الارتفاع الفلكي لأسعار الأراضي يحفز "حماس" على إخلاء أكثر من عشرين دونماً تسيطر عليها عائلات أبو عمرة منذ 62 عاماً
على مدار سنوات تشكو عائلات أبو عمرة في منطقة الرمال الجنوبي بغزة - التي حطوا رحالهم فيها اثر هجرة عام 1948 - من حالة من عدم الاستقرار والقلق تصل لدرجة الفزع خاصة بعد أن أقدمت "حماس" على هدم منازلهم وإجبار عدد منهم على الرحيل إلى منطقة حدودية شرق دير البلح تحت مرمى النيران الإسرائيلية دون تخييرهم أو طرح البدائل عليهم.
ورغم أن القرارات السابقة والمتتالية، كانت بتخصيص منطقة قريش لنقل اسر أبو عمرة والبالغ تعدادها نحو 250 أسرة بعد تهيئة البنية التحتية للسكن فيها، إلا أن "أمن حماس بغزة" لم ينفذ قراراته، وتم بالقوة نقل عدد من اسر أبو عمرة إلى مناطق حدودية في دير البلح ورفح دون استشارتهم أو تخييرهم مع إجبارهم على التنازل عن حقهم في التعويض عن هدم منازلهم لتكون بمثابة الدفعة الأولى من ثمن الأرض التي تم تخصيصها لهم.
الرمل الأصفر
وتبلغ مساحة ارض الرمال التي يسيطر عليها آل أبو عمرة حسب تقدير المختار أبو سلامة أبو عمرة نحو 70 دونماً، بينما تقدرها سلطة الأراضي بحوالي عشرين دونماً فقط، ويرى خبراء أسعار الأراضي أن الدونم الواحد فيها يبلغ سعره ما بين 3 و5 ملايين دولار.
ويعبر المختار أبو سلامة أبو عمرة، وهو احد القاطنين في المنطقة التي تعرضت للهدم عن استغرابه الشديد لهدم منازل ما يقرب من 150 أسرة دون توفير مأوى لهم، ومن ثم إجبارهم على الرحيل الى منطقة حدودية خطرة، موضحاً أنهم توجهوا للمحكمة العليا في غزة لوقف قرار الهدم لكنهم صدموا بان المحكمة خولت سلطة الأراضي باتخاذ ما تراه مناسباً في مخالفة لنظام القضاء الإداري الذي يعتبر قضاء إلغاء وليس تعويض، ويقول: نظراً للانقسام فمن الصعب الاختصام أمام المحكمة العليا في رام الله.
ويوضح أبو عمرة «أن ارض دير البلح ورفح التي تم تخصيصها لآل أبو عمرة لا تصلح للعيش لأنها مناطق حدودية وتحت مرمى النيران الإسرائيلية، كما أن من استلم ارضا في دير البلح استلمها لأنه لا يريد العيش فيها لان له ارضا أخرى بنى عليها ويسكن فيها»، ويشير إلى أنهم أعطوا كل أسرة ما بين 150 إلى 200 متر مربع شرط دفع ثمنها للحكومة إضافة إلى 500 دولار كمساعدة لا نعرف ماذا ستكفي البناء أم الإيجار؟
وتساءل أبو عمرة: لماذا لم يتم تخصيص ارض لنا في أراضي المحررات بدلاً من إرسالنا إلى المناطق الحدودية الخطيرة؟
ويصف أبو عمرة عملية الهدم بأنها غير إنسانية وتمت دون إعطائنا أية فرصة للملمة حاجاتنا وأطعمتنا وأثاث منازلنا، ويقول "أمن غزة" اصدر عدة قرارات بتمكيننا من ارض قريش دون جدوى ولم يتم تنفيذ تلك القرارات لاعتبارات غير مفهومة واستبدلوا ارض قريش بأرض في دير البلح ورفح دون استشارتنا بل إنهم يضحون بنا ويرسلوننا على الحدود لضمان موتنا والتخلص منا".
تحت مرمى النار
ويؤكد المواطن محمد أبو عمرة «24 عاماً» أن أسرته هجرت بلدتها الأصلية بئر السبع عام 1948 لتحط رحالها في منطقة الرمال لتكون المأوى لهم، ويقول: منذ 62 عاماً ونحن نقطن هذه الأرض، لكننا أصبحنا غير مقبولين في المنطقة بعد ما ارتفعت أسعار الأراضي بشكل جنوني وأصبح دونم الأرض يساوي 3 ملايين دينار أردني، ولهذا نجدهم بدأوا إخلاءنا بالقوة من أرضنا بحجة أنها ارض حكومية.
وتساءل: أليست الأرض التي سيتم تسليمنا إياها في دير البلح ورفح أراضي حكومية؟ ولماذا هذه الأرض تحل لنا بينما لا تحل لنا الأرض التي نقطن بها منذ 62 عاماً؟
ويقول أبو عمرة: «إن إرسالنا إلى مناطق حدودية ونائية ليس بها وسائل نقل يهدف إلى تعذيبنا وقتلنا على يد الإسرائيليين، فحماس لا تقبلنا ولا تريد لنا العيش الكريم ولذلك تتخلص منا بإرسالنا للمناطق الحدودية الخطرة».
ويشدد على ضرورة وضع حد لـ"عملية إجبارنا على الرحيل للمناطق الحدودية وتنفيذ قرارات"أمن حماس" بنقلنا إلى منطقة قريش في حي الزيتون».
وكانت العشرات من العائلات في شرق وشمال قطاع غزة اضطرت لهجر بيوتها وأماكن سكنها لتعرضها المستمر للنيران الإسرائيلية».
الرحمة والتعويض
وهذا المواطن عائد أبو عمرة «55 عاماً» يقطن هو وعائلته البالغ تعدادها 33 شخصاً في منزل مساحته 200 متر مربع من الاسبست وله ثلاثة أبناء متزوجون في نفس المنزل، هدمت قوات الشرطة ما مساحته 70 متراً من منزله قبل نحو سبعة أشهر ليعيد بناءها من جديد، لكن فرحته بالبناء الجديد لم تدم فجاء الهدم على المنزل بأكمله.
ويقول أبو عمرة «لم يعد أمامنا سوى الرضى والقبول بالأمر الواقع والرحيل لدير البلح والإقامة هناك، لكن المشكلة التي تواجهني مع أسرتي هي: من أين سأبني منزلا آخر بينما أعاني من المرض والفقر وعدم وجود أي دخل لي؟ كل ما نطلبه هو توفير مقومات البناء لنا من حجارة واسمنت وحديد وغيره لنستطيع بناء منزل جديد، واما هدم بيوتنا ومن ثم تسليمنا ارض غير قادرين على البناء فيها فهذا قمة الظلم والإجحاف، كما أن الأرض بعيدة وغير ملائمة للسكن لقربها من الحدود الإسرائيلية وهناك خوف على حياتنا وحياة أطفالنا».
ويدعو أبو عمرة للنظر لهم بعين الرأفة والكف عن المطالبة بتطبيق القانون فقط دون النظر لحاجات والآلام ومعاناة الناس، لأنه من البديهي أن يكون لمطبق القانون قلب وعيون ينظر بها لواقع وآلام الناس.
نحو 62 عائلة استلمت أرضها
وتفند مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة في سلطة الأراضي بغزة أمل شمالي ادعاءات اسر أبو عمرة بان الأراضي التي تم تسليمها لهم في دير البلح بعيدة عن الحدود قرابة كيلومترين فقط وليست منطقة خطرة، مشيرة إلى أنه تم تسليم 62 مقسما لـ102 عائلة تم هدم منازلها مؤخراً، بينما بقيت نحو مئة عائلة سيتم إخلاؤها قريباً من مهبط الطيران.
وتقول شمالي: كل شخص متزوج تم صرف ألف دولار له كما سيحصلون على مساعدات من قبل الاونروا والشؤون الاجتماعية، كما انه يحق لهم تعويضات وفقاً لقانون العشوائيات 3000 دولار عن البيت الاسبست، و5000 عن البيت الباطون، و5000 عن كل طابق لكن اسر أبو عمرة لن تتقاضاها لأنها ستعتبر بمثابة تسديد لثمن الأرض التي استلموها أو كدفعة أولى عن ثمن تلك الأرض التي تم توزيعها وفقاً لإعداد الأسر ما بين 150 الى300 متر مربع.
وأكدت شمالي انه تم نقل أثاث اسر أبو عمرة في سيارات الوزارات وتم استئجار عمال لنقل أثاثهم وفقاً للأصول، نافية أية مزاعم عن هدم المنازل فوق أثاثها. وتقول: أما عدم نقلهم لمنطقة قريش فهذا يعود لأنها منطقة خارج التخطيط العمراني ومشاريع الإسكان، وعدم توفر بنية تحتية فيها، مشيرة إلى مساحة الأرض التي سيتم إخلاء اسر أبو عمرة منها في الرمال تبلغ 20 دونماً، بينما تبلغ مساحة الأرض التي تم تخصيصها لهم في دير البلح ورفح 25 دونماً، مشيرة إلى أنه تم البدء في تمديد المياه والكهرباء الى المشروع المقر في دير البلح. وتؤكد مصادر حقوقية أن منظر الرحيل عن الأرض التي عشت بها صعب حتى وان كان تنفيذاً للقانون، ورفضت التحدث في القضية طالما أنها معروضة للنظر أمام القضاء.