يسرقون الماء من "فم الغولة"!
أطفال يبردون أجسامهم بالمياه في منطقة الغور
جميل ضبابات
كل شيء ساخن جدا هذه الظهيرة.. والغور الشريط الغائر شرق الضفة الغربية مكان لا يحتمل للوقوف فيه تحت أشعة الشمس مباشرة.
لكن أبناء البدوي عيد الزواهرة يركضون حفاة فوق تلة نحو برميل ماء شق نصفين، لتبريد أجسادهم. فلا أجهزة تكييف ولا حتى مراوح تعمل على الكهرباء في نزل العائلة المقام على تلة تضربه الرياح الساخنة من كل اتجاه.
"ناااااااااااااار". صاح الرجل "نار". ويحمل الأطفال الخمسة الماء الملوث ببعض روث المواشي بأكفهم ويرشقون وجوههم.
إنه الغور صيفا. الحرارة فيه مثل وغز الإبر.
"باب من أبواب جهنم مفتوح هنا" قال احد الرجال الواقفين في وسط مرعى، وصاح على الأطفال للعودة مرة أخرى للنزل بعيدا عن أشعة الشمس العمودية.
وتعيش منطقة الغور وهي المنطقة الواسعة التي يسكنها عدد قليل من السكان، جزء منهم يتنقل من منطقة إلى أخرى أسوء وضع مائي.
في النهار يتردد صدى أصوات محركات جرارات زراعية تنقل المياه في صهاريج عبر طرق ترابية قريبة من النزل الخيشي.
وفوق التل يسوي الأطفال حساباتهم عبر التراشق بالماء...الشحيح.
واقفا على أعلى نقطة من التل الذي يشرف على أودية جافة تحيط به، حذر الزواهرة الأطفال من تبذير المياه الموجودة في الصهريج.
كان الغور الحار الجاف مصدرا للماء، لذا كان يمكن أن يكون بابا واسعا للاستثمار في كل شيء، لكن ما حدث هو العكس، يهجر الناس المنطقة، بسبب شح مياهها.
فإسرائيل التي تسيطر على الأرض تسيطر أيضا على مواردها الجوفية: الماء..إكسير الحياة.
في المنطقة لا يصعب الوصول إلى سكان لا يشكون شح المياه في الصيف. ذاته عيد الزواهرة الذي يعيل عائلة كبيرة يقول إنه يحضر الماء من مصادر بعيدة عن مكان سكناه.
وكل الرعاة في هذه المناطق الجبلية الوعرة يفعلون الشيء ذاته. وكثير من الينابيع التي كانت تغذي المناطق بالماء جفت تماما.
وفي منطقة الميتة ذاتها خفت مياه الينابيع إلى حد كبيرا. فالأودية الصغيرة التي كانت تجر مياه الينابيع جافة تماما.
الهواء حار وجاف ويثور الغبار في الأفق ما يجعل الحياة أكثر صعوبة والرؤية محدودة.
قال رئيس مجلس محلي وادي المالح عارف دراغمة، وهي المنطقة التي تضم عددا كبيرا من المراعي، إن " الحصول على صهريج ماء أصبح مثل سرقته من فم الغولة"، وهو مثل محلي يقال عند صعوبة الحصول على الشيء.
وأشار إلى وقائع كثيرة قام خلال الجيش الإسرائيلي بمصادرة صهاريج المياه من المضارب ووضعها في معسكر وفرض غرامات مالية على مالكيها.
واقفا أمام قطيع من المواشي قرب أهم روافد وادي المالح، قال عبد الرحمن خليل إن "الحياة تصبح صعبة يوما بعد يوم".
والرجل الذي يسكن على بعد 1 كيلومتر من الزواهرة يشاهد بام عينه أنابيب ضخمة تسحب المياه لمعسكر لقوات الناحل الإسرائيلية.
أي تناقض وتداخل في الحياة. حياة العالم الأول في مواجهة حياة العالم الثالث.انه ليس ظلم الطبيعة. انه الاحتلال.
فإسرائيل تضخ مبالغ مالية هائلة لتطوير زراعتها في المنطقة واستغلال كل نقطة مياه فيها. فيما تقول السلطة الوطنية إنها تخوض معركة مفتوحة للحفاظ على سكان المنطقة.
"هذه معركة مفتوحة بيننا وبينهم (...) طلبنا تدخل الأوربيين كي نستطيع تنفيذ شيء في هذا الاتجاه وتزويد السكان بالماء". قال وزير الزراعة وليد عساف لوكالة "وفا".
وقال الرئيس محمود عباس إن "منطقة الأغوار مليئة بالمشاريع الإسرائيلية، الصناعية والزراعية، وأن كثيرا من الضباط الذين ينهون خدمتهم في الجيش الإسرائيلي يذهبون كمدراء عامين لهذه الشركات برواتب تصل إلى عشرات ألوف الدولارات لكي يعملوا فيها، لذلك عندما نتحدث عن الأمن أو يتحدثون عن الأمن يقولون إن نهر الأردن خط أحمر، لماذا؟، والحقيقة ليس من ناحية أمنية ولكن بصراحة لأنها قضية استغلالية ولن نقبل ذلك".
وأضاف الرئيس أن "نهر الأردن هو حدود دولتنا ويجب أن يبقى كذلك.
وبدأت السلطة الوطنية بتنفيذ مشاريع تحلية مياه في بعض المناطق كما يقول عساف. لكن عمليا في المضارب المشكلة ليست مشكلة مياه مالحة او عذبة.
إنها مشكلة "وقود حياة".
وقال عساف إن كل ما تقوم به إسرائيل هنا له هدف واحد هو "إفراغ المنطقة من سكانها والسيطرة عليها". يردد المعنى ذاته الزواهرة ورعاة آخرون في المنطقة.
في المضارب تعج الساحات بعبوات المياه الحديدية. وثمة صهاريج أيضا تنقل الماء معرضة للمصادرة في أي لحظة.
مستخدما خليطا من ماء النبع وماء احضره من قرية زراعية مجاورة يغسل خليل وجهه في يوم حار جدا. وقال الذي يسكن في منطقة الحمامات التي اشتهرت في السابق بينابيعها المعدنية الساخنة إن "معظم ينابيع الوادي جفت (,,) لم يتبق شيء".
من على بعد تظهر مضارب الزواهرة مثل مشهد حي في مسلسل تلفزيوني: مبان خيشية صفراء مفتوحة للهواء الساخن وحول التلة جبال عالية. وجفاف الأرض أقوى المشاهد.
في المساء توفر قمة التل فرصة مواتية للاستمتاع بالهواء الرطب. وميض أضواء برتقالية في معسكر الجيش القريب يعطي انطباعا عن تناقض الحياة.
لكن إذا اقتربت أكثر من المضارب تبدو الحياة اقل جاذبية. أراض كافرة تتناثر فيها الحجارة الصلدم. الكثير من عبارات الشكوى.. ولا شيء غير محاولة الحياة بالقوة.
كل شيء ساخن جدا هذه الظهيرة.. والغور الشريط الغائر شرق الضفة الغربية مكان لا يحتمل للوقوف فيه تحت أشعة الشمس مباشرة.
لكن أبناء البدوي عيد الزواهرة يركضون حفاة فوق تلة نحو برميل ماء شق نصفين، لتبريد أجسادهم. فلا أجهزة تكييف ولا حتى مراوح تعمل على الكهرباء في نزل العائلة المقام على تلة تضربه الرياح الساخنة من كل اتجاه.
"ناااااااااااااار". صاح الرجل "نار". ويحمل الأطفال الخمسة الماء الملوث ببعض روث المواشي بأكفهم ويرشقون وجوههم.
إنه الغور صيفا. الحرارة فيه مثل وغز الإبر.
"باب من أبواب جهنم مفتوح هنا" قال احد الرجال الواقفين في وسط مرعى، وصاح على الأطفال للعودة مرة أخرى للنزل بعيدا عن أشعة الشمس العمودية.
وتعيش منطقة الغور وهي المنطقة الواسعة التي يسكنها عدد قليل من السكان، جزء منهم يتنقل من منطقة إلى أخرى أسوء وضع مائي.
في النهار يتردد صدى أصوات محركات جرارات زراعية تنقل المياه في صهاريج عبر طرق ترابية قريبة من النزل الخيشي.
وفوق التل يسوي الأطفال حساباتهم عبر التراشق بالماء...الشحيح.
واقفا على أعلى نقطة من التل الذي يشرف على أودية جافة تحيط به، حذر الزواهرة الأطفال من تبذير المياه الموجودة في الصهريج.
كان الغور الحار الجاف مصدرا للماء، لذا كان يمكن أن يكون بابا واسعا للاستثمار في كل شيء، لكن ما حدث هو العكس، يهجر الناس المنطقة، بسبب شح مياهها.
فإسرائيل التي تسيطر على الأرض تسيطر أيضا على مواردها الجوفية: الماء..إكسير الحياة.
في المنطقة لا يصعب الوصول إلى سكان لا يشكون شح المياه في الصيف. ذاته عيد الزواهرة الذي يعيل عائلة كبيرة يقول إنه يحضر الماء من مصادر بعيدة عن مكان سكناه.
وكل الرعاة في هذه المناطق الجبلية الوعرة يفعلون الشيء ذاته. وكثير من الينابيع التي كانت تغذي المناطق بالماء جفت تماما.
وفي منطقة الميتة ذاتها خفت مياه الينابيع إلى حد كبيرا. فالأودية الصغيرة التي كانت تجر مياه الينابيع جافة تماما.
الهواء حار وجاف ويثور الغبار في الأفق ما يجعل الحياة أكثر صعوبة والرؤية محدودة.
قال رئيس مجلس محلي وادي المالح عارف دراغمة، وهي المنطقة التي تضم عددا كبيرا من المراعي، إن " الحصول على صهريج ماء أصبح مثل سرقته من فم الغولة"، وهو مثل محلي يقال عند صعوبة الحصول على الشيء.
وأشار إلى وقائع كثيرة قام خلال الجيش الإسرائيلي بمصادرة صهاريج المياه من المضارب ووضعها في معسكر وفرض غرامات مالية على مالكيها.
واقفا أمام قطيع من المواشي قرب أهم روافد وادي المالح، قال عبد الرحمن خليل إن "الحياة تصبح صعبة يوما بعد يوم".
والرجل الذي يسكن على بعد 1 كيلومتر من الزواهرة يشاهد بام عينه أنابيب ضخمة تسحب المياه لمعسكر لقوات الناحل الإسرائيلية.
أي تناقض وتداخل في الحياة. حياة العالم الأول في مواجهة حياة العالم الثالث.انه ليس ظلم الطبيعة. انه الاحتلال.
فإسرائيل تضخ مبالغ مالية هائلة لتطوير زراعتها في المنطقة واستغلال كل نقطة مياه فيها. فيما تقول السلطة الوطنية إنها تخوض معركة مفتوحة للحفاظ على سكان المنطقة.
"هذه معركة مفتوحة بيننا وبينهم (...) طلبنا تدخل الأوربيين كي نستطيع تنفيذ شيء في هذا الاتجاه وتزويد السكان بالماء". قال وزير الزراعة وليد عساف لوكالة "وفا".
وقال الرئيس محمود عباس إن "منطقة الأغوار مليئة بالمشاريع الإسرائيلية، الصناعية والزراعية، وأن كثيرا من الضباط الذين ينهون خدمتهم في الجيش الإسرائيلي يذهبون كمدراء عامين لهذه الشركات برواتب تصل إلى عشرات ألوف الدولارات لكي يعملوا فيها، لذلك عندما نتحدث عن الأمن أو يتحدثون عن الأمن يقولون إن نهر الأردن خط أحمر، لماذا؟، والحقيقة ليس من ناحية أمنية ولكن بصراحة لأنها قضية استغلالية ولن نقبل ذلك".
وأضاف الرئيس أن "نهر الأردن هو حدود دولتنا ويجب أن يبقى كذلك.
وبدأت السلطة الوطنية بتنفيذ مشاريع تحلية مياه في بعض المناطق كما يقول عساف. لكن عمليا في المضارب المشكلة ليست مشكلة مياه مالحة او عذبة.
إنها مشكلة "وقود حياة".
وقال عساف إن كل ما تقوم به إسرائيل هنا له هدف واحد هو "إفراغ المنطقة من سكانها والسيطرة عليها". يردد المعنى ذاته الزواهرة ورعاة آخرون في المنطقة.
في المضارب تعج الساحات بعبوات المياه الحديدية. وثمة صهاريج أيضا تنقل الماء معرضة للمصادرة في أي لحظة.
مستخدما خليطا من ماء النبع وماء احضره من قرية زراعية مجاورة يغسل خليل وجهه في يوم حار جدا. وقال الذي يسكن في منطقة الحمامات التي اشتهرت في السابق بينابيعها المعدنية الساخنة إن "معظم ينابيع الوادي جفت (,,) لم يتبق شيء".
من على بعد تظهر مضارب الزواهرة مثل مشهد حي في مسلسل تلفزيوني: مبان خيشية صفراء مفتوحة للهواء الساخن وحول التلة جبال عالية. وجفاف الأرض أقوى المشاهد.
في المساء توفر قمة التل فرصة مواتية للاستمتاع بالهواء الرطب. وميض أضواء برتقالية في معسكر الجيش القريب يعطي انطباعا عن تناقض الحياة.
لكن إذا اقتربت أكثر من المضارب تبدو الحياة اقل جاذبية. أراض كافرة تتناثر فيها الحجارة الصلدم. الكثير من عبارات الشكوى.. ولا شيء غير محاولة الحياة بالقوة.