أول نادلة في غزة : قوبلت بجبهة رفض لمهنتي لكن لن اتراجع
محمد الأسطل - لا تعبأ الشابة رناد الغز كثيراً بنظرات الاستهجان والرفض التي تلاحقها وهي تتنقل بين الزبائن لتقديم المأكولات والمشروبات، فهي بحاجة كبيرة للعمل لمساعدة عائلتها في توفير مستلزمات الحياة اليومية، وهي بذلك لا تلقي بالاً للرافضين، مع حزنها لتلك النظرات التي لا تحترم حريتها الشخصية بالرغم من أنها تعمل في مهنة شريفة وأمام الجميع حسب اعتقادها.
وتشق أول امرأة تعمل نادلة في قطاع غزة طريقها بصعوبة وسط أشواك من تقاليد المجتمع الغزي المعروف بأنه محافظ ومتدين خصوصاً في ما يتعلق بالمرأة، لكنها تمتلك إرادة صلبة للمضي في عملها من دون الالتفات كثيراً لحجم الانتقادات التي توجه لها، في مقابل كلمات إطراء تسمع الكثير منها لإصرارها على عملها بحرفية عالية.
عاشت صحيفة القدس مع رناد جزءاً من يوم عمل شاق، إذ لا تتوقف عن الحركة والتنقل بين جوانب المطعم، حيث طلبات الزبائن التي لا تتوقف مثلما نظراتهم التي تلاحقها في كل حركة وسكنة، بينما هي تتعامل بمهنية متميزة مع زبائنها الذين يطلبونها بالاسم في بعض الأحيان.
بدأت الشابة الفلسطينية عملها في هذا المطعم منذ أشهر قبل أن تعمل كمنسقة أفراح في فنادق أخرى، لكن حصولها على دبلوم متخصص في العمل الفندقي والسياحي حفزها للعمل في هذه المهنة، بعدما امتلكت الخبرات النظرية والعملية لهذه المهنة الجديدة على النساء في قطاع غزة.
وقالت: "ظروف عائلتي صعبة، ولم يكن أمامي فرصة أخرى سوى العمل في هذه المهنة، التي أشعر بفخر أنني أعمل بها بكرامة حتى لا أحتاج مساعدة الآخرين".
وأضافت: "عائلتي اعترضت في البداية، لكنهم عندما شاهدوني أقوم بعملي بكل انضباط والتزام، وافقوا على ذلك رغم علمهم بنظرة الجيران والأقارب السلبية لذلك".
ولا تتورع رناد عن ارتداء الزي الخاص بعملها كأقرانها من الذكور، بينما تمسك بدفتر الطلبات لتسجل طلبات الزبائن بابتسامة لا تفارقها، ونشاط لا ينقطع، حتى أن زملاءها فوجئوا بمهاراتها وقدراتها على كسب ود الزبائن ورضاهم.
وذكر نائل الذي رافق رناد منذ بداية عملها، أن الجميع لم يكن يتوقع أن يكون لدى شابة هذه القدرة على تحمل ضغوط العمل، والقدرة المتميزة في إرضاء الزبائن ومساعدتهم في تحديد أكلاتهم، لافتاً إلى أنها المرة الأولى له في العمل مع نادلة، ولن يمانع في المستقبل من العمل مع أخريات.
من جانبه ذكر صلاح أبو حصيرة صاحب مطعم "السلام" الذي تعمل فيه رناد أن تجربتها في العمل تؤكد قدرة الشابة الفلسطينية على العمل في هذه المهنة، خصوصاً إن كانت تمتلك القدرات العملية والمهارات الفنية اللازمة لمهنة النادلة.
وأشار إلى أن نجاح هذه التجربة حفز أصحاب الفنادق والمطاعم على إفساح المجال لعمل مزيد من الشابات في هذه المهنة، لافتاً إلى أن نسبة ليست بالقليلة من الزبائن تفضل أن تتعامل مع مقدم خدمات من الإناث وليس الذكور، خصوصاً تلك العائلات الأكثر محافظة.
وتتفاوت اتجاهات الجمهور الغزي حول عمل المرأة في هذه المهنة التي ظلت حكراً على الرجال لسنوات طوال بين القبول والرفض، فبينما اعتبرت أم باسل التي اعتادت على تلقي طلباتها مع عائلتها من خلال رناد، أنه لا يوجد مانع شرعي أو اجتماعي لعمل المرأة في هذه المهنة، أصر أبو أحمد على أن هذا لا يليق بالمرأة الفلسطينية، التي تحدد طبيعة المجتمع الغزي ما يمكن لها العمل فيه.
وقال: "لا يمكننا تجاوز الواقع الاجتماعي والقفز على عاداتنا وتقاليدنا والحديث عن شابة تعمل كنادلة، هذا يتجاوز كل شيء".
رناد من جانبها تدرك حجم التحديات التي تواجهها، والحصون التي اخترقتها بعملها هذا، لكنها تعمل باجتهاد سعياً وراء الرزق الحلال، وأهم أمنية لديها أن ينتهي مشوار خطوبتها بزواجها من عريسها الموجود في الضفة ولا يسمح الاحتلال لها بالانتقال إليه.
الجدير بالذكر أن هناك شابات أخريات يعملن نادلات في مرافق سياحية أخرى في غزة، لكنهن رفض الإفصاح عن شخصيتهن والحديث معنا.