الشيخ شراره: شريط إصرار وذكريات مُرةٍ بدأ يوم الرحيل
من نجيب فراج - يتجنب اللاجيء الشيخ جمعة شراره، تناول قضية لجوء الشعب الفلسطيني، جراء نكبته المستمرة منذ 64 عاماً من جانب حزين لاستدرار العطف، ويؤثر اللجوء الى ذكريات جميلة ومرة، ليستمد منها عنفوان الشباب، رغم سنين عمره الـ 86.
تعود جذور الشيخ شراره الى قرية المالحة المدمرة، الواقعة الى الجنوب من مدينة القدس، والتي أصبحت احدى ضواحيها الهامة، اذ تبعد عن مركز القدس خمسة كيلو مترات وتقع فوق تلة مرتفعة.
ويحد "المالحة" من الشرق بيت صفافا، والقطمون، ومن الغرب، قريتا عين كارم والجورة، ومن الشمال أراضي لفتا ودير ياسين، ومن الجنوب اراضي بيت جالا وشرفات.
وكان عدد سكان "المالحة" يبلغ نحو الفي نسمة قبل النكبة، أما اليوم فقد ارتفع الى 15 الفا، معظمهم يقطنون في محافظة بيت لحم، وجميعهم ترنو عيونهم الى قريتهم، التي لا تبعد عنهم اكثر من خمسة كيلو مترات، لكنهم محرومين من مجرد زيارتها.
وحول الاسرائيليون "المالحة" الى مركز اقتصادي وسياسي، اذ توجد فيها العديد من المباني الحكومية، والمساكن الفاخرة، والمؤسسات الربحية الاخرى، كحديقة الحيونات التي تعتبر الاكبر في اسرائيل.
ويقول الشيخ شراره البالغ 86 عاماً، ويتمتع بصحة وذاكرة جيدتين، "كل هذه التغيرات والاجراءات في القرية وحولها، لن تجعلنا ننساها على الاطلاق، وكل سنة تمر، نتعلق بها اكثر، نحن اهالي المالحة الكبار والصغار، ففيها دفن اباؤنا واجدادنا، ومقبرتها لا تزال قائمة رغم ان اسرائيل جرفت القسم الاكبر من القبور فيها، ولم يبق غير عدد ضئيل منها".
ويوضح الشيخ جمعة، انه كان غادر فلسطين عام 1940 وتوجه الى القاهرة، وهناك درس علوم القران الكريم، وبعد خمس سنوات، عاد الى قريته، (عام 1945) ليعيش النكبة التي يصفها بانها "هزيمة للجيوش العربية، التي دخلت في حرب خاسرة، وكان من الافضل ان لا تدخلها لان شعبنا الفلسطيني اركن على هذه الجيوش فخسرنا الحرب بهذه الصورة المذلة".
ويؤمن الشيخ المقيم وعائلته في مخيم الدهيشة، ان "الشعب الفلسطيني سيبقى متشبثا بحقوقه، بغض النظر عن الظروف الحالية الصعبة، حيث الاحباط والياس، والانهاك وغياب حل جدي وحقيقي في الافق لقضيتنا".
ويعود الشيخ جمعة بذاكرته الى الوراء، ويستذكر قريته "المالحة" ويقول بان عائلته كانت تملك جبلاً بحاله يطلق عليه اسم "جبل شراره" نسبة الى العائلة التي "عملت في الزراعة، وعمرت الارض، وزرعتها بالعديد من الثمار، حتى جاءت العصابات الصهيونية واقتلعت الشعب من ارضه وتبدد الاستقرار والامن والهدوء والطمأنينية".
ولا يتغيب الشيخ جمعة شراره، عن اي مناسبة تنظم في حدود المخيم الذي لجأ اليه منذ النكبة، وحين جاء الراب المتطرف "موشي ليفنغر" ومجموعات من المستوطنين وتمركز قبالة مخيم الدهيشة للتظاهر تحت حراسة الجيش قبل نحو ثلاثة عقود، كان الشيخ جمعة احد المواطنين الذين تصدوا للمستوطنين حيث يستذكر تلك الاحداث ويقول "أُجبر ليفنغر على الرحيل، وهو يجر اذيال الهزيمة خلفه جراء الوقفة الوحدوية التي لا يمكن نسيانها لسكان المخيم".
في معركة الاسرى الاخيرة، وكعادته كان جمعة شراره حاضرا، وظل رغم سنين عمره، مواظبا طوال الاضراب الذي استمر نحو شهر، على الحضور كل ليلة الى خيمة الاعتصام، التي أقيمت قرب صرح الشهيد في مخيم الدهيشة.