رجُــلان فــــوق الــشــجــرة!- اليكس فيشمان
صعد بنيامين نتنياهو وايهود باراك الى شجرة عالية، وتعلقا على ثلاثة أغصان وهما لا يعرفان كيف ينزلان من هناك. صحيح أو غير صحيح – هذه هي الصورة التي تظهر اليوم في الادارة الأميركية في ظل التهديدات التي تصدر من اسرائيل بصدد شن هجوم على ايران. يعتقد البيت الابيض ومجلس الامن القومي انه ما زال من الممكن وضع سلم بطول كاف يتيح لنتنياهو وباراك النزول عن الشجرة بصورة لائقة من دون ان يظهرا كمن خضعا للابتزاز والضغوط – سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل الجيش الاسرائيلي وجهاز الامن. وفقا للتحليل النفسي الذي يجريه الأميركيون، نتنياهو يخشى من ان يظهر كقائد ضعيف. هو لا يريد ان يكون في صورة ليفي اشكول الذي ابتُز من قبل القيادة العسكرية عشية حرب حزيران. نتنياهو يفضل الظهور كمناحيم بيغن عشية مهاجمة المفاعل النووي العراقي.
الغصن الأول الذي يتشبث فيه الاثنان وفقا للأميركيين هو "الالتزام بالهجوم": اسرائيل تعتبر التهديد النووي تهديدا وجوديا آخذا في التطور ولذلك يبدو لها ان تدمير السلاح النووي الايراني مسألة ضرورية وحاسمة. الغصن الثاني هو "العقوبات غير ناجعة": ليست هناك ذرة من الأمل في ان تؤدي العقوبات الى ايقاف المشروع النووي الايراني. الغصن الثالث هو "ليس أمامنا مفر": اذا كان العالم وخصوصا الأميركيون لا يقومون بالمهمة فنحن لها. الأميركيون يقولون أنهم صعدوا الى الشجرة فقط من اجل اخافة العالم وتجنيده ضد ايران. هم تورطوا في وضع طُرحت فيه على المحك مصداقيتهم السياسية والشخصية. اذا تراجعوا فسيبدو ذلك حالة من الضعف ولذلك يتمترسون على الشجرة.
على هذه الخلفية جاء وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الى اسرائيل في هذا الاسبوع في زيارة خاطفة. هو جاء الى هنا مع ابتسامة عريضة وعناق كبير وشيك بمبالغ عالية. لقاء عمل شبه شهري مع وزير الدفاع باراك، تبادل الآراء والمعلومات، والكثير من المعلومات السرية – ولكن ليس حول ايران وانما ايضا حول سورية وتسرب السلاح الى حزب الله. الشفافية والدفء في قضية الامن بين الدولتين تمر في ذروتها. من حيث النظرة الأميركية الداخلية فهذه زيارة تحريض ضد الجمهوريين. الرسالة: ميت رومني كان في اسرائيل وأطلق تصريحات ووعود. أما نحن فلا نطلق الوعود فقط وانما نفعل ايضا.
رأس شجرة نووية
اسرائيل هي مجرد محطة واحدة في زيارة أجراها بانيتا في المنطقة. الأميركيون يعيدون دراسة استراتيجيتهم في الشرق الاوسط في ظل الاهتزازات التي لا تتوقف. بكلمات اخرى، بانيتا جاء لتدارس الاضرار والأخطاء التي ارتكبتها السياسة الخارجية الأميركية في الدول التي انبلج فيها الربيع العربي. ربما كان من الممكن اصلاح شيء ما. على سبيل المثال الادارة الأميركية اكتشفت بذهول ان تنظيم القاعدة لم يمت مع بن لادن بل على العكس: يتبين ان الجهاد العالمي منتعش ومزدهر في الفراغ السلطوي الناشيء عن الربيع العربي. في تونس مثلا تحادث بانيتا مع قادة النظام الاسلامي الجديد حول شن حرب مشتركة ضد القاعدة التي تزايدت قوتها في مالي وتشاد ونيجيريا وتتسلح بأسلحة مهربة من ليبيا.
بانيتا تحادث ايضا حول تهريب السلاح من ليبيا والتصدي للقاعدة في سيناء مع القيادة الامنية المصرية. هذه بشارة ايجابية بالنسبة لاسرائيل إذ أن المصريين اعترفوا في لقاءاتهم مع بانيتا أخيرا أنهم يواجهون مشكلة في سيناء وان من الواجب القيام بشيء بهذا الصدد. الأميركيون عبروا عن استعدادهم لمساعدة مصر في هذا الصراع، على سبيل المثال في المجال الاستخباري. عموما زيارة بانيتا للقاهرة رسمت ابتسامات نابعة من الشعور بالارتياح في اسرائيل. الادارة الأميركية كانت حتى الاسابيع الاخيرة في سباق جنوني من اجل نقل الحكم في مصر من الجيش الى المدنيين بالسرعة الممكنة. في الآونة الاخيرة فقط أدركوا ان هؤلاء المدنيين يجرون مصر الى مكان سيء جدا من ناحية المصالح الأميركية في المنطقة. زيارة بانيتا جسدت تأييد الولايات المتحدة للجنرال طنطاوي والجيش.
هذا كله من دون ان نتحدث عن الخوف الأميركي والاسرائيلي من تسرب العناصر الاسلامية الراديكالية الى المجموعات المتمردة في سورية وسيطرتهم على الحكم هناك بعد سقوط الاسد. يتبين ان القاعدة في سورية ليست مجرد مهزلة. الخوف شديد لدرجة انه في احدى المداولات الداخلية في جهاز الامن قال ضابط كبير: "لم أصدق أنني سأصل الى اليوم الذي أتشوق فيه للاسد".
عندما يأتي بانيتا الى اسرائيل فهو يُشرك القيادة الامنية ورئيس الحكومة في مخاوفه الاقليمية هذه ويسمع الموقف الاسرائيلي ازاءها. ولكن لديه مهمة ليست بسيطة: محاولة التوصل الى صيغة تتيح لاوباما اجتياز الانتخابات بسلام من دون شرق اوسط ساخن، صيغة تُنزل نتنياهو وباراك عن الشجرة ولكنها في ذات الوقت تضمن لهما عدم شطب المسألة الايرانية عن جدول الاعمال العالمي. كل السلالم التي وضعها الأميركيون حتى الآن تحت أقدام اسرائيل لم تكن كافية. عندما تعهد الرئيس اوباما بعدم السماح للايرانيين باستكمال مشروعهم النووي وصرح علانية ان كل الوسائل مطروحة على الطاولة، كان هذا سلما قصيرا جدا بالنسبة لاسرائيل. في وقت لاحق تم تصعيد العقوبات المفروضة على ايران بصورة دراماتيكية، ولكن هذا السلم ايضا كان قصيرا جدا.
ينتظرون انكسار اوروبا
تعرض اسرائيل على الأميركيين الصورة التي يعرفونها بالتأكيد: منذ فرض العقوبات الشديدة في شهر كانون الثاني من هذا العام أضافت ايران للمنشأة النووية في قُم مركزين آخرين (واحد يوجد فيه 164 آلة طرد مركزي) التي تُخصب اليورانيوم الى درجة 20 في المائة. المراكز الاربعة التي تعمل اليوم في قُم تنتج 8 كغم يورانيوم مخصب في الشهر. أضيفوا الى ذلك المركزين الاضافيين اللذين يجري استكمالهما في قُم ومركزين آخرين لتخصيب اليورانيوم في نتناز لتكتشفوا ان منظومة تخصيب اليورانيوم الايرانية موجودة في غيار عالٍ. مع العقوبات أو من دونها، الايرانيون لم يتوقفوا عن العمل ولو ليوم واحد.
سيُطرح في الايام القريبة على الكونغرس التقرير الاستخباري القومي الذي يُجمل كل التقييمات والتقديرات الاستخبارية التي تجمعها وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة. الصورة التي تتبلور من خلال هذا التقرير مقلقة جدا. هي تشير الى تقدم في مجموعة السلاح – تلك المراكز والمصانع التي تتولى انتاج منظومات اطلاق الصواريخ والرؤوس النووية. هذا التقرير الذي لم ينشر بعد قريب جدا من التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية. يتبين ان "محك الحصانة" – مصطلح كان باراك قد ابتدعه ويعبر عن المرحلة التي ستنجح فيها ايران في حماية منظومتها النووية وتوزيعها بصورة تحول دون مس الهجمات الجوية بها – قريب أكثر من أي وقت مضى.
العقوبات تؤثر على الاقتصاد الايراني. حجم مبيعات النفط الايرانية هبط بنسبة 40 في المائة، أي خسارة 40 مليار دولار في السنة. الايرانيون قلصوا وتيرة الانتاج الى الحد الأدنى وهبوط الاسعار يقلص من أرباح المبيعات. العقوبات المفروضة على البنوك تُصعب تنفيذ الصفقات وادخال العملات الخارجية، الايرانيون يخرجون الى دبي مع حقائب من المال لعقد الصفقات. الدعم الحكومي الذي تمتع به مواطنو ايران يتقلص. نسبة التضخم الرسمية تبلغ 25 في المائة، إلا أنها في واقع الامر تصل الى 40 في المائة. معطيات البطالة مشابهة. الريال، العملة المحلية، يتراجع بنسبة 60 – 70 في المائة. المصانع تُغلق لأنها لا تتمكن من تحمل نفقات استيراد المواد الخام وقطع الغيار. هناك تململ في الشارع الايراني حول النقص في المواد الأساسية.
في اسرائيل يعتقدون ان القائد الأعلى خامنئي يدرك المشاكل الاقتصادية. وفقا لنهجه لا يمكن للوضع الاقتصادي ان يكون اسوأ، ولذلك يعتقد ان ايران تستطيع مواجهة المصاعب والالتفاف على العقوبات في المستقبل. عدا عن ذلك يعتقد الايرانيون ان الدول الغربية لن تتحمل الازمة الاقتصادية التي ألمت بها والنابعة حسب رأيهم من العقوبات المفروضة على ايران. يجب الوقوف بصمود الى ان ينكسر الغرب.
الايرانيون يتصببون عرقا. سقوط الاسد سيكون بالنسبة لهم ضربة استراتيجية صعبة جدا. سكرتير المجلس الايراني الأعلى للامن القومي، سعيد جليلي، طلب في هذا الاسبوع الالتقاء سرا بوزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون. ربما كان هذا تلميحا بوجود شيء ما جديد لدى الايرانيين لقوله للعالم أو لطلبه منه. ولكن المشروع النووي لم يتوقف.
أصدر الكونغرس الاميركي والادارة الأميركية عشية زيارة بانيتا الى اسرائيل سلسلة تعليمات لتعزيز العقوبات على ايران. بنكان آخران – صيني وعراقي – دخلا القائمة السوداء. الأميركيون فرضوا عقوبات شديدة على مبيعات البضائع البتروكيماوية لايران وعقوبات اضافية على السفن الايرانية وعلى القطاع المالي. الرسالة التي يطلقونها للايرانيين ولاسرائيل ايضا: نحن لم نستنفد كل العقوبات بعد. اذا برزت حاجة فسنخنق ايران. ولكن الادارة الأميركية تدرك انه لن يكون من الممكن شراء اسرائيل بالكلمات وحدها. في واقع الامر الشيء الوحيد الذي جلبه بانيتا معه وليس في صورة وعود كان موافقة امريكا على مساعدة اسرائيل في الوسائل الخاصة مثل موازنة صفقات التسلح التي وقعت مؤخرا مع دول الخليج.
منذ فترة ولاية اريئيل شارون وضع قادة الحكومة خطوطا حمراء تلزم اسرائيل بالتحرك. بين الحين والآخر حدث شيء ما في ايران: علماء قُتلوا وآلات طرد مركزي زُيفت. ولكن أي قائد لم يشعر بضرورة الاستعجال على مهاجمة ايران. كان هناك شعور ان هناك بديل، ولكن الخطوط الحمراء بهتت شيئا فشيئا واحدا تلو الآخر منذئذ. في أعلى الطريق كانت هناك عدة نوافذ من الفرص – عسكرية وسياسية – لضرب المشروع النووي الايراني. المستوى المهني عارض ذلك. قادة الجيش في العقد الاخير ورئيس موساد واحد طالبوا وحصلوا على مبالغ ضخمة لانشاء الرد العسكري الاسرائيلي ضد ايران. اليوم وبالمناسبة، يتحفظ عدد منهم من ضرورة سداد الكمبيالة. هم لا يؤمنون بالحل العسكري الاسرائيلي. اذا لماذا طلبتم المال؟ لماذا لم تقولوا حينئذ أنكم لا تعتقدون ان الهجوم المستقل على ايران سيوقف المشروع النووي الايراني؟.
انشأ مبنى القوة العسكرية لدى القيادة السياسية شعورا بأن المال لا يُصرف سدى وان الجيش يتقدم وان الضربة التي سيعرف كيف يوجهها لايران ستصبح مع مرور الوقت أكثر فعالية. ولكن التحفظات التي تصدر عن كبار الضباط السابقين وبعض الجهات الأميركية بما فيها الموجودة في مناصبها اليوم – تشير الى العكس: هم لا يؤيدون استخدام القوة العسكرية التي بنوها بأنفسهم خلال السنين. جنرالاتنا تعلموا ان عدم الفعل لا يشكل لجان تحقيق. اذا فالأمر الأكثر بساطة هو ان يوضحوا لماذا لا يتوجب شن الهجوم ولماذا ليس من الممكن القيام بذلك.
حاجز الـ 20 في المائة
الآن يطرح الأميركيون خطا أحمر جديد، الذي يختلفون حوله مع المستوى المهني في اسرائيل: تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الـ 20 في المائة. طالما لم يتجاوز الايرانيون خط الـ 20 في المائة فهذا يعني ان لدينا متسع من الوقت. نقطة تخصيب الـ 20 في المائة هي الحد الفاصل بين ايران التي تخطط لتصبح دولة نووية عظمى وبين ايران التي اجتازت هذه العتبة. وفقا للتقديرات الصلبة من اللحظة التي سيقرر فيها الايرانيون اجتياز هذا الخط سيحتاجون الى عام ونصف للوصول للقدرة النووية العسكرية. السيف ليس مسلطا على الرقبة بعد كما تقول مصادر اختصاصية في اسرائيل تؤيد مبدأ الـ 20 في المائة. وربما هم يأملون ان يخضع الايرانيون في نهاية المطاف للضغط العالمي.
إلا ان هذا الخط الاحمر لا يكفي لارضاء القيادة السياسية في القدس. التخصيب الى مستوى 20 في المائة كما يقولون في حاشية رئيس الوزراء يشكل اجتيازا لـ 90 في المائة من طريق تخصيب اليورانيوم للوصول الى الأغراض العسكرية. أضف الى ذلك، يتحدث الايرانيون اليوم عن انتاج مفاعلات نووية لتحريك سفن وناقلات، الامر الذي يوفر لهم ذريعة لتخصيب اليورانيوم الى مستوى 60 في المائة. هم يواصلون خداع الجميع.
لذلك يحاول بانيتا ومستشار الامن القومي توم دونيلون الذي زار البلاد قبل اسابيع قليلة، اضفاء مضمون حقيقي على التعهدات الرئاسية: ما الذي تشمله الخطط الأميركية لمهاجمة المنشآت النووية وفي أية مرحلة سيتم تنفيذها وما الى ذلك. باراك ونتنياهو سيُسران جدا اذا انضم التهديد بخطوة عسكرية أميركية الى منظومة الضغوط الممارسة على ايران، ولكن أحدا لا يعول على ذلك هنا.
في اسرائيل يعرفون الخطط العسكرية الأميركية ونشر القوات في المنطقة ويعرفون النوايا. رئيس هيئة الاركان مارتن دامبسي ووزير الدفاع بانيتا صرحا علانية ان الولايات المتحدة ستضرب الايرانيين اذا أغلقوا مضائق هرمز وأنتجوا السلاح النووي أو هاجموا مدن اسرائيل بصورة مكثفة. ولكن اسرائيل تعرف ايضا ان الادارة الأميركية لا تستطيع ان تتعهد بمسائل ملموسة محددة كما أن أحدا لا يعرف من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة. رئيس الحكومة ووزير الدفاع عادا وقالا لبانيتا انه لا يوجد الآن قرار اسرائيلي بشن هجوم عسكري على ايران. ولكن هذا الوعد مثقوب. بانيتا لم يكن قادرا على ان يفهم من المباحثات التي أجراها في اسرائيل اذا كان الامر يتعلق بقرار بعيد المدى أم لا. وفقا لرؤية نتنياهو وباراك الوقت آخذ في النفاد، وليس اليوم الذي سنفقد فيه القطار ببعيد.
بانيتا يخرج من اسرائيل مثلما جاء. هو لم يُقنع ولم يقتنع، هذا حتى اللقاء القادم بعد شهر. لو كنت ايرانيا لواصلت عدم النوم بهدوء حتى بعد زيارة بانيتا.
عن " يديعوت أحرونوت"