غسان كنفاني وأدب المقاومة
تقرير أبو زيد حموضة-
منسق الاعلام في المنتدى التنويري
" غسان كنفاني وأدب المقاومة " كان عنوان الندوة الرئيسية لمهرجان كنفاني لأدب المقاومة في نابلس، وعلى شرف الذكرى الاربعين لاستشهاد أديب الثورة غسان كنفاني.المهرجان الذي رعته وزارة الثقافة والمجلس الاستشاري وبلدية نابلس بالتعاون مع الهيئة العامة للمهرجان ( التي تمخضت عن اصطفاف ما يربو عن 22 مؤسسة وطنية على امتداد فلسطين) ".
تحدث في الندوة كلاً من المناضل رجا اغبارية، وأ.د. عادل الاسطة محاضر الادب المقارن في جامعة النجاح الوطنية، والكاتب الصحفي ناجي ظاهر. و أدارها د.عبد الرؤوف خريوش المحاضر في جامعة القدس المفتوحة.
المتحدث رجا اغبارية استهل حديثه عن كنفاني مفصحا: " أنك كلما تقرأ غسان كنفاني وكلما تقرأه من قبل ادباء ومفكرين وصحفيين وسياسيين وآخرين تكتشف أوجهاً جديدة في موروث غسان كنفاني، لم يتم التعمق فيها، أو الافادة منها بما يكفي " وأضاف: أن غسان مشروع ثقافي وسياسي غير نمطي، ولم يؤمن بالسياسة دون أن ينهل من بحر الثقافة ".
ثم تساءل اغبارية: لماذا اغتالت دولة الكيان الصهيوني غسان كنفاني، وهو في ريعان الشباب، 36 عاما فقط؟!
ثم عقب على سؤاله : " هناك ثلاثة أعمال بحثية مميزة ومهمة، ربما لا دخل لها في الأدب والقصة، قام بها غسان لتكشف عمق فهمه للعدو الصهيوني ألا وهي؛ بحث (ثورة 1936 )والبعد الطبقي الذي أضفاه عليه. بحث ( في الادب المقاوم في منطقة 48 )، فهو الذي عرّف الامة العربية قاطبة على محمود درويش، سميح القاسم، وراشد حسين، وغيرهم من ادباء وشعراء المقاومة الذين ترعرعوا في حلق الكيان الصهيوني. وأما البحث الثالث والاخطر على الفكر والحركة الصهيونية فهو بحث ( في الادب الصهيوني ) الذي لخص فيه غسان جملته الشهيرة: قاتلت الحركة الصهيونية سلاح الادب قتالاً لا يوازيه إلا قتالها بالسلاح السياسي "
ونتيجة لهذه لدراسات استنتج اغباريه: " لقد تيقن الصهاينة من خطورة عمق وعي غسان للفكر الصهيوني- الادبي- السياسي- والعملي، حيث قام بكشفه، ونشره، والتحريض عليه، مما أتى بثمار كثيرة في بلورة فكر ومسار المقاومة الفلسطينية، الامر الذي حسم أمره عند أعداء شعبنا، وعلى هذه الخلفية العميقة فقط، قرر الصهاينة تفجير غسان كنفاني ... لقد تخلصوا من الظاهرة عميقة الوعي والممارسة والخطورة على مستقبلهم، فقتلوا غسان الاديب والسياسي والصحفي والرسام والفنان والمقاتل والقائد، قتلوه رزمة واحدة، لقد تخلصوا من بوصلة القضاء عليهم والند الفكري – السياسي لهم!.
ولفت المتحدث أن غسان نفسه كان مستشعرا ذلك من خلال ما كتب: " عدونا أدرى بنا ومن قيادتنا نفسها في ذلك العهد!"
ومن بين الاسباب التي استعرضها المتحدث اغبارية في تصفية غسان هو ما كتبه واستنتجه آخرون، مستشهدا ببعض المقولات من هنا وهناك : " لقد اغتيل غسان كنقاني لأنه ملتزما بأفكار التيار الفلسطيني الاصلي،الفكر الذي يتخذ البعد الطبقي والوطني والقومي والمتوج أممي، تقدمي ثوري، يساري لا يكتفي بمقاومة الاستعمارفي فلسطين وعند الامة العربية، بل بمقاومة هذا الاستعمار في كل المعمورة ".
وعزا اغبارية اسبابا اخرى لغتيال كنفاني " لقد كتبوا عن غسان أيضاً : إن غسان اغتيل لأنه كان طليعة " فكرية " " سياسية " " وأدبية " للتيار الفلسطيني الأصلي، العام والشامل الذي يؤمن ايمانا نهائيا بان اندثار الغيتو الصهيوني وازالته من الوجود ككيان استعماري هو حتمية تاريخية لا بد منها، ويتوجب على الفلسطيي أن يعمل من أجل انجاز هذه الغاية العظمى، ولو بعد ألف سنة" .
وختم المتحدث اغبارية كلمته بالقول: " أقول ذلك لأن موروث غسان كنفاني مازال بين ايدينا وأطفاله يولدون كل يوم، أطفال فلسطين، ليحملوا سلاح الوعي وسلاح المقاومة ليكملوا مسيرته لأن هذه الارض التي نساها العرب الرحل عند المتوسط ..بأمس الحاجة لمن يخلصها من مغتصبيها ".
وأهم ما جاء من أفكار في مداخلة المتحدث الثاني أ.د عادل الاسطة محاضر الادب المقارن في جامعة النجاح الوطنية، فتحدث الكاتب عن صلة غسان كنفاني بالآداب العالمية، وقد أشار الى توقف الدارسين، من قبل، أمام هذا التأثر، والى كتابتهم فيه، فربطوا بين " ما تبقى لكم " وبين رواية " وليم فوكنر " " الصخب والعنف "، وبين " رواية عائد الى حيفا " ومسرحية ( برتولد بريخت ) " دائرة الطباشير القوقازية ".
ثم توقف الكاتب الاسطة أمام قراءات غسان كنفاني للأدب الصهيوني، وتحديدا لروايات " ثيودور هرتزل " و " آرثر كوستلر " و " ليون أوريس "، وهي على التوالي ( أرض قديمة جديدة ) و ( لصوص الليل ) و ( اكسودس )، وبين المتحدث الاسطة، أن قراءات كنفاني لهذه الروايات ودراسته لها في كتابه المعروف " في الادب الصهيوني " قد تركت آثرها أثناء كتابته روايته " رجال في الشمس " و " عائد الى حيفا " .
وما قاله الناقد الاسطة كان توقف أمامه، من قبل، في احدى دراسته وفي بعض كتبه، وهو كوضوع قلما التفت اليه دارسو كنفاني من قبل.
ثم ذهب المتحدث الى أن ما يرد من كلام على لسان " دوف " في رواية كنفاني " عائد الى حيفا " هو صدى لما يرد من كلام على لسان الشخصيات اليهودية الصهيونية في رواية " ليون أوريس " " اكسدوس " . وكان الحوار بين " دوف " و" سعيد.س " هو حوار بين ممثلي الصهيونية وغسان كنفاني نفسه، فرواية كنفاني هي رواية فكرة أكثر مما هي رواية شخصيات تنبض بالحيوية والحركة، وهذا ما كانت ذهبت اليه، من قبل، رضوى عاشور.
الكاتب الاسطة أنهى كلامه بالحديث عن كتاب غسان كنفاني " فارس .. فارس "، وقال أنه في هذا العام وفي العام المنصرم اكتشف وجها جديدا لغسان وهو: غسان الساخر، وهو ما تبرزه مقالاته النقدية والسياسية.
أما كلمة الكاتب والاديب ناجي ظاهر، ابن قرية سرين المدمرة، له 35 كتابا، ويقيم في الناصرة فقد جاء فيها :
" أربعون عاما مضت عليك وأنت في غياب وهو حضور أقوى من الحضور.
أربعون عاما جرت فيها مياه كثيرة وكتابات ودراسات وأبحاث كثيرة، كنت ومازلت معنا، لأنك أهلا للحب، وقرأناك لأنك أضفت لكل ما سبق وكتب من قبل وكنت خير الادباء لأنك انتقلت مع القضية من محطة لاخرى ومن فترة لاخرى .
كنت معنا في صحيفتي الراية والميدان سنة 1980، وفي كل كلمة وكل مقال وكل سنه نحي ذكراك، وأتوقف عندما أحيينا ذكراك العشرين وتشرفت أن أكون محررا في صحيفتي الراية والميدان واستعرت شعارك " لماذا لم يدقوا جدار الخزان " وأضفت قرعات على جدار الخزان ليدق في وعي وأفئدة الاجيال القادمة.
كنت معنا عندما كتبنا عنك في مجلة الهدف، وأعددنا عنك ملفا في جريدة الاسوار.. كنت معنا وكتبت معنا.
مرت أربعون سنة وكأنها أربعون دقيقة في عمر الزمن ... انك ستستمر لأنك قدمت ما تستحق أن تبقى. "
وأضاف المتحدث ظاهر : "بين الولادة والوفاء يوم 8 تموز 1972 ذكرى استشهاد كنفاني أقول بأن المقاومة كانت عنده أكبر من كلمة. واستعير بما قاله فضل النقيب " " هكذا تبدأ القصص هكذا تنتهي "
وانهي المتحدث ظاهر مداخلته الشفوية قائلا: " سأل أحدهم غسان، أنت حملت الريشة، وحملت القلم، والآن تحمل السلاح، فماذا تحمل غدا؟ أجاب الشهيد الراحل: " أحمل كل ما أدافع به عن انسانيتي " " وهكذا أنا "
وفي ذات السياق وعلى شرف المناسبة فقد قامت بعض المؤسسات في الهيئة العامة للمهرجان بتقديم برامج خاصة في مراكزها فعرض فلم عن حياة كنفاني في مركزي يافا ولجنة المرأة الفلسطينية، أما منتدى العتيق الثقافي فناقش رواية كنفاني " أم سعد " حيث عرض رائد سليمان الافكار الرئيسية في الرواية وخاصة أنها الرواية التي نقلت الفلسطيني من فترة الانتظار الى فترة الفعل والكفاح المسلح مقتبسا منها:
" لا. قلت لجارتي هذا الصباح. أود لو عندي مثله عشرة. انا متعبة يا ابن العم. اهترأ عمري في ذلك المخيم. كل مساء أقول يا رب، وكل صباح أقول يا رب، وها قد مرت عشرون سنة، وإذا لم يذهب سعد، فمن سيذهب؟ "