قرى نابلس: ريفيون من دون أرض.. مزارعون من دون شجر
كايد معاري
تجاعيد الدهر أخفت سحر عرفت به صديقة زواتية “أم يوسف”، سحر لا يتعلق بجمالها، فحسب بل بعقود تصفها بالخيرة التي عاشتها في البستان، :حين تمرغت بطين البلاد، وقلمت الأشجار تماما كما تقلم فتيات هذا العصر أظافرهن”.
صديقة زواتية (103 عاما) من قرية زواتا الى الغرب من مدينة نابلس، لم يتلف الزمن ذاكرتها بقدر ما أتلف قدرتها على الإيضاح.
مسلسل طويل من العراك والتجارب في الحياة التي رسخت في وجدان حفيدها أحمد، لكن من دون أن تجد طريقها إلى أرض الواقع، فعلى ما يبدو لم يبق من وصايا الأجداد إلا شريط طويل نستعرضه كلما أثير ما يمس حكمهم من قريب أو بعيد، كأننا فقدنا الحاضر، ونخشى من المستقبل.
حفيدها أحمد الذي يسهر على سلامة وحاجات جدته شاب صوته نبرة حزن وحيرة، حينما سمع ما قالته الجدة على مسامعه في كل مناسبة تتاح لها بأن شجرة الزيتون هذه بعمرك يا احمد ربيتها كما ربيت أطفالي، مشيرا الى أنه كان يتعرض في كل مرة يحاول استفزازها لمجموعة من الدعوات وما تطاله يدها من حجارة صغيرة.
ويتابع أحمد حديثه وبدت الحسرة والآلم على ملامحه قائلا: “تغير الزمن كثيرا عن السابق فلم نعد نهتم بالأرض سوى بالمناسبات السعيدة خاصة في موسم قطاف الزيتون”، مرجعا ذلك لعدة أسباب أهمها عدم جدوى العمل في الأراضي في ظل الظروف الإقتصادية الحالية، وغياب الرعاية والدعم للمزارع، مما حذا بالأجيال للبحث عن مصدر رزق اخر واستغلال مساحات الأراضي لبناء المنازل، إضافة لإجراءات الإحتلال والطرق الإلتفافية التي حرمتنا من الوصول الى الاراضي وحراثتها وتنقيبها حتى أن بعض الاهالي أصبحوا يخشون على ابنائهم من الذهاب الى المزارع.
عم الصمت لوهلة في المكان عقب تنهيدة أطلقتها الجدة الغارفة على ما يبدو في زمن جميل ذهب ولن يعود وإن عاد قد تكون وارت الثرى، ليستذكر بعدها الحفيد تلاشي “الحمير” والديوك وخم الدجاج واستبدالها بالمركبات الحديثة، ليفتح تساؤلا اليما كيف تخلينا عن هوية المجتمع الفلسطيني الريفية؟.
إحتلال وخلل رسمي
يقول مدير دائرة الضغط والمناصرة والإعلام في جمعية الإغاثة الزراعية منجد أبو جيش إن عوامل عدة أدت إلى تراجع إهتمام المزارعين بأراضيهم أو ثرواتهم الحيوانية، إلا أن العامل الرئيسي هو سياسات الإحتلال وافرازاته من جدار واستيطان ومصادرة أكثر من 80% من مصادر المياه في الضفة الغربية وضخها للمستوطنات.
ويضيف ابو جيش ان الإحتلال يتحكم أيضا بـ 60% من أراضي الضفة الغربية لوقوعها في أراضي “ج” حسب تصنيف اتفاقية اوسلو وهو ما يعرض المزارع لمزاجية الاجراءات والمنع والقمع الإسرائيلي.
وفي الشأن ذاته يتابع منجد أبو جيش حديثه قائلا: “هناك عوامل أخرى تتعلق بالسياسات الإقتصادية الخاصة بالحكومات الفلسطينية المتتابعة التي لم تولِ القطاع الزراعي أهمية في في موازناتها المالية أو حتى برامجها التطويرية.
وأضاف أن السلطة الوطنية تعد أكبر مشغل في فلسطين، وهي تصنف في إطار القطاع الخدماتي، يضاف لها من يعمل في القطاع الخاص الفلسطيني وبالتالي فقد القطاع الزراعي القوى العاملة، فتحول الإقتصاد الفلسطيني نحو النمط الخدماتي عوضا عن النمط الإنتاجي الزراعي.
ويشدد ابو جيش على ضرورة أن تقوم السلطة الوطنية على دعم المزارع الفلسطيني وحمايته حتى يصبح عمله في ارضه ذي جدوى من خلال خلق صندوقا لدعم المزارعين واسنادهم في حال حدوث كوارث طبيعية تضر بالمحصول الزراعي وامكانياتهم، وإعادة النظر بإتفاقية باريس التي قيدت الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي وهو ما قلص امكانية وفرص تصدير الفائض من المنتجات الزراعية الفلسطينية.
ويقول مدير دائرة الضغط: نحن أيضا نتحمل جزء من المسؤولية لاسيما في ظل تنقلنا من الريف الى المدن وبعد ذلك من المدن الشمالية او الجنوبية الى مدينة رام الله التي بالاساس هي غير زراعية.
ويعتبر منجد أبو جيش وزارة الزراعة بمثابة وزارة الدفاع الفلسطينية ويجب تمكينها من القيام بالدور المناط بها، مبينا أن هذه الوزارة نصيبها من الموازنة المالية العامة للحكومة لم يتجاوز 2% بأحسن حالاته وهو ما يعد مؤشرا على عدم وضع الحكومات الفلسطينية القطاع الزراعي على سلم اولوياتها حتى أنها بدأت تتحدث عن إدراج القطاع الزراعي ضمن ضريبة الدخل وهذا يعد سابقة تاريخية للحكومات والانظمة.
ضعف إمكانات
مدير عام الإرشاد والتنمية الريفية في وزارة الزراعة ابراهيم قطيشات يقول: إن الوزارة تقوم بمتابعة الخطة التطويرية للحكومة الفلسطينية في القطاع الزراعي، وتقدم العديد من الخدمات المجانية والإرشادية في القطاع الزراعي، وتسعى لحماية المنتج الزراعي الفلسطيني وتحصر الإستيراد فقط بحال حصل هناك أي عجز، مستدركا أنها لم ترتق إلى المستوى المطلوب حتى الآن.
ويرجع ابراهيم قطيشات عدم تمكن الوزارة من اداء جميع الادوار المناطة بها إلى نصيبها الضئيل من الموازنة المالية التي تعد في أغلبها تكاليف تشغيلية للوزارة، بسبب العجز المالي في الموازنة العامة للحكومة، مبينا أن نصيب الوزارة على الورق هو 2% لكن في الواقع لا تحصل الوزارة على هذه النسبة بل احيانا تقل عن ذلك.
وأوضح مدير عام الإرشاد في وزارة الزراعة أنهم يسعون للإستعاضة عن العجز المالي من خلال المشاريع والعلاقات التي تجمع الوزارة بالدول المانحة إلا انها ايضا لا تكف بالغرض ولا تستطيع تأمين او توفير الحد الأدنى من الدعم اللازم للمزارعين.
يذكر أن التعداد الزراعي لعام 2010 أظهر أن الإنتاج الزراعي في الاراضي الفلسطينية في غالبه (70%) يعد انتاجا للإستهلاك الأسري، إضافة إلى أن 73% ﻤﻥ الفئة المستهدفة في التعداد ﺘﻌﺘﺒﺭ الزراعة مهنة ثانوية.