أهدت نجاحها لروح أبو عمار وجدتها ووالدها المحكوم 16 مؤبدا.. فرحة تخرج الدكتورة انصار مغموسة بالحزن والألم
جنين –علي سمودي
عمت مشاعر الفرحة في اوساط اهالي الطلبة وهم يتقدمون لتسلم شهادات تخرجهم من الجامعة العربية الامريكية وتعالت اهازيج الامهات تترجم لحظات السعادة ، لكن فرحة نجاح تخرج الدكتورة انصار من كلية طب الاسنان امتزجت فيها مشاعر السعادة والفرح بالحزن والالم لغياب والدها الاسير احمد عوض كميل المعتقل منذ عام 1993 والذي يقضي حكما بالسجن المؤبد 16 مرة اضافة ل20 عاما لقيادته مجموعات الفهد الاسود الجناح العسكري لحركة "فتح " في الانتفاضة الاولى .
وانهمرت دموع الحزن والالم من عيون انصار ووالدتها وجدتها واشقاءها وعموم الاهل والاصدقاء الذين حضروا لمشاركتها المناسبة ، ورغم التفافهم حول وتقديم باقات الورود لم تتمكن العائلة من السيطرة على نفسها ، وقالت انصار " حققت حلم ابي واصبحت طبيبية كما احب وتمنى دوما ولكن عندما تسلمت الشهادة بكيت لان كل الاباء حضروا باستثناء ابي الذي يغيبه الاحتلال في سجونه التي حرمتني اياه في كل محطات عمري التي لم نشعر فيها يوما بسعادة ".
اهداء النجاح والتخرج
الدكتور انصار الابن الثاني في العائلة المكونة من 3 انفار ، اهدت نجاحها وتخرجها لروح الشهيد الرئيس ابو عمار الذي تعتبره المعلم القدوة والاب الحنون والقائد المهلم للشعب الفلسطيني ، ولروح جدتها الحاجة عريفة التي رحلت كما تقول قبل 3 سنوات وهي تتمنى عناق ابي حرا دون قيود بعدما قضت عمرها على بوابات السجون ، وتتمنى رؤيتي ناجحة وطبيبة ، وتضيف " جدتي رحمها الله كانت حنونه واحتضتني واشقائي وحرصت مع والدتي وجدي اطال الله في عمره على تربيتنا وعلمتنا الصبر والنجاح والارادة والعزيمة والتمسك بالامل رغم المها لغياب ابنها ، ولن انسى ان جدتي دفعت مصاريف دراستي على مدار عامين بعد التحاقي بالجامعة ".
وكذلك ، اهدت الخريجة الدكتور انصار شهادتها لجدها الذي تقول عنه " كان الاب والجد والاخ والصديق والراعي والذي تجرع كل اشكال الحزن والمرارة ولا يتوقف عن البكاء جراء حسرته على غياب ابي الذي تمنى عناقه وعودته لنا ".
وفور تسلمها الشهادة ، القت انصار نفسها في حضن والدتها وهي تسلمها الشهادة وتقبل راسها ويديها ، وتقول " ارفعي راسك وافتخري لانني حققت حلمك وابي وشهادتي اقدمها لكم هدية ، فامي شريكة ورفيقة دربي ، هي الام والاب والاخت والصديقة التي كرست حياتها لنا ولوالدنا وتحملت كل صنوف القهر لتربينا ونحقق افضل الشهادات العلمية "، واضافت "في اشد اللحظات صعوبة كانت والدتي تتحدى وتضحي في سبيلنا وخلال مرحلة الجامعة درست معي طوال السنوات الاربعة لم تفارقني لحظة وهي تتابع دراستي وتسلحني بالايمان والعزيمة ".
الفرح والالم
انصار التي غاب عنها والدها في كل مراحل حياتها ، وكانت تتمنى ان يتحرر في صفقة شاليط ليشاركها فرحة تحقيق حلمه الذي تمناها لها منذ صغرها ، اصرت على حضور والدها في المهرجان بصورته التي لم امسكتها طوال الحفل ، وتقول " روح ابي تحررت وحطمت القيود وكانت معي رغما عن السجن والسجان ، فقد قررت ان لا اشارك في حفل التخرج بسبب غياب والدي، ولكن بالصدفة جاء موعد زيارته قبل 4 ايام ، فشجعني على المشاركة والاحتفاء والفرح "، وتضيف "وخلال الحفل لم اتمكن من السيطرة على نفسي رغم اجتماع الاهل واخواني ،وعندما شاهدت جدي ووالدتي وهما يبكيان ويفرحان معا، بكيت لانهما حاولا كبت مشاعرهما فشكلت تلك اللحظة اصعب محطة في حياتي".
وتكمل"اما اكثر اللحظات صعوبة ،فكانت عندما شاهدت احد زملاتي تتصور مع والدها، بكيت وتمنيت ان تهدم السجون ويشطب اسم السجان السجان من حياتنا ، وتمنيت ان اعيش تلك اللحظة لان السجون الظالمة وسياسات الاحتلال الذي شطب اسم ابي من كل الصفقات والافراجات حرمتني احتضانه وحتى التقاط صورة مع ابي ، "، وتتابع " ورغم ذلك ، عندما نظرت في صورة ابي شعرت باجمل فرحة للحظة وتمنيت ان تتوقف الدنيا وعقارب الزمن حتى يخرج ابي ويراني ".
حققت حلم ابي
في تلك اللحظات ، تقول الدكتورة انصار "استحضرت ابي بكلماته التي كان يحفزني فيها على الاستمرار في الدراسة والتخصص،ويعبر عن اعتزازه بي وسعادته لانه طوال عمره كان يحلم ان اصبح طبيبة ،وما زلت احتفظ ببطاقة معايدة ارسلها لي قبل سنوات كتب فيها "ان شاء الله بشوفك احسن دكتورة" ، انا فخورة رغم كل القهر لانني حققت حلم ابي ومنذ اليوم اصبحت الدكتورة التي يتمناها ".
بشرى وامل
وبينما كانت الوالدة و الزوجة الوفية والمناضلة ام المعتز،تقدم باقات الورود لكريمتها نيابة عن والدتها ، تمنت ان يكون تخرج ونجاح الدكتورة انصار بشرى لاجتماع الشمل وتحرر والدها الذي عاشت معها اشد اللحظات والمواقف منذ زواجهما عام 1984 ، وتقول " ادخلت انصار الفرحة لقلوبنا بعد سنوات طويلة من المعاناة والالم جراء استهداف زوجي الذي عاش سنوات حياته مطاردا ومصابا واسيرا فاعتقل خلال الانتفاضة الاولى 12 مرة ، ومنذ اعتقاله الاخير ما زلنا ننتظر لحظة الحرية بينما اعتقل الاحتلال معه افراحنا وحياتنا ".
وتضيف " عاش معي احمد فرحة انجاب باكورة ابنائنا معتز،ومع اندلاع الانتفاضة اعتقل وانا حامل في انصار لذلك اسميتها باسم السجن الذي يقبع فيه "،وتكمل " وعندما انجبتها افرج عن والدها بعد 15 يوما ولان تلك السنة كانت عام خير ومطر على الجمع استبشرنا فيها خيرا وخلال الفترة الوجيزة التي امضاها معنا كانت علاقته بها وطيدة".
المطاردة والاستهداف
بين الاصابة والاعتقال،اصبح الوالد احمد مطلوبا لقوات الاحتلال بعد تاسيسه مجموعات الفهد الاسود ، وتقول ام المعتز " اشتدت ملاحقة الاحتلال لزوجي وانجبت اخر ابنائي محمد وهو مطلوب ومستهدف بعدما ادرج اسمه على راس قائمة المطلوبين للتصفية "، وتضيف" عشنا ايام عصيبة بسبب المداهمات ومحاولات اغتيال زوجي ، حتى توقيع اتفاق اوسلو فاعلن زوجي عن دعم مجموعات الفهد الاسود للرئيس ابو عمار وخيار السلام ولكن سلطات الاحتلال استمرت بملاحقته واعتقلته بعد اسبوعين في 28-9-1993 وصدر بحقه الحكم القاسي ورفضت سلطات الاحتلال الافراج عنه عقب اوسلو وما تلاها من افراجات وصفقات وعمليات تبادل ".
محطات من الذاكرة
اعلنت ام المعتز عهد الوفاء لزوجها ،واحتضنت مع والديه اطفالها الثلاثة ووهبت حياتها لهم،وتفانت في تربيتهم وتحقيق احلام والدهم الذي حرصت على تربية ابناءه على سيرته وبطولاته ومواقفه النضالية،وتقول كريمتها انصار " رغم حب ورعاية والدتي وجدي وجدتي لنا لكن لن انسى اللحظات المؤلمة التي رافقت حياتنا جراء غياب ابي الذي لم يشاركني فرحة واحدة وعرفته على بوابات السجون" .وتضيف " كانت اولى محطات حزني في عام 1994 ، عندما دخلت الصف الاول كان ابي معتقل في سجن جنيد ، وكنا نتوقع ان يفرج عنه ولكنهم شطبوا اسمه ، وتاملت ان يشاركني فرحة نجاحي في الثانوية العامة عام 2006 ، ولكنه كان يقبع في سجن عسقلان "، وتكمل " واليوم ، في عام 2012 ، اتخرج من الجامعة وابي اسير في سجن جلبوع ، فمن اين ياتي طعم الفرح وانا في كل محطات حياتي افتقدت ابي ولم اشعر بالفرحة ولم يشاركني فيها،حتى في صفقة حماس تاملت بعد الوعود ولكن اصبت بانهيار وخاصة ان الكثير من ابناء بلدتنا افرج عنهم وشطب ابي مرة اخرى ".
لحظات حزينة
الدكتورة انصار التي تنتظر لحظة زيارة والدها بعد التخرج لتوزيع الحلوى عليه وعلى باقي الاسرى ، تقف كل يوم في غرفتها امام صورة الرئيس الشهيد ابو عمار ووالدها الاسير تتحدث اليهم وتدعوا الله ان يكمل فرحتها بوالدتها ، وتقول " لم افقد الامل يوما بتحقق الحلم ، لان كل انجاز نحققه يعتبر ثمرة دعم ودعوات ابي ووالدتي ، امنيتنا ان تنتهي المحطات الحزينة التي لم تتوقف عن حياتنا يوما "، وتضيف " فرغم تخرج اخي الاكبر معتز عام 2006 بتخصص نظم معلومات ادارية من الجامعة العربية الامريكية ثم زواجه الذي اجلناه مرات عديدة وكلنا امل ان يتحرر ابي بالصفقة ، ورغم نجاح اخي الاصغر محمد في الثانوية ودراسته حاليا تخصص تسويق في الجامعة ما زلنا نفتقد للسعادة وطعم الفرحة الحقيقية ".
وتكمل " حلمي الذي اعيش لاجله ان يتحرر ابي وكلنا امل بالرئيس محمود عباس ان يحققه لنا بعد سنوات الانتظار والصبر ".
امنيات وامل
نفس الاحلام التي يتمسك بها الوالد الحاج ابو علي الذي تجاوز العقد الثامن وقضى سنوات عمره الاخيرة على بوابات السجون ، ويقول " نشكر الله الذي صبرنا وكرمنا بنجاح احفادي انه نصر كبير من الله نتمنى ان يكتمل بحرية والدهم الذي عاش في سجون الظلم اكثر مما عاش في بيته "، الجد الذي يرتبط بعلاقة وطيدته مع حفيدته انصار ، اضاف " انصار رفعت راسنا لان تعب العمر لم يذهب سدى واستجاب الله لدعوات والدها الصابر ونامل ان تستمر في دراستها ، خلال حفل التخرج حاولت ان اعوضها واخفف عنها ولكننا بكينا ولم نفرح لغياب احمد ونامل ان تكتمل الفرحة ويجتمع شمله مع زوجته وابناءه ".
النجاح ورمضان
وبين فرحة نجاح الدكتورة انصار وحلول شهر رمضان المبارك ، تقول ام المعتز " رغم كل مساحات الحزن انا اسعد ام على وجه الارض لان الله كان معي حتى تمكنت من تادية الامانة وايصال ابنائي للنجاح ، ولكن فرحتي ناقصة فرغم دورنا وحبنا ولكن لا يمكن لاحد ان يسد مكان الوالد ".
وتضيف " منذ تخرج ابنتي لم اتوقف عن البكاء ، انها دموع تمتزج فيها مشاعر الفرح والحزن لانني تمنيت ان يكون والدها المناضل والبطل الذي افنى حياته في سبيل شعبه معنا ، ولكن الاحتلال يفرقنا وينغص علينا ، قدرنا ان تتخرج انصار ونستقبل رمضان للعام ال23 محرومين من زوجي ولكننا صابرون ، فهذه هي حكاية شعبنا لا يوجد فرحة كاملة ، ونامل ان يكون زوجي معنا في رمضان القادم ".
وناشدت ام المعتز الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء تحقيق حلم كريمتها ومساعدتها لاكمال دراستها وتوفير منحه التخصص التي تتمناها .