معركة التحدي والصمود.... حصار بيروت
بسام أبو الرب
" أنا ذاهب إلى فلسطين" أجاب الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" بكل شموخ على أسئلة الإعلاميين، بعد تعرض المقاومة الفلسطينية في لبنان لعدوان وهجوم إسرائيلي عنيف، طال العاصمة اللبنانية بيروت في السادس من حزيران عام 1982، والذي راح ضحيته آلاف الفلسطينيين واللبنانيين وإصابة الآلاف أيضا، وتدمير الأحياء والمخيمات الفلسطينية آنذاك، الأمر الذي زاد من حدة الموقف وخروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت وتوزيعهم على عدة دول عربية."أبو عمار" الذي عبر عن عدم الرضا لخروج الفدائيين من بيروت، في ظل الشروط الإسرائيلية التي وضعتها عبر الوسيط الأميركي فليب حبيب دبلوماسي من الولايات المتحدة من أصول لبنانية مارونية، والذي يقضي بخروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت وتوزيعهم على تسع دول، وبعد موافقة الحكومة اللبنانية في الثامن عشر من آب عام 1982 وذلك من اجل وقف المجزرة التي ترتكبها إسرائيل.
وجرى حوار بين القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية حول كيفية التصرف، حيث تم الاتفاق على القبول بالخروج الفدائيين من بيروت، وابلغ "أبو عمار" الرئيس اللبناني آنذاك الياس سركيس ورئيس الوزراء شفيق الوزان موافقته على خطة حبيب.
وبدأ الفدائيون مغادرة لبنان في يوم 21 آب ببزاتهم العسكرية وبأسلحتهم الشخصية، وقبل أن يصعد "أبو عمار" إلى السفينة اليونانية "اتلانتيد" في ميناء بيروت في 30 آب ليغادرها، توقف للحظات وقال بصوت عال "أيها المجد لتركع أمام بيروت".
خرج "أبو عمار" من بيروت على وقع الاجتياح الذي كان يشرف عليه آنذاك وزير جيش الاحتلال ارائيل شارون. ورغم أن المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية المتحالفة معها قد منيتا بخسارة فادحة، فإن خروج عرفات من بيروت آثار تعاطفا شعبيا وسياسيا كبيرا من رفاق الدرب والحلفاء.
وتحولت الهزيمة العسكرية إلى ما يشبه الانتصار بالمعنى السياسي، بعدما أنهى خروج البندقية من بيروت مقولة التحرير من الخارج وأسس لمرحلة جديدة من النضال، تقوم على مبدأ تحرير الأراضي المحتلة من الداخل، وجاءت الترجمة الفعلية في الانتفاضة الأولى عام 1987، وصولا إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1994 أي بعد 12 عاما لخروج المنظمة من بيروت.
حرب لبنان أو اجتياح بيروت كما يطلق عليها البعض الذي بدا في السادس من حزيران 1982، كما يقال في مختلف المصادر، لكنها بدأت بقصف جوي عنيف قبل بيومين ومركز على بيروت الغربية ومواقع قوات المقاومة في الجبل والجنوب، وبدأ تحرك القوات البرية المعومة بسلاح الجو والمروحيات يوم السادس من حزيران، وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن آنذاك ووزير جيشه ارائيل شارون أرادا إعادة تسجيل ذلك التاريخ الأسود من جديد ليطمس خسارة الجيش الذي لا يقهر في أكتوبر 1973.
اللواء ركن متقاعد وقائد سلاح المدفعية والصواريخ في حرب لبنان واصف عريقات، يروي تفاصيل الهجوم على لبنان، قائلا "إن القيادة الفلسطينية آنذاك (أبو عمار، وأبو جهاد وسعد صايل) كثفت اجتماعاتها مع القيادات الميدانية في أوائل حزيران وقبل بدء العدوان على بيروت لتدرس الموقف واطلاع الحضور على أخر التطورات والتقارير والمعلومات، ومناقشة أفضل السبل لموجهة احتمالات العدوان، والوقوف على مدى الاستعدادات على الأرض".
وأضاف: رجح "أبو عمار" سيناريو "الاوكورديون"، أي اجتياح شامل للجنوب من القوات الإسرائيلية، وصولا إلى بيروت وحصارها وممارسة الضغط بالنيران"، مشيرا إلى أن الرابع من حزيران 1982 شهد قصف الطيران الإسرائيلي لأهداف محددة منها المدينة الرياضية ومخيم برج البراجنة في بيروت، إضافة إلى غارات على مدينة صور ومخيم الرشيدية وغيرها من المواقع".
وأكد عريقات أن المدفعية الفلسطينية ردت بقصف مستوطنات وتجمعات إسرائيلية داخل الأرض المحتلة، إضافة إلى إسقاط طائرتين في الخامس من حزيران، وتم إلقاء القبض على احد الطيارين وأرسل إلى بيروت وتم التعامل معه كأسير حرب، الأمر الذي شكل عنصر لتدني الروح المعنوية لدى الطيارين الإسرائيليين.
ويستذكر عريقات تفاصيل "ساعة الصفر" وبدأ الهجوم على الأراضي اللبنانية، فيقول "إن موعد بدأ الهجوم عدل لأكثر مرة وأثير الأمر الجدل بين قادة الإسرائيليين حول الهجوم خاصة البري، وإعطاء مجال اكبر لسلاح الجو لقصف الأهداف الفلسطينية"، مشيرا إلى أن اجتياز الحدود لم يكن بالمهمة السهلة التي تخيلتها إسرائيل، رغم حجم الدمار الذي الحقه القصف التدميري، فقد تصدى الفدائيون للهجوم " بالرغم من ضخامته، والذي بدأ عند الساعة 11 من صبيحة يوم السادس من حزيران وعلى خمسة محاور رئيسية (استهدفت المدن الرئيسية والمخيمات كافة)".
ويتحدث عن "قلعة شقيف" وصمودها الأسطوري، والتي تقع على بعد 10 كم من الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، حيث حاول الجيش الإسرائيلي احتلال الموقع أكثر من مرة قبل الاجتياح وفقد العديد من جنوده وضباطه، إلا أن صمود الفدائيين وموقع القلعة تحصيناتها من الداخل، بالإضافة للأنفاق التي حفرها المقاتلون بأنفسهم وبالتعاون مع وحدات الهندسة والتحصينات قبل الحرب، وحقول الألغام التي زرعت حوله؛ أعطت للمقاتلين إمكانية القتال وتعزيز الصمود شكل عنصرا قويا وصعبا أمام الجيش الإسرائيلي وخططه.
وقال: "أبو عمار كان يعمل من منطلق أن إسرائيل جاءت لإنهاء القيادة الفلسطينية واحتلال الأرض، أو الاعتقال للقيادة خلال مدة زمنية أقصاها أسبوع حسب اعتقاد الإسرائيليين، لكن صمود المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية لأكثر من شهرين، شكل ضربة للعدو الإسرائيلي وفند المزاعم بإمكانية القضاء على المقاومة خلال فترة وجيزة".
وأضاف عريقات:"أن التحول وصمود المقاومة على الأرض، عزز شعور عرفات أن إسرائيل لم تحقق الأهداف المرجوة لديها، وان الفلسطينيين حققوا جزء من أهدافهم؛ من حيث اعتراف العالم بقوة منظمة التحرير وصمود الفدائيين، إضافة إلى شهرة القضية الفلسطينية باحتلالها الصدارة من جديد، وتوقيع اتفاقيات وقف إطلاق نار متوازية واعتراف بقوة المنظمة من قبل إسرائيل".
وأوضح أن خروج الفدائيين من بيروت كان موضوع جدال بالبقاء والصمود، أو الخروج من اجل إنقاذ الشعب اللبناني، خاصة بعد الضغوطات التي تعرض لها أبو عمار من قبل القيادة اللبنانية موضحا أن "أبو عمار" كان يعي المعادلة وأن لا بد للقضية الفلسطينية تأتي على مسار الحل، من منطلق حسب الضغوطات والقوة التي تحظى بها القضية الفلسطينية، إضافة إلى الاستفادة من قرارات الشرعية الدولية التي تنادي بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.
وأكد عريقات أن حرب لبنان كانت مؤشرا وعاملا قويا في تعاظم قوة الفلسطينيين وعدم نسيان القضية لديهم، إضافة إلى تعزيز رؤية العالم بأن الفلسطينيين يبحثون عن السلام أكثر من الإسرائيليين، الأمر الذي خلق إحساس أن هناك القضية الفلسطينية عادلة وأصحابها على حق، من هنا أصبحت ضغوط على إسرائيل.
وأشار إلى أن ما قامت به إسرائيل من جرائم حرب عزز الموقف الدولي حول عنجهيتها وأنها لا تريد السلام بل تريد التوسع والاستيطان، والمزيد من الاحتلال، وهذا كله ساعد على صمود الفلسطينيين وعدالة القضية وجرائم الحرب للتحرك من اجل القضية الفلسطينية، الأمر الذي جعل القيادة الفلسطينية في لعب الدور بشكل صحيح من حيث مخاطبتها بجرائم الحرب والتركيز عليها، واثبات أن الفلسطينيين من خلال سلوكهم ليسوا مجموعات إرهابية، بل استخدموا مقاومة الاحتلال عن طريق الشرعية الدولية.