تقرير: سمك الفيليه "باسا" بين مطرقة الصحة وسندان القضاء
حسن عبد الجواد
أثيرت قبل شهور قضية سمك الفيليه الفيتنامي الفاسد من نوع "باسا"، ونشرت وسائل الإعلام، وبثت في تقارير مختلفة مخاطر وأضرار بكتيريا "الليستيريا" التي يحملها هذا النوع من السمك على صحة المواطن الفلسطيني، وبموضوعية فان ما هو أهم من إثارة القضية على طريقة اضرب واهرب، هو متابعة المهمة الصحفية لتطورات هذه القضية، والوصول إلى النتائج المخبرية بغض النظر عن اتجاهها.
ولمزيد من التوضيح، فان موضوع سمك الفيليه الفاسد منذ اثارة موضوعه بطريقة أدخلته أنفاق مظلمة ومتاهات لا نهايات لها، يعود من جديد لعدة أسباب، أهمها تقرير اللجنة المكلفة، من مؤسسة المواصفات والمقاييس لإبداء الرأي الفني في سمك الفيليه المجمد من نوع "باسا"، والمستورد من فيتنام، ومدى ملائمته للاستهلاك البشري، وذلك وفقا لكتاب النائب العام لمؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية.
نتائج تحليل الفحوصات مطابقة للمعايير العالمية
نتائج تحليل العينات الخمسة للأسماك التي أخذت من سمك الفيليه من عدة شركات في الضفة، من بينها شركة جالا فود في بيت جالا، تم توزيعها على ثلاثة مختبرات هي مختبر مركز التحاليل الكيماوية والبيولوجية والرقابة الدوائية في جامعة النجاح الوطنية، ومختبرات جامعة بيرزيت للفحوصات – وحدة فحص الأغذية والمياه، ومختبر الصحة المركزي التابع لوزارة الصحة الفلسطينية، وقد أثبتت الفحوصات والدراسات التي قامت بها اللجنة المختصة، والمشكلة من خبراء مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، والجامعات الفلسطينية الثلاث، أن سمك الفيليه الذي تم اخذ عيناته من شركة جالا فود وغيرها "خلوه من بكتيريا الليستيريا"، وفقا لفحوصات مختبرات بيرزيت والنجاح الوطنية، وأظهرت نتائج فحوصات مختبر الصحة المركزي وجود اقل من 100 خلية ليستيرية في كل غرام من المادة الغذائية، فيما المعايير الدولية الأمريكية والاوروبية ومعايير منظمة الفاو تسمح بوجود 1000 خلية ليستيرية بكتيرية لكل غرام في الأغذية غير الجاهزة للأكل، وفوق الألف تصبح ضارة خاصة للأشخاص من ذوي المناعة المتدنية، وهم الأطفال، كبار السن، الحوامل، والمرضى المصابين بالسرطان أو الايدز وشاربي الكحول.
والمعروف أن بكتيريا "الليستريا" موجودة في كل أنواع الأسماك البحرية، وفي البيئة النباتية وفي التربة والمياه، وفي البيئة بشكل عام، والمواصفة الفلسطينية الخاصة بسمك الفيليه المجمد لم تتطرق إلى هذا النوع من البكتيريا، كما وجد أن التشريعات الدولية تتحدث عن فحص هذه البكتيريا للمنتجات الجاهزة للاستهلاك البشري، وليست للمنتجات التي بحاجة إلى معاملة حرارية قبل الاستهلاك.
ولتفادي الإصابة بهذا النوع من البكتيريا، ولكي تصبح هذه المنتجات صالحة للاستخدام الآدمي يجب طهي هذا النوع من السمك على درجة حرارة لا تقل عن 72 درجة مئوية، وعدم تناول هذه المنتجات بشكل آني وغير معالج حراريا.
لماذا تستمر إجراءات التحرز حتى الآن
من جهته طالب رجل الأعمال "نيقولا خميس" صاحب شركة "جالا فود" الجهات الصحية والمعنية باعتماد نتائج اللجنة الفنية المكلفة من قبل المهندس مازن أبو شريعة مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية بناء على استفسارات النائب العام.
وقال انه لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار اجراءات التحرز على كميات سمك الفيليه المستورد لديه بعد ان تم تشكيل لجنة علمية، لفحص سمك الفيليه، حيث تم فحص عينات من السمك في مختبرات جامعتي بيرزيت والنجاح ومختبرات الصحة الفلسطينية، والتي أظهرت نتائجها أنها مطابقة للمواصفات العالمية، و وفقا للمعايير الأمريكية والأوروبية ومنظمة "الفاو".
واوضح خميس أن اللجنة المشكلة من قبل مدير عام المواصفات والمقاييس، وبطلب من النائب العام بعمل دراسة وفحوصات، كانت قد رفعت تقريرها إلى النائب العام، ومفاده أن السمك الموجود في الأسواق مطابق لكل المواصفات العالمية، إلا أن وزير الصحة السابق الدكتور فتحي ابو مغلي أصدر قراره بتاريخ 5/4/2012 مفاده: "استنادًا إلى الصلاحيات المخولة لنا وفق المادة (27) من قانون الصحة العامة رقم (20) لعام 2004، وبناءً على توصية النائب العام يتم إتلاف جميع أسماك "فيليه باسا"، والتي أثبتت التحاليل المخبرية احتواءها على بكتيريا الليستيريا، وتكلف دائرة صحة البيئة بالقيام باللازم."
وتساءل كيف يتم إصدار قرار بهذا المعنى؟ مع العلم أن اللجنة المذكورة أعلاه كان تقريرها واضحًا وصريحًا، وهو أن الأسماك الموجودة في الأسواق الفلسطينية مطابقة للمواصفات العالمية.
توصية اللجنة العلمية
وقال الدكتور جابي أبو سعدة عضو اللجنة العلمية التي شكلتها مؤسسة المواصفات والمقاييس بناء على طلب من النائب العام لفحص عينات من الأسماك المستوردة، أن الفحوصات التي جرت في مختبرات جامعتي بير زيت والنجاح ومختبر وزارة الصحة لمجموعة من العينات أثبتت أنها صالحة للاستعمال البشري، وفقا للمعايير والمواصفات العالمية، وانه بالإمكان تسويقها في السوق الفلسطينية.
وأوضح أن المعايير الدولية تسمح بوجود ألف خلية بكتيرية لكل غرام في الأغذية غير الجاهزة للأكل، وإذا تجاوز وجودها الألف خلية بكتيرية ليستيرية تصبح ضارة، خاصة للأشخاص من ذوي المناعة الضعيفة، وقد تم تثبيت هذه المعايير في التقرير الذي أصدرته اللجنة العلمية، بحضور ممثل النائب العام طارق عسراوي، مضيفا أن اللجنة أكدت أن نتائج الفحوصات كانت ايجابية للتسويق، وعليه فان على الجهات المختصة أن تستكمل إجراءاتها وفقا لهذه النتائج.
اثار سلبية على المناخ الاستثمار
وطالب الدكتور سمير حزبون رئيس الغرفة التجارية في محافظة بيت لحم، بتطبيق المواصفات الفلسطينية وشروط السلامة العامة، استنادا إلى قيام جهات الاختصاص بمعالجة الأمور على أسس واضحة وعلمية، وبما يكفل اطلاع جميع الأطراف على النتائج التي يتم الوصول إليها.
وفيما يتعلق بقضية بسمك الفيلية الذي تم التحرز عليه من قبل وزارة الصحة، فقد كنا نتوقع أن تسير الإجراءات الإدارية والقانونية بسرعة، لاسيما وان هذا الموضوع مر عليه ستة شهور، ومازال النقاش والبحث فيه مستمرا، علما بان العمر الاستهلاكي لهذه السلعة محدد بسقف زمني لا يتجاوز نهاية شهر تشين الثاني المقبل، الأمر الذي يلحق الضرر والخسارة بالمستورد في حال ثبوت أن نتائج الفحوصات غير ضارة.
وأضاف الدكتور حزبون أن الأمور وصلت إلى الجهات العليا، ونأمل معالجتها بالسرعة الممكنة، وبالمهنية المطلوبة في مثل هذه القضايا، حتى لا يكون للإجراءات الإدارية أثارا سلبية على المناخ الاستثماري، وهذا يتطلب تعاون كل الأطراف، لافتا إلى أن اتحاد الغرف التجارية سبق وبحث هذا الموضوع، وطالب بسرعة معالجته وحله.
وتعتبر بكتيريا "الليستريا" محبة للبرودة، وتنمو على درجة حرارة من 4 درجات مئوية إلى 45 درجة مئوية، ولكن معدل نموها في التبريد بطيء جدًا، وتتواجد هذه البكتيريا بشكل واسع في المحيط، ويمكن أن توجد في التربة والمياه والحياة النباتية، ومن الطبيعي وجودها في المواد الخام للمواد الغذائية.
ويتم القضاء على بكتيريا "الليستيريا" بسهولة في اللحوم، وعلى درجة حرارة البسترة، والتي حددت في بريطانيا 70 درجة مئوية، حيث يتم القضاء على 90% من بكتيريا "الليستيريا" في الدجاج على درجة حرارة 70 درجة مئوية، ومن ذلك يتضح أنه يمكن القضاء على هذه البكتيريا بكل سهولة.
وتسبب هذه البكتيريا المرض إذا تم تناول الأغذية الملوثة بها، إلا أن حدوث المرض لا يتم إلا إذا تم تناول جرعة كبيرة من المايكروبات تزيد عن 1000 خلية ليستيرية في الغرام الواحد من المادة الغذائية.
يذكرانه لم يتم ذكر فحص الليستيريا في المواصفات الفلسطينية، كما ولم يتم ذكره في المواصفات العالمية إلا في الأغذية الجاهزة للأكل، وتتحدث بعض المواصفات العالمية عن السماح بوجود الليستيريا في الأغذية الجاهزة بحد أقصى 100 خلية ليستيرية / غرام.