المصور يوسف القطب.. رحلة كفاح وغرابة على مدار أربعة عقود
مصور وفا يوسف القطب
زلفى شحرور
لم يمتهن يوسف القطب التصوير بعد نيل الشهادات العلمية أو من خبرات مبكرة، بل تجربته ربما تكون أجل من جميع الشهادات الأكاديمية بهذا المجال، فقد خاضها بعد إصابته بجروح من القنابل الفسفورية في شبعا (نقطة تماس في الجنوب اللبناني) أثناء حرب أكتوبر في العام 1973.
منذ ذلك التاريخ يؤرخ القطب لحياته من خلال صور أخذها، ومن خلال اللقطات التي حملت معها الكثير من المخاطر والخوف، والكثير الكثير من الرغبة في الاستمرار وتسجيل كل حدث يمر في حياة شعبه لحفظه للأجيال القادمة.
يوسف القطب (56 عاما)لم يفرط يوما في صورة صورها رغم إغراءات المال، وقد اعتاد على حمل أرشيفه وآثره على ملابسه حين كان يهاجر إلى كل بلد جديد خلال رحلة حياته التي تشبه حياة الكثير من مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية.
يروي القطب لـ"وفا"(له من الأبناء خمس بنات وولدان، وهو جد لسبعة عشر حفيدا) تجربته في العمل الإعلامي بتسلسل وبذاكرة ثاقبة.
قال "علاقتي بالعمل الإعلامي والتصوير بدأت بعد سنوات طويلة من العمل الفدائي، ففي العام 1973 أصبت بحروق في قدمي بسبب القنابل الفسفورية التي كانت تطلقها طائرات العدو حينها على منطقة شبعا في الجنوب اللبناني، وفي المستشفى جاء لزيارتي حينها مسؤول الإعلام الموحد ماجد أبو شرار، وأثناء الحديث معي طلب مني تعلم التصوير".
ويتابع: بالفعل بعد استكمال علاجي ذهبت لمقر التصوير المركزي، وكان على رأسه حينها هاني جوهرية، ومعه كل من عمر المختار، وأبو ظريف، ومطيع إبراهيم، وإبراهيم المصدر، وحسن الخارووف، ومحمد شقير ومحمود نوفل، وبعد استكمال فترة تدريبي المكثف لأيام عدة، أخذت كاميرا وأصبحت تلازمني كظلي وانطلقت باتجاه الجنوب حيث قواعد الفدائيين ونقاط الاشتباك مع قوات الاحتلال للعمل كمراسل عسكري، وكانت عودتي للمقر فقط لإيصال الصور ولم تكن يومية.
يضحك القطب وهو يتذكر هذه الأيام ويقول "مع ازدياد خبرتي بدأت اشعر بالحاجة لإيصال عملي بصورة يومية، فاشتريت دراجة نارية"موتورسيكل"، وسرت اذهب وأعود يوميا لمواقع المقاتلين وقمت بتصوير كل أحداث الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي للجنوب في العام 1978، وفيه أصبت بقذائف في ظهري مع زميلي أبو ظريف يوم 15 آذار واستشهد فيها زميلاي عمر المختار وإبراهيم ناصر.
ويضيف: قمت كذلك بتصوير الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكل الأحداث اليومية لمنظمة التحرير من مهرجانات وعروض عسكرية ومخيمات وشهداء وجرحى حتى الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين. وكان يستهويني تصوير عمليات الفدائيين خلف خطوط العدو، وتصوير المعارك والقصف الإسرائيلي والدمار الناجم عنه، إضافة إلى صور المقاتلين الفلسطينيين إلى جانب صور المخيمات.
بدأت تجربة القطب تنضج وصقلها من خلال دورات تدريبية تلقاها في العام 1979 في بولندا وفي العام 1980 ولعدة أشهر، وتلقى في بيروت تدريبا من قبل مدربين من ألمانيا الديمقراطية واستكملها بدورة في بلد المدربين لمدة ثلاثة شهور.
لا يستطيع القطب تحديد عدد الصور والمشاهد التي التقطها، ويقول أنها بمئات الآلاف، أو ربما وصل الرقم للمليون.
غادر القطب العاصمة اللبنانية بيروت ومعه عدته في الحياة، صوره التي يحمل فيها تاريخه وتاريخ حركة تحرر معه إلى تونس، وفيها عمل على تصوير فعاليات منظمة التحرير إلى جانب تنظيم معارض صور لصالح السفارات.
وظل في تونس حتى عاد في العام 1994 إلى غزة وغادرها في العام 1996 إلى رام الله ليكون قريبا من عائلته ووالدته في القدس.
وكانت أولى صور القطب في الوطن صور البحر والمخيمات في غزة."صور المخيم هي الأقرب إلى قلبي"، قال قطب الذي قام أيضا بمسح كامل لمعظم معالم غزة، والتي عاد لتصويرها في العام 2000، ليستشعر الفرق الواضح والجلي رغم قصر الفترة، واستخدم ذات الأسلوب في رام الله، وإن كانت أولى صوره في الضفة الغربية صور القدس بكافة معالمها.
ومع الانتفاضة الثانية وموجة الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية على مقر الشهيد الراحل ياسر عرفات وعلى المواطنين عاد القطب إلى سيرته السابقة في مسابقة الرياح للتصوير، رغم تكريسه وقت العمل حينها لترتيب أرشيفه الذي بدأ يتحول لجزء من أرشيف الصور الخاص بوكالة "وفا".
اليوم وبعد كل هذه السنوات بدأ يميل القطب لتصوير الطبيعة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها وأحداثها السياسية، على أمل أن يجد شفاء لروحه التي أتعبها طول التنقل والشتات وتغطية المعارك.
ولا تزال تؤثر في القطب الكثير من الصور والمشاهد التي عايشها وخبرها في حياته المهنية، ربما لصبغتها الإنسانية وربما لأنه نجا من موت محقق، وعن هذه المواقف قال "في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية كنت في الدامور، ورأيت مجموعة من الأطفال يتحلقون حول صاروخ من القصف الجوي الإسرائيلي لم ينفجر، وبحكم خبرتي الحربية طلبت من أهل المنطقة إبعاد أطفالهم لأنه من نوع الصواريخ المؤقتة التي يمكن أن تنفجر بأي لحظة، وبالفعل لم ابتعد 30 مترا عن المكان حتى انفجر الصاروخ، ورأيت الناس وهي تتطاير، وتمكنت فقط من التقاط صورة واحدة وكانت بدون إضاءة ولم يظهر فيها سوى الدخان والغبار، وبعدها وبسبب قوة الضغط لم تعد الكاميرا تصور".
ومن الصور التي ما زالت تؤثر في القطب تصويره لبيته المحترق في صبرا وعن ذلك يقول" أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، بحثت عن أعلى بناية في منطقة البربير لتصوير القصف المكثف على منطقة صبرا، وسلط كاميرته لالتقاط مشهد اشتعال البيوت فيها، وكان يحدث ذاته الله أعلم بيت من هذا ، الله يعين أهله.
وأضاف" في صباح اليوم التالي توجهت للمكان لاكتشف أن النار التي صورتها كانت تأكل في بيتي وبيت زميلي إبراهيم المصدر".
وهناك مشاهد لم يصورها القطب رغم معايشته لها وكُتب له فيها عمر جديد وصُنف فيها في عداد الشهداء، ففي العام 1976 وأثناء الحرب الأهلية كان في طريق عودته إلى بيته في صبرا عند الساعة 12 ظهرا (في العادة تكون هذه المنطقة مكتظة بالمواطنين لأنها مركز للتسوق، فيوجد فيها سوق للخضار والمواد الغذائية).
وقال "كنت في طريقي إلى صبرا فجأة بدأ سيل من القذائف يصيب المنطقة، صحوت فوجدت نفسي على الأرض وبدأت أتحسس نفسي، فأزلت يد ورجل أحد الضحايا الذين ضربتهم القذائف، وكان حولي الكثير من الضحايا والدماء، وقفت علي أتمكن من تصوير المشهد، لكن ضربني شيء ثقيل على رأسي وأغمي على من جديد، صحوت عندما شعرت بشخص يحاول سحب الكاميرا من رقبتي، فصرخت عليه طالبا إعادتها فأصيب بحالة هياج وصار يصيح "واحد طيب واحد طيب"، ولم أكن مصابا ولكني كنت مغطى بالدماء.
وعن أحلامه التي لم يحققها بعد وكان يتمنى تحقيقها يحكي لنا قطب قصة عايشها مع عدد من المقاتلين في قاعدة للفدائيين في منطقة شبعا، ويقول "كنا ثلاثة في قاعدة فدائية، وكنا نتجاذب أطراف الحديث عن أحلامنا التي كانت تتمحور حول الشهادة، فصديقي أبو الهيجاء (أسماء حركية) كان رامي مدفعية هاوون، وكان يحلم بالاستشهاد وهو يقصف العدو في شمال فلسطين، وتحقق له ذلك بالفعل فاستشهد بانفجار مدفعه وهو يقصف، ومثله أيضا أبو صقر الذي تمنى الاستشهاد وهو يطلق رصاص رشاشه على جنود الاحتلال حتى يفرغ ذخيرته، ويلتحم مع الجندي الإسرائيلي إما قاتلا أو مقتولا، وتحقق له ذلك، ففرغت ذخيرته بالفعل منه وامسك الجندي الإسرائيلي من شعره ولكن قام الجندي بطعنه في صدره".
ويضيف قطب "أما أنا فكنت أتمنى الاستشهاد في عملية داخل أرض الوطن، وأصبت معهم ولم استشهد، عدت إلى أرض الوطن ولا اعرف إذا كنت سأموت شهيدا على أرضه، لكنني اشعر بارتياح نفسي شديد، فخوفي الوحيد وأنا أصور المعارك كان على عائلتي وأطفالي الذين كنت أخاف عليهم حياة اليتم في الغربة، فالغربة قاسية على الشخص العادي فكيف باليتيم، ويبدو أن هذا الشعور ما زال يؤثر بي، فيصيبني الصداع كلما سافرت إلى خارج الوطن ولا أتخلص منه إلا عند عودتي".
يبدو أن القدر رسم ليوسف القطب حياة فيها نوع من الغرابة، فقد تفرغ في صفوف الثورة الفلسطينية ولم يتجاوز عمره حينها 13 عاما، وحكايته ربما هي حكاية الكثير من الفدائيين الفلسطينيين الذين ضحوا بحياتهم ومستقبلهم لرسم مسار جديد وأمل جديد في حياة الشعب الفلسطيني.
نقطة التحول في حياته كانت في العام 1968، وهي السنة التي حددت مصيره، ففيها اعتقل شقيقه عبد الرزاق في عملية عسكرية نفذها ضد سينما في القدس مع زميله عبد السلام الحموري، وحكم عليه بالسجن المؤبد وأطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى بعد 18 عاما.
ويقول: كنت اسمع نقاشات أخي وخالي أثناء التخطيط للعمل العسكري (استشهد خاله في بيروت) وقلت له أريد اعمل عملية، أصبحت أكثر إلحاحا بعد اعتقال أخي وقال لي سوف أجعلك تقوم بعملية، وطلب مني إشعال النار ورمي الترمس فيها وعندها ستنفجر وتصيب الإسرائيليين، ففعلت ذلك عند باب الخليل، وهربت اعتقادا مني أنهم سيلحقون بي.
ويتابع: بعد هذه الحادثة بأيام قليلة شهدت عملية إخلاء وهدم بيوت حول سور البراق، لأجد نفسي في اليوم الثاني احمل سكينا صغيرا وأهاجم مجندتين وجرحت واحدة منهن، وتم اعتقالي وتسليمي لمقر الشرطة في القدس، وكانت مقار الشرطة في ذلك الوقت تضم رجال شرطة فلسطينيين مع رجال شرطة إسرائيليين وطلب مني الضابط الفلسطيني أثناء التحقيق بإعطاء معلومات غير حقيقية عن شخصي، وبعد إغلاق المحضر طلب مني الهرب، وأخبرني أن الجندي الواقف عند الباب سيلاحقني لكنه لن يمسكني.
ويردف: عدت لأمي وأبلغتها بأنني سأهرب للعمل مع الفدائيين في عمان عبر النهر، لكنها هدأتني وقالت لي إنها ستقوم بإيصالي، وبالفعل أتمت الإجراءات وأوصلتني بيدها لمعسكر الأشبال وكان مسؤوله حينها الراحل صخر أبو نزار، وبعدها بفترة قصيرة قمت بتلقي دورة مقاتلين في معسكر السخنة ومن ثم انتقلت لقاعدة الشهيد خالد أبو العلا في إربد. وبعد معارك أيلول (معارك وقعت بين الفدائيين وقوات الجيش الأردني) طلب مني أبو على أياد العمل في مخيم الوحدات لتنظيم مقاتلين بشكل سري، لكنني اعتقلت من قبل المخابرات الأردنية، وبسبب صغر سني الذي لم يتجاوز حينها 15 عاما، وضعت في إصلاحية في منطقة الأشرفية في عمان ومنها اتصلت بتنظيمات فلسطينية في أربد لتدبير هربي إلى سوريا، ولم تطل إقامتي فيها لانتقل بعدها إلى الجنوب اللبناني.
ويبدو أن الغرابة في حياة يوسف القطب لا تقف عند مسلسل أحداث حياته لكنها تمتد لتطال جوائزه، فواحدة من صوره فازت بالجائزة البرونزية في ألمانيا الديمقراطية، لكنها لم تحمل اسمه بل حملت اسم وكالة "سانا" السورية.
وعن هذه القصة يقول "كنا نقوم بإرسال صور عن أرشيفنا إلى مقر "وفا" في دمشق للحفاظ عليها، وفوجئت بعد الانشقاق بفوز صورة من صوري بالجائزة البرونزية".
وحصل القطب في العام 1992 على الجائزة الفضية لصور الطفولة في "المهرجان الوطني السادس لفيلم الهواة والصورة للمحترفين" في طبرقة بتونس.
وفي العام 1993 وفي معرض "بيسان الثالث" للصورة وكانت تقوم على تنظيمه الجمعية العربية للتصوير في بغداد نال ثلاث جوائز فضية عن فئة صورة البورترية، والبرونزية عن صورتين للطفولة، وكان المعهد يمنح شهادة الدبلوم لمحترفي التصوير الفائزين بالمسابقة.
لم يمتهن يوسف القطب التصوير بعد نيل الشهادات العلمية أو من خبرات مبكرة، بل تجربته ربما تكون أجل من جميع الشهادات الأكاديمية بهذا المجال، فقد خاضها بعد إصابته بجروح من القنابل الفسفورية في شبعا (نقطة تماس في الجنوب اللبناني) أثناء حرب أكتوبر في العام 1973.
منذ ذلك التاريخ يؤرخ القطب لحياته من خلال صور أخذها، ومن خلال اللقطات التي حملت معها الكثير من المخاطر والخوف، والكثير الكثير من الرغبة في الاستمرار وتسجيل كل حدث يمر في حياة شعبه لحفظه للأجيال القادمة.
يوسف القطب (56 عاما)لم يفرط يوما في صورة صورها رغم إغراءات المال، وقد اعتاد على حمل أرشيفه وآثره على ملابسه حين كان يهاجر إلى كل بلد جديد خلال رحلة حياته التي تشبه حياة الكثير من مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية.
يروي القطب لـ"وفا"(له من الأبناء خمس بنات وولدان، وهو جد لسبعة عشر حفيدا) تجربته في العمل الإعلامي بتسلسل وبذاكرة ثاقبة.
قال "علاقتي بالعمل الإعلامي والتصوير بدأت بعد سنوات طويلة من العمل الفدائي، ففي العام 1973 أصبت بحروق في قدمي بسبب القنابل الفسفورية التي كانت تطلقها طائرات العدو حينها على منطقة شبعا في الجنوب اللبناني، وفي المستشفى جاء لزيارتي حينها مسؤول الإعلام الموحد ماجد أبو شرار، وأثناء الحديث معي طلب مني تعلم التصوير".
ويتابع: بالفعل بعد استكمال علاجي ذهبت لمقر التصوير المركزي، وكان على رأسه حينها هاني جوهرية، ومعه كل من عمر المختار، وأبو ظريف، ومطيع إبراهيم، وإبراهيم المصدر، وحسن الخارووف، ومحمد شقير ومحمود نوفل، وبعد استكمال فترة تدريبي المكثف لأيام عدة، أخذت كاميرا وأصبحت تلازمني كظلي وانطلقت باتجاه الجنوب حيث قواعد الفدائيين ونقاط الاشتباك مع قوات الاحتلال للعمل كمراسل عسكري، وكانت عودتي للمقر فقط لإيصال الصور ولم تكن يومية.
يضحك القطب وهو يتذكر هذه الأيام ويقول "مع ازدياد خبرتي بدأت اشعر بالحاجة لإيصال عملي بصورة يومية، فاشتريت دراجة نارية"موتورسيكل"، وسرت اذهب وأعود يوميا لمواقع المقاتلين وقمت بتصوير كل أحداث الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي للجنوب في العام 1978، وفيه أصبت بقذائف في ظهري مع زميلي أبو ظريف يوم 15 آذار واستشهد فيها زميلاي عمر المختار وإبراهيم ناصر.
ويضيف: قمت كذلك بتصوير الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكل الأحداث اليومية لمنظمة التحرير من مهرجانات وعروض عسكرية ومخيمات وشهداء وجرحى حتى الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين. وكان يستهويني تصوير عمليات الفدائيين خلف خطوط العدو، وتصوير المعارك والقصف الإسرائيلي والدمار الناجم عنه، إضافة إلى صور المقاتلين الفلسطينيين إلى جانب صور المخيمات.
بدأت تجربة القطب تنضج وصقلها من خلال دورات تدريبية تلقاها في العام 1979 في بولندا وفي العام 1980 ولعدة أشهر، وتلقى في بيروت تدريبا من قبل مدربين من ألمانيا الديمقراطية واستكملها بدورة في بلد المدربين لمدة ثلاثة شهور.
لا يستطيع القطب تحديد عدد الصور والمشاهد التي التقطها، ويقول أنها بمئات الآلاف، أو ربما وصل الرقم للمليون.
غادر القطب العاصمة اللبنانية بيروت ومعه عدته في الحياة، صوره التي يحمل فيها تاريخه وتاريخ حركة تحرر معه إلى تونس، وفيها عمل على تصوير فعاليات منظمة التحرير إلى جانب تنظيم معارض صور لصالح السفارات.
وظل في تونس حتى عاد في العام 1994 إلى غزة وغادرها في العام 1996 إلى رام الله ليكون قريبا من عائلته ووالدته في القدس.
وكانت أولى صور القطب في الوطن صور البحر والمخيمات في غزة."صور المخيم هي الأقرب إلى قلبي"، قال قطب الذي قام أيضا بمسح كامل لمعظم معالم غزة، والتي عاد لتصويرها في العام 2000، ليستشعر الفرق الواضح والجلي رغم قصر الفترة، واستخدم ذات الأسلوب في رام الله، وإن كانت أولى صوره في الضفة الغربية صور القدس بكافة معالمها.
ومع الانتفاضة الثانية وموجة الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية على مقر الشهيد الراحل ياسر عرفات وعلى المواطنين عاد القطب إلى سيرته السابقة في مسابقة الرياح للتصوير، رغم تكريسه وقت العمل حينها لترتيب أرشيفه الذي بدأ يتحول لجزء من أرشيف الصور الخاص بوكالة "وفا".
اليوم وبعد كل هذه السنوات بدأ يميل القطب لتصوير الطبيعة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها وأحداثها السياسية، على أمل أن يجد شفاء لروحه التي أتعبها طول التنقل والشتات وتغطية المعارك.
ولا تزال تؤثر في القطب الكثير من الصور والمشاهد التي عايشها وخبرها في حياته المهنية، ربما لصبغتها الإنسانية وربما لأنه نجا من موت محقق، وعن هذه المواقف قال "في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية كنت في الدامور، ورأيت مجموعة من الأطفال يتحلقون حول صاروخ من القصف الجوي الإسرائيلي لم ينفجر، وبحكم خبرتي الحربية طلبت من أهل المنطقة إبعاد أطفالهم لأنه من نوع الصواريخ المؤقتة التي يمكن أن تنفجر بأي لحظة، وبالفعل لم ابتعد 30 مترا عن المكان حتى انفجر الصاروخ، ورأيت الناس وهي تتطاير، وتمكنت فقط من التقاط صورة واحدة وكانت بدون إضاءة ولم يظهر فيها سوى الدخان والغبار، وبعدها وبسبب قوة الضغط لم تعد الكاميرا تصور".
ومن الصور التي ما زالت تؤثر في القطب تصويره لبيته المحترق في صبرا وعن ذلك يقول" أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، بحثت عن أعلى بناية في منطقة البربير لتصوير القصف المكثف على منطقة صبرا، وسلط كاميرته لالتقاط مشهد اشتعال البيوت فيها، وكان يحدث ذاته الله أعلم بيت من هذا ، الله يعين أهله.
وأضاف" في صباح اليوم التالي توجهت للمكان لاكتشف أن النار التي صورتها كانت تأكل في بيتي وبيت زميلي إبراهيم المصدر".
وهناك مشاهد لم يصورها القطب رغم معايشته لها وكُتب له فيها عمر جديد وصُنف فيها في عداد الشهداء، ففي العام 1976 وأثناء الحرب الأهلية كان في طريق عودته إلى بيته في صبرا عند الساعة 12 ظهرا (في العادة تكون هذه المنطقة مكتظة بالمواطنين لأنها مركز للتسوق، فيوجد فيها سوق للخضار والمواد الغذائية).
وقال "كنت في طريقي إلى صبرا فجأة بدأ سيل من القذائف يصيب المنطقة، صحوت فوجدت نفسي على الأرض وبدأت أتحسس نفسي، فأزلت يد ورجل أحد الضحايا الذين ضربتهم القذائف، وكان حولي الكثير من الضحايا والدماء، وقفت علي أتمكن من تصوير المشهد، لكن ضربني شيء ثقيل على رأسي وأغمي على من جديد، صحوت عندما شعرت بشخص يحاول سحب الكاميرا من رقبتي، فصرخت عليه طالبا إعادتها فأصيب بحالة هياج وصار يصيح "واحد طيب واحد طيب"، ولم أكن مصابا ولكني كنت مغطى بالدماء.
وعن أحلامه التي لم يحققها بعد وكان يتمنى تحقيقها يحكي لنا قطب قصة عايشها مع عدد من المقاتلين في قاعدة للفدائيين في منطقة شبعا، ويقول "كنا ثلاثة في قاعدة فدائية، وكنا نتجاذب أطراف الحديث عن أحلامنا التي كانت تتمحور حول الشهادة، فصديقي أبو الهيجاء (أسماء حركية) كان رامي مدفعية هاوون، وكان يحلم بالاستشهاد وهو يقصف العدو في شمال فلسطين، وتحقق له ذلك بالفعل فاستشهد بانفجار مدفعه وهو يقصف، ومثله أيضا أبو صقر الذي تمنى الاستشهاد وهو يطلق رصاص رشاشه على جنود الاحتلال حتى يفرغ ذخيرته، ويلتحم مع الجندي الإسرائيلي إما قاتلا أو مقتولا، وتحقق له ذلك، ففرغت ذخيرته بالفعل منه وامسك الجندي الإسرائيلي من شعره ولكن قام الجندي بطعنه في صدره".
ويضيف قطب "أما أنا فكنت أتمنى الاستشهاد في عملية داخل أرض الوطن، وأصبت معهم ولم استشهد، عدت إلى أرض الوطن ولا اعرف إذا كنت سأموت شهيدا على أرضه، لكنني اشعر بارتياح نفسي شديد، فخوفي الوحيد وأنا أصور المعارك كان على عائلتي وأطفالي الذين كنت أخاف عليهم حياة اليتم في الغربة، فالغربة قاسية على الشخص العادي فكيف باليتيم، ويبدو أن هذا الشعور ما زال يؤثر بي، فيصيبني الصداع كلما سافرت إلى خارج الوطن ولا أتخلص منه إلا عند عودتي".
يبدو أن القدر رسم ليوسف القطب حياة فيها نوع من الغرابة، فقد تفرغ في صفوف الثورة الفلسطينية ولم يتجاوز عمره حينها 13 عاما، وحكايته ربما هي حكاية الكثير من الفدائيين الفلسطينيين الذين ضحوا بحياتهم ومستقبلهم لرسم مسار جديد وأمل جديد في حياة الشعب الفلسطيني.
نقطة التحول في حياته كانت في العام 1968، وهي السنة التي حددت مصيره، ففيها اعتقل شقيقه عبد الرزاق في عملية عسكرية نفذها ضد سينما في القدس مع زميله عبد السلام الحموري، وحكم عليه بالسجن المؤبد وأطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى بعد 18 عاما.
ويقول: كنت اسمع نقاشات أخي وخالي أثناء التخطيط للعمل العسكري (استشهد خاله في بيروت) وقلت له أريد اعمل عملية، أصبحت أكثر إلحاحا بعد اعتقال أخي وقال لي سوف أجعلك تقوم بعملية، وطلب مني إشعال النار ورمي الترمس فيها وعندها ستنفجر وتصيب الإسرائيليين، ففعلت ذلك عند باب الخليل، وهربت اعتقادا مني أنهم سيلحقون بي.
ويتابع: بعد هذه الحادثة بأيام قليلة شهدت عملية إخلاء وهدم بيوت حول سور البراق، لأجد نفسي في اليوم الثاني احمل سكينا صغيرا وأهاجم مجندتين وجرحت واحدة منهن، وتم اعتقالي وتسليمي لمقر الشرطة في القدس، وكانت مقار الشرطة في ذلك الوقت تضم رجال شرطة فلسطينيين مع رجال شرطة إسرائيليين وطلب مني الضابط الفلسطيني أثناء التحقيق بإعطاء معلومات غير حقيقية عن شخصي، وبعد إغلاق المحضر طلب مني الهرب، وأخبرني أن الجندي الواقف عند الباب سيلاحقني لكنه لن يمسكني.
ويردف: عدت لأمي وأبلغتها بأنني سأهرب للعمل مع الفدائيين في عمان عبر النهر، لكنها هدأتني وقالت لي إنها ستقوم بإيصالي، وبالفعل أتمت الإجراءات وأوصلتني بيدها لمعسكر الأشبال وكان مسؤوله حينها الراحل صخر أبو نزار، وبعدها بفترة قصيرة قمت بتلقي دورة مقاتلين في معسكر السخنة ومن ثم انتقلت لقاعدة الشهيد خالد أبو العلا في إربد. وبعد معارك أيلول (معارك وقعت بين الفدائيين وقوات الجيش الأردني) طلب مني أبو على أياد العمل في مخيم الوحدات لتنظيم مقاتلين بشكل سري، لكنني اعتقلت من قبل المخابرات الأردنية، وبسبب صغر سني الذي لم يتجاوز حينها 15 عاما، وضعت في إصلاحية في منطقة الأشرفية في عمان ومنها اتصلت بتنظيمات فلسطينية في أربد لتدبير هربي إلى سوريا، ولم تطل إقامتي فيها لانتقل بعدها إلى الجنوب اللبناني.
ويبدو أن الغرابة في حياة يوسف القطب لا تقف عند مسلسل أحداث حياته لكنها تمتد لتطال جوائزه، فواحدة من صوره فازت بالجائزة البرونزية في ألمانيا الديمقراطية، لكنها لم تحمل اسمه بل حملت اسم وكالة "سانا" السورية.
وعن هذه القصة يقول "كنا نقوم بإرسال صور عن أرشيفنا إلى مقر "وفا" في دمشق للحفاظ عليها، وفوجئت بعد الانشقاق بفوز صورة من صوري بالجائزة البرونزية".
وحصل القطب في العام 1992 على الجائزة الفضية لصور الطفولة في "المهرجان الوطني السادس لفيلم الهواة والصورة للمحترفين" في طبرقة بتونس.
وفي العام 1993 وفي معرض "بيسان الثالث" للصورة وكانت تقوم على تنظيمه الجمعية العربية للتصوير في بغداد نال ثلاث جوائز فضية عن فئة صورة البورترية، والبرونزية عن صورتين للطفولة، وكان المعهد يمنح شهادة الدبلوم لمحترفي التصوير الفائزين بالمسابقة.