الأسير عنان ابو سليمة توفيت والدته وتركت له "ثياب العرس"
عهود الخفش
ينضح عرق غزير من مسامات جلده..يجلس جانبا على التراب..ينظر حوله..يشد أعصابه..تتوتر شرايينه ... مرددا بين شفتاه المتشققة لا بد من الصبر... فيهتز وجدان الحاج عبد العزيز أبو سليمة من سلفيت، وتفيض مشاعره شوقا وأملا برؤية ابنه الأسير عنان محررا من سجون الاحتلال.
بعيون حانية مجهدة وبصوت حزين اخذ الحاج عبد العزيز أبو سليمة يحدثنا، بحسرة الأب قائلا":اشتاق له كثيرا فكل يوم يمر وهو بعيد عني وكأنها سنه، وبتنهيدة يضيف: "اعتقل عنان بتاريخ 10/11/ 2004، أثناء تواجده هو واثنان من زملاءه في إحدى البيوت في مدينه سلفيت، فكان مطلوبا لمشاركته ضد الاحتلال المغتصب الذي احتل الأرض، وهو من مواليد 1980ومحكوم عليه بالسجن 16 عاما، صمت وكأن رجوعه إلى شلال ذكريات الاعتقال هزمته، صراع وغموض مغلف لم نستطيع تفسيره، لتغافله الدموع ويعجز عن استمراره بصمته، ليواصل حديثه قائلا": يوم اعتقال عنان كان الأسوأ في حياتي، ما زلت اذكر تفاصيله، كنت أتوقع انه سيتم اعتقاله، ولكنه يوم صعب بالنسبة لنا عندما قام الجيش الإسرائيلي بإعداد كبيره باقتحام مدينه سلفيت، وقاموا بتطويق البيت الذي يتواجدون فيه، بالقرب من المركز الصحي القديم.
ويضيف قائلا" حسب ما اخبرني به الموظفون إن الجيش، وعند وصوله قام بنصب صواريخ مصوبة نحو المنزل لينسفونه، إن لم يقم عنان وزملاءه بتسليم أنفسهم، وقام الجيش بالطلب منهم بتسليم أنفسهم وإلا سيهدمون المنزل على رؤوسهم، فطلبوا من صاحب المنزل أن يقوم بالتحدث إليهم، وإذا وافقوا على تسليم أنفسهم، أن يتم خروجه أولا ومقيد اليدين، ومن ثم بخروجهم، وكانت الفترة التي حددها الجيش 5 دقائق، وكان الخيار إما المقاومة أو هدم البيت فوق رؤوسهم، ليكون اختيارهم التسليم خوفا على المنزل، فقاموا باعتقالهم ووضع عنان بسيارة لوحده، وزملاءه الآخرون في سيارة أخرى".
وبتنهيدة يواصل الحاج عبد العزيز حديثه عن تنقلات عنان داخل السجون ويداه ترتعشان قائلا":تنقل عنان بين عدة مراكز بداية في المسكوبية للتحقيق معه لمدة "120" يوما، ولم نره ولم نعرف عنه شيئا إلا انه يتعرض للتعذيب المبرح من قبل المحققين، فقمنا بإرسال مناشدة واستغاثة للرئيس أبو مازن وللصليب الأحمر من خلال نادي الاسير، من اجل النظر في صحة عنان التي أخذت تزداد سوءا، ولقيت الاستغاثة أذانا، وقاموا بنقله في اليوم التالي إلى سجن "جلبوع" بحالة يرثى لها لدرجة أن زملاءه الذين كانوا معه وتم سجنهم، لم يعرفوه من طول شعره ولحيته وضعف بنيته الجسدية، إلى أن طلبوا منه أن يعرف على نفسه ليذكر اسمه انا عنان".
صمت، واخذ بإزاحة وجهه عنا، ربما يريد إخفاء شيئا ما، وكأنه في صراع داخلي، إنها الدموع !!حاول جاهدا في منعها ولكنها خانته، وبكلمات متقطعة "ليتني كنت معه واعتنيت به، يلملم مشاعره ليواصل قائلا: "اعتنى به زملاءه في السجن وتم إعطاءه مياه مع الملح لعدة أيام، إلى أن أصبحت معدته تتقبل الغذاء، ومن ثم استقر وضعه الصحي تدريجيا، وكنا نتابع أخباره بلهفة من خلال نادي الأسير، ومن خلال أولاد أخته الذين كانوا يزورونه، لأننا كنا ممنوعين من زيارته امنيا، لمدة العام ونصف العام لم نره، ويكمل": وبعدها تم نقله إلى سجن "بئر السبع" وبعدها إلى "ريمون" وبعد ذلك إلى سجن "شطة" وبعدها تم نقله إلى سجن "مجدو" ولغاية الآن موجود فيه".
وعن اجراءت الزيارة تحدث الحاج عبد العزيز قائلا:"رحلة عذاب وقهر، منذ طلوع الشمس نقوم بتجهيز أنفسنا والانطلاق إلى أن نصل المعبر، وهنا المعاناة تكمن عند توافد الزائرين ويتراوح العدد في الزيارة الواحدة ما بين 250-300 زائرا، ويتم التعامل معنا من خلال شباك واحد، ونأخذ بالدور، وتكلفنا هذه العملية للوصول إلى الداخل ما يقارب الساعتين ونصف الساعة،وأحيانا يكون هناك رحلات وعمال، مما يزيد من تأخيرنا لدخول المعبر، وهذا مرهق لنا وخصوصا كبار السن وتحدث حالات إغماء بيننا، وتتواصل معاناتنا بعد الدخول، أننا نبقى بانتظار رؤية أبناءنا لفترة من الوقت، ما بين ساعة ونصف الساعة".
ويضيف "ما يزيد من معاناتنا نفسيا ومادية إغلاق مكتب الصليب الأحمر في سلفيت، فوجوده يسهل علينا عملية مراحل الزيارة،إضافة إلى ذلك أن هناك زيارات ولم نعرف بها إلا بعد فوات الأوان وانتهاء مدة تصريح الزيارة، وعند الاستفسار عن هذه المشكلة تكون الإجابة أنهم لم يكن لديهم الوقت الكافي للاتصال بنا وتبليغنا عن وجود تصريح للزيارة".
ويكمل عبد العزيز حديثه قائلا:"أطالب ان تحل مشكلتنا مع الصليب الأحمر بإعادة فتح مكتبها في سلفيت وأناشد السلطة وعلى رئسها، الرئيس محمود عباس أن يتم طرح قضية الاسرى واللاجئين في المحافل الدولية، وان تكون على سلم أولويات المفاوضين".
توقف عن الحديث وبلهفة اخذ صورة عنان واحتضنها بقوة إلى صدره وكأنه يريد أن يقول له شيئا، من خلال دقاته لتخرج الكلمات علنا: "مشوار طويل بعد اعتقالك يا عنان مشيته قسرًا، تركتني والدتك وحيدا مع الألم والجرح النازف الذي لن يندمل إلا بخروجك حرًا طليقًا من وراء تلك القضبان"، ويواصل قائلا: "على اثر اعتقال عنان ازداد وضع والدته الصحي سوءا بالرغم من مقاومتها للمرض إلى أن وافتها المنية بتاريخ 29/8/2009".
تنهد بحرقة ليواصل "كانت أمنيتها والتي كانت دائما تتضرع إلى الله أن يعطيها العمر لرؤية عنان خارج قضبان السجن، وان تفرح فيه ولكن القدر لم يسعفها، ومع هذا لم تنسى عنان فاحتفظت بمجموعة من الأغراض "كالبطانيات والشر اشف وأغراض أخرى لعرسه، ووضعت الأمانة في أعناقنا بأن يتم إعطاؤه إياها بعد خروجه، فكانت تتمنى احتضانه ومع هذا بقيت تردد اسمه لآخر لحظة قبل خروج الروح لباريها.