مغارة سليمان.. تطويع التاريخ بأدوات السياسة
ُسلمٌ متأرجح يختبر ثَباتَ قدميك، ومياهٌ تمطرُ من جدار الصخر على جسدك، وظلامٌ دامس لا تبدده مصابيح الكهرباء، عناصر تتحالف في مكان واحد ضد شجاعتك لتجعل مشوارك زاخراً بالهواجس والمخاوف حين تدخل أشهر وأقدم مغارة بالقدس، مغارة " سليمان" او مغارة " الكتان".
مغارة سليمان، اصبحت جزءا من مشاريع القدس 2020، التي تسعى اسرائيل من خلالها لتطويع التاريخ بأدوات السياسية والايدولوجيا، احدى ركائز الاحتلال لاعادة تصميم المدينة المقدسة، دينياً، تاريخياً، جغرافياً، وديمغرافياً بما يجعلها "ذات أفضلية قومية، عاصمة لاسرائيل، ومركزاً لحضارة وثقافة الشعب اليهودي، والقلب الذي يجمع اليهود من كل أنحاء العالم".
إرث المغارة الموغلة في التاريخ، يقف اليوم أمام بشاعة السياسة والايدولوجيا. ما الذي تسعى إليه بلدية الاحتلال من حفرياتها في مغارة الكتان، وتفريغ ما بها، وفتح أبواب أخرى لها غير بابها الرئيس؟!
وحسب الراواية الدينية اليهودية، فان الإسرائيليين يعتقدون أن الملك سليمان بنى هيكله من الحجارة التي اقتطعت من مغارة "الكتان" أو "تصيديق ياهو" كما أطلقوا عليها حديثاً. وارتباطا بذلك فان اسرائيل ومنذ 10 سنوات مضت تعمل على مشروع مغارة سليمان التي تمتد نحو 250 متراً تحت اسوار القدس القديمة بين باب العمود وباب الساهرة، ضمن مخطط تم نشره آنذاك، على اعتبار أنها جزء من قدس الأقداس، وترتبط بالديانة اليهودية.
واستخدمت مغارة سليمان طوال قرون خلت، كمصدر لاقتلاع حجارة البناء، ويطلق عليها اسم مغارة الكتان أيضاً، وتبلغ مساحتها نحو 9000 متر مربع وطولها المكتشف يقترب من 250 متراً وأعلى ارتفاع لها يصل إلى 50 متراً.
وتقول مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، بأن بلدية الاحتلال في القدس، تقوم بعمليات حفر تتسع طولاً وعرضاً وعمقاً في مغارة سليمان، يجري تنفيذها اتجاهين، الأول نحو الجنوب، أي باتجاه المسجد الأقصى حيث يخطط الاحتلال لربط المغارة وأنفاقها بالنفق اليبوسي عند مخرجه أسفل المسجد الأقصى، في منطقة المدرسة العمرية، من جهة الجدار الشمالي للمسجد الأقصى، وهو ما يطلق الإسرائيليون عليه نفق "هحشمونائيم".
أما الثاني فينفذ باتجاه المنطقة القريبة من باب الساهرة، حيث قامت البلدية بتوسيع الحفر في جوف المغارة، وأزالت الصخور وركبت دعامات حديدية ضخمة، ترافقت مع صب إسمنت مقوى بهدف فتح بوابة أخرى للمغارة.
وفي هاتين الحالتين (الاتجاهين) فإن الخطر يتهدد المقدسيين نتيجة تلك الحفريات، خاصة الذين يتواجدون في أحياء البلدة القديمة مثل حارة السعدية.
المتحف.. مشروع الاحتلال الجديد
ويقول خليل التفكجي مدير عام جمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة: "إن المغارة كانت مكاناً لتقطيع الحجارة، وهي المكان الذي بني فيه الهيكل حسب الرواية الإسرائيلية التي تتحدث دائماً عن كل ما هو موجود بالقدس وارتباطه بشيء تاريخي توراتي مرتبط بالهيكل، سعياً لتثبيت قضية أن القدس هي "العاصمة".
ويضيف: "الحقيقة أن الجانب الإسرائيلي يقوم بالصوت والصورة بتحويل المغارة إلى مكان زيارة كما حدث في قضية المتحف الأول والثاني في سلوان وغيرها، في عملية لإعادة صياغة وتركيب فكر الزائر او السائح الاجنبي، ومسح الأفكار القديمة".
أنفاقٌ تصل أحياء البلدة القديمة
ويتابع: "تتم اليوم عملية تفريغ للمغارة من الحجارة والبقايا وتوسيعها، فهي تمتد تحت السور بحدود 18 دونماً حتى تصل إلى منطقة حارة السعدية في المكان الذي أخذ فيه بيت "قرّش" وعمارة "حنظل"، فهم يريدون إيجاد مخرج للمغارة كما فعلوا في أنفاق عام 1996 عندما احتاجوا إلى مخرج وأوجدوه من خلال دخول السائح من مكان، وخروجه من مكان آخر بعد أن يشاهد بالصوت والصورة كيف يتم تقطيع الحجارة وبناء الهيكل، حسب الرواية الإسرائيلية".
تكريس الرواية الإسرائيلية
ويقول التفكجي إن الهدف من وراء إفراغ المغارة من الأتربة، هو إقامة مسرح أو متحف بالصوت والصورة يتصل بكل ما يتعلق بالرواية الإسرائيلية داخل المغارة، إضافة إلى إقامة مواقف خارجها المغارة لإدخال وإخراج السائحين، وبالتالي فانهم يسعون لتحويل كل البلدة القديمة إلى مزار".
ويشير الى ان الاسرائيليين يسعون من خلال المتاحف الموجودة في المغارة، وفي سلوان وفي الأنفاق لجعل السائح يدخل من بداية النفق حاملاً تفاصيل بناء الهيكل والبلدة القديمة وفقاً لروايتهم، ويقومون بـ "غسل الأدمغة للزائرين القادمين من الداخل أو الخارج".
سعيٌ لكسب الرأي العام من خلال سائحي القدس
وأشار إلى أن المتحف المخطط لاقامته في المغارة يعتبر أحد مشاريع عملية تطوير القدس، وإعادة تشكيل الرأي العام الدولي من خلال السائحين، والوصول للشعب الذي سيؤيد دولة إسرائيل بعد 10 أو 15 سنة، عندما يتم بناء الهيكل، على حد زعمهم.
واضاف انهم يقولون "إذا أردت أن تبني دولة عليك أن تبنيها قبل عشرين عاماً من مولدها"، وبالتالي عليهم إعادة تغيير كل المجتمع الموجود داخل مدينة القدس باعتبارها عاصمة الدولة العبرية، وهي ليست لإسرائيل فحسب وإنما لكل اليهود في أنحاء العالم، حسب اعتقادهم.
ويقول التفكجي: " يبدأون بالعمل على هذا الرأي حتى يصلوا إلى سنة الهدف، وهي 2040 أو 2050، حيث سيكون هناك رأي عام دولي مؤيد للقرار" مشيراً الى انهم (الاسرائيليون) "يتحدثون عن 10 ملايين سائح سنوياً، إذا حصلوا في كل سنة على مليون سائح مؤيد لهم ستكون النتائج كارثية لنا بعد 40 عاماً".
القدس بترول إسرائيل
واعتبر التفكجي أن إسرائيل تركز على هذه المدينة التي تعد مساحتها نحو كيلو متر مربع، على اعتبار أنها جزء من قدس الأقداس، التي تحتضن الأماكن الدينية للديانات الثلاث، وعلى هذا الأساس فانها تعتمد عليها كي تكون مورداً اقتصادياً مستقبلياً هاماً، فالقدس هي البترول الأبدي لها كما تخطط اسرائيل.
الأنفاق تدمر معالم وتراث القدس
ويقول مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس، المحامي أحمد الرويضي: "تجري حفريات واسعة في المنطقة، وهي ليست جديدة، بالأخص ما يجري عند منطقة شارع السلطان سليمان، وبالتحديد مغارة سليمان، لتضرب الحفريات أعماق سور المسجد الأقصى، حيث قامت بلدية الاحتلال بتغيير معالم المنطقة بالكامل حتى أنها غيرت اسم الشارع لـ"شمعون الصديق"، ومنعت وسائل الإعلام من التصوير هناك".
وأضاف الرويضي: "ما تقوم به بلديات الاحتلال من عمليات حفر في مغارة سليمان، ما هو إلا جزء من حملة الأنفاق، وهدم التراث الإسلامي المسيحي في البلدة القديمة، وتغيير لمعالم المدينة، لخلق إرث يهودي مصطنع، وإعطاء مشهد له طابع يهودي".
مشروع الحوض الوطني اليهودي المقدس
وتعمل اسرائيل على مشروع ما يسمى "الحوض الوطني اليهودي المقدس" الذي يشمل إضافة إلى البلدة القديمة، منطقة الشيخ جراح، ووادي الجوز، وجبل الزيتون، وأحياء وادي حلوة والبستان ووادي الربابة في سلوان، ومن خلال هذا المشروع تتم المصادقة على مشاريع يهودية لإقامة حدائق توراتية، وطرد المواطنين من منازلهم وتشريدهم من أراضيهم.
ويشير الرويضي إلى أن منطقة باب العمود تقع ضمن المخطط، حيث ستقوم بلدية الاحتلال بإغلاقه لمدة عامين، وفقاً لما تم نشره مؤخراً، بادعاء ترميم البنية التحتية للمصارف الصحية، والحقيقة أنها تحاول إنهاء الحركة التجارية للبلدة القديمة، وتحويل المشهد التجاري ودخول القدس من باب الخليل أو الجديد، بمعنى أنه سيتم ربط الحركة الاقتصادية والتجارية بشارع يافا ومؤسساته اليهودية.
ويضيف: "نحن كقيادة في السلطة الوطنية نقوم بالتنسيق مع دائرة الأوقاف والمملكة الأردنية الهاشمية، لمتابعة قضايا الحفريات وإثارتها على المستويين العربي والدولي".
وحمّل الرويضي منظمة اليونسكو مسؤولية ما يحدث، لأنها "لم تَحمِ إرث الحضارة الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة".
اسرائيل تنتهك اتفاقية جنيف
ويؤكد أستاذ القانون الدولي الدكتور ياسر العموري أن "اتفاقيات جنيف نصّت على أنه لا يحق لسلطات الاحتلال تغيير معالم المدينة من الناحية التاريخية أو الديمغرافية بأي شكل من الأشكال، فالخطوات المتبعة من حفريات واستهداف للأماكن الأثرية في المدينة لا تعتبر قانونية، ومخالفة لقانون القواعد الدولي".
ويقول: "إسرائيل تسعى من الناحية السياسية إلى تهويد المدينة وكل ما هو موجود في القدس، وهذا مخالف للاتفاقيات الموقعة ما بين المنظمة وإسرائيل كون القدس رُحّلت للمرحلة الأخيرة، بمعنى لا يجوز لأي تغيير أي معلم فيها".
ووصف العموري ما تقوم به إسرائيل في القدس بانه " انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف التي ترقى لجرائم حرب".
عن "القدس دوت كوم"