إسرائيل تغلق "باب السماء"!
جميل ضبابات
على ارتفاع 886 مترا يجهد عمال في وضع اللمسات الأخيرة على درج خشبي يقود إلى أعلى نقطة على قمة جبل جرزيم: إنه تل العالم، أو كما يعتقد السامريون باب السماء.
وقبل ساعات من الاحتفال تنوي سلطة الطبيعة الإسرائيلية، إغلاق هذا المكان الذي يشرف على مدينة نابلس، لافتتاحه مكانا سياحيا في عمق محافظة نابلس، وفوق واحد من جبالها الشهيرة.
والجبل الذي يحيط بنابلس من جهة الجنوب ويحجب عنها ريفها الجنوبي، ذو أهمية بالغة أيضا للسامرين، الذين يعتقدون أنهم السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل في ما كان يسمى مملكة السامرة.
يسري في وسط الطائفة التي تعد بالمئات وتسكن قمة الجبل وهو واحد من أركان الإيمان في التوراة السامرية رفض واضح لهذا الإجراء الإسرائيلي.
"هذا الجبل مقدس بشكله الطبيعي، بدأوا بالحفر للتقليل من قدسية الجبل. بدأوا قبل ثلاثين عاما وانظر إلى ما وصلوا. نحن تفاجأنا من حجم الحفريات".
ويتنقل عمال فوق حجارة كبيرة لكنيسة بيزنطية بنى القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي على طرفها إحدى قلاعه الحربية في حروبه مع الصليبيين.
وقال أحدهم، "سمعنا أن الاحتفال بافتتاح المكان سيكون بعد غد الخميس".
واقفا على بعد أمتار من الصخرة التي يعتقد السامريون أن النبي إبراهيم قدم ابنه قربانا لله عليها قال الكاهن حسني السامري وهو أحد كهنة الطائفة "هذه العملية ستدمر كل شيء. الجبل مقدس بشكله الطبيعي".
وفي المنطقة التي تعتبر من قمم شمال الضفة الغربية العالية، يقول السامريون إن هيكل بني إسرائيل بني هناك. "هنا بني الهيكل في تل العالم، هنا فوق هذه الصخرة.(...) لماذا يحولوا المكان إلى معلم سياحي ويغلقونه بهذا الشكل ليفتحوه للسياح" قال الكاهن.
وترفض السلطة الوطنية هذا الإجراء الإسرائيلي وتعتبره خرقا للقانون الدولي.
وقالت مصادر صحفية عبرية إن إسرائيل وجهت انتقادا للسلطة الفلسطينية التي تطالب بتسجيل موقع جبل جرزيم كموقع فلسطيني تراثي وسياحي في منظمة "اليونسكو" حيث رفعت السلطة طلبا عاجلا لمناقشة القضية خلال جلسات "اليونسكو" من أجل إقرار الجبل كموقع فلسطيني من مواقع التراث العالمية.
وقال جريس قمصية وهو ناطق باسم وزارة السياحة "سمعنا عن احتفال سيقام هناك. وما يقوم به الإسرائيليون مخالف لاتفاقيات جنيف".
وقال الناطق باسم الحكومة غسان الخطيب "هذا شكل إضافي من أشكال انتهاك القانون الدولي(..) هذه مناطق محتلة عام 1967 وهي مناطق فلسطينية".
وأضاف، "العلاقة الدينية والتاريخية بموقع ما لا تمتد للسيادة السياسية.(..) هذه مناطق فلسطينية بغض النظر عن أهميتها الدينية. هذه خطوة إسرائيلية مرفوضة ومدانة من جانبنا وهي انتهاك للقانون الدولي".
وأعدت السلطة الوطنية قائمة من 20 موقعا ستقدمها إلى منظمة اليونسكو لتسجيلها على لائحة التراث العالمي من بينها جبل جرزيم الذي يسيطر عليه الإسرائيليون.
وقال قمصية، "نعم نسعى لتقديم ملف جبل جرزيم لليونسكو". لكن إسرائيل استبقت الإجراء الفلسطيني. نحن نعد شكوى للتقدم للجهات الدولية بشأن الانتهاكات على جبل جرزيم".
لكن الجبل بالنسبة للسامرين، يظهر أكثر من مكان جغرافي عالٍ أو أثري أو حلقة من حلقات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الأرض وفي أروقة المنظمات الدولية.
إنه مهوى أفئدتهم أيضا ودولاب حساباتهم الفلكية والدينية.
وقال الكاهن حسني، "علماء الفلك السامريون يعلمون ويعرفون أن الحساب الفلكي هذا، يجب أن تتخذ قاعدته وانطلاقته من خط عرض جبل جرزيم، لأن هذا الجبل يقع في مركز الأرض المقدسة. ونواة جنة عدن، وإلا لن ينجحوا في ضبط هذا الحساب إلا من موقعه هذا".
وبواسطته يستطيعون أن يتحكموا برؤوس الشهور، وبالكسوف والخسوف، وبتحديد الأعياد.
وفي هذه الأعياد يحج السامريون إلى جبلهم الـمقدس "جبل جرزيم" ثلاث مرات سنويا، أثناء عيد الفسح، وعيد الحصاد، وعيد العرش، لابسين القنابيز "حتى يظهروا سواسية أمام الرب" كما قال الكاهن يافيت الذي يلبس لباسا دينيا منذ سنوات ويتمسك بتعاليم الكتاب الـمقدس.
وقال الكاهن، "لم ينسقوا معنا في الموضوع. هم فقط يريدون تحويل مكان مقدس إلى مكان سياحي. أنا ضد ذلك. ما يهمني قدسية الجبل. أنا لا أهتم بالاثارات، هذا قتل لقدسية الجبل. هذا الجبل الذي يقع فوق منطقة موريا (سهل بلاطة). من هنا تشاهد جبل الشيخ وجبال الأردن".
من على قمة الجبل تبدو نابلس وريفها وسهولها تأخذ الألباب. وتظهر في المدى سلسلة جبال الضفة والجبال الأردنية. على الجبل تكاد الغيوم الهشة تلامس الأشجار الحرجية في الصباح الباكر.
"أتعلم.؟ هذه كريات لوزا. يعني لو زا. يعني هذا لله. لا أعرف لماذا الإسرائيليون يريدون تحويله لمنطقة سياحية. لا أدري ماذا يريدون؟ إنهم يخططون لكل شيء" قال الكاهن فيما كان يغلق عامل طلاء بوابة الجبل الرئيسية التي تفضي إلى تل العالم حيث من هناك باب السماء.