غرفة رقم 218 تجمع شمل الوطن في "المقاصد"
كريستين ريناوي
في الغرفة رقم "٢١٨" بمستشفى المقاصد الخيرية في القدس، يرقد على أسرّة الشفاء أطفال أقلعت فيهم الحياة في رحلة ألمٍ، توقفت في محطة انتظار طويلة.. جاؤوا من جنوب الضفة وشمالها ومن شطر الوطن المعزول غزة علّ تربة المدينة المقدسة تعيد الى وجوههم الشاحبة بعضاً من علامات الحياة. كيف لا وهي مدينة الأنبياء، ومسقط الرسالات، ووجهة الحيارى طلباً للبركة والشفاء.
خلف كل ستارة قصة ابتلاء، على السرير الأيمن طفلة شاحبة ح، غزا المرض عينيها ح، وأمها الصابرة تحتضن وجعها ولا تكف عن الدعاء. إسراء جمعة فاروق راشد (٦ سنوات)، خذلها كبدها الصغير فأصبحت بحاجة لزراعة آخر، ولو كان لعجوز يعيد لها عجلة الحياة. تمكث في مستشفى المقاصد منذ أكثر من ١٠ أيام، وما هذه المحطة إلا واحدة من أخريات طوال، لا ينقصها سوى واهب للحياة، متبرع بكبد يحمل فصيلة الدم (+A)، حتى يعلن الأطباء نهاية رحلة العقاقير والمستشفيات.
يتناوب والد ووالدة إسراء على مرافقتها في المستشفى بالقدس، ويتركون خلفهما 14 أخاً وأختاً يحبسون أنفاسهم لرؤية ما سيحدث مع شقيقتهم الصغرى، على أمل إيجاد متبرع لإجراء العملية التي تبلغ تكلفتها ربع مليون شيقل، لولا وجود التأمين الصحي.
مقابل إسراء، تشاركها الرحلة رضيعة لم تكمل عامها الثاني بعد، اسمها سعاد غنيم تتخذ من حضن والدتها العشرينية سرير استشفاء.
الام حليمة غنيم القادمة من رفح أقصى جنوب قطاع غزة، جاءت إلى القدس بحثا عن علاج لطفلتها سعاد، التي تعاني من تضخم في الكبد، وهبوط في سكر الدم، وعدم نمو في الحركة. هي علل متعددة تكالبت على ذات الجسد الصغير.. كل ما تنتظره حليمة وطفلتها نتيجة قرار الأطباء بأخذ عينة من الكبد لتحديد مسيرة العلاج، وأيضاً هنالك من ينتظر شفاء سعاد في غزة، فوالدها المصاب بشظايا قذيفة في العدوان على غزة عام ٢٠٠٦، لا يقوى على الحركة، ينتظر مع طفليه عودة الأم ورضيعتها وقد ودعتا الآلام.
الغرفة ٢١٨، لم تبح بعد بكل عللها، فما زالت تتسع لمزيد من سفراء الأورام، هناك رضيعان جمعهما مسقط الرأس ومحطة المرض، وإن اختلفت الأوجاع: عبد الحي مصباح مريش، يبلغ من العمر عاماً واحدا من مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية يعاني قصراً في الأمعاء، ووزنه كطفل حديث الولادة لا يتجاوز أربعة كيلوغرامات، دخل المستشفى بمرض الأمعاء وانغلاق الأوردة ليصل إلى جرثومة في الدم ترافقه منذ ١٥ يومأ.
يحتاج عبد الحي زراعة أمعاء، وجهازا متطورا لقياس المرض، وخلف الأم إلهام (٣٣ عاماً)، ثلاثة أخوة ودعتهم على أمل شفاء الرضيع والعودة الى بيت الأسرة وقد التأم الشمل، ولربما تبقى كل هذه أحلام.
أما الآخر، جود سامح مفيد عامر (٦ أشهر) من مدينة نابلس فلم تجد عليه الحياة إلا باسمه الذي يحمل صفة العطاء. أبصر النور في مستشفى وحتى هذا اليوم أكمل شهور عمره الستة نزيلاً دائماً من مستشفى إلى آخر، يعاني من حموضة في الدم، ويقول الأطباء إن مرضه مزمن، ومن المحتمل أن يتوفى عند بلوغه العامين! وفي رواية طبية أخرى "حتى لو عاش، فلن ينعم بالنور والسمع والكلام، وما زال يرضع اصطناعيا ويصارع الغيبوبة بين الحين والآخر".
الغرفة ٢١٨، جمعت شمل البلاد، وكسرت الحدود، لا بنعمة الاستقلال بل بنقمة المرض وأوجاع السقم.