حين ينتقل المستشفى إلى أحضان الطبيعة
في أحضان الطبيعة الفلسطينية الخلابة ووسط شلالات واد الباذان وبين الحفر اليانعة عاش نزلاء مستشفى الدكتور كمال للطب النفسي يوما مميزا وتحرروا من كافة القيود العلاجية واختفت الفوارق بينهم وبين الأطباء والممرضين والمشرفين والأخصائيين النفسيين حتى وجدت نفسي غريبا وغير قادر على التمييز بين طاقم العاملين والموظفين وبين النزلاء.
هكذا بدأت الرحلة الترفيهية العلاجية التي نظمها واعد لها منسق لجنة الجودة في مستشفى الدكتور كمال للطب النفسي، فكانت نقطة البداية عندما بدا النزلاء بالتجمع أمام المستشفى ذي المبنى الأثري والتاريخي الذي يضفي لمسة جمالية على مدينة بيت لحم بمبانيه وبواباته الأثرية وحدائقه الجذابة.
عندما بدأ النزلاء بالصعود إلى الحافلات تبادر لذهني المجموعات الكشفية وهي تستعد للتخييم والاستكشاف، حيث بدا الفرح على الوجوه جليا، ولعل من أدل العبارات وأكثرها تأثيرا التي سمعتها من احد النزلاء، مطالبا سائق الحافلة بالتوجه إلى "الفالوجة"، فيما طالب نزيل اخر قائلا "بدنا على المسمية" وبدأت المبارزة فمنهم من ذكر يافا وحيفا والآخر ذكر "مغلس" وبيت نتيف وغيرها من قرى ومدن فلسطين المحتلة عام 1948.
وبالرغم من طول المسافة بين بيت لحم والباذان إلا انه لم تحصل أي مشاكل أو مشادات أو حالات طارئة في أوساط أكثر من خمسين نزيلا ونزيلة، يتلقون العلاج في المستشفى، بل سادت اجواء المرح، وصدحت الحناجر بالأغاني والأهازيج والنكات مما جعلني ارغب بتكرار المشاركة في هكذا رحلات ونشاطات، بل وصرت افكر بالمبادرة الى تنظيم رحلات اخرى شبيهه.
في وادي الباذان ترجل الركاب إلى المتنزه وسارع كل منهم ليساهم في عمل ما، فمنهم من حمل المياه والمشروبات، فيما انزل اخر المأكولات ووزعوا الأدوار وكأنهم خريجي معسكر كشفي متخصص.
ثم انطلق الجميع للمرح واللهو، فهذا يمارس هوايته في السباحة، والآخر متمدد في ظل شجرة، ومجموعة تلعب الكرة، في حين انهمك اخرون في إعداد وجبات طعام خفيفة وتوزيعها على المشاركين.
وعندما جاء وقت الدواء، بدأت ملائكة الرحمة بتوزيع حبات العلاج على المرضى والمريضات وهم منهمكون في لهوهم وانشغالهم، ولم يبد احد أي اعتراض وكأنهم يتناولون الحلوى، كما مرر المرضى كؤوس الماء على بعضهم البعض.
والملاحظ انه، وفي ظل هكذا أجواء، لم تكن حاجة لمتابعة أو مراقبة أو إغلاق أبواب، فالجميع هنا كأفراد الأسرة المتحابة، ولم يستدعي الامر لان يتخذ الأطباء والمشرفون اي إجراءات احتياطية كأن يعزلوا المرضى في أماكن خاصة، بل انخرط النزلاء في المتنزه وتعاملوا مع الزوار القادمين من مناطق مختلفة، وعند استراق السمع إلى أحاديث الناس لا تسمع احتجاجا من نوع ما أو تخوف، فلم يحدث شيء من هذا القبيل، ولعل هذا يعود إلى انه لم يبدو على المرضى أي شيء يلفت الانتباه أو تصرفات غريبة أو مؤذية أو تضايق الآخرين.
وعند توجيه سؤال للدكتور إبراهيم اخميس منسق لجنة الجودة والمشرف على الرحلة حول الموضوع أجاب، بأن المرضى وبمجرد شعورهم وإحساسهم بأنهم يعاملون بإنسانية كالآخرين ويمنحون قدرا من الحرية يزول الكثير من التوتر، ويمنحهم ثقة بالنفس ويشعرون بالمسؤولية، مما يؤدي إلى انخراطهم في الأنشطة وتفاعلهم مع المحيط الذي يبدي تفهما لهم ولا ينبذهم، ومن هنا تعكف إدارة المستشفى ولجنة الجودة على تكثيف الأنشطة والفعاليات التي تهدف إلى محاربة الوصمة ودمج المرضى والنزلاء في المجتمع وإعادة تأهيلهم ليخرجوا من جديد إلى الحياة والواقع ويمارسوا حياتهم بشكل طبيعي والعمل على دعمهم ومساندتهم لتحصيل حقوقهم المجتمعية والقانونية، مما يحتم على المجتمع المحلي دعم ومساندة الأنشطة المختلفة التي تنظمها لجنة الجودة بتوجيهات من مدير المستشفى الدكتور عصام بنورة، لتكون عامل مساعد وتساهم في الإسراع في العلاج والحد من فترة مكوث المرضى في المستشفى لأقصر مدة ممكنة.
وعند السؤال عن الجهات الداعمة لهذا النشاط قال الدكتور إبراهيم اخميس أن الفضل يعود إلى توجيهات ومساندة إدارة المستشفى، وعلى رأسها الدكتور عصام بنورة، بالإضافة إلى الدعم المتواصل من وزارة الإعلام الفلسطينية ممثلة بخالد خنه الذي دعم من قبل نشاطات أخرى بالإضافة إلى مرافقته ودعمه لنشاط هذا اليوم والاعلامي زهير الطميزي، ولا ننسى الدعم المتواصل من جهاز الأمن الوقائي ممثلا بالعقيد وجيه الرجوب مدير الأمن الوقائي في بيت لحم، والمقدم ضرار مرعب مدير العلاقات العامة لمساعدتهم في توفير وسائل النقل بتبرع من شركة باصات بيت ساحور، وشركة العرقوب للنقل السياحي، وباص آخر مقدم من يوسف اخميس صاحب مدرسة الفاروق، ولا يمكننا هنا إلا أن نشكر أيضا مسئول العلاقات العامة في شرطة محافظة بيت لحم الرائد عاهد حساين لمتابعته وتوصياته المستمرة بالاهتمام بهذه الفئة المهمشة في المجتمع، كذلك كانت هناك تبرعات سخية من فاعلي الخير وبعض الموظفين.
وانتهزد. اخميس الفرصة ليشكر كل من شارك في تنظيم وترتيب الرحلة وخاصة مديرة التمريض عفاف أبو عجمية وطاقم التمريض المرافق ورئيسة قسم العلاج الوظيفي ديالا العواودة وجميع عمال وموظفي المستشفى وطاقم المطبخ، كما قدم شكر المستشفى صاحب منتزه الطواحين ياسر الفارسي الذي تبرع باستضافتهم لهذا اليوم.
وهكذا أيضا كانت العودة حيث كانت حركة الجميع من موظفين ومرضى مثل خلية النحل وعادت الحافلات إلى مدينة السلام بيت لحم بسلام وأمان وقد ظهرت على الجميع علامات الرضا والفرح وكلمات الشكر الكثيرة، بالإضافة إلى المطالبة بتكرار مثل هذه النشاطات.
عن بي ان ان