الفقر "ينهش" الغزيين
محمد أبو فياض
يكابد الشاب محمد سليمان في العشرين من عمره، 10 ساعات عمل يومياً على الأقل، كبائع على عربة يجرها حمار، ليظفر ببضع شواقل في نهاية اليوم تسد حاجة عائلته متعددة الأفراد والاحتياجات.
بدت آثار الشمس الحارقة على جسد محمد الأسود والعرق يتساقط من جسده النحيل، وهو يبيع الخضروات والفواكه متجولاً في أسواق وشوارع خان يونس، منهكا وكذلك حماره الذي يجر عربة ذات أربع عجلات، تحمل ما يروج من البضاعة التي تتعرض غالبيتها للتلف بفعل حرارة الصيف الحارقة التي تفوق معدلها السنوي العام في مثل هذا الوقت من العام.
ولا يتردد محمد، الذي ينتظر مولدوه الأول بعد أيام بالعمل في أي مهنة، حتى لا يبقى عاطلاً عن العمل ويلتمس العون من الناس لمساعدته ولا يبقي الفقر ينهش جسده وعائلته، كغالبية الأسر الغزية.
ويصر محمد الذي يقطن في بيت من طبقتين برفقة والده ووالدته وأخيه المتزوج ذوي العيال الكثيرة، على الكدح طوال اليوم وعدم الاستسلام للفقر.
ويواجه المواطنين في قطاع غزة، خاصة ربات البيوت وأولياء الأمور، صعوبة في تدبر أمور الحياة اليومية لمعيليهم، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مرجعين ذلك لقلة ما في اليد بسبب تفشي البطالة والحصار المفروض على القطاع لما يربو عن خمس سنوات.
وبناء على تقديرات أعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن معدلات الفقر ارتفعت بين الأفراد في قطاع غزة عنه في الضفة الغربية.
ووفقا للمفهوم الوطني للفقر الذي يستند إلى التعريف الرسمي للفقر الذي تم وضعه في العام 1997، ويضم التعريف ملامح مطلقة ونسبية تستند إلى موازنة الاحتياجات الأساسية لأسرة تتألف من خمسة أفراد (بالغين اثنين وثلاثة أطفال)، فقد قدر معدل الفقر بين السكان وفقا لأنماط الاستهلاك الحقيقية 25.8% خلال عام 2011 (بواقع 17.8% في الضفة الغربية و38.8% في قطاع غزة).
وتبين أن حوالي 12.9% من الأفراد في فلسطين يعانون من الفقر المدقع (بواقع 7.8% في الضفة الغربية و21.1% في قطاع غزة)، مع العلم أن خط الفقر للأسرة المرجعية قد بلغ 2,293 شيقل وخط الفقر المدقع قد بلغ 1,832 شيقل.
واتفقت التقديرات السابقة مع ما بينه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريره الأسبوعي الأخير، من أن نحو 80% من سكان القطاع المدنيين لا يزالون يعتمدون في حياتهم على المساعدات الغذائية التي توفرها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ومنظمات الإغاثة الأخرى، التي باتت في الآونة الأخيرة تقلص من خدماتها أيضاً، ما فاقم من معدلات الأسر التي تعيش تحت خط الفقر.
ويكابد نحو 40% من القوى البشرية العاملة في القطاع من بطالة دائمة ناجمة عن توقف غالبية المنشآت الاقتصادية فيه، وتحديداً المصانع التي كانت تستوعب آلاف العمال، وفق تقرير المركز الحقوقي.
وفي هذا الإطار، يكشف الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور ماهر الطبّاع، أن معظم سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من "الأونروا" وبرنامج الغذاء العالمي والجمعيات الخيرية والإغاثية المختلفة.
وقال الطباع لـ"وفا": تفاقمت أزمة البطالة والفقر نتيجة الحصار، وارتفعت معدلات البطالة إلى 30%، والفقر إلى 80%، نتيجة توقف الحياة الاقتصادية بالكامل، وحان الوقت لإيجاد حلول جذرية لقضية العمال والبطالة المرتفعة في محافظات غزة.
واقترح وضع برامج إغاثة عاجلة للعمال وخطط لإعادة تأهيل العمالة بعد أن فقد معظم العاملين في كافة القطاعات الاقتصادية المختلفة المهارات المكتسبة والخبرات نتيجة التوقف عن العمل.
ودعا إلى فتح أسواق العمل العربية أمام العمال الفلسطينيين ضمن ضوابط ومحددات، بحيث يتم استيعاب العمال ضمن عقود لفترة محددة.
وجددت "الأونروا" منتصف الشهر الماضي مطالبتها لإسرائيل برفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وتسهيل حياة السكان، وإنهاء احتلالها للأرض المحتلة.
وفي المؤتمر الذي عقدته "الأونروا" وقتها في مقرها الرئيسي في مدينة غزة، بمناسبة مرور خمس سنوات على تشديد إسرائيل لحصارها المفروض على القطاع، قال منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية، ماكسويل جيرالد: "نحن في الأمم المتحدة نعيد المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة وإنهاء العقاب الجماعي. ينبغي أن يعود الناس في قطاع غزة لحياة ملؤها الكرامة".