم عن شجر الصبار، "منذ اللحظة الأولى التي وطيء فيها أباؤنا وأجدادنا أرض المخيم؛ زرعوا أشجار الصبار، وذلك للدلالة على صبرنا في الغياب عن أرضنا".
ليس ببعيد عن شجر الصبار منزل الحاج حسين عوض، الذي تنهد طويلاً في بداية حديثه عن اليوم الذي خرج فيه من الديار، ليقول آنفاً: "هجمت عصابات اليهود على القرى المجاورة، وسمعنا بنبأ اقترابهم من قريتنا صمّيل، لم يلبثوا أن وصلوا إلينا، قتلوا في ذلك اليوم خمسة من أهالي القرية، وبقي في القرية سبعة من كبار السن، سمعنا لاحقاً أنهم قتلوا ايضاً".
ويضيف عوض "لجئنا لقرية إذنا في الخليل، وبعدها جئنا لمخيم الفوار مخيم الشتات، تركنا كل شيء، لم يتوقع أحد أن يطول غيابنا،وأن تأتي السنوات تلو السنوات ونحن خارج الديار".
وفي سرده لأحداث خروج اللاجئين عن ديارهم قص عوض ما حصل معه في ذلك اليوم "بعد مغادرتنا للقرية تذكرت إحدى زوجات عمي أنها نسيت ابنها الصغير في سريره داخل البيت. عندها طلبوا مني العودة لإحضاره لخفتي وسرعتي. كان عمري حينها عشر سنوات، توجست في البداية من العودة لأن صوت الرصاص كان يملأ المكان، لكنني انطلقت لبيت العيلة حيث كان الطفل، كانت الصيصان الصغيرة والحمام ضاجرة من صوت الرصاص، وجدت الصغير يبكي وقد غادر فراشه، أحضرته وعدت، أعطيت الصغير لأمه، ليستشهد في العام 1982 في جنوب لبنان".
اغرورقت عينا الحاج بالدموع، ومن جديد تنهد وتابع حديثه عن العيش بقريته صميّل، وقال: "كنا فلاحين نزرع الخضراوات، والشعير والذرة، ورغم فقرنا إلا أننا كنا سعداء بأرضنا، نعيش بسلام مع أهلنا. كانت بيوتنا دائما عامرة بضحكاتنا وجمعاتنا، أما الآن فقد فرقتنا النكبة وأصبحنا مشتتين في المخيمات".
وتابع عوض " الآن وبعد 64 عاماً على النكبة، هل يعتقد العالم أننا نسينا أراضينا وقرانا؟ نحن نعلم أولادنا أننا نقيم في مخيمات المنفى قصراً، إلى أن نعود لديارنا. نحن ننام ونصحوا على حلم العودة".
ويؤمن عوض بأن العيش في المخيم منفى وغربة، إذ لا توجد مقارنة بين الحياة في القرى التي هجر أهلها منها، والعيش في المخيم.
بالقرب من بيت الحاج عوض منزل الحاجة عائشة جبريل اللاجئة من قرية عراق المنشية والتي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة غزة، والتي كان لها زيارة لقريتها مع أحفادها وتقول: "عرفت أولادي وأحفادي بمكان بيتنا في قريتنا التي دمرها اليهود لإخفاء معالمها، ولكن الشجر والبساتين مازالت كما هي".
وأضافت "عندما زرت القرية طار قلبي. أخذت ازغرد وأبكي في نفس الوقت".
من ثم انشدت الحاجة "فلسطين بلادنا وإحنا بُناها .. مثل الأم ترأف على بناها .. فلسطين ما بتروح ولا بننساها .. تخسى دولة باسم اليهود".
وأكدت الحاجة أنها تعزز مفهوم حق العودة في الجيل الجديد عن طريق سرد روايات وحكايات التشرد والعذابات التي ألمت بهم عام النكبة، وتزرع في نفوسهم وتذكرهم بحقولهم وبساتينهم وأملاكهم التي حرموا منها، وترسخ في أذهانهم حتمية العودة مهما طال الزمان، لكي تسقط مقولة بن غريون "أن الكبار يموتون، والصغار ينسون"، وتعلمهم أيضا أن وجودهم في هذه المخيمات مؤقت، وأن حق العودة مقدس، لا يمكن أن يساوم عليه أحد.