رمضان في الخليل: حياة قاسية على سكان احياء اغلقها الاحتلال وقطع اوصالها بالحواجز
يحمل محمد الجعبري انبوبة غاز وزنها اكثر من 40 كيلوغراما في يوم حار من شهر رمضان عابرا الحاجز العسكري الاسرائيلي المؤدي الى منزله في حارة مغلقة منذ اكثر من عشر سنوات في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية.
ويقول الجعبري (44 سنة)، الذي يضطر مثل الالاف غيره من سكان الاحياء المغلقة في هذه المدينة للوقوف ساعات في الحر الشديد على الحواجز العسكرية الاسرائيلية وهم صائمون: "انا مضطر لعبور هذا الحاجز عدة مرات في اليوم واقطع يوميا مئات الامتار لايصال مستلزمات البيت التي لا املك اي وسيلة اخرى لايصالها سوى حملها على كتفي والسير بها على قدمي".
ويحكي الجعبري وهو يلهث من حمل الانبوبة والذي يملك ورشة حدادة قريبة من منزله: "قمت اليوم انا وابني بنقل اكثر من نصف طن من الحديد الى الورشة مشيا على الاقدام وبقينا نجرها في الشمس الحارقة لمدة ساعتين تقريبا".
ويتابع الجعبري المقيم في حارة الراس وهو يتصبب عرقا "انظروا اي ماساة نعيش! تخيل ان تقوم بكل هذه الاعمال الشاقة في هذا الجو الحار وانت صائم! يريدون ترحيلنا ولكننا لن نرحل وسنبقى صامدين في بيوتنا وسنصوم ونصلي مهما حدث ومهما كانت الصعوبات".
وقد اغلقت الكثير من الاحياء والشوارع في مدينة الخليل عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في ايلول (سبتمبر) 2000 واعلن الجيش الاسرائيلي بعضها "مناطق عسكرية مغلقة" يمنع دخول السيارات اليها وحتى يمنع الدخول بشكل كلي الى بعضها كشارع الشهداء وشارع السهلة وغيرهما.
وكان شارع الشهداء قد اغلق بشكل جزئي امام المواطنين عقب المجزرة التي ارتكبها المستوطن اليهودي المتطرف باروخ غولدشتاين في 25 شباط (فبراير) عام 1994 عندما اطلق النار على مصلين مسلمين في الحرم الابراهيمي ما ادى الى مقتل 29 منهم.
وبالاضافة الى منع دخول السيارات الى الشارع قام الجيش الاسرائيلي باغلاق عدد كبير من ابواب المنازل والمحلات الواقعة في تلك الاحياء عازلا بذلك العديد من العائلات عن بيوتها مما اضطر بعض هذه العائلات الى الرحيل بينما قامت اخرى بابتكار طرق غريبة وخطرة للوصول الى منازلها.
من هؤلاء المواطنة زليخة المحتسب (45 عاما) المقيمة في شارع الشهداء والتي اضطرت لفتح باب جديد على سطح منزلها واقامت سلالم حديدية نصبتها على اسطح جيرانها للوصول اليه بعد ان اغلق الجيش الاسرائيلي باب منزلها الرئيسي باللحام.
وتقول المحتسب ان بعض الجيران يضطرون الى تسلق سلالم ثلاثة طوابق للوصول الى منازلهم عبر فتحة من السطح مشيرة الى انها عملية صعبة ومعقدة وخطيرة مع خطر السقوط عن السلالم.
وتقول المحتسب"معاناتنا كبيرة والمشكلة ليست متعلقة بسكان البيوت فقط بل تشمل زيارات صلة الرحم".
وتتابع:"اصبحت هذه الزيارات، المهمة من الناحية الدينية والاجتماعية وخاصة في رمضان، شبه معدومة بسبب صعوبة الوصول خاصة بالنسبة للنساء والاطفال فمثلا قبل الاغلاق كنت اذهب الى بيت اخي في عشر دقائق اما الان فاحتاج الى حوالي ساعة للوصول الى هناك".
ويقول الشاب احمد (19 عاما) ابن محمد الجعبري ان الحواجز "اثرت بشكل سلبي جدا على مجمل حياتنا من النواحي الاقتصادية والدينية والاجتماعية حيث اصبح الكثير من الناس خاصة كبار السن لا يذهبون الى صلاة التراويح وصلاة الفجر بسبب هذا الحاجز اللعين الذي يطيل المسافة".
واوضح انهم يتعرضون للتفتيش والاهانات من قبل الجنود عند دخولهم او خروجهم خاصة في ساعات الليل. ويضيف "لا نستطيع ان نتبادل الزيارات ولا ان نقيم ولائم رمضانية للاهل والاقارب. البعض اصبحوا يقيمون ولائمهم الرمضانية خارج هذا الشارع في حين قام اخرون بالغائها بشكل نهائي".
ويؤكد "لم نعد نستطيع البناء ولا صيانة بيوتنا بسبب صعوبة ادخال مواد البناء ... حتى مياه الشرب تحتاج الى تنسيق مع الجيش الاسرائيلي، فعلينا ان ننسق معهم لندخل صهريج مياه".
ويقيم نحو 190 الف مواطن في الخليل الواقعة تحت سيطرة السلطة ، فيما يقيم حوالى 600 مستوطن في جيب داخل المدينة تحتله اسرائيل ويشكل ثلاثة بالمئة من مساحتها.
وتشهد الخليل التي انسحب منها الجيش الاسرائيلي جزئيا في 1998 مواجهات واشتباكات متكررة بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين الذين تدعمهم القوات الامنية الاسرائيلية.