عندما تصبح المياه أمنية في غزة!
(زكريا المدهون)-
يرسل شريف الهندي يومياً أولاده لتعبئة أوان منزلية وغالونات بالماء من صنبور يبعد مئات الأمتار عن مكان سكناه، جرّاء عدم وصول المياه الى منزله منذ عدة أيام.
الهندي البالغ من العمر (45 عاما) يقطن مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، ويعد من أفقر مخيمات قطاع غزة الثمانية.
ويؤكد الهندي لـ"وفا"، "المياه لم تصل منزلي منذ أكثر من عشرة أيام حياتنا تحولت الى مأساة لا تحتمل."
يقطن الهندي مع أثنين من اخوته في منزل من الباطون مكون من ثلاث طبقات، ما يزيد من صعوبة وصول المياه الى الخزانات البلاستيكية إن وجدت أصلا كما يقول.
ومع حلول كل صيف، تتجدد معاناة سكان بعض المناطق في مخيم الشاطئ بسبب انقطاع المياه عن منازلهم لعدة أيام، متزامنة مع الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي.
ويتساءل الهندي هل قدرنا في كل صيف أن نحرم من نعمة المياه التي وهبنا إياها الخالق سبحانه وتعالى؟
وكانت أبحاث محلية ودولية أجريت خلال العام الماضي أثبتت أن 95% من المياه في قطاع غزة ملوثة ولا تصلح للاستخدام الآدمي.
وهنا يتمنى الهندي أن تصله تلك المياه بهذه المواصفات ولو مرتين في الأسبوع.
ويصف الهندي حياته بأنها أصبحت لا تطاق في ظل مشكلة المياه التي يعانيها منذ بداية الصيف، محذرا من وقوع مكرهة صحية في منزله وإصابة أفراد أسرته بالأمراض لا سيما الجلدية إذا استمر ذلك الحال.
ويؤكد توجهه بالشكوى إلى الجهات ذات العلاقة دون فائدة.
من جهتها، تؤكد زوجة الهندي أن انقطاع المياه عن منزلها أربك حياتهم بشكل كبير جدا لأن معظم أعمالها المنزلية تعتمد على المياه.
وتقول: "احتاج المياه لتنظيف أواني الطهي ولغسل الملابس ولتنظيف المنزل وشطفه، إضافة إلى استعماله للاستحمام في ظل ارتفاع درجة الحرارة ونسبة الرطوبة".
ويشهد قطاع غزة هذه الأيام ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة ونسبة الرطوبة، ويصاحبه انقطاع للتيار الكهربائي عن منازل المواطنين يومياً.
وتؤكد الهندي أن المياه التي يحضرها أطفالها يتم استخدامها للحمامات ولتنظيف أواني الطهي.
معاناة الهندي لا تختلف كثيرا عن معاناة جاره أيمن سلمان بسبب انقطاع المياه عن منزله لأيام.
ويقول:"تنقطع المياه عن منزلي لأيام بشكل متواصل الأمر الذي يشل حياتنا."
ويتابع:"إذا حضرت المياه انقطع التيار الكهربائي وبالعكس، أصبحنا نسهر الليالي لاصطياد قطرة ماء."
وهناك في قطاع غزة الساحلي مواطنون يعتمدون على مولدات الكهرباء الصينية الصنع لتشغيل مواتير المياه حال انقطاع الكهرباء وتوافر المياه لدفاعها إلى الخزانات على أسطح منازلهم.
سلمان واحد من هؤلاء المواطنين يمتلك مولدا كهربائيا يستغل وجود المياه وقت انقطاع التيار الكهربائي لإيصالها لمنزله، مشيرا إلى أن تشغيل المولد الكهربائي يحتاج إلى نفقات إضافية لتوفير ثمن الوقود له.
من جانبه، حمّل رئيس اللجنة التحضيرية لـ"اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم الشاطئ"، عبد الله نصّار، وكالة الغوث الدولية "الأونروا" المسؤولية بالدرجة الأولى عن مشكلة المياه في المخيم، إضافة إلى بلدية غزة.
وأرجع نصار لـ "وفا" سبب اتهامه للوكالة إلى كونها مسؤولة عن توفير جميع الخدمات للاجئين الفلسطينيين بما فيها المياه، مشيرا إلى تناقص الخدمات التي تقدمها "الأونروا" للاجئين.
ويؤكد تسبب مشكلة انقطاع المياه عن كثير من سكان المخيم في تفاقم معاناتهم وخاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، محذرا من انتشار الأمراض الجلدية والأوبئة جرّاء هذه المشكلة.
وعزا نصار أسباب المشكلة إلى أن المخيم المكتظ بالسكان حوالي (90 ألف نسمة)، لا يخضع للتنظيم الهيكلي للبناء وبالتالي فهو يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
ومن الأسباب الأخرى حسب نصار، البنية التحتية للمخيم حيث توجد مناطق منخفضة وأخرى مرتفعة لا تصلها المياه، إضافة إلى تأثير مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.
وللتغلب على هذه المشكلة، دعا نصار وكالة الغوث إلى حفر آبار مياه وتخصيصها فقط لسكان المخيم، وكذلك إقامة محطتين على الأقل لتحلية المياه بالمجان لسكان المخيم.
كما اقترح أن تسيير مركبات لتزويد السكان المتضررين بالمياه، إضافة إلى مطالبته بلدية غزة بزيادة كميات ضخ المياه للمخيم ولساعات طويلة تتناسب مع جدول توزيع الكهرباء.
وكانت دراسة أعدها مركز الميزان لحقوق الإنسان وينشط في قطاع غزة، كشفت أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حفرت أكثر من 26 بئرا على طول خط الهدنة الفاصل بين القطاع وأراضي 48 في محاولة لمنع أو تقليص كميات المياه المنسابة طبيعيا إلى خزان قطاع غزة الجوفي، وأقامت سدودا صغيرة لحجز المياه السطحية التي تنساب عبر الأودية إلى القطاع وخاصة وادي غزة.