بالصور- هاني جوهرية وإبراهيم ناصر وحافظ الأسمر... دفعوا حياتهم ثمنا للصورة
زلفى شحرور
هاني جوهرية، وإبراهيم ناصر "مطيع إبراهيم"، وحافظ الأسمر "عمر المختار"، ثلاثة من مؤسسي السينما الفلسطينية، استشهدوا وهم يقومون بواجبهم المهني والوطني، مضوا وهم يعملون على توثيق الحقيقة ونقلها للعالم الخارجي في مهمة مقدسة على مستوى الوطن وعلى مستوى المهنة، وهدفهم الأسمى كان الحقيقية.
غاب ثلاثتهم عن الحياة الثقافية والإعلامية الفلسطينية جسدا، لكن مهنيتهم وروحهم الوطنية العالية ما زالت تدل عليهم .. تدل على إيمانهم المطلق بحق شعبهم في الحياة وفي وطن ودولة، وحياة كريمة كباقي شعوب الأرض.
الثلاثة جمعهم قدر واحد.. ثلاثتهم دفعوا حياتهم ثمنا لمقطع سينمائي أو صورة تكون شاهدا على همجية الاحتلال، جميعهم استشهدوا وعيونهم على عدسة كاميراتهم. مضوا لكن آثارهم وإنتاجهم ما زال حيا ولا يزال يُستخدم بعد كل هذه السنوات، وما تزال ذكراهم حية في وجدان أخوتهم وشعبهم.
استشهد ثلاثة من قادة المؤسسة .. لكن مؤسسة السينما والتصوير و"وفا" التي ورثت هذه التجربة ظلت حية ونابضة.
حكاية استشهاد إبراهيم ناصر وحافظ الأسمر
استشهد ناصر والأسمر في 15/3/1978 خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وحسب رواية كل من يوسف القطب وتوفيق خليل "أبو ظريف" للحكاية التي عاشا تفاصيلها وكانا من أبطالها، فإن فريقا مشكلا من ستة مصورين، أربعة منهم مصورو سينما واثنان مصورا فوتغراف نحو الجنوب اللبناني لتوثيق الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في 13/4/1978، ووصلت السيارة إلى ما قبل منطقة تبنين واتفقا على التحرك بسيارة واحدة بسبب شدة القصف حتى وصلوا جميعا إلى منطقة صف الهوى، وكان فيها الكثير من الدمار وبدأ الفريق بالتصوير.
رصدتهم الدبابات الإسرائيلية وهم يقومون بتصويرها وبدأت بالتقدم نحوهم،عندها تقدمت دبابة من اتجاه آخر وبدأت بالقصف باتجاه الفريق، وبسبب كثافة القصف أخذ الفريق قرارا بالانقسام إلى مجموعتين.
وبالفعل اتجه كلا من المصدر والقطب وأبو ظريف نحو الجهة العليا من المنطقة، وناصر وحافظ ورمزي الراسي الطالب في بريطانيا ويعمل لدى وكالات أجنبية نحو أسفل المنطقة، وصار الفريق الأول خلف الجبل ولم يعد هدفا للرماية المباشرة.
عاد الفريق الأول بعدما أنهى عملية التصوير إلى نقطة التجمع، وظل إبراهيم في النقطة التي تم الاتفاق على التجمع فيها، وقام القطب وأبو ظريف باللف حول المنطقة بحثا عنهم، وكانت الدبابات الإسرائيلية بدأت بالاقتراب أكثر من المنطقة، وسمع المصدر من أحد سكان المنطقة عن قصف ميناء صور بالطائرات فتوجه الفريق إلى هناك للتصوير، ومن ثم عاد إلى بيروت لتحميض الصور وتوزيعها والاطمئنان على رفاقهم، وبعد تأكده من عودتهم أبلغ ماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الموحد بما جرى.
وطلب أبو شرار من المجموعة العودة ثانية للبحث عن المفقودين وأعطاهم سيارة حديثة تعود ملكيتها لرئيس وكالة "وفا" حينذاك زياد عبد الفتاح، وعادوا باتجاه الجنوب لكنهم لم يتمكنوا من إكمال طريقهم بسبب قصف طيران الاحتلال للشوارع ولأي ضوء يسير عليها.
أخفوا سيارتهم بين أشجار الزيتون وحاولوا النوم ولم يستطيعوا بسبب برودة الطقس، ومع بزوغ الفجر تحركوا باتجاه صف الهوى، وفي الطريق شاهدوا الكثير من الدمار والسيارات المحترقة والدماء على الشوارع، وكان أهل المنطقة يفرون منها على أمل النجاة بأرواحهم.
وصلوا إلى قرية تبنين وكانت فارغة من أهلها وأكملوا طريقهم نحو صف الهوى، أوقفوا سيارتهم وانتشروا بين الجبال وبدءوا بالتصوير، وتقدم أبو ظريف بالسيارة قليلا لتكون طائرات العدو له بالمرصاد وقامت بقصف السيارة وهرب أبو ظريف من السيارة لكنه أصيب في بطنه.
حملوا أبو ظريف إلى قرية تبنين لتقديم الإسعافات الأولية له في عيادتها المحلية وقيل لهم يجب نقله للمستشفى، وحاولوا الحصول على سيارة دون جدوى، وبعد ساعتين شاهدوا شخصا يتابع تحرك الدبابات الإسرائيلية من منظاره طلبوا منه المساعدة واستجاب ولكن بعد انتهاء مهمته.
وبالفعل انطلقوا الأربعة بالسيارة أبو ظريف والقطب في المقعد الخلفي والمصدر مع السائق في المقعد الأمامي.
وما أن تحركت السيارة حتى كانت طائرات العدو لها بالمرصاد، وبدأت برميها برشاشات "الثمان مئة" ليصاب السائق برصاصة بظهره تفجرت في بطنه، وأصيب القطب في ظهره ويده وأصيب أبو ظريف مرة ثانية بيده، وأصيب المصدر بصدمة أقعدته مكانه من هول المنظر وهو يشاهد أمعاء الرجل تتحرك أمامه، ولم يتحرك إلا بعد أن غادر القطب وأبو ظريف السيارة زحفا من النافذة الخلفية باتجاه ملجأ خبئت به سيدة من القرية قطيع أبقاره فيه.
ويبدو أن القصف تسبب بهياج البقر التي بدأت بالتدافع ،ما أخرج المصدر من صدمته وانبرى للدفاع وحماية أخوته المصابين، لحين جاءت صاحبة القطيع وقامت بتهدئته وذهبت لإحضار الشاش لإسعافهم.
حاول المصدر إيقاف سيارة لنقلهم لكن جهوده ذهبت عبثا بسبب كثافة القصف ومحاولة كل شخص النجاة بحياته، حتى مرت سيارة عسكرية تابعة لجيش لبنان العربي المنشق عن الجيش اللبناني وافقت على نقل أبو ظريف ورفضت نقل القطب لأن السيارة مكشوفة من الخلف، وأصر المصدر على نقل الجميع.
وبالفعل تم نقلهم إلى مستشفى صور والذي حولهم بدوره إلى مستشفى صيدا ومنها لمستشفيات بيروت لينتهي بهم المقام في مستشفى الجامعة الأمريكية، وتماثلوا فيه للشفاء.
وظل مصير الفريق الثاني مجهولا لأشهر، حتى ظهرت الحقيقية كما جرت، وعلى لسان رمزي الذي أفرج عنه بعد أشهر من اعتقاله.
وفي الحكاية .. أطلق العدو نيرانه على الفريق أثناء محاولته الاختباء من ثلاث دبابات وهرب ناصر والأسمر ورمزي إلى ملجأ يبعد حوالي ثلاثين مترا عن سيارتهم.
ومن ثم أخذت الدبابات الإسرائيلية بإطلاق نيرانها على الملجأ، وأخذت طائرات العدو بتمشيط المنطقة، لم يستسلموا للقصف، وأطل إبراهيم وعبد الحافظ بعدتهم للحرب ليصورا، فتعرضا من جديد لنيران مدفعية العدو ما أدى إلى إصابة الشهيد إبراهيم إصابة بالغة أدت لقطع رجله وحاول الفريق الاستسلام، ولم تسعفهم مهنتهم رغم إعلانهما وتكرار هذا الإعلان أنهما مصوران صحفيان وجريحان، وخرج من خلف الدبابة جنود مشاة وقاموا بإطلاق النار عليهم بغزارة، ما أدى إلى استشهادهما واعتقال رمزي الذي ظل مختبئا في ملجئه.
نبذة عن حياة الشهداء الثلاثة
هاني جوهرية:
استشهد مؤسس السينما الفلسطينية هاني جوهرية في الحادي عشر من نيسان عام 1976، وتوجه يوم استشهاده بصحبة عدد من الكتاب الفلسطينيين نحو جبال عنيطوره اللبنانية لتصوير مشاهد من الحرب الأهلية لإنتاج فيلم يصور فيه نضال القوى الوطنية واللبنانية ضد القوى الانعزالية وقوات الاحتلال، اندفع هاني لتصوير مشهد استفزه ولم يأبه لتحذيرات المرافقين له لتوقفه قذيفة إصابته بصورة مباشرة.
ولد هاني جوهرية عام 1939 في القدس، ودرس فن التصوير الفوتوغرافي والسينمائي في القاهرة ولندن، وفي العام 1966 غادر القدس باتجاه العاصمة الأردنية للعمل في وزارة الإعلام وغادرها بعد ذلك لينضم لصفوف حركة "فتح".
هاني جوهرية قام بتصوير عدد من الأفلام السينمائية الخروج 1967، الأرض المحروقة 1968، زهرة المدائن 1969، جسر العودة 1969، "الحق الفلسطيني" شهادة الأطفال في زمن الحرب 1967 (أو 1969) لا للحل السلمي 1969، بالروح بالدم 1971، على طريق النصر 1975، وشارك هاني جوهرية في التصوير كمصور مساعد إبراهيم مصطفى ناصر الملقب بـ"مطيع إبراهيم" والمفتاح 1976.
شارك في تصوير وإخراج الجريدة السينمائية الناطقة، العدد الثاني عام 1974 (ساعد عبد الحافظ محمد الأسمر الملقب بـ"عمر المختار" في التصوير، وساهم المخرج السينمائي فريد إبراهيم حسين الملقب بـ" سمير نمر" في تصوير مشاهد منها).
وأنجز جوهرية قبل استشهاده فصلا من كتاب حول التصوير السينمائي، كان يعده ليكون دليلا للمصور السينمائي المناضل.
وكان جوهرية يستعد قبل استشهاده لتصوير فيلم عن رواية "سعيد أبو النحس المتشائل" للروائي الفلسطيني إميل حبيبي بالتعاون مع مصطفى أبو علي.
إبراهيم ناصر "مطيع إبراهيم":
إبراهيم مصطفى ناصر "مطيع إبراهيم" من مواليد بلدة رامون شرق رام الله في العام 1942، أنهى تعليمه المدرسي بين رام الله وعمان، وتابع دراسته الجامعية في الجامعة اللبنانية في بيروت قسم التاريخ.
التحق الشهيد بحركة فتح في العام 1966، وتلقى أول دورة عسكرية في معسكر "ميسلون"، وكان قائد مجموعة في القطاع الأوسط في الأردن وشارك بعدة عمليات داخل الأرض المحتلة.
انضم للعمل مع وحدة "أفلام فلسطين" التي شكلت النواة الأولى لمؤسسة السينما.
عمل مسؤولا لفرع مؤسسة السينما الفلسطينية في دمشق من العام 1970 إلى العام 1974، ومن ثم انتقل إلى بيروت حتى تاريخ استشهاده.
الشهيد عبد الحافظ الأسمر"عمر المختار":
عبد الحافظ من مواليد بلدة ترمسعيا شمال رام الله، ومن مواليد العام 1942، وأنهى دراسته الثانوية في رام الله، والتحق بحركة "فتح" في العام 1966، والتحق بمؤسسة السينما في العام 1669.