فلنذكر هذا الرجل- احمد دحبور
في هذه الفترة من عمر شعبنا، ونحن في غمرة تكريم مبدعينا ومن أجزلوا العطاء فينا، وآخر ذلك تكريم الشاعر الكبير سميح القاسم، بمبادرة من أريحا التاريخية عبر الأخ حسن صالح .. في هذا المناخ المترع بالمحبة والتواصل، حق علينا ان نتذكر اخوتنا وأهلنا وأحبابنا ممن نذروا أعمارهم للعطاء، ثم غابوا عنا، فلا يجوز ان نغفل ذكراهم ..
ولأننا في حضرة الثقافة، فانه يحضرني في هذا المجال، اسم الأديب الاداري الكبير عبدالله الحوراني، رحمه الله .. الذي كان لي شرف العمل معه فترة من أخصب مراحل عملي ..
كان أبو منيف هو المدير العام لدائرة الثقافة والاعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، وقد كان تعاونه مثالياً مع الأخ أبي بشار ياسر عبد ربه الذي كان رئيس الدائرة يومذاك، وكان من وراء هذا التعاون، وبسببه، انجاز كبير .. ثم لم يلبث أبو بشار ان تسلم مهام أخرى، وأصبح ابو منيف، عبدالله الحوراني، رئيسا للدائرة ..
كان أول ما فكر فيه هذا الرجل، هو بناء المؤسسات، وهو لم يبدأ من الصفر، فقد كانت المبادرات الفلسطينية كثيرة في مضمار الثقافة، لكنه عني بتأسيس المسرح الوطني الفلسطيني، وقد كانت نواة هذا المسرح موجودة، لكنه سعى الى تأطيرها وتطويرها والعمل على تمويلها .. ولم يكن منصرفاً الى الأخوة الموهوبين العاملين في المسرح وحدهم، بل وسع المشروع واتصل بمسرحيين عرب .. معظمهم من القطر العربي السوري، كما نجح في ايجاد علاقة مع الفنان الكبير محمد بكري الذي قدم رائعته « المتشائل» المأخودة عن رواية الراحل الكبير إميل حبيبي.
وعمل ابو منيف على إحياء المهرجانات الثقافية الفلسطينية، في غير مكان من الوطن العربي: القاهرة، والمغرب، والجزائر، وتونس وسورية بطبيعة الحال ودائما مع دور كبير مشكور لبلدان الخليج العربي ..
وأسس ابو منيف، بالتعاون مع دول الخليج، مشروع التلفزيون الفلسطيني. فبالتعاون مع دولة الامارات العربية المتحدة أنجز مسلسل بأم عيني الذي كان أول عمل درامي فلسطيني مرئي، وبالتعاون مع دولة قطر أنجز مسلسل عزالدين القسام الذي تم عرضه على معظم الشاشات العربية ولعدة مرات، وبالتعاون مع العربية السعوية أنجز مسلسل بير الشوم المأخوذة قصته عن رواية بهذا الأسم للأخ فيصل الحوراني.
وحتى نلتزم بالأمانة الموضوعية، أشير الى ان هذا الرجل هو الذي أسس فرقة العاشقين للغناء والموسيقى. وكان الموسيقي الفلسطيني المبدع حسين نازك هو صاحب الفكرة وواضع اسم أغاني العاشقين. الا ان الفكرة سرعان ما تحولت الى ظاهرة ثقافية في الوجدان الفلسطيني بعد ان تألق فيها مبدعون من أمثال المغني الكبير حسين المنذر ومصمم الرقص التعبيري ميزر المارديني ..
ولم يغفل عبدالله الحوراني عن السينما، وقد وفق الى اكتشاف المخرج الكبير قيس الزبيدي، هذا العراقي الذي اصبح فلسطينيا بالمعنى الفني مع ان له الفخر بانتمائه الى بلاد السواد.
وفي هذا المجال تعاون ابو منيف مع المخرج السوري الكبير محمد ملص، ومع فنانين كثر .. وكان يحلم دائما بصناعة الفيلم الروائي، ولما كان ذلك أمراً مكلفاً وصعبا بحكم الظروف الفلسطينية، فقد أجرى محاولة رمزية. حين انتج فيلماً روائيا قصيرا - مدته نصف ساعة - هو فيلم «الناطور» وكان لي شرف القيام بالدور الرئيس في هذا الفيلم.
وكان عبدالله الحوراني أول من ابتكر فكرة تكريم المبدعين على نطاق واسع. فبالتعاون مع اتحاد الفنانين المصريين برئاسة المرحوم سعد الدين وهبة، أقام في القاهرة عام 1989 حفلا فنيا مهيبا تم فيه تكريم تسعين مبدعاً فلسطينيا بين حي وراحل. وفي العام التالي أقام في العاصمة الاردنية مهرجاناً ثقافيا كبيرا تم فيه تكريم عشرات المبدعين بعد ان أضاف الى المكرمين بعض المبدعين العرب، كما قام بتكريم المؤسسات الفلسطينية المعنية بالثقافة والابداع والتربية ..
وعلى مستوى الطباعة والنشر، قام ابو منيف، من خلال المؤسسة الفلسطينية التي يقودها، بطباعة عشرات الكتب في القاهرة ودمشق وعمان وبغداد ..
والى ذلك لم تكن هذه جهودا فردية، فقد تعاون مع كتاب وفنانين ومؤرخين كثيرين، وكان يصغي باهتمام، وسرعان ما يتحول الاصغاء الى مبادرة ..
لقد تم في عهد أبي منيف عبدالله الحوراني، رحمه الله، تكريم جيوش من العاملين في ميدان الثقافة، بمن فيهم أولئك الذين سبقونا في الرحيل عن هذه الدنيا .. أفليس من حقه علينا ان يأخذ نصيبه من التكريم والذكرى الطيبة؟.