باحث: للفلسطينيين حقوق ثابتة في أحواض المياه المشتركة وفق حقائق هيدرولوجية وقانونية لا يستطيع ألأسرائيليون إنكارها
حقوق المياه الفلسطينية ، هي حقوق سيادية كاملة ، ُتمَارس على ألأرض وعلى ما تحتويه من ثروات وموارد طبيعية وفي مقدمتها الثروة المائية ، في كافة أشكالها ، كمصادر مياه وطنية مستقلة او مياه ألأحواض المشتركة ، وليست حقوق المياه حصص او إحتياجات تقاس بالمتر المكعب لحاجة الفرد او الدونم الواحد من الأرض ، بل هي حقوق سيادية وملكية قانونية للثروة المائية والموارد الطبيعية ، وهي هبة من الله سبحانه وتعالى خصها لأصحاب ألأرض ألأصليين من أهل فلسطين .
نتحدث عن مياه فلسطينية ، تنشأ وتتكون بكاملها داخل ألأراضي الفلسطينية وتتحول الى باطن ألأرض الفلسطينية لتشكل الأحواض المائية الجوفية بطبقاتها الصخرية المكونة لتلك ألأحواض ، نتحدث عن مياه ومجاري ألأودية الموسمية التي تجري داخل ألأراضي الفلسطينية ، ونتحدث عن مياه نهر ألأردن الصافية والنظيفة ، التي كانت تتدفق عبر مجرى النهر بمحاذاة أراضي الضفة الغربية وعلى كامل إمتدادها مع المجرى حتى مصبه في البحر الميت ، وبطول يزيد على 80 كيلو متر، وكان المزارعون الفلسطينيون يضخون تلك المياه من مجرى النهر ليروون اراضيهم الزراعية ، على مساحات شاسعة تجاوزت 35 الف دونم قبل الأحتلال ألأسرائيلي للضفة الغربية عام 1967.
حقوق المياه الفلسطينية ليست 80 مليون متر مكعب التي تم الأتفاق حولها وفق المادة ألأربعون من ألأتفاقية المحلية لعام 1995 كما يدعي ألأسرائيليون ، فهذه الكميات هي جزء من الحقوق الفلسطينية ، وقد وافق الجانب الفلسطيني عليها على اساس انها كميات مياه إضافية عاجلة يتوجب على ألأسرائيليين تسهيل توفيرها خلال المرحلة ألأنتقالية 1995-1999 ، على ان يتم البحث والتفاوض حول مسألة الحقوق المائية في إطار مفاوضات الوضع الدائم وفق ما نص عليه البند ألأول من المادة ألأربعين أعلاه .
كما ان كميات المياه التي تتزود بها الضفة الغربية من خلال شركة المياه ألأسرائيلية "شركة ميكوروت" ، والمقدرة بحوالي 45 مليون متر مكعب في السنة ، وحوالي 5 ملايين متر مكعب لقطاع غزة ، هي أيضا جزء من الحقوق المائية ، من ضمن الكميات ألأضافية المتفق حولها أعلاه ، يتم تزويدها للفلسطينيين وفق اسس تجارية محددة ، يدفع الفلسطينيون ثمنها بمعدل 3.5 شيكل لكل متر مكعب ، وبالتالي فهي ليست ِمنَّة ولا مَكْرُمَة ولا حسن جوار من قبل ألأسرائليين لأنها لا تمثل الحقوق والمطالب الفلسطينية ولا تغطي أكثر من 22% من ألأحتياجات المائية لأغراض الشرب والمنزل .
مارس ألأسرائيليون سياسة العرقلة والفيتو على المشاريع الفلسطينية وخاصة مشاريع حفر ألأبار ، التي قدمت الى لجنة المياه المشتركة ، ولم يوافقو سوى على عدد محدود منها لم يتجاوز 22 مشروعا تتعلق غالبيتها بحفر ابار لأغراض الشرب ، من أصل أكثر من 110 مشروعا قدمت للجنة منذ بدء عملها عام 1995 . كان من المفترض ان تكون المهام الرئيسية للجنة المياه المشتركة محصورة بألأمور الفنية ، والتعاون المشترك في تنفيذ إتفاقية المياه المرحلية وفق المادة ألأربعون ، إلا ان الجانب ألأسرائيلي وضع شروطا وقيودا على المشاريع الفلسطينية خاصة التي تقع في مناطق الحوضين الغربي والشمالي الشرقي ، ومنها ايضا شروطا أمنية تتعلق بما يسمى بأمن المستوطنات ، حيث تم رفض كافة مشاريع حفر ألأبار التي تقع على مسافة تقل عن 3 كيلو متر من المستوطنات او من الطرق المؤدية اليها ، وكان يترأس إجتماعات لجنة المياه المشتركة عن الجانب ألأسرائيلي رئيس سلطة المياه ألأسرائيلية ويشارك معه مستشارون من هذه السلطة ومندوبون عن وزارة الدفاع وعن وزارة البيئة ومندوب عن مكتب التنسيق العسكري يتبع لمكاتب ما يسمى بألأدارة المدنية ولكل واحد من هؤلاء المندوبين حق ألأعتراض وحق الفيتو على المشاريع الفلسطينية ، وما اكثر من قرارات ألأعتراض التي حالت دون حصول الفلسطينيين على اكثر من 80 % من مشاريع ألأبار المقدمة للجنة المشتركة . مع التذكير بأن الجيش الأسرائيلي دمر خلال السنوات العشرة الماضية ، أكثر من 60 بئرا زراعيا وبركة تجميع لمياه ألأمطار تعود ملكيتها للمزارعين الفلسطينيين ، في مختلف مناطق الضفة الغربية .
الوضع المائي كارثي في قطاع غزة ومأساوي في الضفة الغربية وبحالة تردي وتدهور متزايدة ، وألأسرائيليون يعرفون كافة التفاصيل حول هذا ألأمر ، ويعرفون جيدا طبيعة وأبعاد المخاطر البيئية والصحية وطبيعة وحجم المعاناة التي تواجه قطاع المياه في غزة والضفة معا ، ويعرفون جيدا كم متر مكعب من المياه يصل فعليا الى كل مدينة والى كل حي وبلدة وقرية فلسطينية ، بل الى كل بيت والى كل فرد فلسطيني ، ويدركون جيدا كم يحتاج الأنسان من المياه للشرب وألأغتسال والمنزل ، وبالتالي فهم على دراية كاملة بأزمات العطش القاسية التي تضرب أكثر المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وكامل قطاع غزة وخاصة خلال أشهر الصيف. يعرف ألأسرائيليون كل ذلك منذ العام 1967 أي قبل إنطلاق عملية السلام في مدريد عام 1991 ، ولكنهم لم يحركوا ساكنا ولم يبادروا بأية خطوة حقيقية للتخفيف من معاناة الفلسطينين ,لأثبات حسن نواياهم تجاه العطش الفلسطيني، هذا لو كان لديهم حقا إلتزام بمبدأ حسن النوايا او حسن الجوار ...
يطالبون الفلسطينيين ان يكونوا شركاء حقيقين في السلام والعيش المشترك ، وفي نفس الوقت يتمسكون بمواقفهم المتشددة تجاه حقوق ومطالب الفلسطينيين العادلة ومن ضمنها الحقوق المائية وهي حقوق ثابتة تستند الى حقائق ومعطيات هيدرولوجية وقانونية لا يستطيع اي إسرائيلي إنكارها .
يستغلون نسية تزيد على 85 % من الطاقة المائية المتجددة من مجاري ألأحواض الجوفية المشتركة ، وينهبون معظم مصادر مياه حوض نهر ألأردن ، ويرفضون بشدة زيادة كميات المياه المزودة من خلال شركة ميكوروت للمناطق الفلسطينية بحجة انهم يواجهون أزمة نقص شديد في مصادر المياه ، وهو إدعاء باطل وغير صحيح ، ويمنعون الفلسطينيين من حفر ألأبار او حتى إجراء الصيانة للأبار الزراعية السطحية ، يهدرون نسبة 78 % من مصادر المياه العذبة في القطاع الزراعي ، علما بأن النسبة الكبرى من إنتاجهم الزراعي يتم تصديرها للخارج ، كما يهدرون جزء كبير من المياه على الحدائق المنزلية وبرك السباحة ( تقدر مساحة الحدائق المنزلية في إسرائيل بحوالي 142 الف دونم ، اي ما يقارب المساحة المروية في الضفة الغربية وقطاع غزة معا ) ، ويتجاوز معدل إستهلاك الفرد الواحد لأغراض الشرب وألأحتياجات المنزلية بحوالي 400 ليتر في اليوم داخل إسرايل و800 ليتر في اليوم في المستعمرات ألأسرائيلية في الضفة الغربية ، اي ما يعادل 6 إلى 10 أضعاف إستهلاك الفرد الفلسطيني ، وَيَّدعُون بأنهم يواجهون عجزا كبيرا في مصادر المياه وبأن تحلية مياه البحر هي الحل الوحيد لمشكلة نقص المياه ، ويقولون بأن على الفلسطينيين ان يدركوا بأن الحلول الوحيدة لمعالجة مشاكل نقص المياه غير موجودة إلا في البحر ...فعليهم أي على الفلسطينيين ان يفكروا جديا في بدائل تحلية المياه ، ولا داعي للأنتظار ، وتضييع الوقت .
علما بأن الفلسطينيينن لا يرفضون مسألة التعاون في البحث عن مصادر مياه إضافية عذبة ، من ضمنها مصادر تحلية مياه البحر ، ولكن ليس على حساب حقوقهم المائية في مصادر مياه ألأحواض العذبة ، وقد أكدوا مرارا على موقفهم هذا وإستعدادهم للتعاون على المستويين الثنائي وألأقليمي في مجال المياه ، وفي كافة الأمور ، بما في ذلك تحلية المياه ، ولكن بعد ان يستعيدوا مياههم العذبة المنهوبة من قبل ألأسرائيليين ، عندها يبدأ الحديث عن اوجه ومجالات ومشاريع التعاون الحقيقي .
تشتمل أنظمة مجاري وأحواض المياه المشتركة بين الفلسطينيين وألأسرائيليين على نوعين : ألأحواض السطحية وتضم حوض نهر ألأردن ومياه ألأودية الموسمية ( ألأودية الغربية للضفة الغربية ووادي غزة) ، وألأحواض الجوفية وتشمل : ألحوض الغربي ، الحوض الشمالي الشرقي ،الحوض الشرقي ، ويطلق على هذه ألأحواض الثلاثة بألأحواض الجبلية ، نظرا لوقوع اهم وأكبر معدلات لمساقطها المائية داخل حدود الضفة الغربية ، بألأضافة الى ألأحواض الجبلية فهناك أيضا الحوض الساحلي وحوض الكرمل وهما ايضا حوضان مشتركان وفق المعطيات والحقائق الهيدرولوجية ، الواردة في سياق هذا التقرير .
فمن النواحي والمعطيات الهيدروغرافية وألأيكولوجية الثابتة ، ووفق المادة السادسة من إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية للعام 1997 فأن الفلسطينيين طرف مشاطيء وشريك كامل في حوض نهر ألأردن وله حقوق المشاطئة مثله مثل بقية ألأطراف ألأخرى المشاركة في هذا الحوض ، خاصة وأن المزارعين الفلسطينيين في منطقة ألأغوار الفلسطينية وفي منطقة سهل الحولة كانوا أول من إستخدم مياه حوض نهر الأردن لري مزارعهم ، قبل قيام الكيان الصهيوني بسنوات طويلة وهذه حقائق موثقة لدى البريطانيين خلال عهد ألأنتداب ، وهو ما يثبت مبدأ حق ألأستخدام المسبق وألأول للفلسطينيين في مياه الحوض .
وكان المبعوث ألأمريكي الى المنطقة أريك جونستون قد بين في خطته المعروفة " بخطة جونستون لعام 1955 " والتي قدمها لرئيسه ، أوجه تحصيص وإستغلال مياه مجرى حوض نهر ألأردن ، من قبل الأطراف المشاركة والمشاطئة ، ومن ضمنها ألأراضي الفلسطينية التي خصصت لها الخطة 220 مليون متر مكعب في السنة ، كما تضمنت خطة جونستون المنشأت الهندسية لتحويل ونقل المياه عبر نظام سيفون يربط قناة الغور الشرقية في الجانب ألأردني بقناة الغور الغربية على الجانب الفلسطيني ، والتي كان من المفترض الشروع في بناءها بالتوازي مع بناء قناة الغور الشرقية ، بتمويل من قبل الحكومة ألأمريكية ، ووفق الدراسات الفنية والهندسية التي كانت معدة وجاهزة وكانت تشمل دراسة الجدوى ألأقتصادية والتصاميم الفنية والهندسية، اعدت من قبل المهندس ألأمريكي ماين ، وهذه المرجعيات جميعها موثقة لدى جامعة الدول العربية ولدى أرشيف الكونغرس ألأمريكي .
كافة المعطيات والحقائق الفنية والهيدرولوجية والتي لا يستطيع احد إنكارها او الطعن فيها ، تثبت وتؤكد على عدالة المطالب والحقوق الفلسطينية في مجاري أحواض المياه المشتركة طبقا لمرجعيات القانون الدولي كافة ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة :
الحقوق الفلسطينية في مياه حوض نهر ألأردن وأوجه ألأستغلال القائم:
تتشكل مياه حوض نهر ألأردن من أربعة روافد رئيسية تقع منابعها داخل ألأراضي العربية وتضم : حوض نهر الحاصباني وتقع منابعه في لبنان ويقدر معدل تصريفه السنوي الدائم بحوالي 145 مليون متر مكعب ، نهر بانياس وتقع منابعه في سوريا ويقدر معدل تصريفه السنوي الدائم135 مليون متر مكعب ، نهر الدان الذي يتغذي بشكل كامل من مياه وثلوج جبل الشيخ ولذا تبقى مياهه باردة طيلة السنة ويقدر معدل تصريفه السنوي الدائم 255 مليون متر مكعب ، الرافد الرابع وهو نهر اليرموك الذي تقع منابعه الرئيسية في منطقة حوران في سوريا ويقدر معدل تصريفه السنوي الدائم بحوالي 400 مليون متر مكعب هذا بألأضافة الى مياه الروافد هناك تصريف مياه ألأودية التي تنحدر من هضبة الجولان بمعدل 123مليون متر مكعب ، ومياه ألأودية التي تنشأ من جبال الجليل الغربي وسهل الحولة بمعدل تصريف سنوي يصل الى حوالي 60 مليون متر مكعب ، ومياه ألأودية الجانبية المنحدرة من الجبال الغربية للأردن والتي يقدر معدل تصريفها في الحوض حوالي180 مليون متر مكعب ، ومن الجهة المقابلة تنحدر اودية الضفة الغربية بأتجاه الحوض بمعدل تصريف سنوي حوالي 22 مليون مت مكعب .
أي ان مجموع مصادرالمياه التي تغذي حوض نهر ألأردن من المنابع التي تقع داخل ألأراضي العربية يقدر بحوالي 1260 مليون مترمكعب ، تشكل نسبة تصل 95.5% من مجموع المعدل السنوي للتصريف النهري ، ومن داخل إسرائيل فأن مجموع التصريف السنوي الذي يغذي الحوض لا يتجاوز 60 مليون متر مكعب اي ما يشكل نسبة 4.5 % فقط من إجمالي التصريف الدائم للنهر .
وفق خطة جونستون فأن حصة ألأردن والأراضي الفلسطينية بلغت 720 مليون متر مكعب ( بالنسبة للأردن يتم الحصول على حصته من نهر اليرموك ومن ألأودية الجانبية ، اما بالنسبة للفلسطينيين فقد حددت الخطة ان يتم الحصول على حصتهم والتي قدرت بحوالي 220 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا ونهر اليرموك عبر قناة الغور الشرقية كما اشرنا اعلاه) ، حصة سوريا 90 مليون متر مكعب (يتم سحب قسم منها من الجزيء العلوي لنهر ألأردن والقسم ألأخر من بحيرة طبريا ومن نهراليرموك) ، حصة لبنان 35 مليون متر مكعب ( يتم سحبها حسب الخطة من نهر الحاصباني) ، حصة إسرائيل 475 مليون متر مكعب ( يتم الحصول عليها من الجزيء العلوي للحوض ومن بحيرة طبريا ) .
وافق العرب كما هو معروف على الجزيء الفني من خطة جونستون بما في ذلك التحصيص المقترح لمياه الحوض ، ولكنهم عادوا ورفضوا الخطة بكاملها لأسباب سياسية ، أهمها بقاء تحكم ألأسرائليين ببحيرة طبريا .
ألأستغلال القائم لمياه النهر وكما هو معروف فقد أصبح معظمه بيد ألأسرائليين الذين أصبحوا يستغلون 80% من تصريف الحوض بأكمله وقد أقاموا المنشأت على الحوض العلوي في سهل الحولة ( يجري ضخ أكثر من 140 مليون متر مكعب سنويا من نهر ألأردن العلوي قبل وصوله الى بحيرة طبريا لري ألأراضي الزراعية في سهل الحولة) وعلى ضفاف بحيرة طبريا للتحكم الكامل بكامل الموارد المائية لهذا الجزء من النهر بألأضافة الى قسم أخرهام من مياه نهر اليرموك ( تتكتم إسرائيل على حجم كميات المياه التي يتم ضخها سنويا من حوض اليرموك الى بحيرة طبريا ، ويعتقد بأن هذه الكميات لا تقل عن 120 مليون متر مكعب ) حيث يتم تحويلها الى البحيرة كما يجري ضخ المياه من شمال البحيرة الى مناطق الساحلي وحتى شمال النقب عبر ما يعرف بمشروع مياه ألأنبوب القطري( تقدر كميات المياه التي يجري ضخها من بحيرة طبريا الى مناطق الساحل وشمال النقب بحوالي 500 مليون متر مكعب) ، اما الجزء السفلي من النهر فلم تعد تجري فيه المياه بأستثناء كميات قليلة جدا لا تتجاوز 30 مليون متر مكعب ، مصدرها مياه الينابيع المالحة ومياه المجاري غير المعالجة التي يتم تصريفها وتحويلها مباشرة الى هذا الجزء من النهر من مناطق طبريا وبيسان وجوارها ، مما ادى الى تحول المجرى السفلي الى مجرى مائي لجدول صغير ملوث بالكامل .
بعد حرب عام 1967 ُأبْعِدَ الفلسطينيون عن ضفة النهر ودمرت كافة منشاءاتهم ومضخاتهم التي كانوا يستخدمونها لري مزارعهم وأراضيهم ولم يعد بألأمكان بعد ذلك الحصول على المياه من نهر ألأردن حتى يومنا هذا ( كانت منطقة ألأغوار الزراعية المحاذية لنهر ألأردن تعتبر قبل العام 1967 سلة الخضار للفلسطينيين، تنتج اكثر من 40% من ألأنتاج الزراعي السنوي) .
ومن النواحي القانونية ، فوفق التعريف القانوني الذي اقرته اتفاقية قانون استخدام مياه المجاري الدولية في الأغراض غير الملاحية
اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية 1997”
United Nations Convention on the Law of the Non-navigational Uses of
“International Watercourses [New York, 21 May 1997]
والتي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/05/1997 فأن حوض نهر ألأردن هو نظام لمجرى مائي دولي عابر للحدود ، تتشاطيء وتتشارك في حوضه خمسة أطراف تضم : لبنان ،سورية ، ألأردن ، إسرائيل وفلسطين .
ووفق المادة الخامسة من هذه ألأتفاقية بشأن ألأنتفاع اوالمشاركة ، فأن لكافة دول المجرى المائي كل في إقليمها ، حق ألأنتفاع الكامل بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة مع مراعاة حقوق ومصالح دول المجرى المائي وعلى نحويتفق مع توفير الحماية الكافية لحوض المجرى .
وهذا طبقا لمبدأ الانتفاع والمشاركة المنصفان : شرعت الاتفاقية الحاجة الطبيعية والحيوية لدولة المجرى من موارده المائية حين أقرت به وجعلته من حقها ، ويستخلص ذلك من المــادة 6 التي ذهبت إلي أنه يجب على دول المجري المائي ، بغية ضمان الحق ولا لأحد سلطة إنفرادية مطلقة على المجرى ، فقد تم تقييده بإشاعة ذلك الحق لكل دول المجري وقد ربط استخدام ذلك الحق بأن يستخدم بطريقة منصفة ومعقولة :
( utilize in an equitable and reasonable manner)
تعمل كل دولة من دول المجرى الدولي المائي على تنميته بغية ألأنتفاع به بصورة مثلى ومستديمة مع إحترام حقوق ومصالح بقية دول المجري وعدم الإضرار بالمجرى نفسه . وفي ذلك فأن سلوك الدولة يجب أن يتفق مع الالتزام بالانتفاع المنصف ، وتأخذ في الاعتبار وعلى نحو مستمر جميع العوامل ذات الصلة لضمان احترام حقوق الدول الأخرى. ولما كانت معايير العدالة والانصاف تقديرية ويمكن بالتالي أن تكون محل اختلاف فقد أوردت المادة السادسة أمثلةً لتلك العوامل شريطة أن يتم التفاوض بشأنها متحلين بروح التعاون على أن يتم النظر فيها كحزمة واحدة مع إعطاء وزن لكل عامل منها حسب أهميته الفعلية بالمقارنة مع العوامل الأخرى :
. • الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول المجرى المائي المعنية
. • العوامل الجغرافية والهيدروغرافية والمناخية والإيكلوجية العوامل الأخرى التي لها صفة طبيعية
. • السكان الذين يعتمدون على المجرى المائي
. • آثار استخدام المجرى المائي في إحدى دول المجرى علي غيرها من دول المجري
• حفظ الموارد المائية للمجرى وحمايتها وتنميتها
• ألأقتصاد في ألأستخدامات القائمة والمحتملة للمجرى
• تكاليف التدابير المتخذة في هذا الصدد
. •مدى توافر بدائل ذات قيمة لاستخدام معين مزمع أو قائم
كما نصت الماد السابعة من ألأتفاقية على فرض ألألتزام على ألأطراف المشاطئة بعدم التسبب في الضرر الملموس وذي شأن حيث تضمنت هذه المادة على ان تتخذ دول المجرى المائي كل التدابير اللازمة للحيلولة دون التسبب في الحاق الضرر الملموس لدول المجرى المائي ألأخرى ....
وبمجب هذه المادة يجب ان تقوم كل دولة مشاطئة لحوض المجرى الألتزام باتخاذ كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لباقي دول المجرى ، كما أنه عليها في حالة حدوث ذلك الضرر التشاور مع الدول المتضررة من أجل إزالته أو تخفيفه والتعويض عنه . والضرر الملموس حسب القانون الدولى يقصد به المساس بحق أو مصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون الدولي .
الحقوق الفلسطينية في مجاري مياه ألأودية الموسمية :
تنحدر شبكة واسعة من ألأودية الموسمية من مناطق الضفة الغربية وتصرف مياهها داخل الخط ألأخضر شمالا وغربا وجنوبا ، وتشكل تلك الأودية مصادر تغذية سنوية للأحواض الجوفية ولبعض مجاري ألأودية المتجهة الى البحر ، وتقدر كميات المياه التي تصرفها مجاري ألأودية والتي تنشأ وتتكون معظمها من مساقط ألأمطار داخل حدود الضفة الغربية بحوالي 140 مليون متر مكعب ، تستغل بكاملها من قبل ألأسرائليين ، بما في ذلك مياه وادي غزة الذي يتغذى بشكل رئيسي من تصريف اودية الضفة الغربية المنحدرة من جبال الخليل ، وكان هذا الوادي يحمل سنويا أكثر من 35 مليون متر مكعب ، الى داخل قطاع غزة ، حيث كان هذا المصدر يشكل تغذية هامة للمياه الجوفية . مياه هذه ألأودية تشكل مجاري لمياه دولية ، تخضع للقانون الدولي ولمبدأ ألأستخدام المنصف والمعقول .
ألحقوق المائية الفلسطينية في مجاري ألأحواض الجوفية المشتركة :
ما يخص الحقوق الفلسطينية في ألأحواض الجوفية المشتركة ، بأعتبارها مجاري مياه دولية ، فأن تلك الحقوق تستند الى مبدأ الأستخدام المنصف والمعقول وفق القانون الدولي وتحديدا للمادتين الخامسة والسادسة من إتفاقية ألأمم المتحدة بشأن المجاري الدولية لغير الملاحة للعام 1997 ، فأن للفلسطينيين حق السيادة بالدرجة ألأولى على كافة مصادر المياه التي تقع داخل حدودهم مع ألألتزام الكامل بأحترام حقوق ألأخرين وعدم التسبب بالضرر الملموس للغير ، وبالدرجة الثاني حق ألأنتفاع الكامل في مياه مجاري ألأحواض الجوفية المشتركة بشكل منصف ومعقول ،على ان يشمل هذا ألأنتفاع كافة ألأحواض المشتركة الموضحة أعلاه ودون إستثناء ، وهي على النحو التالي :
الحوض الغربي: يضم هذا الحوض كافة المناطق والمنحدرات الجبلية التي تتجه حركة تصريف مياهها بأتجاه الغرب بدءا من المناطق الغربية لمحافظة جنين وحتى مناطق جنوب غرب محافظة الخليل، وتتشكل معظم مصادر التغذية الجوفية لهذا الحوض من مياه الأمطار الموسمية التي تنشأ وتتكون بغالبيتا داخل حدود الضفة الغربية وبنسبة تزيد على %95 من الطاقة المائية المتجددة لهذا الحوض والمقدرة بحوالي 400 مليون متر كعب سنويا أي ان نسبة %95 من هذه المياه مصدرها مساقط ألأمطار الواقعة بكاملها داخل حدودنا، ما نحصل عليه حاليا وفعليا من اجمالي هذه الكميات لا يتعدى 20 مليون متر مكعب سنويا، أي ما نسبته حالي %5.5 من اجمالي طاقة الحوض، يتم ضخها من خلال ما تبقى من ألأبار السطحية الزراعية وعددها 154 بئرا موزعة على محافظات: جنين، طولكرم وقلقيلية وقد اصبحت غالبيتها تعمل بكفاءة متدنية جدا نظرا لقدمها، بينما يتم سحب وضخ معظم مياه هذا الحوض وبمعدل إستنزافي يتعدى طاقة الحوض من قبل الأسرائيلين ومن خلال شبكة واسعة من الأبار العميقة التي تم حفرها تدريجيا ضمن مناطق هذا الحوض الممتدة داخل الخط الأخضر ويعتقد ان عددها أصبح يتجاوز ال 500 بئرا، تشكل جزءا هاما من النظام المائي القطري الأسرائيلي.
الحوض الشمالي الشرقي: يقع هذا الحوض في المنطقة الشمالية الشرقية من الضفة الغربية ويضم تحديدا كافة مساقط المياه المنحدره من محافظات نابلس، جنين وطوباس بأتجاه الشمال والشمال الشرقي، وتمتد حدوده الجغرافية والجيولوجية الى داخل سهل مرج ابن عامر ومنطقة بردلة وأجزاء كبيرة من مناطق الأغوارالشمالية الشرقية. تتشكل غالبية مصادرالتغذية الجوفية لهذا الحوض من مساقط ألأمطار التي تقع معظمها داخل حدود الضفة الغربية بنسبة تزيدعلى %90 من إجمالي الطاقة المائية السنوية المتجددة والمقدرة بحوالي 158 مليون متر مكعب، يحصل الفلسطينيون من هذه المياه على كميات تقدر بحوالي 33 مليون متر مكعب أي ما نسبته حوالي ال %20 من الطاقة المتجددة، منها 16 مليون متر مكعب تأتي من تصريف الينابيع و17 مليون متر مكعب تأتي من الأبارالزراعية والشرب معا والبالغ عددها 82 بئرا وغالبيتها هي أبار سطحية قديمة جدا وذات قدرة انتاجية محدوده، ويبلغ عدد الأبار الزراعية في هذا الحوض 70 بئر تنتج مجتمعة حوالي 6 مليون متر مكعب، اما ابار مياه الشرب فعدها 12 بئرا تنتج 11 مليون متر مكعب.
اما ألأسرايليون فيسيطرون ويسحبون من هذا الحوض حوالي 125 مليون متر مكعب تشكل نسبة %80 من إجمالي الطاقة السنوية المتجددة، تصرف غالبيتها من خلال الينابع في منطقة الجلبون وبيسان .
الحوض الشرقي: يقع هذا الحوض بكامله داخل حدود الضفة الغربية ويضم كافة مساقط المياه المنحدرة بأتجاه الشرق نحو منطقة غور وادي الأردن ومجرى نهر ألأردن من مناطق الشمال لمحافظات ألضفة: جنين، طوباس، نابلس، رام ألله، بيت لحم وحتى أقصى الجنوب لمناطق محافظة الخليل، وتقدر الطاقة المائية السنوية المتجددة لهذا الحوض بحوالي 175 مليون متر مكعب، إلا ان قسما كبيرا من هذه الكميات يقدر بحوالي 55 مليون متر مكعب هي غير صالحة للشرب اوالزراعة بسبب ملوحتها العالية جدا، تصرف وتذهب هدرا الى البحر الميت.
من كميات المياه العذبه المتبقية وهي حوالي 120 مليون متر مكعب يحصل الفلسطينيون على حوالي 65 مليون متر مكعب، تشكل نسبة %37 من اجمالي الطاقة المائية المتجددة (175 م م م) وحوالي %54 من اجمالي الطاقة المائية العذبة المتجددة (120م م م)، يتم الحصول على هذه الكميات من خلال 95 بئرا زراعيا تنتج مجتمعة حوالي 28 مليون مترمكعب في السنة بألأضافة الى 7 أبار للشرب تنتج حوالي6،7 مليون متر مكعب وحوالي 33،3 مليون متر مكعب تاتي من الينابيع. أما ألأسرائيليون فيستغلون حوالي 40 مليون متر مكعب من ألمياه ألعذبة لهذا الحوض، يتم ضخها من خلال 35 بئرا عميقة
الحوض الجوفي الساحلي :
ويمتد من جنوب حيفا وحتى النقب ويدخل قسم كبير منه داخل ألأراضي المصرية ، وفي العمق الشرقي يصل الى نهاية المنحدرات الجبلية الممتدة حتى جنوب بئر السبع ، أي ان الطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية والتي تقع داخل قطاع غزة تعتبر جزءا لا يتجزاء من الحوض الساحلي.
تقدر طاقة هذا الحوض بحوالي 476 مليون متر مكعب يجري ضخ اكثر من هذه الطاقة ، أي ان هناك سحب زائد وعجز سنوي تراكمي على حساب المياه الجوفية غير المتجددة وهي في غالبيتها مياه عالية الملوحة ألأمر الذي اصبح يشكل تهديدا خطير لمصادر المياه العذبة في الحوض نتيجة لأتساع مناطق الملوحة الناتجة عن الزحف المتزايد لمياه البحر بأتجاه الداخل .
يتغذى هذا الحوض من مساقط مياه الأمطار فوق مناطق الساحل ومن مياه ألأودية والسيول الموسمية الغزيرة التي تتدفق من المنحدرات الجبلية الغربية للضفة الغربية بكميات كبيرة قد يصل معدلها السنوي الى حوالي 120 مليون متر مكعب .
ما يحصل عليها الفلسطينيون من المياه العذبة المتجددة للحوض الساحلي لا تتجاوز معدل 45 مليون متر مكعب وهي كميات التغذية المتاحة من مياه الأمطار التي تسقط فوق مناطق القطاع ، اي ان ما يحصل عليه الفلسطينيون فعليا من المياه العذبة المتجددة لهذا الحوض لا يتجاوز نسبة 9% من الطاقة ألأجمالية السنوية .
يجري تشريب كميات كبيرة من مياه المجاري المعالجة ثانويا الى باطن ألأرض من خلال شبكة من ألأبار ألأمتصاصية ضمن نظام شبكة أبار التغذية الصناعية المقامة في معظم مناطق الحوض .
حوض الكرمل :
ويغطي كافة مناطق جبال الكرمل وحيفا ويمتد الى داخل سهل مرج ابن عامر ، وتقدر طاقتة المائية السنوية المتجددة بحوالي 47 مليون متر مكعب ، تستخدم كامل هذه الكميات من قبل ألأسرائليين .
يتغذى هذا الحوض بشكل رئيسي من مساقط المياه فوق المناطق التي يتشكل منها هذا الحوض بألأضافة الى مياه ألأودية والسيول الموسمية المنحدرة من مناطق الشمال الغربي للضفة الغربية .
خلاصة القول هنا ان الأسرائيلين اصبحوا عمليا وتقنيا وفنيا وعسكريا قادرين على السيطرة والتحكم بكل قطرة مياه تتسرب الى داخل النظام الهيدروجيولوجي لهذه ألأحواض، وأن حقيقة ما يخشونه ويحرصون عليه ضمن المفاوضات هوعدم تمكين الفلسطينين بأي شكل من ألأشكال من ان يتمكن الفلسطينيون مستقبلا القيام بحفر أبار عميقة وبانتاجية عالية مماثلة للأبار الأسرايلية، من شأنها ان تؤثر بشكل كبير جدا على إنتاجية ألأبارألأسرائيلية المحفورة داخل مناطق الضفة الغربية وخارجها وعلى إمتداد الخط ألأخضر، وهذا ما يفسر ويوضح الجوانب المتعلقة بأحد أهم جوانب السياسة المائية الأسرائيلية ومبررات ودوافع ألأمن المائي في بقاء الكتل ألأستيطانية ،مدعمة بالجدار العنصري الفاصل داخل الأراضي الفلسطينية ، بهدف ضمان التحكم بمصادر المياه الجوفية ومراقبة ومنع أية محاولات من الجانب الفلسطيني مستقبلا لحفرابار جديدة او لتعميق الأبار القديمة، فأقامة هذا الجدار مع بقاء المستوطنات ، يعتبر من النواحي الأستراتيجية بمثابة حدود للأمن المائي ألأسرائيلي وكخطوة سباقة واحتياطية ضامنة لأية ننتائج سياسية قد تكون ضاغطة على الجانب الأسرائيلي في إطار مفاوضات الوضع الدائم حول المياه.
وللأهمية البالغة وكما يقولون وهنا "مربط الفرس" وجوهر القضية للموقف التفاوضي، بأن لا يقع المفاوض الفلسطيني في مطب الأحتيال والتلاعب بألألفاظ والعبارات المموهه مجددا، كما حصل في مفاوضات المرحلة الأنتقالية ، قد يكون من شأنها تقييد ألأستخدام الفلسطيني لمصادر ألمياه الجوفية الواقعة داخل حدوده وضمن سيادته القانونيه، بمعنى الحذر ثم الحذر من محاولات فرض أي شكل من اشكال وألوان الفيتو ألأسرائيلي من خلال ألأدارة المشتركة او من خلال ما يسمى بلجنة المياه الفنية المشتركة وما شابه ذلك .
الحقوق الفلسطينية في أحواض المياه المشتركة ثابتة ، وتستند الى المرجعيات القانونية والشرعية الدولية ، وما يطالب به الفلسطينيون ليس مَِّنة ولا َمكْرُمَة من الأسرائيليين كما أسلفنا ، بل حقوق سيادية كاملة وحرية تصرف وممارسة فعلية في إدارة وتطوير مصادر المياه وحمايتها والحفاظ عليها وتخطيط إستثمارها وفق سياسة مائية فلسطينية وطنية بعيدة عن أية إملاءات وتدخلات إسرائيلية بأي شكل من ألأشكال ، فحقوق المياه الفلسطينية ليست حصص مياه وليست إحتياجات يحدد ألأسرائيليون كمياتها ومصادرها كما شاؤوا .
إعداد : المهندس فضل كعوش
الرئيس السابق لسلطة المياه
الرئيس السابق للجنة المفاوضات حول المياه
Email: fsmkawash@hotmail.com