نكسة عام 67 في كفة القانون الدولي
رشا حرزالله
ذكرى مرور 45 عاما على نكسة فلسطين عام 67 أعادت الذاكرة على واحدة من أقسى المراحل التي عاشتها القضية الفلسطينية والمنطقة العربية التي منيت بهزيمة في هذه الحرب التي خاضتها دول عربية وهي "مصر، وسوريا، والأردن"، ضد إسرائيل، استمرت ستة أيام، أدت إلى احتلال إسرائيل لكامل الضفة الغربية وقطاع غزة، وهضبة الجولان السورية، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
آثار هذه الحرب المدمرة في تزايد مستمر في ظل تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية والتوسع الاستيطاني وتهويد المدينة المقدسة، وتجريف الأراضي والقتل والاعتقال للشعب الفلسطيني، متجاوزة بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية.
عميد كلية القانون في جامعة القدس "أبو ديس"، محمد شلالدة قال، "معاناة الشعب الفلسطيني لم تبدأ فقط عام 67، وإنما منذ نكبته عام 48 وما قبلها بدءا بإصدار الأمم المتحدة لقرار 181 لتقسيم فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني عليها في 29 من تشرين الثاني عام 1947، والذي يعتبر أول قرار من هيئة دولية أفضى فيما بعد لإقامة إسرائيل".
وبعد قيام إسرائيل تفاقمت معاناة الشعب الفلسطيني في التشتت وفي الممارسات الوحشية للاحتلال بدءا من مجزرة دير ياسين وكفر قاسم وعجور، وصولا إلى الجرائم التي تمارسها إسرائيل بحق شعبنا حتى يومنا هذا.
وبيّن شلالدة "أن السند القانوني لقيام الدولة الفلسطينية هو قرار التقسيم عام 1947 والقرارات الأممية الصادرة من مجلس الأمن قرار 242، و338، وبالتالي كل هذه القرارات تدعو إلى قيام دولة فلسطينية وتدين الاحتلال والاستيطان لذلك فإن الوضع القانوني هو مع قيام الدولة ولكن العقبة تتمثل الآن بالدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل، للحيلولة دون قيام هذه الدولة".
وأردف بالقول، "موقف القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس يتجلى بالمطالبات الدائمة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، والقرارات الصادرة عن الجامعة العربية، التي جميعها تؤكد حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته وهو أيضا ما نصت عليه اتفاقية أوسلو "إقامة سلطة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة والقطاع لفترة خمس سنوات، ووجوب قيام الدولة الفلسطينية في عام 1999."
ويشير القرار 242 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة بعد نكسة عام 67 إلى أن "تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب ضرورة سحب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع، وإنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة".
وقال إن القدس الشرقية مدينة محتلة من قبل إسرائيل، وتم التأكيد على ذلك في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية "لاهاي"، والذي يشير إلى أن الأراضي الفلسطينية محتلة، وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني خاصة اتفاقية جنيف الرابعة عام 1948، التي تؤكد أن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي محتلة بما فيها القدس الشرقية، ورغم ذلك قامت إسرائيل بضم القدس الشرقية بقرار صادر عن الكنيست الإسرائيلية في عام 1981.
وحول تداعيات النكسة على النازحين الفلسطينيين، أكد شلالدة أنه في عام 67 أصبح هناك لجوء آخر في مخيمات الضفة وقطاع غزة وفي الشتات، وصدرت قرارات من مجلس الأمن على وجوب عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها، وإن القانون يستوجب عودتهم إلى لديارهم على اعتبار أن النازح هو الذي هاجر نتيجة الحرب الإسرائيلية التي احتلت بموجبها أراضي الضفة الغربية.
وأوضح أنه عندما أقيمت إسرائيل عام 48 تم قبولها في عضوية الأمم المتحدة، وهي الدولة الوحيدة التي كان قبولها في الأمم المتحدة مرهونا بتطبيقها لعدة شروط، ومنها التزام إسرائيل وتطبيقها لقرار التقسيم عام 47 وإلزامها لقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقاضي بحق العودة والتعويض للاجئين، واحترام الأقليات غير اليهودية في دولة إسرائيل، أي "الأقلية العربية عام 48" في حين أن إسرائيل لم تأخذ هذه الشروط بعين الاعتبار ولم تحترمها أو تلتزم بها، ما يستدعي ضرورة المطالبة بسحب عضويتها من الأمم المتحدة على اعتبار أنه شرط "فاسخ"، وهذا من ضمن الآليات القانونية والقضائية التي تشكل ورقة ضغط على المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل باحترام قرارات الشرعية الدولية.
وتستمر إسرائيل في قضم الأرض الفلسطينية عبر التوسع الاستيطاني وبناء جدار الفصل العنصري، الذي دمر الأراضي الزراعية.
ويشير عميد كلية القانون محمد شلالدة إلى أن هناك قرارا صدر منذ مدة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف ويقضي بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول تأثير الاستيطان على الفلسطينيين، وهذا يدعو السلطة الوطنية إلى تفعيل هذه اللجنة والتي تعتبر توصياتها وثيقة قانونية لها أهمية بالغة وكبيرة وتساعد في مقاضاة إسرائيل لدى المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن الاستيطان هو جريمة حرب وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال، "إسرائيل فرضت منذ عام 67 وقائع جديدة على الأرض ومن ضمنها جدار الفصل العنصري في حين أشار القانون الدولي الإنساني إلى ضرورة تفعيل وتوظيف الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، بإيجاد آليات قانونية وقضائية لتفكيك هذا الجدار وهدمه، وذلك من خلال البحث عن آليات قانونية وقضائية عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن".
موارد الشعب الفلسطيني الطبيعية لم تسلم من الاعتداءات فمنذ عام 67 عمدت إسرائيل لفرض سيطرتها وسرقة ونهب موارد الفلسطينيين الطبيعية خاصة المائية، ويعلق شلالدة على هذه القضية بالقول، "إن إسرائيل انتهكت مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحقوق المائية، وبالتالي فإنها تسيطر الآن على النسبة الأكبر من المياه الفلسطينية وتحرم الفلسطينيين من استغلال حقوقهم وثرواتهم المائية، عدا عن قيامها بتلويث البيئة واستغلال الثروات الطبيعية، بما يشمل النفط والغاز، وسرقة الغاز الطبيعي، وهناك قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة تحرم استغلال الثروات الطبيعية بما فيها الغاز والنفط والمياه سواء في باطن الأرض أو خارجها".
وكان رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي "بيني غانتس" قد هدد في كانون الثاني المنصرم بإمكانية إعادة سيناريو الـ67 على الدول العربية ومصر، في حال تم تهديدها للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك في ظل التطورات السياسية الحاصلة بالمنطقة العربية.
ويرى أستاذ القانون في جامعة النجاح الوطنية رائد أبو بدوية أن المقصود من التهديدات التي صدرت عن رئيس الأركان الإسرائيلي هو إعادة احتلال الضفة الغربية ومناطق جغرافية من دول عربية، إلا أن هذا الأمر لن يتم بسهولة، الوضع الآن مختلف عما كان عليه سابقا، فالوضع السياسي والإقليمي بعد الثورات العربية خاصة في مصر مختلف، والشارع العربي الآن متيقظ لهذه المخططات.
وأوضح أن البلاد العربية تثور الآن ضد أنظمة قديمة وتتجه نحو التغيير الحقيقي، الأمر الذي يدركه الشعب الإسرائيلي وحكومته.
وأضاف أن إسرائيل عام 67 قتلت ودمرت وهجرت وعملت على تجنيس المواطنين الفلسطينيين في المدينة المحتلة الذين رفضوا بمقاومتهم هذا القرار، إضافة إلى أنهم بدأوا بجلب المستوطنين بأعداد كبيرة إلى القدس حتى تعطيها الصفة اليهودية.
وبيّن أن السياسة الواقعية التي تفرضها إسرائيل على أرض الواقع باتت أخطر بكثير من القرارات الصادرة، وهي تحاول اليوم تحويل هوية مدينة بأكملها، وتفريغ القدس من سكانها وفرض قوانين ضرائب مجحفة بحق المقدسيين.
وقال بعد عام 67 وتحديدا في بداية السبعينات كان المجتمع الدولي ينظر للقضية الفلسطينية كقضية إنسانية ويقدم للاجئين المساعدات الإنسانية، وبعد الحرب أصبح هناك تشكيل للأحزاب الفلسطينية وتحركات فلسطينية، حتى بات المجتمع الدولي يعرف أن الشعب الفلسطيني لا يريد حق عودة فقط إنما يريد دولة، حيث أصبح القرارات الدولية فيما بعد هي تصاغ من أجل حق تقرير المصير.