صحفي فلسطيني يرصد دور "الفيسبوك" بالثورات العربية
توصلت دراسة مطولة أعدها الصحفي مصعب قتلوني في إطار رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم "التخطيط والتنمية السياسية" في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "الفيسبوك" استطاعت أن تلعب دوراً فعالاً في ثورات الشعوب العربية بشكل عام وثورة 25 يناير في مصر على وجه الخصوص.
وناقش الصحفي "قتلوني" أطروحته ظهر الأربعاء في حرم جامعة النجاح الوطنية الجديد، حيث أشرف عليها الدكتور عثمان عثمان رئيساً، والدكتور نشأت الأقطش من جامعة بير زيت كممتحن خارجي، والدكتور فريد أبو ضهير من جامعة النجاح كممتحن داخلي.
وقررت اللجنة في ختام النقاش منح "قتلوني" درجة الماجستير، حيث اعتبرها الدكتور الأقطش بأنها "مجهود ضخم في موضوع مهم"، فيما أثنى عليها الدكتور أبو ضهير ودعا إلى طباعتها بعد إضافة بعض الجوانب عليها ككتاب يثري المكتبة العربية في هذا الموضوع الجديد والمستجد.
وترّكز الدراسة على الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في إطلاق شرارة الثورات العربية، وتناقش أبرز مظاهر تحول هذه المواقع من الطابع الاجتماعي البحت، الذي من أجله أنشئت، إلى الطابع السياسي المؤثر، وترصد كيف تحول نشطاء الانترنت ممن اعتادوا على قضاء معظم أوقاتهم خلف شاشات الكمبيوتر وفي غرف الشات والدردشة والفيسبوك، إلى موج بشري هادر في الشوارع والطرقات والميادين يهتفون بأعلى صوتهم ويرددون بصوت واحد "الشعب يريد إسقاط النظام".
وتشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت أدواراً بارزة قبل انطلاق شرارة الثورات العربية، كاستخدامها بكثافة في دعاية الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2008، وتحولها إلى ساحات للمواجهة بين العرب من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر العام نفسه، وكذاك نشر الكثير من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو للمظاهرات والأحداث الدموية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2009.
وحول الدور الأساسي الذي لعبته هذه المواقع خلال الثورات العربية، توضح الدراسة أنها استطاعت حشد أعداد كبيرة للمشاركة بالمظاهرات، وكسرت حواجز الخوف لدى المتظاهرين، وأوجدت تفاعلا مميزا بين الشعوب الثائرة، وعملت على فضح الأنظمة الحاكمة من خلال توثيق انتهاكاتها بالصور والفيديو ضد المتظاهرين، وتحولت في كثير من الأحيان إلى مصدر للمعلومات والأخبار لدى كثير من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.
لكن الدراسة –المكونة من ثمانية فصول- لا تغفل أن هناك عوامل ومحركات رئيسية ساهمت هي الأخرى باندلاع شرارة ثورات الربيع العربي التي ما كانت لتقوم بهذه القوة لولا وجود الكثير من التراكمات والإرهاصات التي جعلت الناس تثور في وجه حكامها، ومن أبرز هذه الأسباب التخلف الذي كانت تعيشه غالبية الدول العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا وفي كل المجالات.
كما أنها توضح أن عناصر مهمة –بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي- كان لها أثر بارز على انتشار موجة واسعة من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في كثير من الدول العربية مطلع العام 2011، مثل: نجاح تجربة الثورة التونسية أواخر العام 2010، والقنوات الفضائية، ومشاركة الأحزاب السياسية والقوى الفئوية والعمالية.
التغيير السياسي
وتستعرض الدراسة الكثير من المواضيع التي من أبرزها مفهوم التغيير السياسي وأبرز مراحله ووسائله، وتشير إلى أن التغيير بشكل عام سنة كونية، وفي حال طال التغيير فإن أبرز الاحتمالات الناتجة عن ذلك، حدوث انفجار شعبي لا تعرف عواقبه، والتغيير السياسي هو أحد أشكال التغيير، وتختلف مراحله ووسائله ونتائجه من دولة إلى أخرى ومن زمن لآخر.
وتلفت إلى أن وسائل التغيير السياسي قد تأخذ الطابع الرسمي كالاستفتاء، والانتخابات، والدور الرقابي للمجالس النيابية. وفي حال تعذر حدوث التغيير بهذه الوسائل، فقد يلجأ أصحاب التغيير أو الشعب إلى وسائل ذات طابع مختلف كالإضرابات، والتظاهرات الشعبية، والانقلابات العسكرية، والثورات التي تعتبر أحد أبرز مظاهر التعبير عن حق الشعوب في مقاومة الطغيان والاستبداد.
وتتطرق إلى إستراتيجية الأنظمة السياسية الحاكمة في التعامل مع التغيير السياسي طبقا للأجواء التي ينشأ فيها، وعادة ما تواجه الأنظمة عملية التغيير من خلال: التجاهل السياسي إذا كانت الأصوات المطالبة بالتغيير ضعيفة، أو استخدام القوة والعنف في حال شعرت الأنظمة بأخطار تحدق بسلطتها، أو الاسترضاء والرشوة السياسية في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي. مع الإشارة إلى أن الأنظمة قد تلجأ إلى إستراتيجية واحدة مما سبق ذكره، أو قد تلجأ إلى هذه الاستراتيجيات بصورة جماعية إما في آن واحد أو بصورة تدريجية.
ثورة 25 يناير
وفيما يتعلق بثورة الخامس والعشرين من يناير مطلع العام 2011 في مصر، فإن الدراسة تناقش بعمق الثورة المصرية وتسلسل أحداثها وأسبابها المباشرة وغير المباشرة وخصائصها ومراحلها وأبرز مكتسباتها السياسية والاجتماعية، وكذلك دور الفيسبوك في تهيئة الأجواء قبل اندلاع الثورة من خلال نجاح نشطاء الانترنت بتسليط الضوء على قضايا مهمة مثل الفساد وقضية التوريث والتعذيب في السجون والمعتقلات.
وتشير إلى أن ثورة 25 يناير في مصر اتسمت بعدد من المزايا التي أكسبتها خصوصية ميزتها عن غيرها من الثورات التي اندلعت في العديد من الدول العربية، خاصة وأنها تعدّ أقصر ثورة بين مثيلاتها التي انطلقت في "الربيع العربي" من حيث المدة الزمنية التي تمخض عنها إسقاط رئيس الجمهورية في غضون 18 يوما فقط.
وتؤكد أن ما شهدته مصر في 25 يناير، لم يكن سوى تتويجاً لعوامل عديدة ومن بينها نقاشات عميقة كانت تتم في مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، وحملات شبابية بعضها خرج من الفضاء الافتراضي إلى الميدان، وقد شكّل إضراب السادس من إبريل عام 2008 نقطة تحول بارزة في نشاط مواقع التواصل الاجتماعي على الصعيد السياسي في مصر.
وتعدد الدراسة أبرز الوسائل التي لجأ إليها نظام مبارك في إطار مواجهته للدور الذي كانت تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي في تحريض الناس وتعبئتهم على الثورة، ومن هذه الوسائل: مراقبة وملاحقة واعتقال وتعذيب ومحاكمة الكثيرين من نشطاء الانترنت، وكذلك محاولة توظيف هذه المواقع لخدمة أجندة وسياسات الحزب الوطني الحاكم، ثم بعد أن فشلت هذه المحاولات، قام النظام بقطع الاتصالات وخدمات الانترنت خلال الأيام الأولى للثورة.
وتشير إلى أن أبرز ما ميز نشطاء الفيسبوك في مصر أنهم كانوا على دراية تامة في كيفية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لإنجاح ثورتهم رغم الكثير من العراقيل التي وضعها النظام، كما أنهم لم يألوا جهداً في تسخير كل ما يمكنهم فعله من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الخدمات التي يتيحها موقع الفيسبوك لمستخدميه، واستطاعوا بالنهاية أن يتفوقوا على نظام استبدادي كان يمتلك آلة إعلامية ضخمة فشلت بكل المقاييس في مواجهة الشباب المصري الصاعد.
وتختم بتأكيدها أن موقع "الفيسبوك" لعب دوراً لا يستهان به في إطلاق الشرارة الأولى لثورة 25 يناير، ومن خلاله نشطت العديد من المجموعات الشبابية التي من أبرزها صفحة "كلنا خالد سعيد" التي أسسها الناشط وائل غنيم، والتي يتجاوز عدد أعضائها في الوقت الراهن أكثر من 2 مليون شخص.
رؤية استشرافية
وبرؤية استشرافية لدور مواقع التواصل الاجتماعي في المستقبل على صعيد التغيير السياسي في العالم العربي، تخلص الدراسة إلى أن هذه المواقع تحولت إلى عنصر ضغط كبير على الحكومات، وأصبحت كالمجهر الذي يراقب أي شكل من أشكال الفساد أو الاستبداد، وبالتالي فإنه لا أحد يستطيع أن يفترض من أين تأتي الشرارة التي قد تؤدي إلى وقوع الثورة. وهو الأمر الذي سيجعل الحكومات تحسب لمواقع التواصل وأبرزها "الفيسبوك" حسابا كبيراً وتراقبها عن كثب في محاولة للتخفيف من حدة تأثيرها.