الخليل:"سوسيا" .. أهلها وحدهم الممنوعون من دخولها !
غسان عبد الحميد- أن تعيش الحنين إلى أمكنة غابت عنك أو غبت عنها لأسباب مألوفة ، مسألة عادية و مألوفة أيضا ، لكن أن تقيم في الحنين إلى مكان تطل عليه معظم النهار دون أن يسمح لك بالوصل إليه، يتحول الحنين حالة من التعذيب، لكنك لا ترغب في مغادرته.
حالة كهذه، يعيشها الآن، بالضبط و دون زيادة أو نقصان، الفلسطيني محمد نصر النواجعة الذي عاش فتوة العمر و شبابه في خربة سوسيا العتيقة جنوب شرقي بلدة يطا ؛ فالرجل الذي يدخل صيفه السادس و الستين مقيما و مطلا على المكان حيث عاش أجمل الأزمنة، كما آخرين غيره ممن كونوا مع خربة سوسيا عشرة طويلة من العيش و الملح و تبادل الظلال ..تمنعه قوات الإحتلال من دخولها لـ "أسباب أمنية" منذ سيجتها و حولتها إلى مكان أثري قبل 32 عاما بزعم أنها تضم كنيسا يهوديا، مع العلم أن "الكنيس" المزعوم يضم محرابا بإتجاه القبلة !
قال المواطن النواجعة الذي يواصل الإنغراس و320 مواطنا آخرين في خيام و عرائش من الحجر و الصفيح، على مسافة نحو 800 مترا إلى الشرق من "سوسيا" العتيقة و الأثرية حيث عاش معظم العمر ( بما في ذلك قبل أن تنشأ دولة إسرائيل ) - قال لـ أن القيود التي تفرضها قوات الإحتلال منذ حولت المكان إلى مزار سياحي، تسمح لـ"كل اليهود و كل الأجانب" بالدخول إليه؛ إلاّ هو و أهالي سوسيا الذين يعشقهم المكان ويعشقونه !
المواطن النواجعه، وهو مسؤول اللجنة المحلية لأهالي منطقة سوسيا المقيمين معه على مسافة لا تسمح بإنطفاء الحنين إلى المكان ..يضع هذه الأيام يده على قلبه من إحتمال إقدام سلطات الإحتلال على إقتلاعهم بالقوة ، كما حدث قبل ذلك عام 1999، حيث عصفتهم قوة من الجيش الإسرائيلي ذات ليلة ؛ بذريعة الإقامة في المنطقة دون ترخيص.
يوم أمس، كما قال نجله نصر النواجعة الناشط في لجنة مقاومة الإستيطان بـ"مسافر يطا"، أن المحكمة العليا الإسرائيلية ، نظرت في دعوى قدمتها الجمعية الإستيطانية الإسرائيلية المسماة "ريفاغيم" بغرض إخلاء المواطنين من أراضيهم في المنطقة بذريعه أن المساكن و المنشآت التي تؤويهم أقيمت إلى الغرب من الموقع الأثري دون الحصول على ترخيص مسبق من قبل "الإدارة المدنية" الإسرائيلية ، لافتا إلى أن النيابة الإسرائيلية إستندت في تبريرها قانونية الدعوى إلى إقدام سلطات الإحتلال قبل 12 عاما على إجلاء أهالي المنطقة من أراضيهم بالذريعة ذاتها، فيما المحكمة – كما قال - أجلت نطق قرارها بخصوص الدعوى لمدة ثلاثة أيام .
المواطن النواجعة و أهالي سوسيا الذين حضروا جلسة "العليا الإسرائيلية"، أشاروا إلى أن المحامية قمر مشرقي التي مثلتهم ودافعت عن حقهم في البقاء في أراضيهم التي ورثوها أبا عن جد، كانت طالبت خلال الجلسة برد الدعوى التي تقدمت بها الجمعية الإستيطانية الإسرائيلية و الإستجابة إلى مطالب المواطنين المتكررة منذ سنوات، بإصدار خارطة هيكلية تحويل تجمعهم السكاني إلى قرية يسمح لهم بالبناء فيها و تمكينهم من تلقي الخدمات دون ملاحقة .
يعتقد رئيس اللجنة المحلية في سوسيا محمد النواجعة و معظم أهالي الخربة المرابطين على مقربة منها، أن دعوى الجمعية الإستيطانية الإسرائيلية المسماة "ريفاغيم" ، قد تكون مجرد وسيلة لتأمين "غطاء قانوني" لإقتلاعهم من أراضيهم، سيما وأن سلسلة الإنتهاكات التي ينفذها جيش الإحتلال عبر عمليات الهدم المتكررة لمساكنهم وتسليم إخطارات تهدد بهدم أخرى ، حيث كانت هدمت في 23 شباط العام الماضي 8 مساكن من العرائش والخيام وبئري مياه ، فيما سلمت "إخطارات لوقف العمل" ( ؟! ) قبل نحو 4 أشهر لـ 8 مساكن مأهولة و5 آبار للمياه ، وهي إخطارات كانت وزعت بالتزامن مع إقدام نزلاء في المستوطنة التي تحمل الإسم ذاته ( سوسيا ) " على حراثة 40 دونماً بالقوة وزراعتها بالحبوب !
..في سوسيا حيث يواظب المستوطنون على التنكيل بالمواطنين و ترويعهم بتنظيم هجمات تستهدفهم و أملاكهم ، كما حدث قبل أشهر مع المواطنين جهاد محمد النواجعة الذي إضرمت النار في الخيمة التي تؤوي عائلته ( 6 أفراد ) وسارة النواجعة التي إنهال المستوطنون عليها و على نجلها أحمد جبر النواجعة ( 68 و 27 عاما ) بالعصي ما إستدعى نقلهم إلى المستشفى – "هنا" في سوسيا "الحياة مفتوحة على كل المخاطر"، غيرأهالي المكان يؤكدون أن كل المخاطر لا تستطيع منعهم من التشبث بأراضيهم .. "ولو حتى الموت" ...!