القدس.. حكاية مدينة في القبضة المنفلتة لإرهاب دولة الاحتلال
تحاصر مئات العائلات الفلسطينية في البلدة القديمة من مدينة القدس وسط الضفة الغربية، وفي الأحياء المحيطة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية، وقائع مليئة بالوجع والبؤس وانتهاك لابسط الحقوق بحياة آمنة.
..هناك، في المدينة العتيقة يجد المواطنون البسطاء، أطفالا ونساء، أنفسهم على الدوام في الهامش الضيق الذي تنحشر فيه مناطقهم بين وطأة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي يزاولها جنود متأهبون على الدوام للقتل، ومستوطنون مسلحون بأنياب عنصرية.
"في القدس كل مواطن هدفا محتملا لعنف وإرهاب مليشيات المستوطنين المسلحين بالبارود والعنصرية، وفيها يحدث عملية " تطهير" ضد الوجود الفلسطيني.. إنها مدينة في القبضة المنفلتة لإرهاب دولة الاحتلال".
في القدس ترى كل ما لا تستطيع احتماله إذا ما بدت من جانب الدرب دورها.. في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعا في السوق، رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين، قبعة تحيي حائط المبكى.. في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم، في القدس صلّينا على الأسفلت.." هذا ما يقوله الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، وهذا ما يؤكده سكان المدينة والمتتبعين والمهتمين بالشأن المقدسي.
"في البلدة القديمة ومختلف الأحياء القريبة من المستوطنات التي التهمت أراضي المواطنين وأضائتها بوهج المصابيح، يظل أكبر الوجع اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين وسياسات الحصار والإغلاق التي تفرضها قوات الاحتلال" يضيف الشاب محمود جدة الذي تشرب آلام القدس منذ أن رأت عيناه النور.
ويقول: "هنا في المدينة حيث يجهد المستوطنون دون كلل لإقامة "دويلة" لهم، تجد الحواجز العسكرية، والبوابات الكترونية والحديدية، وإغلاق أحواش، واستيلاء على منازل، ومصادرة ممتلكات، واحتلال أماكن مقدسة، ونقاط تفتيش ومراقبة، وجنود يضعون أصابعهم دوما على الزناد، وعربدة، وترويع، وإحراق حقول ومتاجر وسيارات، وتهجير، وعنصرية، ورغبة جامحة للقتل".
ويشير محمود جدة الذي اصطحب وفدا من نادي الصحافة المقدسي ومقهى الكتاب الثقافي، في جولة بربوع القدس، الى ان سلطات الاحتلال تجهد في انتزاع المدينة من أصالتها وتاريخها العربي الاسلامي عبر سلسلة من الاجراءات والتدابير القمعية بغطاء من حكومة اليمين المتطرف الاسرائيلية يقيادة نتنياهو - ليبرمان.
وللمدينة القديمة التي تقل مساحتها عن كيلومتر مربع واحد، والتي "تتلظى" بنار بساطير العسكر، حكاياتها وإرثها القديم الذي يتربع على عرشه مسرى النبي محمد - المسجد الاقصى، وقبة الصخرة، وابواب القدس السبعة.
في باب العامود احد اشهر ابواب القدس يتجلى التاريخ، وفي باب الأسباط هناك حمام تركي، يدعى حمام "ستنا مريم" وهو واحد من اشهر حمامات المينة ايضا، وفي باب الخليل تتجلى فنون العمارة، ونظيره باب الاسباط، الذي يحظى بعدة أسماء، منها "باب الغنم وباب اسطفان وباب الغور". من هذا الباب اقتحمت الدبابات الاسرائيلية البلدة القديمة في حرب عام 1967. ومن هذا الباب ايضا أعلنت إسرائيل احتلالها للمدينة المقدسة لتبدأ حربا جديدة لا يستخدم فيها طائرات ودبابات، بل قوانين عنصرية وتهجير يلتهم ما تبقى من مقبرتي الرحمة واليوسفية، وربطها بتلفريك مع جبل الزيتون لتغيير الطابع الاسلامية.. هذه هي القدس!!
وللقدس حكاياتها "الخرافية"، ذلك ان المسلمين - على ذمة الحكاية - اغلقوا الباب الذهبي أو باب التوبة والرحمة لعرقلة عودة السيد المسيح القادم من جبل الزيتون الذي كان له ان يصمد امام القدرة الالهية.
ولباب التوبة هذا تاريخ ذهبي: قبور الصحابة شداد بن اوس، وعبادة بن الصامت.
وفي داخل باب الاسباط، سقطت الشهيدة مريم المخطوب في مجزرة المسجد الاقصى عام 1990.
والماء العذب منتشرا في عيون القدس القديمة، وفيها سبعة عشر عين "ماء سنسبيلا" لسقاية الناس.. ماء ينساب عبر عدة قنوات، من مناطق العروب في الخليل، وارطاس في بيت لحم، وفي مكان قريب، وبالتحديد داخل الصلاحية يمكن مشاهدة بركة "بيت حسدا" التي يقال ان السيد المسيح كان يداوي بها بعض الامراض الجلدية كالبرص والجذام.
وفي وصف المدينة مغر وكهوف وتجويفات سحيقة، وقطع من الموزاييك والفسيسفاء الروماني.. وايضا، موقف سيارات الاوقاف الاسلامية الذي كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مكانا لتوزيع المأن على اللاجئين. لقد تغير المكان، لكن التوزيع مازال مستمرا، واللجوء ما زال مستمرا.
وهناك على أحد مقاطع طريق الالام، يمكن ان تطل على أولئك الذين جاءوا برفقة صلاح الدين لتحرير القدس من صليبييها، ويمكن ان تشاهد المدرسة العثمانية، وطريق الملك المعظم عيسى، الذي اشتهر بالعناية بالمدارس ودور العلم والمقابر، طريق تتفرع عنها طريق أخرى، إنها طريق شرف الانبياء أو الملك فيصل، التي تفضي إلى المسجد الأقصى.
في طريق الآلام، عند المدرسة العمرية يتجمع برج انطونيا في عهد بيلاطس البنطي زمن السيد المسيحية، وسرايا عمرية تعود للعهد العثماني، وفي المكان ذاته وغير بعيد عنه تعبق رائحة دماء الشهداء الذين سقطوا عند نفق أشعل انتفاضة راح فيها عشرات الشهداء عام 1996، ودون ان تفلح "معاهدات السلام" في محوها، كما باب الغوانمة القريب الذي دخل منه المجرم "الن غودمان"، عندما اطلق النار على المصلين العزل وقتل وجرح آمنين أبرياء عام 1983.
وفي حي الجالية الأفريقية الذي يعرف بـ"حبسي الدم والمنصوري"، الملاصقين لباب المجلس المفضي الى الاقصى، ثمة حكايات عن تاريخ الافارقة الذين جاءوا من عدة دول افريقية قبل مئات السنين لتقديس حجاتهم، أو دفاعا ورباطا عن ارض فلسطين.. استقروا قرب الاقصى وعملوا في حراسته وسدنته، كما كان لهم باع في النضال من أجل فلسطين، فأول اسيرة فلسطينية من الجالية الافريقية هي فاطمة برناوي مؤسسة اول جهاز شرطة نسائية فلسطينية.
وفي القدس تتعدد الامكنة، وتؤرخ الحكايات والبطولات، ويظل أهل القدس هم أهل القدس، وتنادي المآذن حي على على الفلاح!!