المنطقة الحدودية .. صراع البقاء- عدنان نصر
يسري الخوف في عروقه ، فهو غريب عن المنطقة الحدودية شرق مدينة غزة، إنه ينشد زيارة صديقه، ينبعث القلق في صدره عند رؤيته دبابات عسكرية اسرائيلية متأهبة للقتال لا تبعد عن أراضي وبيوت المواطنين كثيرا.
يسير حذرا بين طرقات الأراضي الزراعية إلى أن يلمح إمرأة خمسينية تجني ثمار أرضها القريبة من السياج الحدودي ، تتهلل أساريره فرحا، ويغادره شبح الخوف عندما يرى صمود مفعم بالتحدي يشع من عيونها، فهي لم تبال لدبابة إسرائيلية تحركت من مكانها مثيرة عاصفة من التراب، ولم ترتعد أطرافها عندما أطلقت قذيفة بجوار أرضها، لأن الخوف لم يجد مكانا في قلبها.
وتقطتع اسرائيل نحو كيلومترا طولاً وما بين 1500 متر عرضاً، وهي تمتد من بلدة بيت حانون شمالاً وحتى مدينة رفح جنوباً ، وهي المنطقة العازلة التي فرضتها في عمليةعسكرية أطلقت عليها اسم "السماء الزرقاء" في 28 كانون أول 2005م.
تصر المرأة التي تتشح ثوبا أسودا على زيارة أرضها كل يوم، ولم تمنعها موجة الصدام الساخنة بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينية الأسبوع الفائت من الذهاب إلى أرضها وقطف ثمار مزروعاتها الناضجة.
وأسفر التصعيد الأخير عن استشهاد 16 فلسطينيا، وخلف عشرات الجرحي، وتوصل الجانب المصري لاتفاق تهدئة بين الطرفين دخل حيز التنفيذ مطلع الأسبوع الحالي.
وفشلت " اسرائيل" في تهجير السكان المحليين عن أرضهم، بالرغم من سياسة البطش والترهيب التي مارستها ضدهم، فهي لم تحسم بعد معركة صراع البقاء التي تدور بينهم.
على مقربة من المرأة الخميسينة، كان شابان يؤديان عملهما على أكمل وجه في رش الخضروات بمبيد حشري بالرغم من شمس يونيو الحار في ساعات الظهيرة في حين كان والدهم العجوز مستلقيا على جنبه تحت خيمة بوسط أرضه ، يمسح حبات العرق المنساب على جبينه، ويقلب محطات راديو صغير بين يديه، لم يستغرق الوقت كثيرا حتى أغلقة مستاءا فالأخبار لم تتغير كما يتصور، ونادى على أولاده كي ينالا قسطا من الراحة.
تبدو الحياة شبه روتينية، فاعمار البيوت التي دمرت في حرب غزة أعادت نبض الحياة إلى الأرضي التي زينت بثوب أخضر، وبدأ السكان في العودة إلى بيوتهم بعد أن شيدتها الجهات القائمة على الاعمار كوزارة الأشغال ووكالة الغوث " الأنروا" من أموال الجهات المتبرعة لاعادة الاعمار.
ينتبه قبل أن يصل الى بيت صديقه إلى شجرة زيتون صغيرة مثمرة تتلألأٍ حباتها الخضراء مع أشعة الشمس، يتأملها بنظرات اعجاب فقد أدرك أن صراع البقاء سيحسم لأصحاب الأرض الذين لم يكلّوا في تعمير مادمره الاحتلال من أراض وبيوت.