على شط بحر غزّة : ثلاثة من الصّم يقدمون الوجبات مغلفة بالابتسامات !
إذا ما كنت غزّيا أو قادما إلى المدينة من مكان ما آخر في القطاع و قادتك خطاك إلى حافة البحر، بحثا عن وسيلة للتخفف من الضجيج و وطأة الحصار، أو بحثا عن وجبة خفيفة على مقربة من الموج، تذكر أن ثمة "كافيتيريا" تقدم وجباتها مغلفة بالصمت و بابتسامات تطلقها شفاه لم يسعفها الحظ كي تكون مغرّدة...
"هناك" في "كافيتيريا البسمة" حيث يعمل محمد حسين ( 28 عاما – متزوج من امرأة صماء مثله وأب لطفلين لم يحرما نعمة النطق ) يواصل الشّاب العيش في الصمت وفقدان المعنى لكلمات كثيرة يصعب فهمها وهي مجردة من إيقاعاتها، غير أنه يمكنك أذا ما طلبت وجبة خفيفة، إضافة إلى التمتع بالهدوء و بابتسامة صامتة، التعرف على تجربة فريدة يواصلها الشاب مع زميلين آخرين ( مثله ) جاءا إلى الحياة دون أن يدركا نعمة السمع التي تسعفنا لكي نكون ناطقين.
بابتسامة تفيض إمتانانا لمجرد الإنتباه إليه، قال محمد حسين مستخدما لغة الإشارة الخاصة بالصم أنه سعيد جداً ، و يمكنه التعامل مع رواد "الكافتيريا" ببساطة و دون عوائق، معتمدا في فهم طلباتهم على حركة شفاههم، فيما أشار زميله المبتسم على الدوام "علاء أبو نصر" ( بلغة الإشارة أيضا ) إلى أن عمله جعله يحب الحياة أكثر، وجعله، فوق ذلك، أكثر يقينا بأن الله معه و مع زملائه، حيث صار الزبائن يتفهمون احتياجاتهم للاندماج في الحياة ويمنحونهم السعادة ، فقط عبر رد الابتسامة بابتسامة مثلها ، لا أكثر !
الكافيتيريا التي يديرها محمد وعلاء و زميل ثالث، إلى جانب مترجمين للغة الإشارة يتناوبان على العمل معهم، تعود ملكيتها لـ"نادي البسمة للمعاقين" وكانت أقيمت بدعم من مؤسسة "رؤيا" العالمية، حيث يؤكد مترجم الإشارات محمود شقورة، أن الشبان الثلاثة لم تواجههم مشاكل جدية تعيق عملهم، وهم يتعاملون بيسر مع الزبائن ولا "أتدخل إلا في حال واجهوا صعوبات في فهم طلبات بعض الزبائن ، هي حالات نادرة جدا"ً .
قال مدير نادي البسمة للمعاقين "عيد شقورة"، أن المشروع الذي يستهدف دمج عدد من الصم في الحياة الاجتماعية من حولهم، عبر فرصة عمل ولو كانت بسيطة، أكد قدرة هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة على فهم لغة الشفاه و على التعامل مع أي صعوبات، إضافة إلى تعزير قناعاتهم بجدوى العمل الجماعي المنظم، لافتا إلى أن "محمد حسين" لم يحتاج لإتقان إعداد أطباق نوع من السلطات ، سوى مشاهدة آخر وهو يعده على مرآى منه لمرة واحدة، فقط.
"كافيتيريا البسمة"، كما قال شقورة، جرى تصميمها من قبل الشبان الثلاثة، وراعوا في ذلك وجود جسر بسيط في حال قدم إلى الكافيتيريا أي شخص من المعوقين حركيا، مشيرا إلى أن نادي البسمة للمعاقين الذي تأسس قبل 7 سنوات ينظم، هذه الأيام، مخيما صيفيا بمشاركة 100 طفل بينهم 40 طفلا من الصم، وذلك بهدف مساعدة الأخيرين على الاندماج مع أترابهم وتعليمهم بعض المهارات الفنية ، لافتا إلى أن المخيم الذي يشارف على الانتهاء كان نظم بالتعاون مع برنامج "جيل" لمشاركة وتعليم الأطفال وبدعم من "رؤيا" العالمية.