أسير ونجله.. يجمعهما السجن ويفرقّهما الإفراج
لا توصف مشاعر الحزن والألم والقهر التي يعايشها عميد أسرى خليل الرحمن الأسير إبراهيم ناجي فضل جابر (67 عامًا) وهو يراقب أبناءه في مخيلته يكبرون ويتزوجون ويشكلون عائلاتهم وهو طريح الأسر منذ (29 عامًا) متواصلة في سجون الاحتلال، دون أن يراهم.
لكن اعتقال نجله فتحي في العام 2001 وزجّه إلى جانبه، كانت فرصته الأولى لاحتضان ولده الذي تركه طفلا في عمر الزهور، ليكون على الجانب الآخر فرصة لولده لمعايشة والده عن قرب ونافذة للدخول إلى عالمه الأسير بقيود الاحتلال.
وبينما يعيش جابر على أمل الإفراج عنه من سجون الاحتلال، تأكل الأيام والشهور والأعوام من عمره الذي يعاني المرض وصنوف العذاب المختلفة في السجون، والتي يتفاقم خناقها مع قطعه أشواطا جديدة من العمر في الاعتقال.
لكن ذلك لا يلقى أي تعاطف من قبل حكومة الاحتلال وسجانيها، الذين حاولوا قبل شهور اغتيال الأسير الذي حطّم الأرقام القياسية في صموده على مستوى محافظة الخليل بصبره داخل سجون الاحتلال، باستبدال ممّيع الدم الذي يتناوله بمخثر للدم.
جمعهما السجن
ويوضح النجل البكر فتحي أنه أفرج عنه في العام 2007 من غرفة اعتقاله التي قضى بها سبعة أعوام مع والده في سجن ريمون جنوب فلسطين المحتلة، وينقل عن مشاهداته وعيشه إلى جانب والده لتلك الأعوام، أنَّ الوالد الأسير يعاني العديد من الأمراض المزمنة والخطرة، أبرزها ضعف بعضلات القلب، إضافة إلى جملة أمراض مزمنة والتعب العام والهرم.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال حاولت اغتيال والده من خلال تغيير المميع للدم الذي يتناوله إلى مخثر للدم، ما تسبب له بغيبوبة استمرت (24 ساعة) بعد تناوله لحبة وحيدة.
ويوضح نجله أن طبيب السجن استدعاه، وأبلغه بأنه تمّ تغيير دوائه، واختيار دواء جديد له أفضل من سابقه، مشيرا إلى أن أحد الأطباء المعتقلين كشف المكيدة، وأبلغه بخطورة تناول أي قرص دواء جديد منه لأنه سيقتله.
طفولة وحرمان
وعلى صعيد الطفولة، يشير فتحي إلى أنهم عانوا الحرمان بسبب غياب والدهم، مشيرًا إلى أن حياتهم كانت صعبة، وقاسوا أحداثا مريرة، في ظل الحرمان والغياب.
وعلى الصعيد المادي، عانت العائلة أوضاعا صعبة، منذ الطفولة خاصة وأن الدعم المادي كان مفقودا سنوات الاعتقال، بعد إعلان منظمة التحرير إفلاسها لخمسة أو ستة أعوام، كانت بداية اعتقال والدي.
سنيّ الغياب
أمَّا زوجته "أم فتحي" فتستذكر في حديثها سنوات غياب زوجها لحظة بلحظة وساعة بساعة، خاصّة بعد هدم الاحتلال لمنزلها وتركها حمل تربية الأطفال الثقيل، بينما وضعت نجلها الأصغر "فرج" بعد اعتقال زوجها بشهور، وسمّته كذلك على أمل فرج قريب لزوجها الذي ما زالت يناطح سنوات الاعتقال المتتالية.
وتشير الحاجّة التي قضت نحو ثلاثة عقود وهي تتنقل بين سجون الاحتلال في شمال الضفة الغربية وجنوب فلسطين المحتلة، وما زالت الوحيدة مع ابنتها التي يمكنهما مشاهدة زوجها من خلف شباك سجنه وزجاج الزيارة في سجون الاحتلال، بينما يمنع أبناؤها الثلاثة من زيارة أو رؤية والدهم، سوى من تيسر له زيارة "أمنيّة" كل عامين أو ثلاثة.
لكن نجلها فتحي كان الأوفر حظًا في زيارة والده بعيد اعتقاله في العام 2001 وزجّه في سجون الاحتلال والحكم عليه بالسجن (17 عاما) ليقوده القدر للعيش مع والده سبعة أعوام متواصلة في غرفة واحدة بسجون الاحتلال، ليخرج في إفراجات عام 2007.
وتشير الأم المناضلة أم فتحي إلى المعاناة التي تكبّدتها خلال السنوات الماضية والطويلة التي مضت عبر اعتقال زوجها، وتقول "الله بيعلم بالمعاناة الكبيرة اللي شفناها وكيف ربيت الأولاد".
زيارات متقطّعة
وفيما يخص زياراتها في سجون الاحتلال، فتشير إلى أنه للمرّة الأولى خلال أعوام اعتقال زوجها، يتأخر صدور تصريح الزيارة المنتهي لزوجها، والذي تقدمت به قبل شهور، لافتة إلى أن ابنتها الوحيدة مسموح لها بالزيارة لكنها تنتظر هي الأخرى التصريح الجديد.
أما أبناؤها الثلاثة، فهم ممنوعون أمنيّا من زيارته، مضيفة بأنه يسمح لبعضهم بزيارة والدهم كل عام أو عامين أو ثلاثة لمرّة واحدة، لافتة إلى مكوث زوجها 11 عاما في سجن جنيد بنابلس، من وقت افتتاحه لليوم الأخير لإغلاقه.
وتتابع بأنها تناوبت على زيارة زوجها بين سجن جنيد بنابلس وسجني عسقلان وبئر السبع وريمون في الجنوب، مشيرة إلى أنه مكث (8 أعوام) على (برش) سرير واحد داخل سجن جنيد، لافتة إلى أن شعوره كان صعبا وابنه يكبر ويتزوج وينجب وهو داخل الأسر، وهو غير قادر على رؤية أبنائه الذين أصبحوا شبابا.
وتنتظر عائلة الأسير جابر بلوعة المترّقب ما قد تفرزه الأحداث القادمة من انبعاثة في قضية الأسرى سواء في صفقات للتبادل أو أية أحداث تكفل الإفراج عن الأسرى.