وسام وأسيل.. حبيبان الى أن ينام القمر!!
قبل ان "تتبعثر" احلامه تحت اطارات شاحنة خضروات على الطريق السريعة بين طابا "الساحرة" وشرم الشيخ التي تعج بالنور والظلال والمياه الوفيرة، لم يكن يعلم وسام سكران، ابن الناصرة الوادعة، ان رحلة استجمام عادية ستنتهي به الى مُقعد على كرسي كهربائى.. مكسور الروح ومهيض الجناح!
بالنسبة الى وسام، وعائلته النصراوية ايضا، سيظل الحادي والعشرين من آب من كل عام علامة فارقة في حياتهم التي تحولت، هكذا فجأة ودونما استئذان، الى جحيم.
وسام (25 عاما)، الذي كانت تغمره الحياة الفتية بالاحلام الكبيرة والمتمناة في ان يصبح لاعب جمباز مغمور و"عالمي" قبل ثلاثة عشر عاما، لم تسعفه الامنيات ولا القدر كذلك، بيد أن الارادة والعزيمة والايمان بغد أفضل.. وحب اسيل الكبير جعله ينبض بالحياة مجددا.
"من هنا تبدأ حياتي" يقول وسام في اشارة الى علاقته العاطفية مع اسيل ابو العسل وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة. ويضيف انهما معا سيهزمان اعاقتهما باطفال يملؤون فناءات المنزل بـ"القهقهات" واللعب، وسيعيشان مع "كومة" من الابناء والاحفاد "حبيبان الى ان ينام القمر".
أسيل، كما وسام، يعلمان "أن الصباح ينادي خطاهما كي يستمرا على الدرب يوما جديدا!.. يصنعان الخبز والأغنيات، ولا يسألان هذا الطريق لأي مصير يسير بهما، فحسبهما انهما يسيران .. معا الى الابد" كما يقول شاعرنا الكبير محمود درويش (بالتصرف).
هكذا، كغيره من الشباب يطمح وسام لتشكيل عائلة ويعمل حاليا على تجهيز "عش الزوجية" بصورة تتناسب مع وضعيته ووضع خطيبته اسيل، ويحذوهما الأمل بتجاوز اعاقتهما وان غد مشرق آت لا محالة.
"سنحتفل بزفافنا في ايلول القادم، وبخلاف نظرة المجتمع الدونية وتقاليده قررت انا واسيل ان نتحدى وان نقدم نموذجا يغير الافكار والاحكام المسبقة في مجتمعنا" يقول وسام السكران، لافتا الى أنه لم يتخذا الخطوة بتهور او على عجل بل قاما بدراسة الموضوع من جميع جوانبه قبل أن يقررا الارتباط.
تقول اسيل:"بداية ظننت ان ارتباطي بوسام هو مسالة شخصية، تخصني وتخصه، لكن ادركت فيما بعد اننا وعبر ارتباطنا نقدم رسالة لمجتمعنا اننا نستطيع العيش وان نحب ونرتبط كباقي الناس وسنتحدى المجتمع وحكمه السلبي علينا".
بالنسبة لوسام الذي كان يتعلم الرياضة في معهد "فينجت" والشغوف بالعاب الجنمباز، كانت حكايته قد بدأت في 21 آب 2001 عندما غادر وعائلته الناصرة لقضاء عدة ايام للاستجمام في طابا، قبل موعد زفاف اخيه باسبوعين. وفي الـ25 من آب عادت عائلته للناصرة من طابا، فيما توجه هو من هناك لشرم الشيخ مع خالته وزوجها القادمين من امريكا.. وفي الطريق تعرض الثلاثة لحادث طرق غير حياته الى الأبد.
تعرض وسام لاصابات خطيرة افقدته القدرة على الحركة، ولم تنته مأساته عند هذا الحد، حيث نقل عبر سيارة خضار الى مستشفى في طابا في وضع حرج جدا، قبل أن ينقل لمستشفى في ايلات عبر طائرة عسكرية ومن ثم الى مستشفى"تل هشومير" لسوء وضعه الصحي".
على سرير المشفى غاب وسام عن الوعي مدة شهر وكاد الموت أن يخطفه عدة مرات بسبب توقف قلبه عن النبض، غير انه قاوم بفضل الارادة والاجهزة الطبية مدة شهرين الى ان إستعاد وعيه ليبدأ مع حياة مختلفة وصراع مع نفسه ومع العائلة والمجتمع.. حتى انه كان يفقد الرغبة في الحياة!
ويؤكد وسام ان التفاف العائلة والاصدقاء حوله ساهم في تقويته ليواجه وضعيته الجديدة، ويقول: "ما قدمه لي والدي ووالدتي اكثر من ان اختزله بكلمات قليلة". ويضيف ان حربه مع الإعاقة لم تكتمل فصولها، ذلك أنه خاض حربا جديدة مع مؤسسات الدولة (اسرائيل) لتحصيل حقوقه كمعوق، ذلك ان المعوق العربي الفلسطيني داخل اسرائيل ليس كنظيره اليهودي من حيث الحقوق والواجبات.
وفي سياق معركته الانسانية والحقوقية معا، بدأ وسام بالتخطيط لتشكيل نادٍ يضم ذوي الاحتياجات الخاصة، والتحق بجمعية الاخوة لرعاية المسن وذوي الاحتياجات الخاصة، وشارك بعدة دورات ارشادية، والتحق فيما بعد للعمل بشكل تطوعي في احدى الشركات التي تؤمن تسهيل التنقل لذوي الاحتياجات الخاصة عبر سيارات خصوصية مهيأة لهم، وزار الكثير من العائلات لاطلاع أفرادها على حقوقهم وامكانية ان يتمكنوا من التنقل.. التنقل بحرية دون رحمة أو شفقة أحد.
"بإرادتي الحديدية انجزت بعد الحادث ما لم أنجزه خلال سني عمري، وتعلمت الحاسوب واحترفت بناء المواقع والجرافيك، ويبدو أن اعاقتي زودتني بقوة وبطاقة رهيبة لم اعهدها قبل ذلك" يقول وسام.
من جانبها، اسيل الحاصلة على اللقب الثاني (الماجستير) في ادارة الاعمال وارشاد المجموعات والاستشارة التنظيمية، لم تجد عملا يتناسب ومؤهلاتها العلمية واعاقتها، غير انها تعمل هذه الايام موظفة في مكتب سياحة لابنة عمومتها، وكل ما تأمله أن تتغير نظرة المجتمع تجاه المعوقين في الوسط العربي في اسرائيل.. وأن يرزقها الله المعز والرحيم الأبناء الذين سيغمرانها وتغمرهم بالحب.
..هكذا، سيظل وسام واسيل قوة مثال جديرة بالإحترام والتعلم لنظرائهم المعوقين والى المجتمع!!