مرعي: متعة الصحافة أن تعمل فيها مناضلا لا موظفا
خطا رسلان مرعي (59 عاما) خطواته الأولى في مهنة المتاعب منذ العام 1977 من وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" حتى اليوم، وحفرت مسيرته المهنية بمخاطرها خطوطها على ملامح وجهه، كما فعلت سنوات عمره التي قضاها متنقلا بحثا عن مكان أفضل لنقل الخبر وإطلاقه كما يطلق المقاتلون صواريخهم.
البداية كانت من خلال الصداقة، وخيط العلاقة الأول رسمته علاقة صداقة جمعته مع مدير تحرير الوكالة سليمان أبو جاموس بحكم الجوار في السكن مع الوكالة منذ 1974.
وقال مرعي في شهادة لـ"وفا عن تاريخ هذه العلاقة: وصلت بيروت قادما من فرعون جنوب مدينة طولكرم بهدف دراسة الأدب الانجليزي في جامعة بيروت العربية، بدأت العمل في العام 1977 كمحرر في الوكالة بعد فترة قصيرة في قسم الرصد الإذاعي".
وأضاف "عملنا في التحرير كان يقوم على تغطية أخبار بيروت والجنوب اللبناني، وكان جزء منها يأتينا من مكتب القائد العام حينها، ومن العمليات التي كانت تغطى جبهة الحرب في الجنوب، وكنا نقوم نحن بإعادة تحريره وتوزيعه، كما كنا نحصل على الأخبار الاقتصادية من صامد، والأخبار الأمنية من مؤسسات الأمن مثل الأمن الموحد والأمن المركزي.
ويتابع "لم يكن لدى الوكالة مراسلون بمفهوم المراسل الصحفي، كنا نحن المحررون نقوم بتغطية الأخبار ميدانيا على الأرض، والأحداث التي كنا نغطيها المعارك على الأرض في الجنوب وغيرها من قصف للطيران واشتباك وإنزال عسكري".
كنا نعمل من الثامنة صباحا حتى موعد صدور النشرة، وكنا نناوب مرة في الأسبوع على مدار 24 ساعة، وذلك لتغطية وتوزيع الأخبار التي تحدث بعد صدور النشرة، وكنا نوزعها على الوكالات والصحف اللبنانية والفلسطينية عبر الهاتف، ولكن من الزاوية الفعلية لم نكن نغادر الوكالة مع انتهاء الدوام إلا بوجود التزام شخصي، فالوكالة كانت مثل بيتنا خاصة العزاب منا".
وعن طريقة تغطية الوكالة للأخبار في فترة الاجتياح روى مرعي: "كانت غالب التغطية تصلنا من مكتب القائد العام والعمليات، ولم نكن نغطي الجوانب الحياتية للناس في الاجتياح، حتى المفاوضات السياسية التي كانت تخص الخروج، وكنا نلتزم بما يصلنا من القيادة".
وأضاف: "رغم الاجتياح والقصف كنا نتنقل بين أربع مقار، ففي بداية الاجتياح كنا نعمل من خلال قبو تحت مكتب التعبئة والتنظيم، وكان مقابل لمبنى وفا، ومع اشتداد القصف، توزعنا بين مقر في منطقة الحمراء وآخر في منطقة الصنايع وثالث في الجامعة العربية، وكنا نتنقل بين هذه المكاتب حسب الأوضاع الأمنية".
وقال مرعي "في بداية الاجتياح وما أن تغيب الشمس ويتوقف قصف الطيران، كان يقصد مقر وفا رغم قصف الشوارع بالقنابل الموقوتة على الطرق، مثقفون وإعلاميون وسياسيون، كانوا يتفادونها من خلال استخدام المصباح اليدوي، كذلك كان يزورنا أبو عمار للاطمئنان على سير العمل ومتابعة بعض القضايا، ولكن إقامته لا تطول بحكم كونه مطارد من قبل طائرات العدو".
وتابع: كل كادر الوكالة كان على رأس عمله، لم يتخلف أحد عن العمل ولم ينهار، بل على العكس كنا ننام ونأكل ونعمل في ذات المكان، خاصة غير المتزوجين منا.
غادر مرعي كما قال، بيروت باتجاه تونس لفترة زمنية محددة، وبعدها صدرت الأوامر بالتوجه إلى قبرص لخمسة من العاملين في الإعلام، ثلاثة منهم في فلسطين الثورة وهم: محمد سليمان "أبو إبراهيم"، ورياض الحسن رئيس الوكالة الحالي، وجواد البشيتي في الأردن، وكنت أنا ونمر خلوف (آخر موقع له في الوكالة كان مدير العام للخدمات المساندة) عن وفا".
وأضاف "الهدف من هذا التشكيل كان التحضير لإعادة إصدار مجلة فلسطين الثورة الأسبوعية من جديد، وفتح مكتب لـ"وفا" في قبرص، ولم تطل إقامة نمر في قبرص وغادرنا للأردن، وبدأنا العمل من خلال سفارة فلسطين في قبرص، وتابعت العمل حتى نوفمبر من العام 1994، وباشرت العمل من جديد، ولكن هذه المرة كمدير لمكتب وفا في طولكرم في الأول من كانون الثاني عام 1995، لكننا لم نفتح المكتب إلا بعد الانسحاب الإسرائيلي منها".
عن وفا قبرص وآلية عملها شرح مرعي طبيعة المهام والتغطية، وقال "كنا نتابع أخبار فلسطين المحتلة من خلال الاتصال بعدد من المكاتب الصحفية العاملة في الأرض المحتلة، أسجل الأخبار عبر الهاتف، وأقوم بتفريغها وصياغتها وإعطائها للمحرر عبر الهاتف في تونس والذي يقوم بدوره بمتابعتها للنشر".
وخلال هذه الفترة كنا نتابع أخبار الأرض المحتلة بصورة رئيسية مع أخبار الثورة في لبنان، مثل حصار طرابلس وحرب المخيمات وكل الأحداث التي تخصها، إضافة للأخبار اللبنانية ولكن بصورة أقل من الأخبار الفلسطينية، والتركيز كان على الأرض المحتلة".
وأضاف "ظلت هذه الآلية على حالها حتى الانتفاضة ورحمنا الله باختراع الفاكس، الذي أصبح يوفر علينا الكثير من الوقت والجهد في العمل، ونوزع أخبارنا عبره، خاصة وأننا خلال الانتفاضة كنا نقوم بإصدار نشرة وكانت عبارة عن تقرير يومي عن فعاليات الانتفاضة، نوزعها بعد ترجمتها للغة الإنجليزية إلى الوكالات والصحف المحلية".
وتابع: كذلك كنت أقوم بإرسال أخبار الوكالة الفرنسية عبر الفاكس لتونس، لأن اشتراكنا فيها أسهل بحكم بث الفرنسية لأخبارها من نيقوسيا.
وعن شكل المتابعة مع الأرض المحتلة، قال مرعي "كنا نتصل بعدد كبير من المكاتب الصحفية حسب الحدث ومكانه، لكننا كنا نعتمد على المقدسية، ومنها مكتب الخدمات الصحفية برئاسة ريموندا الطويل، والعرب للصحافة ويقوم عليه رضوان أبو عياش".
باختصار شديد كنا نعمل ليل نهار، خاصة في أيام الانتفاضة الأولى، لا نعرف الراحة ولا الإجازات.
وعن الفوارق بين العمل في الخارج والداخل، قال "العمل في الخارج كانت فيه متعة خاصة، كنا نغطى أحداث جسام، فيها الكثير من الإثارة، لكن في الوطن صرنا نهتم بالخبر المحلي، وهو خبر يومي متعته وإثارته محدودة.. في الخارج لم نعمل كموظفين كنا نعمل بروح المناضلين لكننا في الوطن عملنا كموظفين.
وأضاف "عندما تعمل موظفا تنشغل بالامتيازات وبالراتب والدوام، لكن عندما تعمل كمناضل تغيب كل هذه الاهتمامات، عندما كنا نأخذ مكافأة 100 ليرة لبنانية (قيمتها توازي 25 دولار في حينه) نكون سعداء لأنها ستمكننا من تغطية أجرة البيت، فرواتبنا في البداية كانت تصل إلى 350 ليرة لبنانية لا تكفي لاحتياجات حياتنا خاصة للعائلات، ووصل قبل الخروج من بيروت إلى 550 ليرة، وكان غالبنا يعمل مع صحف ووكالات ليتمكن من تغطية احتياجاته، فكنت أعمل في وكالة الأنباء الليبية.
وقال مرعي "آن الأوان لتتحول الوكالة في عملها لوكالة أنباء عالمية رغم التطور لكن القسم الدولي والعربي ما زال غائبا عنها، إضافة للحاجة للاهتمام بالخبر السياسي بصورة أعلى دون إهمال للخبر المحلي".
ــــ