أبو الفتوح: كمال عدوان هو من أطلق على "وفا" اسمها
زلفى شحرور
تناول الخبر الأول الذي تم توزيعه عن طريق وكالات الأنباء تدمير الفدائيين لعشر دبابات أردنية في بداية العام 1971، وقد تم توزيعه من مكتب إعلام "فتح" الواقع على دوار جبل الحسين المعروف "حينها" بدوار "مكسيم".
والخبر الأول الذي وزع بذات الطريقة من بيروت فقد كان في آب من العام 1971، وأخبر عن اجتماع اللجنة التنفيذية برئاسة "أبو عمار" لبحث مبادرة روجرز وزيارته.
هذه المعلومات رواها عبد الحميد عواودة المشهور بـ"أبو الفتوح" (مواليد العام 1946)، الشاهد والمشارك في تأسيس ونشأة وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في شهادة له بالذكرى الأربعين لتأسيسها.
من مكتب إعلام "فتح" في جبل الحسين في عمان العام 1970 كانت البداية لمشوار طويل مع مهنة المتاعب، مرورا ببناية النصر مقابل جسر الكولا، وبناية الإعلام الموحد في شارع أديب البعيني الذي صار يعرف باسم شارع "وفا" وانتهاء بواشنطن في العام 1990.
عن هذا التاريخ وهذه التجربة الممتدة التي حملت معها الكثير من التجارب والمواقف المنطلقة من رحم حركة "فتح" منذ كان في العاشرة من العمر روى أبو الفتوح لـ"وفا" ما جادت به ذاكرته.
وقال "بدأت علاقتي بالإعلام والأخبار في أيلول العام 1970 ونقطة الانطلاق كانت من إذاعة الثورة "زمزم 405" في عمان، وكنت أعمل متجولا بين معظم جبال عمان بسيارتي رافعا علم الوساطة العربية والداعية لوقف القتال الأردني – الفلسطيني، وأجمع الأخبار من محاور القتال المختلفة وأرسلها عبر جهاز اللاسلكي للإذاعة.
وكان يقوم على الإذاعة حينها ربحي كعوش وأبو نضال سويس وصخر حبش، وكانت الإذاعة تفتتح بثها بجملة "صباح الخير يا دوشكا".
وأضاف، "حينها كنت أعمل ضابط أمن منشآت الحركة في الساحة الأردنية، وكان مقري في مكتب الإعلام في جبل الحسين والذي كان يقوم على إصدار نشرة "فتح"، وهناك كان ماجد أبو شرار، وناجي علوش، ومنير شفيق، وحنا مقبل، وغطاس سويس "أبو نضال"، وسلوى العمد التي كانت تكتب عمودا يوميا في جريدة "الدفاع" الأردنية، والتي وضعها أصحابها أبناء إبراهيم الشنطي تحت تصرفنا لنشر الأخبار الفلسطينية".
وتابع، "بحكم العلاقة اليومية صرت مراسلا لنشرة فتح التي يصدرها مكتب إعلام فتح، وفي غمرة أحداث أيلول صار هناك حاجة لتوزيع بعض الأخبار العاجلة، وكانت تتم عبر الهاتف وعبر اللاسلكي وفيها بدأت إرهاصات التفكير بوكالة أنباء".
وأضاف: في العام 1971 وبعد خروجنا من عمان باتجاه جبال جرش وعجلون عدنا لإصدار نشرة "فتح" مكتوبة بخط اليد، وكنا نصدرها ونعيد نسخها يدويا ونوزعها على القوات، كما كنا نقوم بتوزيعها عبر جهاز "الراكال اللاسلكي" وتصل إلى كل المواقع التي تملك مثل هذا الجهاز، بما فيها مكاتب "فتح" في العراق والجزائر ودمشق.
وفي العام 1971 وبعد الخروج من الأردن أعيد تجميع الطاقات الإعلامية تحت إشراف كمال عدوان لإعادة إصدار نشرة "فتح"، وبدأت تتبلور أفكار ومواقف تنادي بالعمل على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية في إطار وحدودي تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.
وقال أبو الفتوح "لم ألتحق بهذا الجسم مباشرة، خرجت من الأردن إلى دمشق، وبدأت عملي في مكتب المالية والتعبئة "مكتب 36" وتسلمت أمانة صندوق حركة فتح، وجاءني ماجد أبو شرار مع صخر حبش وقالا لي مكانك في الإعلام، حملت مفاتيح الخزنة وسلمتها لمحمد جرادة "أبو أسامة محمد" وغادرت معهم إلى بيروت.
وأضاف "من بناية النصر كانت بداية العلاقة مع "وفا"، هناك كان كمال عدوان، وماجد أبو شرار وعلي فياض "أبو زياد"، وأبو نضال، ومنير شفيق، وأبو فارس، وحنا ميخائيل "أبو عمر"، وسلوى العمد، واستدعي أحمد عبد الرحمن من درعا، وفؤاد ياسين من القاهرة والطيب عبد الرحيم، ومن بناية النصر المحاذية لدوار الكولا كانت البذرة الأولى لانطلاقة "وفا.
ومن هذا المكتب كنا نقوم بتوزيع الأخبار المهمة والخاصة بالقيادة والعمليات الفدائية والأخبار الفلسطينية التي تصلنا من الطلبة الفلسطينيين وأخبار الأرض المحتلة، وصرنا نجمع كم هائل من الأخبار اليومية والمعلومات وصار هناك حاجة حقيقية لنشرة يومية يتم توزيعها عوضا عن طريقة توزيع الأخبار، وصرنا لإصدار مطبوعة يومية".
وتابع: كان الإصدار الأول لوفا من العام 1972، وجرى توزيعه عبر الهاتف على الصحافة اللبنانية ووكالات الأنباء الأجنبية، وصدر باسم وكالة الأنباء الفلسطينية ومن دون "وفا"، وكانت الترويسة التي صدرت تحتها النشرة (وكالة الأنباء الفلسطينية- بناية النصر- بيروت الفكهاني ورقم الخط الهاتفي) ولم نتوصل لاتفاق على اختصار الاسم. وأطلق كمال عدوان اسم "وفا" عليها رغم عدم استخدامه إلا عندما صارت تصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأذكر عندما نوقش الموضوع قفز كمال عدوان من مكانه وقال "نحن أوفياء للشعب الفلسطيني، وهذا الإصدار وفاء منا للمقاتلين والقضية، ونريد أن نسمي وكالتنا "وفا" ومن دون همزة وكان ذلك.
وأردف أبو الفتوح "تألفت أول هيئة تحرير لـ"وفا" من حنا مقبل وأبو الفتوح وعلي فياض وسلوى العمد، وكنا نغطي أخبار القيادة الفلسطينية والاشتباكات في الجنوب، وكانت تصلنا عبر اللاسلكي، وأخبار الوطن وكان مصدرها الرصد الإذاعي والقادمين من الأرض المحتلة للقاء القيادة وعنهم كنا ننقل تفاصيل العمليات كما يتم روايتها في الأرض المحتلة، وكنا ننشرها رغم تأخرها لكن الهدف كان رفع الروح المعنوية لمجموعاتنا الفدائية في داخل الأرض المحتلة إضافة لما تنقله الصحافة العربية والإذاعات العربية عن فلسطين والنشاطات السياسية، ومصدر هذه الأخبار الطلبة الفلسطينيين في العالم وذلك من خلال الاتصال الهاتفي".
وأضاف، "بذلنا جهودا كبيرة لتطوير النشرة، وصارت تصدر عن "وفا" نشرة الرصد الإذاعي، وفيها كنا ننشر أخبارا يتم رصدها في الإذاعات العربية والإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية والعبرية والإنجليزية، كنا نفرغها بخط اليد ونرسلها للقيادة، وبعد استحداث الطباعة صرنا نطبعها قبل توزيعها ونسحبها على آلة الطباعة حسب الحاجة. وكنا نوزع نشرة "وفا" على الصحافة اللبنانية والقيادة الفلسطينية وقادة الحركة الوطنية اللبنانية، ونرسل أعدادا كبيرة إلى دمشق لتوزيعها هناك وفي دول الخليج ومناطق أخرى، ومن هنا نشأت الحاجة إلى إدارة تتولى عملية التوزيع وتتابعها".
وتابع: شهدت الساحة الفلسطينية في العام 1972 نقاشا حول أهمية توحيد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وجرى الاتفاق على توحيد المؤسسات الإعلامية التابعة للفصائل في إطار الإعلام الموحد، واتفق على أن تقوم كل منظمة بإرسال طواقمها الإعلامية إلى بناية النصر، ولم ينفذ القرار إلا الجبهة الديمقراطية التي انتدبت ياسر عبد ربه وسميح الملقب "بزد وصالح" "أسماء حركية باستثناء ياسر"، وكانوا يعملون من الصباح حتى المساء في بناية النصر، ومن ثم يتفرغون مساء للعمل في الجبهة الديمقراطية.
ومع صدور هذا القرار جرى النقاش عن مرجعية الإعلام الموحد، هل يتبع لمنظمة التحرير أم لا، وتم اتباعه في البداية تحت مظلة دائرة الإعلام والتوجيه القومي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب الخلافات حول الخط السياسي بين فصائل منظمة التحرير وتضارب في الهيكلية الإدارية والوظيفية لم تستطع دائرة الإعلام استيعاب الإعلام الموحد الفلسطيني، وجرى إنشاء دائرة جديدة للمنظمة أطلق عليها دائرة الإعلام الفلسطيني الموحد، لكن لم يجرِ اعتمادها من المجلس الوطني الفلسطيني ولم يتم اعتماد موازنة لها من الصندوق القومي الفلسطيني، وباتت حركة فتح تدفع رواتب الموظفين في الإعلام سواء من الفصائل أو المستقلين ومنهم على سبيل المثال رشاد أبو شاور وعلي إسحاق ومعن بشور من الجبهة العربية وياسر عبد ربه الذي عين رئيسا لدائرة الإعلام والتوجيه القومي في "م.ت.ف".
وقال أبو الفتوح صارت "وفا" تصدر بعد قرار منظمة التحرير الفلسطينية في 10 نيسان بتوحيد الأجهزة الإعلامية باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن دائرة الإعلام والتوجيه القومي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ذلك صارت تصدر باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" وتصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية – الإعلام الموحد من شارع أديب البعيني والذي صار يعرف باسم شارع "وفا "من قبل البعض أو شارع الدائرة السياسية للبعض الآخر.
وتوسع عدد العاملين في الوكالة لتلبية احتياجات العمل، وتشكلت هيئة التحرير وانضم إليها زياد عبد الفتاح الذي جاء من القاهرة إضافة إلى "أبو الفتوح" وعلي فياض وسلوى العمد وصالح من الجبهة الديمقراطية، وكان في قسم الاستماع سليمان أبو جاموس وعبد العزيز المعروف بـ"رياض أبو وردة" ورعد (اسم حركي) ونقلوا للتحرير في مرحلة لاحقة، وعمل كامل حسن في الإدارة والتوزيع والمالية وشؤون العاملين ، ومن ثم انضم لنا ربحي علوان وروحي فتوح المعروف حينها بـ"أبو النمر" وصار مسؤول الإدارة في الإعلام الموحد.
وروى أبو الفتوح عن هذه الفترة من عمل الوكالة أن "وفا" كانت رائدة وفعالة في بعث الخبر الفلسطيني ونشره، وكان عملها يمزج ما بين العمل الدبلوماسي والإعلامي، بتوجيه وثقة من أبو عمار.
وعن الأولويات في المتابعة، أضاف "كنا نوزع العمل اليومي على المحررين بناء على الأحداث من مهرجانات ومظاهرات وفعاليات يومية من اشتباكات وغيره، ولكن الأولوية كانت لتصريحات القيادة الفلسطينية، ونشاطات الأخ أبو عمار واللجنة التنفيذية واللجنة المركزية والأقاليم ومن ثم الأخبار العسكرية والأخبار المحلية".
وأضاف "بعد صدور النشرة في الساعة السادسة مساء كان هناك مناوب يومي يداوم حتى الساعة الواحدة صباحا أو بالأحرى حتى ينام ياسر عرفات، وفي العادة كنا نتوزع هذه المناوبة الليلية أنا وسليمان وعلي فياض وصالح في بعض الأحيان، والمناوب كان يظل على اتصال مباشر بالأخ أبو عمار، وكنا خلال هذه الفترة نقوم بتحرير أخبار سياسية من الاستماع واجتماعات القيادة الفلسطينية الليلية وأخبار الأقاليم لتضمينها في نشرة اليوم التالي، أما الخبر العاجل فكنا نقوم بتوزيعها عبر الهاتف".
وكانت الصحف اللبنانية تترك مساحة على صفحتها الأولى وكثيرا ما كنا نغير الخبر الرئيسي على الصفحة الأولى، ولا تغلق الصحف اللبنانية صفحتها الأولى إلا بعد الاتصال بنا، وهذا التقليد تم ترسيخه بفعل المصداقية.
وظل أبو الفتوح يعمل في الوكالة كسكرتير تحرير حتى العام 1980، وعلى خلفية قضية لها علاقة بعملية نصب نفذها فلسطينيون وسوريون وتم كشفها من خلالي صرت مطلوبا للقوات السورية في لبنان، وخلال هذه الفترة استشهد راشد حسين والذي كان مندوب "وفا" في الأمم المتحدة، وبتعليمات من أبو عمار تمكنت من الحصول على فيزا بمساعدة سعيد فريحة ناشر وصاحب دار الصياد للنشر، والذي أعطاني كتابا بالعمل معهم في الدار".
وعن اختياره شخصيا لهذا الموقع، قال "كان لي تجربة مع نبيل شعث في الأمم المتحدة في العام 1974، ذهبنا إلى هناك لبناء علاقات مع الأمم المتحدة ، وبالفعل تمكنا من جمع موافقة 105 دولة من أعضائها لصالح دعوة منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على ذلك توجه عرفات لإلقاء خطابه في الأمم المتحدة من ذات العام".
وانتقل أبو الفتوح للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1980 ليحل مكان راشد حسين، لكن أبو عمار كانت عينه على واشنطن للتعرف على النظام السياسي فأرسله إلى واشنطن.
وقال: بعد فترة منعت من الاتصال بـ"وفا" وصار علي الاتصال بياسر عرفات مباشرة ومن دون وسيط، وقمت بتسجيل شركة باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" لتكون غطاء لعملي وصرنا نصدر نشرة أسبوعية عن أهم نشاطات الجالية الفلسطينية وكانت رابحة، ونقوم بتوزيعها على الجالية الفلسطينية ونشرة أخرى يومية باللغة الانجليزية نوزعها فقط على المؤسسات الرسمية الأميركية من البيت الأبيض إلى الكونغرس الأمريكي والمؤسسات الفيدرالية والشركات الأمريكية الكبرى، وكنا نوزع 5000 نسخة، وأغلقت في العام 1991 بقرار من أبو عمار على ضوء احتجاج دول عربية بعد اجتياح صدام للكويت على دور هذه النشرة بالتحريض على عملية ترحيل الفلسطينيين من دول الخليج.
أبو الفتوح ابن قرية الكرمة جنوب الخليل وصل للإعلام ولـ"وفا" من مواقع نضالية مختلفة، فمنذ العاشرة من العمر وخلال العدوان الثلاثي على مصر، ساعد ثوار غزة الذين كانوا يصلون للمنطقة لشراء السلاح والتزود بالمواد الغذائية بإخفاء جمالهم وبغالهم التي كانت تستخدم لنقل هذه الأسلحة في مغر مختلفة لإخفائها عن عيون الجيش الأردني، وبعد ذلك ساهم في توزيع بيان الانطلاقة الأول للحركة في منطقة الخليل على الطلبة وفي الشوارع.
وبعد ذلك أوكل له مسؤوله حينها أبو ناصر"عبد الحميد النمورة" مع مجموعة معه متابعة إذاعة صوت فلسطين "صوت العاصفة" من القاهرة لتسجيل البيانات وكتابتها بخط اليد وتوزيعها إلى أن جاءت حرب العام 67، وغادر بعد الحرب مباشرة إلى دمشق للالتحاق بدورة عسكرية في معسكر الهامة.
وعاد أبو الفتوح بعد انتهاء تدريبه للأردن للتحضير للعودة إلى الخليل، لكن قوات الاحتلال في هذا الوقت بدأت بمنع العودة للأرض المحتلة وظل في عمان ليتابع مسيره.
تناول الخبر الأول الذي تم توزيعه عن طريق وكالات الأنباء تدمير الفدائيين لعشر دبابات أردنية في بداية العام 1971، وقد تم توزيعه من مكتب إعلام "فتح" الواقع على دوار جبل الحسين المعروف "حينها" بدوار "مكسيم".
والخبر الأول الذي وزع بذات الطريقة من بيروت فقد كان في آب من العام 1971، وأخبر عن اجتماع اللجنة التنفيذية برئاسة "أبو عمار" لبحث مبادرة روجرز وزيارته.
هذه المعلومات رواها عبد الحميد عواودة المشهور بـ"أبو الفتوح" (مواليد العام 1946)، الشاهد والمشارك في تأسيس ونشأة وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في شهادة له بالذكرى الأربعين لتأسيسها.
من مكتب إعلام "فتح" في جبل الحسين في عمان العام 1970 كانت البداية لمشوار طويل مع مهنة المتاعب، مرورا ببناية النصر مقابل جسر الكولا، وبناية الإعلام الموحد في شارع أديب البعيني الذي صار يعرف باسم شارع "وفا" وانتهاء بواشنطن في العام 1990.
عن هذا التاريخ وهذه التجربة الممتدة التي حملت معها الكثير من التجارب والمواقف المنطلقة من رحم حركة "فتح" منذ كان في العاشرة من العمر روى أبو الفتوح لـ"وفا" ما جادت به ذاكرته.
وقال "بدأت علاقتي بالإعلام والأخبار في أيلول العام 1970 ونقطة الانطلاق كانت من إذاعة الثورة "زمزم 405" في عمان، وكنت أعمل متجولا بين معظم جبال عمان بسيارتي رافعا علم الوساطة العربية والداعية لوقف القتال الأردني – الفلسطيني، وأجمع الأخبار من محاور القتال المختلفة وأرسلها عبر جهاز اللاسلكي للإذاعة.
وكان يقوم على الإذاعة حينها ربحي كعوش وأبو نضال سويس وصخر حبش، وكانت الإذاعة تفتتح بثها بجملة "صباح الخير يا دوشكا".
وأضاف، "حينها كنت أعمل ضابط أمن منشآت الحركة في الساحة الأردنية، وكان مقري في مكتب الإعلام في جبل الحسين والذي كان يقوم على إصدار نشرة "فتح"، وهناك كان ماجد أبو شرار، وناجي علوش، ومنير شفيق، وحنا مقبل، وغطاس سويس "أبو نضال"، وسلوى العمد التي كانت تكتب عمودا يوميا في جريدة "الدفاع" الأردنية، والتي وضعها أصحابها أبناء إبراهيم الشنطي تحت تصرفنا لنشر الأخبار الفلسطينية".
وتابع، "بحكم العلاقة اليومية صرت مراسلا لنشرة فتح التي يصدرها مكتب إعلام فتح، وفي غمرة أحداث أيلول صار هناك حاجة لتوزيع بعض الأخبار العاجلة، وكانت تتم عبر الهاتف وعبر اللاسلكي وفيها بدأت إرهاصات التفكير بوكالة أنباء".
وأضاف: في العام 1971 وبعد خروجنا من عمان باتجاه جبال جرش وعجلون عدنا لإصدار نشرة "فتح" مكتوبة بخط اليد، وكنا نصدرها ونعيد نسخها يدويا ونوزعها على القوات، كما كنا نقوم بتوزيعها عبر جهاز "الراكال اللاسلكي" وتصل إلى كل المواقع التي تملك مثل هذا الجهاز، بما فيها مكاتب "فتح" في العراق والجزائر ودمشق.
وفي العام 1971 وبعد الخروج من الأردن أعيد تجميع الطاقات الإعلامية تحت إشراف كمال عدوان لإعادة إصدار نشرة "فتح"، وبدأت تتبلور أفكار ومواقف تنادي بالعمل على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية في إطار وحدودي تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.
وقال أبو الفتوح "لم ألتحق بهذا الجسم مباشرة، خرجت من الأردن إلى دمشق، وبدأت عملي في مكتب المالية والتعبئة "مكتب 36" وتسلمت أمانة صندوق حركة فتح، وجاءني ماجد أبو شرار مع صخر حبش وقالا لي مكانك في الإعلام، حملت مفاتيح الخزنة وسلمتها لمحمد جرادة "أبو أسامة محمد" وغادرت معهم إلى بيروت.
وأضاف "من بناية النصر كانت بداية العلاقة مع "وفا"، هناك كان كمال عدوان، وماجد أبو شرار وعلي فياض "أبو زياد"، وأبو نضال، ومنير شفيق، وأبو فارس، وحنا ميخائيل "أبو عمر"، وسلوى العمد، واستدعي أحمد عبد الرحمن من درعا، وفؤاد ياسين من القاهرة والطيب عبد الرحيم، ومن بناية النصر المحاذية لدوار الكولا كانت البذرة الأولى لانطلاقة "وفا.
ومن هذا المكتب كنا نقوم بتوزيع الأخبار المهمة والخاصة بالقيادة والعمليات الفدائية والأخبار الفلسطينية التي تصلنا من الطلبة الفلسطينيين وأخبار الأرض المحتلة، وصرنا نجمع كم هائل من الأخبار اليومية والمعلومات وصار هناك حاجة حقيقية لنشرة يومية يتم توزيعها عوضا عن طريقة توزيع الأخبار، وصرنا لإصدار مطبوعة يومية".
وتابع: كان الإصدار الأول لوفا من العام 1972، وجرى توزيعه عبر الهاتف على الصحافة اللبنانية ووكالات الأنباء الأجنبية، وصدر باسم وكالة الأنباء الفلسطينية ومن دون "وفا"، وكانت الترويسة التي صدرت تحتها النشرة (وكالة الأنباء الفلسطينية- بناية النصر- بيروت الفكهاني ورقم الخط الهاتفي) ولم نتوصل لاتفاق على اختصار الاسم. وأطلق كمال عدوان اسم "وفا" عليها رغم عدم استخدامه إلا عندما صارت تصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأذكر عندما نوقش الموضوع قفز كمال عدوان من مكانه وقال "نحن أوفياء للشعب الفلسطيني، وهذا الإصدار وفاء منا للمقاتلين والقضية، ونريد أن نسمي وكالتنا "وفا" ومن دون همزة وكان ذلك.
وأردف أبو الفتوح "تألفت أول هيئة تحرير لـ"وفا" من حنا مقبل وأبو الفتوح وعلي فياض وسلوى العمد، وكنا نغطي أخبار القيادة الفلسطينية والاشتباكات في الجنوب، وكانت تصلنا عبر اللاسلكي، وأخبار الوطن وكان مصدرها الرصد الإذاعي والقادمين من الأرض المحتلة للقاء القيادة وعنهم كنا ننقل تفاصيل العمليات كما يتم روايتها في الأرض المحتلة، وكنا ننشرها رغم تأخرها لكن الهدف كان رفع الروح المعنوية لمجموعاتنا الفدائية في داخل الأرض المحتلة إضافة لما تنقله الصحافة العربية والإذاعات العربية عن فلسطين والنشاطات السياسية، ومصدر هذه الأخبار الطلبة الفلسطينيين في العالم وذلك من خلال الاتصال الهاتفي".
وأضاف، "بذلنا جهودا كبيرة لتطوير النشرة، وصارت تصدر عن "وفا" نشرة الرصد الإذاعي، وفيها كنا ننشر أخبارا يتم رصدها في الإذاعات العربية والإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية والعبرية والإنجليزية، كنا نفرغها بخط اليد ونرسلها للقيادة، وبعد استحداث الطباعة صرنا نطبعها قبل توزيعها ونسحبها على آلة الطباعة حسب الحاجة. وكنا نوزع نشرة "وفا" على الصحافة اللبنانية والقيادة الفلسطينية وقادة الحركة الوطنية اللبنانية، ونرسل أعدادا كبيرة إلى دمشق لتوزيعها هناك وفي دول الخليج ومناطق أخرى، ومن هنا نشأت الحاجة إلى إدارة تتولى عملية التوزيع وتتابعها".
وتابع: شهدت الساحة الفلسطينية في العام 1972 نقاشا حول أهمية توحيد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وجرى الاتفاق على توحيد المؤسسات الإعلامية التابعة للفصائل في إطار الإعلام الموحد، واتفق على أن تقوم كل منظمة بإرسال طواقمها الإعلامية إلى بناية النصر، ولم ينفذ القرار إلا الجبهة الديمقراطية التي انتدبت ياسر عبد ربه وسميح الملقب "بزد وصالح" "أسماء حركية باستثناء ياسر"، وكانوا يعملون من الصباح حتى المساء في بناية النصر، ومن ثم يتفرغون مساء للعمل في الجبهة الديمقراطية.
ومع صدور هذا القرار جرى النقاش عن مرجعية الإعلام الموحد، هل يتبع لمنظمة التحرير أم لا، وتم اتباعه في البداية تحت مظلة دائرة الإعلام والتوجيه القومي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب الخلافات حول الخط السياسي بين فصائل منظمة التحرير وتضارب في الهيكلية الإدارية والوظيفية لم تستطع دائرة الإعلام استيعاب الإعلام الموحد الفلسطيني، وجرى إنشاء دائرة جديدة للمنظمة أطلق عليها دائرة الإعلام الفلسطيني الموحد، لكن لم يجرِ اعتمادها من المجلس الوطني الفلسطيني ولم يتم اعتماد موازنة لها من الصندوق القومي الفلسطيني، وباتت حركة فتح تدفع رواتب الموظفين في الإعلام سواء من الفصائل أو المستقلين ومنهم على سبيل المثال رشاد أبو شاور وعلي إسحاق ومعن بشور من الجبهة العربية وياسر عبد ربه الذي عين رئيسا لدائرة الإعلام والتوجيه القومي في "م.ت.ف".
وقال أبو الفتوح صارت "وفا" تصدر بعد قرار منظمة التحرير الفلسطينية في 10 نيسان بتوحيد الأجهزة الإعلامية باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن دائرة الإعلام والتوجيه القومي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ذلك صارت تصدر باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" وتصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية – الإعلام الموحد من شارع أديب البعيني والذي صار يعرف باسم شارع "وفا "من قبل البعض أو شارع الدائرة السياسية للبعض الآخر.
وتوسع عدد العاملين في الوكالة لتلبية احتياجات العمل، وتشكلت هيئة التحرير وانضم إليها زياد عبد الفتاح الذي جاء من القاهرة إضافة إلى "أبو الفتوح" وعلي فياض وسلوى العمد وصالح من الجبهة الديمقراطية، وكان في قسم الاستماع سليمان أبو جاموس وعبد العزيز المعروف بـ"رياض أبو وردة" ورعد (اسم حركي) ونقلوا للتحرير في مرحلة لاحقة، وعمل كامل حسن في الإدارة والتوزيع والمالية وشؤون العاملين ، ومن ثم انضم لنا ربحي علوان وروحي فتوح المعروف حينها بـ"أبو النمر" وصار مسؤول الإدارة في الإعلام الموحد.
وروى أبو الفتوح عن هذه الفترة من عمل الوكالة أن "وفا" كانت رائدة وفعالة في بعث الخبر الفلسطيني ونشره، وكان عملها يمزج ما بين العمل الدبلوماسي والإعلامي، بتوجيه وثقة من أبو عمار.
وعن الأولويات في المتابعة، أضاف "كنا نوزع العمل اليومي على المحررين بناء على الأحداث من مهرجانات ومظاهرات وفعاليات يومية من اشتباكات وغيره، ولكن الأولوية كانت لتصريحات القيادة الفلسطينية، ونشاطات الأخ أبو عمار واللجنة التنفيذية واللجنة المركزية والأقاليم ومن ثم الأخبار العسكرية والأخبار المحلية".
وأضاف "بعد صدور النشرة في الساعة السادسة مساء كان هناك مناوب يومي يداوم حتى الساعة الواحدة صباحا أو بالأحرى حتى ينام ياسر عرفات، وفي العادة كنا نتوزع هذه المناوبة الليلية أنا وسليمان وعلي فياض وصالح في بعض الأحيان، والمناوب كان يظل على اتصال مباشر بالأخ أبو عمار، وكنا خلال هذه الفترة نقوم بتحرير أخبار سياسية من الاستماع واجتماعات القيادة الفلسطينية الليلية وأخبار الأقاليم لتضمينها في نشرة اليوم التالي، أما الخبر العاجل فكنا نقوم بتوزيعها عبر الهاتف".
وكانت الصحف اللبنانية تترك مساحة على صفحتها الأولى وكثيرا ما كنا نغير الخبر الرئيسي على الصفحة الأولى، ولا تغلق الصحف اللبنانية صفحتها الأولى إلا بعد الاتصال بنا، وهذا التقليد تم ترسيخه بفعل المصداقية.
وظل أبو الفتوح يعمل في الوكالة كسكرتير تحرير حتى العام 1980، وعلى خلفية قضية لها علاقة بعملية نصب نفذها فلسطينيون وسوريون وتم كشفها من خلالي صرت مطلوبا للقوات السورية في لبنان، وخلال هذه الفترة استشهد راشد حسين والذي كان مندوب "وفا" في الأمم المتحدة، وبتعليمات من أبو عمار تمكنت من الحصول على فيزا بمساعدة سعيد فريحة ناشر وصاحب دار الصياد للنشر، والذي أعطاني كتابا بالعمل معهم في الدار".
وعن اختياره شخصيا لهذا الموقع، قال "كان لي تجربة مع نبيل شعث في الأمم المتحدة في العام 1974، ذهبنا إلى هناك لبناء علاقات مع الأمم المتحدة ، وبالفعل تمكنا من جمع موافقة 105 دولة من أعضائها لصالح دعوة منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على ذلك توجه عرفات لإلقاء خطابه في الأمم المتحدة من ذات العام".
وانتقل أبو الفتوح للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1980 ليحل مكان راشد حسين، لكن أبو عمار كانت عينه على واشنطن للتعرف على النظام السياسي فأرسله إلى واشنطن.
وقال: بعد فترة منعت من الاتصال بـ"وفا" وصار علي الاتصال بياسر عرفات مباشرة ومن دون وسيط، وقمت بتسجيل شركة باسم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" لتكون غطاء لعملي وصرنا نصدر نشرة أسبوعية عن أهم نشاطات الجالية الفلسطينية وكانت رابحة، ونقوم بتوزيعها على الجالية الفلسطينية ونشرة أخرى يومية باللغة الانجليزية نوزعها فقط على المؤسسات الرسمية الأميركية من البيت الأبيض إلى الكونغرس الأمريكي والمؤسسات الفيدرالية والشركات الأمريكية الكبرى، وكنا نوزع 5000 نسخة، وأغلقت في العام 1991 بقرار من أبو عمار على ضوء احتجاج دول عربية بعد اجتياح صدام للكويت على دور هذه النشرة بالتحريض على عملية ترحيل الفلسطينيين من دول الخليج.
أبو الفتوح ابن قرية الكرمة جنوب الخليل وصل للإعلام ولـ"وفا" من مواقع نضالية مختلفة، فمنذ العاشرة من العمر وخلال العدوان الثلاثي على مصر، ساعد ثوار غزة الذين كانوا يصلون للمنطقة لشراء السلاح والتزود بالمواد الغذائية بإخفاء جمالهم وبغالهم التي كانت تستخدم لنقل هذه الأسلحة في مغر مختلفة لإخفائها عن عيون الجيش الأردني، وبعد ذلك ساهم في توزيع بيان الانطلاقة الأول للحركة في منطقة الخليل على الطلبة وفي الشوارع.
وبعد ذلك أوكل له مسؤوله حينها أبو ناصر"عبد الحميد النمورة" مع مجموعة معه متابعة إذاعة صوت فلسطين "صوت العاصفة" من القاهرة لتسجيل البيانات وكتابتها بخط اليد وتوزيعها إلى أن جاءت حرب العام 67، وغادر بعد الحرب مباشرة إلى دمشق للالتحاق بدورة عسكرية في معسكر الهامة.
وعاد أبو الفتوح بعد انتهاء تدريبه للأردن للتحضير للعودة إلى الخليل، لكن قوات الاحتلال في هذا الوقت بدأت بمنع العودة للأرض المحتلة وظل في عمان ليتابع مسيره.