حلم عودة المسحراتي المنقرض في غزة
محمد أبو فياض
يتوق مواطنون في قطاع غزة للمسحراتي الذي طالما صاحبهم فجرا طيلة شهر رمضان الفضيل. وفي مقابل ذلك، يجهل أطفالهم كليا هذا الشخص، الذي طالما أترف أقرانهم، لكن قبل عقود بسيطة مضت إلى غير رجعة.
المسحراتي، هي مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان الفضيل لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوب ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية. ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع تكنولوجيا أصبحت هذه المهنة شبه منقرضة بعدما كانت مشهورة ومتزاولة بقوة.
وعن المسحراتي تقول الحاجة فايزة أبو سلامة (73 عاما): "آه يا ولدي، حتى رمضان راحت بهجته زي ما راحت حاجات حلوة كثير من الحياة، اليوم لا بهجة لرمضان مثل زمان، زمان كان لما تسمع أن رمضان جه تتبلش فيه، ما يميزه كثيرا هو المسحراتي الذي يوقظنا لتناول السحور".
وأضافت: عادة ما يكون المسحراتي رجل عجوز، لم اعهد في حياتي أن شاهدت مسحراتي شاب، هذا كان زمان، اليوم لا في شاب ولا عجوز، انتهى هذا المعلم المميز لشهر رمضان".
جارتها الحاجة محبوبة، تستكمل حديث فايزة قائلة: اليوم حل الجوال والمنبه مكان المسحراتي، اليوم نسمع رنات ونغمات لا نعلم شرعيتها الدينية، زمان المسحراتي كان يدق طبوله ويطربنا بعبارات وشعارات وأناشيد دينية حلال وشرعية، ليت زمانه يعود، لكنه ذهب إلى غير رجعة.
ومن المقولات المشهورة التي كان يرددها المسحراتي قبل صلاة الفجر, "إصحى يا نايم وحد الدايم, والصلاة والصوم خير من النوم"، "إصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم"، كل ذلك كان مصحوبا بصوت مزمار، أو بدقه لطبلة يضرب عليها بيديه بعد أن ربطها بحبل في رقبته.
وفي ذلك يقول الحاج، سليمان سلام: المسحراتي عمل خير كان يرثه المسحراتي عن والده، وتنتقل منه إلى أولاده وهكذا، أي أنها عمل يتوارثه الأبناء من الآباء والأجداد، ويورثونه للأبناء والأحفاد".
وأضاف: المسحراتي كان طقس من طقوس رمضان، اليوم فلم نعد نعرفه أو نسمعه، ليته يعود من جديد، افتقد صوته فجرا، لا أعلم لماذا انقرضت هذه المهنة، هل التكنولوجيا قضت عليه وتسبب في انقراض هذه المهنة؟ أم أنه لم تعد تجد من يعمل بها، إنها عمل خير وفعل يثاب عليه فاعله من الله".
وتستذكر الحاجة فاطمة محمد: كيف كان المسحراتي ينتظر العيد، كما كنا نحن ننتظره فجر كل يوم في رمضان، هو كان يخرج ليلا ليوقظنا كي نتسحر ولا تضيع علينا هذه الوجبة، وهو كان ينتظر الفطر كي يتلقى عيديته من الكل، هذا كان يمنحه نقودا، وذاك كان يمنحه ملابس جديدة، وثالث كان يمنحه المأكولات الحلوة.
وتقول: أهم ما كان يميز المسحراتي يوم عيد الفطر، هو زفة أطفال القرية والحي له، فكان يحضر صباحا ومن خلفه وحوله الأطفال يصفقون ويهللون، احتفالاُ به وبقدوم العيد، "كما كان ينالهم من الطيب جانب، فكانوا يحصلون على الحلوى والعيدية من أهالي البيوت في الحي والقرية".
وتتوق هذه الحاجة لعودة أيام المسحراتي، قائلة "أحب أن اسمع صوت المسحراتي في حينا من جديد، ولو لمرة واحدة".
وفي نهاية كل رمضان، كان الأطفال زمان أيام المسحراتي، يتجولون برفقة المسحراتي على البيوت حين كان يجمع العيدية يوم عيد الفطر السعيد، أو في آخر يوم في الشهر الفضيل، خاصة وأنه عمل لشهر واحد فقط، ينفرد المسحراتي بالعمل به في شهر رمضان.
أما اليوم فالأطفال، لم يعايشوا هذا الشخص، كل ما يعرفونه فقط عنه ما يسمعونه من الأمهات والآباء والأجداد، ومن ما يشاهدونه من أناشيد وأغنيات له عبر الفضائيات.
وتقول الطفلة نغم أحمد (11 عاما) عن المسحراتي، "اسمع حكايات من جدتي عنه، شاهدته فقط في الأغاني والمسلسلات التي تعرض في رمضان، جدتي تقول إن صوته جميل، لأنه ما من منادي غيره فجرا، فالكل في بيته نائما وهو وحيدا يجول في الشوارع على البيوت يدعو من بها لأكل طعام السحور".
وتضيف: لا أعرف كيف أتكلم عنه، فأنا لا أعرفه، لكن طالما الكبار يقولون أنه حلو، وأدعو الله أن يعود المسحراتي ليوقظ الناس من جديد في شهر رمضان، وتتحقق رغبة جدتي بسماع صوته من جديد.
يذكر أنه وفق الموسوعة الحرة، فقد كان بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وابن أم كلثوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور. الأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاقســنة 228 هـ وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر.
أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
وعندنا في فلسطين، فقط كان دق الطبل وعزف المزمار، وسيلتي المسحراتي لإيقاظ الصائمين وتنبيههم لتناول طعام السحور.
يتوق مواطنون في قطاع غزة للمسحراتي الذي طالما صاحبهم فجرا طيلة شهر رمضان الفضيل. وفي مقابل ذلك، يجهل أطفالهم كليا هذا الشخص، الذي طالما أترف أقرانهم، لكن قبل عقود بسيطة مضت إلى غير رجعة.
المسحراتي، هي مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان الفضيل لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوب ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية. ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع تكنولوجيا أصبحت هذه المهنة شبه منقرضة بعدما كانت مشهورة ومتزاولة بقوة.
وعن المسحراتي تقول الحاجة فايزة أبو سلامة (73 عاما): "آه يا ولدي، حتى رمضان راحت بهجته زي ما راحت حاجات حلوة كثير من الحياة، اليوم لا بهجة لرمضان مثل زمان، زمان كان لما تسمع أن رمضان جه تتبلش فيه، ما يميزه كثيرا هو المسحراتي الذي يوقظنا لتناول السحور".
وأضافت: عادة ما يكون المسحراتي رجل عجوز، لم اعهد في حياتي أن شاهدت مسحراتي شاب، هذا كان زمان، اليوم لا في شاب ولا عجوز، انتهى هذا المعلم المميز لشهر رمضان".
جارتها الحاجة محبوبة، تستكمل حديث فايزة قائلة: اليوم حل الجوال والمنبه مكان المسحراتي، اليوم نسمع رنات ونغمات لا نعلم شرعيتها الدينية، زمان المسحراتي كان يدق طبوله ويطربنا بعبارات وشعارات وأناشيد دينية حلال وشرعية، ليت زمانه يعود، لكنه ذهب إلى غير رجعة.
ومن المقولات المشهورة التي كان يرددها المسحراتي قبل صلاة الفجر, "إصحى يا نايم وحد الدايم, والصلاة والصوم خير من النوم"، "إصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم"، كل ذلك كان مصحوبا بصوت مزمار، أو بدقه لطبلة يضرب عليها بيديه بعد أن ربطها بحبل في رقبته.
وفي ذلك يقول الحاج، سليمان سلام: المسحراتي عمل خير كان يرثه المسحراتي عن والده، وتنتقل منه إلى أولاده وهكذا، أي أنها عمل يتوارثه الأبناء من الآباء والأجداد، ويورثونه للأبناء والأحفاد".
وأضاف: المسحراتي كان طقس من طقوس رمضان، اليوم فلم نعد نعرفه أو نسمعه، ليته يعود من جديد، افتقد صوته فجرا، لا أعلم لماذا انقرضت هذه المهنة، هل التكنولوجيا قضت عليه وتسبب في انقراض هذه المهنة؟ أم أنه لم تعد تجد من يعمل بها، إنها عمل خير وفعل يثاب عليه فاعله من الله".
وتستذكر الحاجة فاطمة محمد: كيف كان المسحراتي ينتظر العيد، كما كنا نحن ننتظره فجر كل يوم في رمضان، هو كان يخرج ليلا ليوقظنا كي نتسحر ولا تضيع علينا هذه الوجبة، وهو كان ينتظر الفطر كي يتلقى عيديته من الكل، هذا كان يمنحه نقودا، وذاك كان يمنحه ملابس جديدة، وثالث كان يمنحه المأكولات الحلوة.
وتقول: أهم ما كان يميز المسحراتي يوم عيد الفطر، هو زفة أطفال القرية والحي له، فكان يحضر صباحا ومن خلفه وحوله الأطفال يصفقون ويهللون، احتفالاُ به وبقدوم العيد، "كما كان ينالهم من الطيب جانب، فكانوا يحصلون على الحلوى والعيدية من أهالي البيوت في الحي والقرية".
وتتوق هذه الحاجة لعودة أيام المسحراتي، قائلة "أحب أن اسمع صوت المسحراتي في حينا من جديد، ولو لمرة واحدة".
وفي نهاية كل رمضان، كان الأطفال زمان أيام المسحراتي، يتجولون برفقة المسحراتي على البيوت حين كان يجمع العيدية يوم عيد الفطر السعيد، أو في آخر يوم في الشهر الفضيل، خاصة وأنه عمل لشهر واحد فقط، ينفرد المسحراتي بالعمل به في شهر رمضان.
أما اليوم فالأطفال، لم يعايشوا هذا الشخص، كل ما يعرفونه فقط عنه ما يسمعونه من الأمهات والآباء والأجداد، ومن ما يشاهدونه من أناشيد وأغنيات له عبر الفضائيات.
وتقول الطفلة نغم أحمد (11 عاما) عن المسحراتي، "اسمع حكايات من جدتي عنه، شاهدته فقط في الأغاني والمسلسلات التي تعرض في رمضان، جدتي تقول إن صوته جميل، لأنه ما من منادي غيره فجرا، فالكل في بيته نائما وهو وحيدا يجول في الشوارع على البيوت يدعو من بها لأكل طعام السحور".
وتضيف: لا أعرف كيف أتكلم عنه، فأنا لا أعرفه، لكن طالما الكبار يقولون أنه حلو، وأدعو الله أن يعود المسحراتي ليوقظ الناس من جديد في شهر رمضان، وتتحقق رغبة جدتي بسماع صوته من جديد.
يذكر أنه وفق الموسوعة الحرة، فقد كان بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وابن أم كلثوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور. الأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاقســنة 228 هـ وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر.
أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
وعندنا في فلسطين، فقط كان دق الطبل وعزف المزمار، وسيلتي المسحراتي لإيقاظ الصائمين وتنبيههم لتناول طعام السحور.