مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

العلم... "نورا"

رشا حرزالله
تقطب الطفلة نورا خميس 13 عاما حاجبيها، وتشيح بوجهها نقمة، على الإخطارات الإسرائيلية التي تهدد مدرستها في منطقة تجمع بدو الخان الأحمر شرقي مدينة القدس المحتلة، هناك حيث يتقن الاحتلال سحق مسرات الأطفال بلا رفق، وإطفاء حلمهم في التعليم.
"الأطفال يأتون إلى المدرسة لأنهم مصممون على التعلم، المدرسة تجعلني أعبر عن رأيي، نتبادل همومنا، نستقي المعلومات، جميع التجمعات المحيطة بالمدرسة يرسلون أطفالهم للتعلم، أنا سعيدة بوجودها، لكن الأطفال رغم صغر سنهم، يدركون حجم الخطر المحدق بها من تلك الإخطارات" تقول نورا.
بنيت المدرسة من مجموعة من إطارات السيارات غلفت بالطين، وسقفت بألواح من "الزينكو"، وبالرغم من افتقارها للعديد من الشروط التعليمية الملائمة، عدد قليل من المقاعد والطاولات، لوح خشبي معلق على الحائط، ساحة ترابية خارجية، بضع ألعاب، ورسومات بألوان التلاميذ، إلا أنها توازي أضخم الجامعات وأحدثها في عيون نورا وزملائها.
شتاء، يلفحهم المطر، لا يحميهم سوى صفيح "الزينكو"، ينتظرون توقفه ليبدأوا حصة الرياضيات المنتظرة ينادون السماء كي تتوقف، فالبرد يتوغل فيهم حد الألم، رغم ذلك يمضون.
تستذكر نورا ما حدث معها في الشتاء: "يوم شتاء ماطر تبللت كتبي نتيجة تسرب مياه الأمطار داخل الصف، حملتها وانتظرت أشعة الشمس 5 أيام متتالية حتى أتمكن من تنشيفها، لكن كلمات كتبي كانت قد تحللت، حزنت كثيرا لذلك، إلا أن المعلمة أعطتني كتبها الجديدة، نحن من الممكن أن نحتمل أي شيء في سبيل أن نتعلم، ولكننا لا نحتمل أبدا أن يتم هدم المدرسة".
ولطلبة المدرسة حكاية أخرى مع الصيف، أشعة الشمس الحارقة تلسع أجسادهم يوميا، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وانعدام أي وسائل للتكييف تقول نورا، "الشمس تحرقنا، لون بشرتنا أصبح أسود، يخرج منا العرق تماما كمن يسبح في بركة ماء، لا يوجد مراوح ووسائل تبريد في المدرسة، في الصباح الباكر لا نشعر بالحرارة، لكن ساعات الظهيرة تبدأ الشمس بإشعال ألواح "الزينكو"، عندها يصبح الوضع جهنم".
تسير نورا طريقا وعرة، طالبة منا السير خلفها، تغرز قدميها بين التراب والحجارة والصخور، سرعان ما يتحول حذاؤها إلى اللون الأبيض: "الوضع هذا طبيعي في فصل الصيف، في الشتاء عندما يأتي أطفال التجمعات البعيدة تلك، يجرفهم السيل المختلط بمياه المجاري، نأتي للمدرسة وكأننا ذاهبون للقتال في الحرب، غالبية الطلاب لا يأتون للمدرسة في فصل الشتاء".
"حتى منازلنا لا تسلم من اعتداءات المستوطنين، أحيانا كثيرة يقتحمون منازلنا في ساعات الليل، ونحن نائمون، ذات ليلة هدموا منزل عمي، لكن لن تصدقوا إذا قلت إنني مستعدة لتقبل فكرة هدم منزلي، ولكنني لا أتقبل أبدا فكرة هدم المدرسة".
ينساب العرق أسفل عمامة المسن سليمان عراعرة الذي اتخذ لنفسه وعائلته منزلا صغيرا من "الزينكو" في الخان الأحمر، "في هذه المنطقة لا تحتاج إلى ساونا"، يضحك بصوت مرتفع: "كل شيء يغلي لا وجود لكهرباء ولا لوسائل تبريد، وفي الشتاء لا يوجد وسائل تدفئة، الحياة هنا أشبه بالمستحيلة، لكن أين سنذهب هنا رزقنا".
هنا في الخان الأحمر لا تتوقف هجمات المستوطنين ويجد هذا الحاج لذة في نعتهم بـ"المسخوطين"، وكلما نعتهم بذلك ارتفعت صوت قهقهاته ماسحا جبينه بقطعة قماش بيضاء ملوحا بيده صوب مستوطنة كفار أدوميم المحاذية للخان:" المستوطنون هنا ناقمون علينا، وجيش الاحتلال دائما يأتي ليخطرنا في حال قمنا ببناء أي منزل، حتى مدرسة الخان الأحمر، قاموا بإخطارنا بهدمها، الأطفال سعداء جدا بالتعلم، لكن لا نعرف متى سيحين أجل هذه المدرسة".
وتمتد منطقة الخان الأحمر من وادي القلط على مسافة نحو 45 كيلومترا بين مدينتي أريحا والقدس، لغاية شرق عناتا، يسكن بها عدة تجمعات، أبرزها الدواهيك، وعراعرة، وكرشان، وتبنة.
يشق المسن سليمان طريقه قاصدا منزله في تجمع عراعرة البعيد نسبيا عن المدرسة، الحجارة والصخور والأتربة تفترش الطريق، فبعد إغلاق قوات الاحتلال كل الشوارع الرئيسية المؤدية للتجمع، بالحديد وإغلاق كافة المداخل أمام التجمعات البدوية الموجودة بالخان الأحمر، وأبقت فقط على مدخل واحد ترابي، أصبح التنقل بين التجمعات صعبا وشاقا، إذ عليك أن تسير مسافة طويلة في الجبال بين الأحجار والصخور لتصل هدفك".
"هنا انعدام تام لوسائل المواصلات، لا يوجد سيارات، ولا جرارات زراعية نستطيع التنقل بها، هنا لا مجال لزيادة الوزن، في المناطق الأخرى يعتبرون التنقل على الدواب أمرا معيبا، لكنه بالنسبة لنا شيء عظيم، هنا السكان جميعهم ينقلون أمتعتهم عليها"، ابتسامة غصة تعلو وجه عراعرة واصفا الحياة المعيشية لبدو الخان الأحمر.
ويضيف: "قبل أسابيع جاء مستوطن قطع جميع شبكات المياه عن التجمعات الخمسة، تركنا بالعطش 4 أيام، إلى أن جاءت وكالة الغوث، وتبرعت بعدة خراطيم للمياه، تم وصلها ببعضها، وإيصال المياه لسكان التجمعات وللمدرسة".
وبحسب عراعرة فإن هناك " 270 عائلة تسكن في الخان الأحمر، يفتقرون لوجود عيادة صحية بالإضافة إلى بعد المرافق الصحية عن الخان، ونادرا ما نقصد المشافي، ومعظم الأطفال هنا يصابون بالأمراض، الأولاد الذين يعيشون في البركسات يمرضون من الجو الحار".
المدرس عيد أبو خميس قال، "وجود المدرسة مهم كون البدو أصبحوا يرسلون بناتهم للتعليم، المسافة للمدارس الأخرى طويلة وصعبة، لكن بناء هذه المدرسة سهل الكثير أصبح الآباء مقتنعين بفكرة تعليم الفتيات، لكن منذ بنائها والإخطارات بالهدم تتوالى لنا من قبل قوات الاحتلال".
 يضيف أبو خميس أن المدرسة أصبحت رمزا وطنيا في الخان الأحمر، الأهالي يدافعون عنها كجزء مهم وحيوي في المنطقة، المدرسة من الصف الأول ولغاية السادس، عدد طلابها 85 طالبا وطالبة.
وتصف مديرة مدرسة الخان الأحمر حليمة زحايكة وضع المدرسة بـ"المأساوي"، خاصة في ظل ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الأفاعي والحشرات، إضافة إلى اعتداءات المستوطنين الذين دائما ما يتعرضون للأطفال بشكل مباشر، خاصة حراس مستوطنة "معالية أدوميم" وأحيانا يلقون أوراقا مكتوب عليها باللغتين العربية والعبرية، تفيد بضرورة إخلاء المدرسة، لأنهم سيقومون بهدمها، في تلك اللحظة، أرى الحزن يعتلي وجه الأطفال".

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024