سفيرتنا في ستوكهولم: بصمات مميزة للسويد في العلاقة مع فلسطين
ضمن إطار تسليط الضوء على العلاقات العربية السويدية، والتعرف على الإرث التاريخي لهذه العلاقات وآفاق تطورها حاضرا ومستقبلا، أجرى موقع الكومبس (alkompis.com)، وهو موقع إعلامي سويدي باللغة العربية، لقاءا مطولا مع السفيرة الفلسطينية لدى ستوكهولم هالة فَريز.
الحديث عن خصوصية العلاقة السويدية مع فلسطين، وعما يميز ارتباط هذا البلد الاسكندنافي بالقضية الفلسطينية، موضوع فيه الكثير من المتعة ويثير الاهتمام. فيما يعد الاستماع إلى تجربة عمل يجمع بين الدبلوماسية وتمثيل قضية تحرر وطني من قبل سفيرة بلا دولة يزيد من هذا الاهتمام.
هل تجدين تناقضا بين عملك الدبلوماسي كسفيرة، وبين واجب تمثيلك لقضية شعب لا يزال تحت الاحتلال؟
السفيرة فَريز: لا يوجد أي تناقض هنا، لأن واجبي من خلال هذا المنصب هو خدمة قضيتي وتأكيد حضورها الدائم على جميع المستويات أمام المؤسسات والهيئات السويدية وأمام السلك الدبلوماسي في البلد المضيف، العمل الدبلوماسي الفلسطيني عمل عريق وهام واستطاع تحقيق نجاحات دولية مميزة، الآن لدينا 132 دولة تعترف بفلسطين على حدود 1967 وفضل هذا الانجاز السياسي لا يعود فقط إلى مهاراتنا الدبلوماسية، بل هو نتيجة للتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني عبر مراحل نظاله الطويل، لذلك نحن لا نجد أية ازدوجية بين العمل الدبلوماسي وبين نضالنا الساعي لإقامة دولتنا المستقلة.
ما الذي يعنيه القرار السويدي برفع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في السويد؟ وما هي فوائده للقضية الفلسطينية ؟ هل هي خطوة تعطي امتيازات للعاملين في السفارة فقط؟
السفيرة فَريز: القرار السويدي برفع التمثيل الفلسطيني، هو انجاز هام، وتتمثل فائدته في عدة نقاط منها، أنه يعكس حقيقة الموقف السياسي السويدي الداعم والمؤيد لحقوقنا الثابتة، السويد من الدول التي لا تعتمد فقط على التصريحات والاستعراض السياسي، هم يتميزون بالعمل واتخاذ القرارات، ولهم دور فاعل في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أننا نلمس تطورا مهما في مواقف السويد أفضل من مواقف دول لدينا فيها تمثيل دبلوماسيا كامل.
القرار السويدي سهل أيضا عمل البعثة الفلسطينية هنا في ستوكهولم، على مستوى الاتصالات بالمؤسسات السويدية وعلى مستوى اللقاءات والمناسبات التي تجمع السلك الدبلوماسي المعتمد في السويد، وهذا ما يزيد من فرص حضورنا وحضور قضيتنا. فنحن الآن لدينا حضور إسوة ببقية السفارات في مختلف المناسبات التي لها تأثير سياسي. ولا ننسى أيضا ما أكد عليه وزير الخارجية كارل بيلدت عند إعلانه عن القرار السويدي، بأن رفع التمثيل الفلسطيني في السويد هو خطوة لدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ما هي الظروف التي ساعدت ورافقت القرار السويدي برفع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني؟
السفيرة فَريز: السويد أعلمت القيادة الفلسطينية حول نيتها اتخاذ هذا القرار قبل ترشيحي من قبل الرئيس محمود عباس لاستلام العمل الدبلوماسي في ستوكهولم، وعند الموافقة على تعيني أعلنت السويد في شهر سبتمبر/أيلول 2011 أنه سيتم استقبالي كسفيرة.
وهكذا قدمت أوراق اعتمادي لوزير الخارجية كارل بيلدت، وقمت بزيارة للملك كارل غوستاف السادس عشر، كما تم تثبيت إسم البعثة الدبلوماسية الفلسطينية، تحت إسم بعثة فلسطين، بعد أن حملت سابقا عدة أسماء منها: المفوضية الفلسطينية العامة، ومفوضية فلسطين أو مكتب منظمة التحرير.
كيف كان لقاءك مع الملك؟ عن ماذا تحدثتم؟
السفيرة فَريز: قابلت ملك السويد كارل غوستاف في 9 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي2011 ضمن زيارة مجاملة، بعد أن قدمت أوراق اعتمادي، اللقاء استمر نصف ساعة مع انه كان محددا بربع ساعة فقط حسب البروتوكل، لقد سألني عن عدة مواضيع آنية تخص القضية الفلسطينية، وتحدثنا عن الاستيطان والجدار العازل والمياه ومصادرة الاراضي، ما لفت انتباهي هو سعة اطلاع الملك ومتابعته واهتمامه بالقضية الفلسطينية.
وكانت لي فرصة أخرى للقاء الملك والملكة ضمن مجموعة سفراء، في حفل استقبال بروتوكولي.
الوزير كارل بيلدت قال إن هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السويد بمنح تمثيل دبلوماسي بهذا المستوى لجهة لا تنطبق عليها صفة الدولة، مع أنه تمنى أن تكون هناك دولة قريبا، من الناحية القانوية كيف يتم التعامل معكم؟
السفيرة فَريز: في العادة يتم تبادل السفراء بين دول تعترف ببعضها، دون الحاجة لوضع ذلك ضمن اتفاقيات، السويد دولة قانون ومؤسسات وجدت أن منح البعثة الدبلوماسية الفلسطينية درجة تقابل درجة سفارة سابقة قانونية، لذلك اعتمدت جملة اجراءات من بينها تعديل القانون السويدي الخاص بالتعامل مع البعثات الأجنبية على أراضيها، وهذا القانون سيصادق عليه من قبل البرلمان السلطة الأعلى في البلاد، بداية شهر سبتمبر المقبل، بعد أن اعتمده مجلس الوزراء في 28 يونيو الماضي، إضافة إلى أننا أبرمنا بروتوكول أو اتفاقية كان طرفاه منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بي كسفيرة لفلسطين وبين الحكومة السويدية ممثلة بوزير الخارجية كارل بيلدت.
ولكن ما هي قصة "لا" السويدية لعضوية فلسطين في اليونسكو؟ إذا كانت الحكومة الحالية في السويد فعلا داعمة للقضة الفلسطينية لماذا وقفت مع دول قليلة ضد العضوية الفلسطينية في هذه المنظمة الدولية الهامة؟
السفيرة فَريز: الحقيقة أنني كلما ألتقي شخصية أو وفد سويدي يؤكدون لي أن هذا الرفض لا يعني أي تغيير في الموقف السويدي الداعم للقضية الفلسطينية، وأنا أرى أحيانا وكأنهم يشعرون بالإحراج من جراء هذه "اللا" السويدية، فمعظم الأحزاب في المعارضة انتقدت القرار الحكومي، وحتى داخل الحكومة السويدية، هناك من يرجع القرار الحكومي بعدم التصويت لصالح عضوية فلسطين في اليونسكو إلى تقديرات سياسية اختلف عليها الائلاف الحكومي. وبدأت الحكومة السويدية باستقبال إشارات من الإتحاد الأوروبي بتصويت جماعي ضد القرار قبل أن تعتمد كل دولة من دول الإتحاد على تقديراتها الخاصة.
هل يمكن أن نلمس تجاوبا سويديا مع المساعي الفلسطينية في الحصول على عضوية في الأمم المتحدة؟
السفيرة فَريز: أحزاب المعارضة الرئيسة أعلنت موقفا واضحا اتجاه دعم الطلب الفلسطيني، من المبكر الحديث عن موقف الحكومة السويدية النهائي الآن خاصة أن الجانب الفلسطيني يدرس حاليا الخريطة السياسية داخل مجلس الأمن، والخيارات المتاحة بعد إعلان مجلس المتابعة العربية في قطر عن دعم الطلب الفلسطيني وعلى ضوء الضغوطات الامريكية على عدة دول بعدم تأييد الفلسطينيين بالحصول على اعتراف من المنظمة الدولية، لكننا مهتمون بالموقف السويدي لانه مؤثر وفاعل داخل الجمعية العمومية وداخل الاتحاد الأوروبي.
أنت قابلت رئيس حزب الشعب يان بيوركلوند قبل زيارته للأراضي المحتلة، في شهر فبراير هذا العام حيث تعرض إلى اعتداء من قبل إحدى المستوطِنات، مع أنه يعد من أصدقاء إسرائيل ماذا قلت له؟
السفيرة فَريز: نعم لقد شرحت له معاناة الفلسطينيين من وحشية المستوطنين، وتماديهم وتحدثت عن خطورة الاستيطان واستمراره على الجهود الدولية لإحلال السلام، لقد ذهب بنفسه ولعله شاهد ولمس ما تحدث عنه
بالنسبة إلى المهام التي تقوم بها السفارة الفلسطينية، عدا الاتصالات واللقاءات مع المؤسسات الحكومية والمنظمات والهيئات الأخرى ما هو دوركم بما يخص الجالية الفلسطينية في السويد؟
السفيرة فَريز: السفارة لها دور هام في خدمة أفراد الجالية الفلسطينية هنا، من عدة نواحي منها ما يخص المعاملات والطلبات المقدمة إلى المؤسسات والدوائر في الوطن، نحن نتحدث مثلا عن تجديد وإصدار جوازات السفر وتصديق الوكالات والشهادات الشخصية الاخرى، فنحن صلة الوصل بين السويد كبلد اغتراب وبين الوطن.
لكن هناك قضايا لا نستطيع أن نتدخل بها نظرا لقوانين البلد التي تحكمنا وتحكم أي مواطن أومقيم فيها.
هل صحيح أن السفارة تتدخل في قضايا طلبات لجوء الفلسطينين في السويد لدى الحكومة السويدية؟
السفيرة فَريز: إطلاقا لا نتدخل ولا يحق لنا أصلا التدخل، طلب اللجوء هو أمر يخص السلطات السويدية، وهم لديهم معاييرهم الخاصة في رفض أو قبول أي طلب، نحن لا نشجع ولا نسهل بقاء أو رحيل طالبي اللجوء، ومع أننا نتمنى أن لا يغادر الناس وطنهم إلا أن هذا الموضوع هو شخصي ويتعلق بظروف قد تكون إنسانية أو لها علاقة بحرية اختيار السفر والتنقل.
عودة إلى دوركم على صعيد الجالية، هل هناك ما يجب عمله لتفعيل دورها والتواصل معها؟
السفيرة فَريز: الجالية الفلسطينية في السويد من الجاليات العريقة، وهناك شخصيات وفعاليات قدمت الكثير لقضيتها وكان لها دور كبير في تعريف السويديين والمجتمع السويدي بفلسطين وقضية الشعب الفلسطيني، ولا نستطيع أن نغفل دور هؤلاء وتاثيرهم على المنظمات المدنية والاحزاب السياسية في السويد، أنا عندي هاجس كبير أن أقوم بدور جامع وموحد للفعاليات والشخصيات المنتشرة في السويد، بغض النظر عن انتماءاته السياسية والتنظيمية.
هل سنسمع عن مبادرة جديدة منك اتجاه الجالية الفلسطينية وممثليها؟
السفيرة فَريز: العمل مستمر في دورنا للتواصل مع أفراد الجالية والجمعيات والإتحادات الممثلة لها، السويد بلد كبير ومترامي الأطراف، وأنا أود التواصل مع الجميع، من أبناء الجالية. وهناك نية صادقة واستعداد كامل لزيادة اللحمة الوطنية وجمع شمل الجالية، على الرغم من المعيقات وعلى الرغم من تأثير ما يحدث داخل الشان الفلسطيني وحوله من أحداث تأثر على الجميع، لكن نحن لا نتعامل مع أطراف مختلفة نحن طرف واحد، لا أريد التحدث عن شيء محدد الآن ولكن كل شيء له وقته.
وكانت السفيرة هالة فَريز تحدثت في بداية اللقاء عن تطور العلاقة بين فلسطين والسويد، مركزة على أهم هذه المراحل: العلاقات السويدية الفلسطينية قديمة وتعود إلى عدة عقود، في العام 1903 عينت السويد قنصلا فخريا لها في القدس، ولا تزال السويد تحتفظ إلى الآن بقنصلية عامة في القدس الشرقية، معتمدة ومختصة بالعلاقة مع الفلسطينيين، وفيها قنصل عام، بينما تسير السويد علاقاتها مع إسرائيل من خلال سفارة لها في تل أبيب.
في العام 1922 أسست السويد مدرسة في القدس، خرجت العديد من الطلاب والطالبات، إلى العام 1948 حيث أغلقت بسبب الاحتلال الاسرائيلي للقدس الغربية.
تعتبر السويد البوابة الأوروبية التي دخلت منها فلسطين والثورة الفلسطينية المعاصرة إلى الغرب، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتحديدا رئيس الوزراء أولف بالمه هو أول زعيم غربي يستقبل الراحل ياسر عرفات.
حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على مكتب تمثيلي لها في العاصمة السويدية منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعاقب على رئاسة المكتب شخصيات فلسطينية كان لها دور كبير في تطوير العلاقات بين الجانبين في أوائل التسعينيات جرت اتصالات ولقاءات مكثفة في ستوكهولم بين وفود إسرائيلية وفلسطينية برعاية سويدية، قبل توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993.
في العام 1995 تحول مكتب منظمة التحرير في ستوكهولم إلى مقر المفوضية الفلسطينية العامة. في خطوة اعتبرت رفعا للتمثيل الفلسطيني أثناء تولي السويد الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي شهد موقف السويد تطورا لافتا لصالح القضية الفلسطينية، تمثل في التأثير إلى الآن على التوجهات الأوروبية بعد إصدار الرئاسة الأوروبية بيانا أو "خلاصة" حول الموقف الأوروبي من الصراع في الشرق الأوسط ينص صراحة على دعم حل الدولتين وعلى قيام دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة وفق قرارات الأمم المتحدة وتحديد القدس عاصمة للدولتين. إضافة إلى حل مشكلة اللاجئين على أساس القرارات الدولية.
في العام الحالي 2012 رفعت السويد مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني لديها إلى ما يقابل سفارة، واعتبر وزير الخارجية كارل بيلدت الخطوة دعما لقيام الدولة الفلسطينية المستقبلية المستقلة، كما ندد بالاستيطان وبخطورة استمراره على جهود إقامة السلام.
المصدر: نقلا عن موقع الكومبس- alkompis