علي جعارة.. عاد لكنه عاد في كفن !!
عنان شحاده
في' الحروب' التي تدور رحاها في بلادنا المحتلة بين الفينة والأخرى.. وبلا موعد، يمكن التقدير أن أولئك الذين يستشهدون ليسوا هم التعساء دائما، إنما هم أولئك الذين يتركونهم خلفهم ثكالى ومعطوبي ألأحلام.
على هذا النحو، بدا والدا الشهيد علي منير يوسف جعاره، وفتحية جعارة 'أم علي'، من مخيم عايده شمال بيت لحم، وقبيل ساعات من تسلم رفاته.
ظهرا وكأنهما يقولان قول درويش: ' يحكون في بلادنا، يحكون في شجن، عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن.. لا تذكروا اسمه! خلوه في قلوبنا، لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد.. خلوه جرحا راعفا لا يعرف الضماد طريقه إليه..'
'هي ثلاثة أيام كانت تفصله عن تحقيق أمنياتنا بعقد قرانه وإدخال البهجة والفرحة لقلوبنا، غير أن الشهادة سبقتنا إليه وتشظت أحلامنا في رؤيته مكللا بالورود في يوم زفافه' تقول والدته 'أم علي' الملتاعة لتلمس رفاته منذ ثماني سنوات. وتضيف: 'إبني كان هادئا وحنونا وأمضى الشهور الأخيرة قبل رحيله والى الأبد منهمكا في اعمار منزله.. كان يسابق الزمن من اجل تجهيزه استعدادا للزواج '.
الأم الحانية ( 57 عاما) كانت تغالب حرقة دموعها وهي تروي لـ'وفا' كيف 'يبتلع' الوطن محبيه، وكيف تُغتال الأحلام دونما استئذان.. وعن معنى أن يعود الأبناء في كفن. 'الحمد لله كثيرا بأنه سيصبح لابني قبرا أدثره بالثرى وأقرأ الفاتحة على روحه' قالت الأم المتلهفة وهي تعيد الذاكرة الى يوم التاسع والعشرين من كانون ثاني من العام 2004، وهو اليوم الذي استشهد فيه ولدها ابن الـ 24 ربيعا في القدس، لافتة انه في نفس اليوم كانت صفقة لتبادل الأسرى ، على اثرها وتم تأجيل الإعلان عن استشهاده حتى إتمامها.
وعن اللحظات الأخيرة لحياته، أشارت الوالدة التي تخشى رؤيته محمولا على الأكتاف، الى انهها أيقظته فجر يوم الخميس لتناول طعام السحور، اذ أن في السحور بركة، ليتوجه بعدها الى المسجد لأداء صلاة الفجر ومن ثم قصد الى مكان عمله ولم يعد !!
والده منير جعاره (في الخمسينات من عمره) اعتبر في معرض حديثه مع 'وفا' يوم تسلمه لرفات نجله يوما وطنيا، ذلك ان الموت في سبيل الوطن ولأجل فلسطين ليس ككل الموت وله معنى مختلف يصعب على الاحتلال فهمه، مشيرا الى انه سيصار وبناء على اجتماع عقد في مقر محافظة بيت لحم ، الى مواراة جثمان ابنه في مقبرة الشهداء في قرية ارطاس بعد صلاة الجمعة في جامع عمر بن الخطاب .