زياد عبد الفتاح: المعركة كانت وليدة فكرة قيادة "وفا"(5)
تنشر "وفا"ما أنجزه الكاتب ورئيس الوكالة الأسبق زياد عبد الفتاح من كتابه الخاص بتجربته في "وفا"، بصفته الشاهد والقائد لهذه التجربة بحلوها ومرها من البدايات حتى العام 2005. ونص عبد الفتاح الذي وصل "وفا" أجزاء منه سيتم نشره على عشر حلقات، وهذه الحلقة الخامسة:لقد لوحظ في أثناء الحصار وهذه الحرب الهمجية الإرهابية الأمريكية الصهيونية، أن عدداً كبيراً من المثقفين، فلسطينيين ولبنانيين وعرباً، لم يكن لهم دور في المعركة. وأن بعض الكتاب والصحفيين والفنانين انكفأوا على أنفسهم اقترحتُ على وجه السرعة، ولذا دعـونا إلى اجتمـاع عاجـل للكتـاب والصحفيين الفلسطينييـن واللبنانيين والعرب، في الفاكهاني. حضره أكثر من سبعين بينهم محمود درويش، ومعين بسيسو وسعدي يوسف، وحنا مقبل، ونبيل عمرو، وغيرهم ممن سآتي على ذكرهم وحداً واحداً، عندما أعرض لافتتاحية "المعركة" التي اختتم بها رئيس التحرير زياد عبد الفتاح مسيرتها، عندما بلغت ستين عدداً، و أصبح الخروج من بيروت بين عشية وضحاها.ما علينا، بعد هذه الافتتاحية الفارقة، والتي لم يقرأها بالتأكيد الذين كتبوا عن جريدة المعركة أثناء حصار بيروت، و التي أطلقتها وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا". وكان رئيس تحريرها ومرافقه أحمد سعيد عيد يتنقلان بها تنضيداً وصفّاً وإخراجاً وطباعة، من مكان لآخر في جحيم بيروت. كتب ثلاثةٌ، فيما قرأت، عن أدوارهم البطولية في إنشاء جريدة المعركة ومسؤوليتهم عنها. الثلاثة جميعهم لم يأتوا على سيرة زياد عبد الفتاح أو دوره، وإنما نسبوا كل ما للمعركة "وليس عليها" لأنفسهم، ولشخوص لم يعودوا يزاحمون أحداً فلقد استشهدوا أو ماتوا يرحمهم الله، وأظنهم ما كانوا لو كانوا أحياء، لينسبوا الفضل لغير أهله.على كل وفي كل الأحوال، لا بدّ من التصريح بأن جريدة المعركة موثقة، وأنها صدرت في تونس في مجلد واحد، ولا أحد يمكنه تجاوز ما قالته في تاريخها البطولي القصير، ولا يستطيع أحد طمس دور أحد، أو اغتصاب دور لا يستحقه.أكتفي بهذه السطور، حيث أن المجازفة بالتوقف عند أشخاص بعينهم، يضعف هذا النص، الذي أردته وافياً شافياً، معبراً عن رحلة وكالة، شاءت كل الظروف أن تكون مبادرة، و أن تجترح أدواراً، و تمضي إلى مبادرات خلاقة. وأترك لبعض الذين عاينوا التجربة في تلك المرحلة أن يدلوا بشهادتهم.ولكنني كي يكتمل بناء الشهادات، أحيل القارئ على افتتاحية جريدة المعركة، التي اختتمت تلك التجربة، التي استغرقت ستين عدداً من أعدادها وشهدت عرقاً ودماً وعانيت آلاماً ومعاناة. وفيما يلي نص الافتتاحية. التي ترددْت في إقحامها ضمن تاريخ "وفا"، لكنني حسمت أمري حين تفطنت إلى أن المعركة كانت وليدة فكرة قيادة "وفا"، وأن المنفذين والمراسلين وبعض كتابها، كانوا من بين الذين قامت على أكتافهم الوكالة. لقد حق لهم أن أذكرهم واحداً واحداً وأن أشيد بالدور، الذي قاموا به بفدائية نادرة. هذه المعركةبقلم زيـــاد عبد الفتـــاح رئيس التحرير
في أثناء ذلك الحوار حول الإجابة عن السؤال إلى أين ؟ كانت القذائف تسقط في كل اتجاه. و الحوار الداخلي وحده لا يكفي، و الحوار السياسي في قمة القيادة لا يكفي أيضاً. لابد أن يتسع الحوار حتى يشمل كل الصامدين، وأن يتسع مدى قرار الصمود فلا يكون قرار القيادة الفلسطينية و اللبنانية فحسب، و إنما يكون قرار الجميع. فالمسألة تتعلق بالمصير اليومي لكل فرد بعينه و المجموع.و إذا كان قرار الصمود في الموقف الصعب. بل الأصعب على الإطلاق، هو لحظة اختيار خلاق لا تشبهها لحظة أخرى، فإن القرار ليس سوى البداية. القرار ليس هو كل شيء، وإنما تطبيقه و تنفيذه هو الأهم بل هو مجموعة المهمات، التي كان على عاتق الكوادر أن تنفذها بسرعة خلاقة. ولا أريد أن أخوض في مناقشة تطول بلا جدوى حول هذه المسألة، و أرى أنه يتوجب عليّ و بسرعة أن أقفز إلى مقتضيات هذه المقدمة، لهذا المجلد الذي يجمع بين دفتيه انجازاً تمثل في جريدة مناضلة عتيدة، هي جريدة المعركة اليومية، التي صدر منها ستون عدداً، منذ قرار إصدار هذه المطبوعة، اليومية، لم تنقطع فيها الجريدة عن الصدور.لقد لوحظ في أثناء الحصار و هذه الحرب الهمجية الإرهابية الأمريكية الصهيونية، أن عدداً كبيراً من المثقفين، فلسطينيين و لبنانيين و عرباً، لم يكن لهم دور في المعركة.و أن بعض الكتاب و الصحفيين و الفنانين انكفئوا على أنفسهم. بعضهم قبع في بيته لا يغادره. بعضهم غرق في الشراب، و آخرون غرقوا في إحباط قادهم إلى أسئلة مربكة، حول جدوى الصمود في هذه الحرب المجنونة.بعضهم انكب على الخريطة أمامه و ارتدّ و هو يقول لا فائدة، ما حولنا لا ينقذنا. وبعضهم، و هذا للتاريخ و هم كثير. كانوا خلف المتاريس و في الخنادق، يكتبون بالبندقية أحلى قصائدهم. يرسمون بالأصبع فوق الرمل أو بقلم الحبر. الجاف فوق الورق الموشح بدخان القذائف، ما لم يرسموه بألوان الماء أو الزيت الانهيار يدفع إلى الانهيار. الانهيار عدوى و لا مرض الطاعون، و تنادينا. عقدنا اجتماعاً حضره أكثر من أربعين من بيننا من الصحفيين و الكتاب و الفنانين و طرحنا سؤالاً واحداً. ماذا نقدم للصمود. هكذا بلا رتوش ولا خطابات. ماذا يفعل المثقف في هذا الجحيم.ماذا يقدم للمقاتل في الخندق وراء أكياس الرمل. للجريح في المستشفيات الثابتة و المتنقلة، للمهجرين في الحدائق النادرة في بيروت. للجائعين، للعطاش، للذين في الملاجئ، لعمال الأفران، للذين يوزعون التموين، و الذين يرتحلون بالبنزين و المازوت من محطة إلى محطة، كلما رصد الكتائبيون محطة و أبلغوا موقعها للطائرات المغيرة.وكان حماس و مقترحات كثيرة، أكثر من طموحة.اقترح البعض القيام بحرب نفسية مضادة، بوضع مكبرات للصوت في مواجهة القوات الغازية في كل المحاور، تدعو الجنود الإسرائيلين إلى العودة، حيث ستكون بيروت مقبرة لهم. أيها الجندي لن تقتحم بيروت. كل آلتك العسكرية لن تنقذك. أيها الجندي عد إلى زوجتك و أطفالك، انج بجلدك قد لا تفقد حياتك و لكنك قد تفقد ما هو أغلى بكثير. " أنت تقاتل كي تقتل، و نحن نقاتل لنحمي أنفسنا من القتل." " حربنا عادلة و حربك ظالمة و إرهابية." " نحن أقوى منك." وعبارات أخرى.وجرى اقتراح آخر بطباعة ملصقات وكتابة شعارات على الجدران و نشرها في بيروت الوطنية كلها. و لكنني أظن أن أعلى اقتراح تمت الموافقة عليه بحذر، كان إصدار جريدة يومية، تحرض على الصمود و يكون اسمها جريدة المعركة. توقفنا عند ذلك الاقتراح، نناقش في التفاصيل، ولقد قال البعض أن أمراً بهذه الأهمية يحتاج إلى قرار سياسي، وقيل ردا على ذلك بأنه لا عقدة في الأمر و سنحصل على القرار، فإصدار جريدة للمعركة وعن المعركة وفي اتجاه الصمود، لا يرفضه أحد. وقال بعضنا أن الأمر يحتاج إلى تمويل. وقيل رداً على ذلك بأن التمويل يمكن تداركه وهو أيضا ليس بمشكلة.وقال ثالث لكن الأمر يحتاج صفاً وتصويرا وطباعة وتوزيعاً، وكل واحد من هذه الأمور هي التي تميّز مثل هذه الجريدة نحن لن نخرج على الناس بجريدة في تقنية جريدة النهار أو السفير، ولا نرغب في أنننافس جريدة النداء)الناطقة بلسان الحزب الشيوعي اللبناني). نريد جريدة للمقاتل، للمهجر، للمرأة التي في الملجأ، للرجل الحكيم نقرأه ويقرأ معنا نفسه. نشجعه ونشجع أنفسنا، نحرّضه ويحرضّنا، نستعين ببعضنا البعض على هذا الغزو المجلل بالعار، الممتلئ بالإرهاب، المتجبر بالافتراء والافتئات.لكي نفرغ من جدال يطول حول الصعوبات، بأن يكون محمود درويش رئيساً لتحرير هذه الجريدة اليومية، ورد محمود درويش على الفور باقتراح أن يكون زياد عبد الفتاح رئيسا لتحريرها، فأنت تملك الإمكانات والحركة والاتصال بمركز القيادة والعمليات المركزية، أما نحن فسنكتب للجريدة.وقال معين بسيسو : صحيح ما يقوله أخي محمود، ونحن جميعا مستعدون للكتابة، و لكننا لا نملك ما تملك من حرية الحركة، أساساً لا أحد يستطيع غيرك تدبير الطباعة و الصف وخلاف ذلك، في هذه الظروف اللعينة. لقد رد لي محمود الكرة، التقطتها بتصميم على إنجاح التجربة.وفي تلك الليلة ذهبنا إلى "وفا"محمود درويش و معين بسيسو ورشاد أبو شاور ونبيل عمرو وحنا مقبل وعز الدين المناصرة.كلف الاجتماع محمود درويش بكتابة بيان صادر عن اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، واتفقنا أن يكون البيان أول افتتاحية من افتتاحيات المعركة. لم تصدر "المعركة" في اليوم التالي لذلك الاجتماع، فلقد تشكلت هيئة التحرير لتجتمع في ذلك اليوم في مقر مجلة الكرمل الفصلية، التي توقفت بسبب الغزو والتي يرئس تحريرها محمود درويش. حضر الاجتماع هيئة تحرير المعركة بكاملها معين بسيسو وحنا مقبل ورشاد أبو شاور وسعدي يوسف وغانم زريقات وعبد القادر ياسين وفيصل دراج وحيدر حيدر واحمد أبو مطر وعز الدين المناصرة ومحمود قدري، ومخرج الجريدة عبد المنعم القصاص " اعتذر بشدة أن أكون قد أغفلت أسماء تقتضي الأمانة ذكرها. لتلك الأسماء أقدم كل الحب و الاحترام ".في الليلة السابقة وبعد انفضاض الاجتماع العام، ولقائنا في "وفا"، ذهبت إلى مقر العمليات المركزية رقم (5)، كانت القيادة الفلسطينية قد انتهت لتوها من الاجتماع، والتقيت الأخ أبو عمار أسفل ذلك الدرج الحديدي الحلزوني الذي يصعد من "القبو" حتى الطابق الأرضي، والذي غطيت درجاته "بالموكيت" كي يخفف من ارتطام النعال بالحديد. قلت للأخ أبو عمار إنني قادم من اجتماع للكتاب والصحفيين الفلسطينيين والعرب، ولقد اتفقنا على إصدار جريدة يومية اسمها "المعركة".قال: على بركة الله. وقلت للأخ (أبو عمار) إننا اتفقنا أن نكتب بلا تحفظات وبلا قيود.وقال أبو عمار:اكتبوا ما تشاؤون لكم كل الحرية في ذلك.وفي تلك الليلة أيضا، ذهبت إلى الأخ (أبو أياد) الذي كان في مكتب العلاقات الخارجية في منطقة دوار الكولا وأطلعته على ما دار في اجتماعنا، فرحّب بفكرة إصدار جريدة المعركة، وأبدى استعداده الفوري بدعمها.
في أثناء ذلك الحوار حول الإجابة عن السؤال إلى أين ؟ كانت القذائف تسقط في كل اتجاه. و الحوار الداخلي وحده لا يكفي، و الحوار السياسي في قمة القيادة لا يكفي أيضاً. لابد أن يتسع الحوار حتى يشمل كل الصامدين، وأن يتسع مدى قرار الصمود فلا يكون قرار القيادة الفلسطينية و اللبنانية فحسب، و إنما يكون قرار الجميع. فالمسألة تتعلق بالمصير اليومي لكل فرد بعينه و المجموع.و إذا كان قرار الصمود في الموقف الصعب. بل الأصعب على الإطلاق، هو لحظة اختيار خلاق لا تشبهها لحظة أخرى، فإن القرار ليس سوى البداية. القرار ليس هو كل شيء، وإنما تطبيقه و تنفيذه هو الأهم بل هو مجموعة المهمات، التي كان على عاتق الكوادر أن تنفذها بسرعة خلاقة. ولا أريد أن أخوض في مناقشة تطول بلا جدوى حول هذه المسألة، و أرى أنه يتوجب عليّ و بسرعة أن أقفز إلى مقتضيات هذه المقدمة، لهذا المجلد الذي يجمع بين دفتيه انجازاً تمثل في جريدة مناضلة عتيدة، هي جريدة المعركة اليومية، التي صدر منها ستون عدداً، منذ قرار إصدار هذه المطبوعة، اليومية، لم تنقطع فيها الجريدة عن الصدور.لقد لوحظ في أثناء الحصار و هذه الحرب الهمجية الإرهابية الأمريكية الصهيونية، أن عدداً كبيراً من المثقفين، فلسطينيين و لبنانيين و عرباً، لم يكن لهم دور في المعركة.و أن بعض الكتاب و الصحفيين و الفنانين انكفئوا على أنفسهم. بعضهم قبع في بيته لا يغادره. بعضهم غرق في الشراب، و آخرون غرقوا في إحباط قادهم إلى أسئلة مربكة، حول جدوى الصمود في هذه الحرب المجنونة.بعضهم انكب على الخريطة أمامه و ارتدّ و هو يقول لا فائدة، ما حولنا لا ينقذنا. وبعضهم، و هذا للتاريخ و هم كثير. كانوا خلف المتاريس و في الخنادق، يكتبون بالبندقية أحلى قصائدهم. يرسمون بالأصبع فوق الرمل أو بقلم الحبر. الجاف فوق الورق الموشح بدخان القذائف، ما لم يرسموه بألوان الماء أو الزيت الانهيار يدفع إلى الانهيار. الانهيار عدوى و لا مرض الطاعون، و تنادينا. عقدنا اجتماعاً حضره أكثر من أربعين من بيننا من الصحفيين و الكتاب و الفنانين و طرحنا سؤالاً واحداً. ماذا نقدم للصمود. هكذا بلا رتوش ولا خطابات. ماذا يفعل المثقف في هذا الجحيم.ماذا يقدم للمقاتل في الخندق وراء أكياس الرمل. للجريح في المستشفيات الثابتة و المتنقلة، للمهجرين في الحدائق النادرة في بيروت. للجائعين، للعطاش، للذين في الملاجئ، لعمال الأفران، للذين يوزعون التموين، و الذين يرتحلون بالبنزين و المازوت من محطة إلى محطة، كلما رصد الكتائبيون محطة و أبلغوا موقعها للطائرات المغيرة.وكان حماس و مقترحات كثيرة، أكثر من طموحة.اقترح البعض القيام بحرب نفسية مضادة، بوضع مكبرات للصوت في مواجهة القوات الغازية في كل المحاور، تدعو الجنود الإسرائيلين إلى العودة، حيث ستكون بيروت مقبرة لهم. أيها الجندي لن تقتحم بيروت. كل آلتك العسكرية لن تنقذك. أيها الجندي عد إلى زوجتك و أطفالك، انج بجلدك قد لا تفقد حياتك و لكنك قد تفقد ما هو أغلى بكثير. " أنت تقاتل كي تقتل، و نحن نقاتل لنحمي أنفسنا من القتل." " حربنا عادلة و حربك ظالمة و إرهابية." " نحن أقوى منك." وعبارات أخرى.وجرى اقتراح آخر بطباعة ملصقات وكتابة شعارات على الجدران و نشرها في بيروت الوطنية كلها. و لكنني أظن أن أعلى اقتراح تمت الموافقة عليه بحذر، كان إصدار جريدة يومية، تحرض على الصمود و يكون اسمها جريدة المعركة. توقفنا عند ذلك الاقتراح، نناقش في التفاصيل، ولقد قال البعض أن أمراً بهذه الأهمية يحتاج إلى قرار سياسي، وقيل ردا على ذلك بأنه لا عقدة في الأمر و سنحصل على القرار، فإصدار جريدة للمعركة وعن المعركة وفي اتجاه الصمود، لا يرفضه أحد. وقال بعضنا أن الأمر يحتاج إلى تمويل. وقيل رداً على ذلك بأن التمويل يمكن تداركه وهو أيضا ليس بمشكلة.وقال ثالث لكن الأمر يحتاج صفاً وتصويرا وطباعة وتوزيعاً، وكل واحد من هذه الأمور هي التي تميّز مثل هذه الجريدة نحن لن نخرج على الناس بجريدة في تقنية جريدة النهار أو السفير، ولا نرغب في أنننافس جريدة النداء)الناطقة بلسان الحزب الشيوعي اللبناني). نريد جريدة للمقاتل، للمهجر، للمرأة التي في الملجأ، للرجل الحكيم نقرأه ويقرأ معنا نفسه. نشجعه ونشجع أنفسنا، نحرّضه ويحرضّنا، نستعين ببعضنا البعض على هذا الغزو المجلل بالعار، الممتلئ بالإرهاب، المتجبر بالافتراء والافتئات.لكي نفرغ من جدال يطول حول الصعوبات، بأن يكون محمود درويش رئيساً لتحرير هذه الجريدة اليومية، ورد محمود درويش على الفور باقتراح أن يكون زياد عبد الفتاح رئيسا لتحريرها، فأنت تملك الإمكانات والحركة والاتصال بمركز القيادة والعمليات المركزية، أما نحن فسنكتب للجريدة.وقال معين بسيسو : صحيح ما يقوله أخي محمود، ونحن جميعا مستعدون للكتابة، و لكننا لا نملك ما تملك من حرية الحركة، أساساً لا أحد يستطيع غيرك تدبير الطباعة و الصف وخلاف ذلك، في هذه الظروف اللعينة. لقد رد لي محمود الكرة، التقطتها بتصميم على إنجاح التجربة.وفي تلك الليلة ذهبنا إلى "وفا"محمود درويش و معين بسيسو ورشاد أبو شاور ونبيل عمرو وحنا مقبل وعز الدين المناصرة.كلف الاجتماع محمود درويش بكتابة بيان صادر عن اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، واتفقنا أن يكون البيان أول افتتاحية من افتتاحيات المعركة. لم تصدر "المعركة" في اليوم التالي لذلك الاجتماع، فلقد تشكلت هيئة التحرير لتجتمع في ذلك اليوم في مقر مجلة الكرمل الفصلية، التي توقفت بسبب الغزو والتي يرئس تحريرها محمود درويش. حضر الاجتماع هيئة تحرير المعركة بكاملها معين بسيسو وحنا مقبل ورشاد أبو شاور وسعدي يوسف وغانم زريقات وعبد القادر ياسين وفيصل دراج وحيدر حيدر واحمد أبو مطر وعز الدين المناصرة ومحمود قدري، ومخرج الجريدة عبد المنعم القصاص " اعتذر بشدة أن أكون قد أغفلت أسماء تقتضي الأمانة ذكرها. لتلك الأسماء أقدم كل الحب و الاحترام ".في الليلة السابقة وبعد انفضاض الاجتماع العام، ولقائنا في "وفا"، ذهبت إلى مقر العمليات المركزية رقم (5)، كانت القيادة الفلسطينية قد انتهت لتوها من الاجتماع، والتقيت الأخ أبو عمار أسفل ذلك الدرج الحديدي الحلزوني الذي يصعد من "القبو" حتى الطابق الأرضي، والذي غطيت درجاته "بالموكيت" كي يخفف من ارتطام النعال بالحديد. قلت للأخ أبو عمار إنني قادم من اجتماع للكتاب والصحفيين الفلسطينيين والعرب، ولقد اتفقنا على إصدار جريدة يومية اسمها "المعركة".قال: على بركة الله. وقلت للأخ (أبو عمار) إننا اتفقنا أن نكتب بلا تحفظات وبلا قيود.وقال أبو عمار:اكتبوا ما تشاؤون لكم كل الحرية في ذلك.وفي تلك الليلة أيضا، ذهبت إلى الأخ (أبو أياد) الذي كان في مكتب العلاقات الخارجية في منطقة دوار الكولا وأطلعته على ما دار في اجتماعنا، فرحّب بفكرة إصدار جريدة المعركة، وأبدى استعداده الفوري بدعمها.