تفاصيل ما دار في لقاء اوباما - بوتين ومحللو لغة الجسد يعتبرون اللقاء كان "يتسم بالجدية" و"غير ودي"
سان خوسيه ديل كابو، المكسيك- عقد الرئيس أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أخيرا لقاءهما وجها لوجه يوم أمس، في الوقت الذي ضغط فيه اوباما على بوتين للعمل معه لتسهيل رحيل بشار الأسد عن السلطة، وهي خطوة ينظر إليها الغرب بشكل متزايد على انها الطريقة الوحيدة لإنهاء سفك الدماء المتواصل في سوريا منذ أكثر من عام.
وبعد ساعتين كاملتين كان بوتين مترددا، وظهر بعد ذلك مع اوباما امام المراسلين في صورة عابسة تعبر عن الإحباط لدى الجانبين. وخلال عدة دقائق تطلب الأمر من مرؤوسيهما إرشاد المراسلين للخروج من الغرفة بعد أن قرأ كل منهما لاحظات مكتوبة تم إعدادها، وظل الزعيمان جالسين جنبا إلى جنب ينظران إلى الامام دون اي تفاعل أو كلام من النوع الذي يدخل فيه الزعماء عادة أمام الكاميرات. وقال اوباما: "اتفقنا أننا بحاجة لنرى وقفا للعنف، ولإيجاد عملية سياسية تحول دون وقوع حرب أهلية".
وذكر مسؤولون اميركيون ان بوتين أمضى وقتا كبيرا في الإشارة إلى ما يعتبره الروس أمثلة فاشلة للانتقال السياسي في مصر وليبيا بالإضافة إلى قلقهم من أن الغرب لا يمتلك خطة ذات مصداقية لما قد يحدث للفصائل السورية المتقاتلة والاقليات العرقية إذا تنحى الأسد عن السلطة.
وقام اوباما بجهد مطول ومفصل لطمأنة بوتين بان الولايات المتحدة لا تريد قطع الصلة بين روسيا وسوريا التي تعتبرها روسيا حليفة استراتيجية وآخر معقل حقيقي لنفوذها في المنطقة، وفقا لمسؤولين اميركيين. واعترف الأميركيون أن المسؤولين الروس لم يصدقوهم عندما قدموا هذه التطمينات في السابق، ووفر لقاء الاثنين كما قالوا الفرصة لأوباما لمحاولة عرض هذه القضية شخصيا لبوتين.
وسمح بوتين لنفسه بالتعليق على اللقاء قائلا: "وجدنا نقاطا مشتركة كثيرة بخصوص هذه القضية". واضاف إن البلدين سيواصلان المناقشات.
ووصف اوباما الاجتماع- الذي أعيد تحديد موعده ليتم خلال اجتماع مجموعة العشرين، بعد ان ألغى بوتين رحلته لحضور مؤتمر قمة اقتصادية عقده اوباما في كامب ديفيد الشهر الماضي- بأنه "صريح وعقلاني ومعمّق".
الا أن مسؤولين أميركيين لم يبذلوا جهدا ليصوروا اللقاء بين الرجلين على انه كان مليئا بالدعابة والروح المرحة. وقال مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة في روسيا للمراسلين في محاولة لاستبعاد أي انطباعات سلبية حول ما قد تكون لغة الجسد بين الرئيسين قد أوحت به: "أعتقد أن الكيمياء كانت ودية لانجاز الأعمال. لم يكن هناك شيء غير عادي حول تعبيرات بوتين، فهذا هو مظهره وهذه هي طريقته في التصرف".
الآن وقد عقد اوباما وبوتين اول لقاء لهما خارج المسار المألوف واستمع كل منهما لتفسير الآخر حول ما اذا كان على الاسد أن يُبعد أو لا يبعد من دوره في سوريا، فإن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يأملون من أن يتمكنوا من التحرك نحو الأمام.
وقال بنجامين رودس، مدير الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الامن القومي الأميركي: "أعتقد أنه كان هناك اتفاق على الحاجة لعملية سياسية، وانها يجب ان لا تقتصر على وقف إطلاق النار. ومن الواضح أن الولايات المتحدة تعتقد ان العملية السياسية يجب ان تشمل تنحي بشار الأسد عن الحكم".
وكان على جدول الأعمال بالنسبة لاوباما وبوتين محاولة الولايات المتحدة وروسيا مع اوروبا والصين لكبح الطموحات النووية الإيرانية. وحتى مع اجتماع الرجلين على هامش القمة الاقتصادية العالمية المجتمعة هنا في المكسيك، فقد كانت المحادثات الصعبة حول هذه القضية جارية في موسكو. وقال اوباما إنه هو وبوتين "أكدا توجههما المشترك" ووافقا على أن هناك وقتا لتقوم الدبلوماسية بدورها في حل الأزمة.
وكانت محاولة اوباما لإعادة العلاقات مع روسيا إلى مسارها قد بدأت مع سلف بوتين، ديمتري مدفيديف، الذي قال قبل شهرين ونصف الشهرين أن "هذه ربما كانت افضل ثلاثة اعوام من العلاقات بين والولايات المتحدة خلال العقد الأخير".
لكن هذا اللقاء بين هذه الشخصيات كبيرة الاهمية، كقادة لكل من البلدين، تأتي في وقت قد لا يكون له نظير من حيث التوتر. وهناك خلافات بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص عدد من القضايا الصعبة: نشر الولايات المتحدة لنظام الدرع الصاروخي الذي يعتبره بوتين تهديدا، والتشريع المنتظر في الكونغرس الذي يمنع التأشيرات ويجمد أرصدة مسؤولين روس لهم علاقة بانتهاكات حقوق الإنسان، والتصريحات الصادرة عن الخارجية الاميركية حول الاحتجاجات التي قوبل بها تنصيب بوتين رئيسا، وهو ما أدى إلى إغضاب الزعيم الروسي.
لكن القضية التي تثير اكبر قدر من الغضب تتعلق بسوريا، وهي حليف قديم لروسيا والتي واصل الرئيس الروسي الدفاع عنها في وجه الإدانات الغربية للحملة الدموية التي يشنها بشار الأسد على المحتجين المطالبين بالديموقراطية. وقد عارضت روسيا التدخل الغربي وواصلت وفقا لبعض الروايات تسليح قوات النظام السوري. واوقف المراقبون الدوليون يوم السبت الماضي عملياتهم في سوريا بسبب تصعيد العنف. واعتبرت هذه الخطوة محاولة للضغط على روسيا للتدخل لضمان عدم استهداف المراقبين من جانب القوات السورية او المتعاطفين معها.
والتوترات المتجددة تأتي في الوقت الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة إلى حد كبير على التعاون الروسي في عملياتها العسكرية بأفغانستان. وبعد قطع باكستان خطوط الإمداد إلى أفغانستان، أصبح ما يسمى بشبكة التوزيع الشمالية التي تمر بروسيا طريق التعزيزات الرئيسي للحرب الأميركية على طالبان.
وكون هذا كله يحدث وسط حملة انتخابات رئاسية كان في دائرة اهتمام البيت الابيض، خصوصا إذا أخذ في الاعتبار التأكيد الاخير من جانب المرشح الرئاسي الجمهوري، ميت رومني، بأن روسيا هي أكبر تهديد استراتيجي للولايات المتحدة. وتم الاستخفاف بهذه الاقوال على نطاق واسع في أوساط صانعي السياسة الخارجية، لكن تأثيرها كان ملموسا في موسكو.
ورفضت إدارة اوباما ملاحظات رومني باعتبارها دعاية في عام انتخابي، ولكن نظرا لانها جاءت بينما كان بوتين يستعرض عضلاته، فقد وضعت اوباما في موقف صعب في اثناء محاولته إقناع بوتين بنوايا أميركا الحسنة- أو على الاقل- عدم وجود نوايا سيئة- تجاه روسيا.
تحليل لغة الجسد في لقاء اوباما - بوتين
اضطر البيت الابيض لطمأنة الصحافيين الذين قرأوا في تعابير الرئيسين الروسي والاميركي بعد اجتماعهما الاثنين في لوس كابوس في المكسيك، تشاؤما معتمدين على لغة الجسد.
واللقاء الذي جمع اوباما وبوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في المنتجع المكسيكي، اثار اهتمام هواة لغة الجسد الذين طرحوا تساؤلات عديدة.
فهل يمكن تفسير نظرة بوتين بامعان الى الارض، على انه لا يوافق على ضغوط اوباما على سوريا؟
وهل كان اوباما يقصد عندما عقد حاجبيه ان استخدام بوتين لصفة "الجدية" في حديثه عن اللقاء هو كناية لوصف حوار اكثر حدة؟
وابتسامة بوتين عندما دعا اوباما الى زيارة موسكو، هل يمكن اعتبارها دليلا لعودة الحرارة الى العلاقة بين الجانبين؟
وكان الصحافيون الذين واكبوا اللقاء يتوقعون اجواء فاترة تتناقض مع تلك التي سادت الغداء الذي جمع أوباما مع سلف بوتين ديمتري مدفيديف.
واستخدم كل من اوباما ومدفيديف الاسم الاول لمحاوره اثناء تواصلهما في لوس كابوس، بينما استخدم اوباما وبوتين في تبادل الحديث عبارة "السيد الرئيس".
وعندما جلسا على كرسيين من القصب للالتقاط الصور كالعادة امام المصورين في بداية اللقاء، بدا عليهما التشنج.
وبعد اللقاء، ادلى الرجلان بتصريحات مقتضبة الى الصحافة. فقد تكلم بوتين بمفرده لدقيقتين ونصف الدقيقة وقد غابت التعابير عن وجه رجل الاستخبارات الروسية السابق. وقد بدا انه يريد الانتهاء بسرعة من الشكليات.
أما اوباما المعروف أكثر بتشدده، فقد تحدث بصوت رتيب لاحقا ملخصا المحادثات التي وصفها ب"الصريحة". وكانت مداخلته أربع مرات أطول من نظيره الروسي.
وعندما تطرق الرئيس الاميركي الى الوضع في سوريا، عض بوتين الغامض على شفتيه. وعندما تم ابعاد الصحافيين، حدق الرجلان أمامهما بدون ان يتفوها بكلمة.
وجهدت البعثة الاميركية لاحقا للاجابة عن أسئلة الصحافة عن "غياب مشاعر الود" بين الرجلين. وأوضح رودس انه لو كان بوتين يريد اظهار خيبة أمله بعد اللقاء لفعل ذلك بصراحة. وقال "عندما يرى ان الاجتماع سىء فهو يظهر ذلك بوضوح".
وأعرب الناطق باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف عن رضا الجانب الروسي عن المحادثات، مضيفا ان نبرة اللقاء لم تكن "قاسية" بل "بناءة ومنفتحة".