على مدى اكثر من اربعة عقود لا تغيير في السياسة المائية ألأسرائيلية ولا سلام مع الفلسطينيين على حساب المياه
المهندس : فضل كعوش
الرئيس السابق لسلطة المياه
الرئيس السابق للجنة المفاوضات حول المياه
مرحلة ما قبل عملية السلام :
انتصرت اسرائيل في حرب ألأيام الستة عام 1967 والتي تعرف بحرب المياه ، وحققت اهم وأكبر *الغنائم وهي عنائم المياه، حيث احكم الأسرائيليون سيطرتهم الكاملة على منابع نهر ألأردن وهي في غالبيتها منابع عربية ، تقع داخل ألأراضي اللبنانية والسورية وألأردنية كما احكمو سيطرتهم الكاملة على مصادر المياه الجوفية للأحواض الجبلية وهي أحواض فلسطينية تتغذي بنسبة 95 % من ألأمطار السنوية التي تسقط فوق مناطق الضف الغربية .
حققت حرب عام 1967 لأسرائيل ما كان يسعى اليه زعيم الحركة الصهيونية حاييم وايزمن ، عندما حاول ضم منابع نهر ألأردن وأوديته الجانبية الى فلسطين ، توطئة لتكون الموطن القومي لليهود بموجب وعد بلفور الذي صدر في نوفمبر 1917 ، حيث تمكنت أسرائيل في هذه الحرب من بسط سيطرتها الكاملة على منابع نهر ألأردن وهضبة الجولان السورية وزاد طول شاطيء اليرموك المحتل من 17 كلم الى 50 كلم .
مباشرة وبعد انتهاء حرب الأيام الستة أي حرب المياه وبعد إتمام السيطرة العسكرية على كامل اراضي الضفة الغربية ، وتعيين حاكم عسكري ومساعد له بشأن المياه ، سمي بضابط المياه ، اصدرت سلطة الأحتلال ، اوامر عسكرية متتالية تتعلق بشؤون المياه ، تضمنت جميعها تقييد حرية الفلسطينيين ومنعهم من القيام بأي نشاط من اي نوع كان وبأي حجم كان يتعلق بقياس او تطوير او إستخدام او نقل للمياه ايا كانت مصادرها جوفية ام سطحية ، إلا بعد الحصول على إذن مسبق من ضابط المياه ، وتحت طائلة الملاحقة والمسؤولية لكل من يخالف ألأوامر العسكرية في هذا الشأن ، اي شأن المياه .
وبالتوازي مع اصدار الأوامر العسكرية والشروع في تطبيقها على ألأرض ، شرعت سلطات ألأحتلال في اعمال حفر أبار عميقة داخل مناطق الضفة الغربية ، تجاوز عددها األأربعين بئرا ، تزيد انتاجيتها على 45 مليون متر مكعب في السنة ، الحقت تلك ألأبار اضرارا جسيمة بالعديد من الينابيع الفلسطينية الرئيسية مثل ينابع مجموعة بردلة ، فصايل ، العوجة والفارعة وغيرها وأدت الى جفافها بشكل كلي اوجزئي ، كما ادت الى جفاف العديد من الأبار الزراعية القريبة منها وخاصة في مناطق الأغوار ومناطق طولكرم وقلقيلية وغيرها . كما قامت اسرائيل بحفر شبكة واسعة من ألأبار العميقة يزيد عددها على 500 بئرا تم حفرها على امتداد الخط الأخضر مع محافظات جنين وطولكرم وقلقيلية ، بهدف التحكم الكامل بمصادر المياه الجوفية الفلسطينية وخاصة مياه الحوضين الغربي والشمالي الشرقي .
لم تعر اسرائيل اي اهتمام للقانون الدولي ولا لأتفاقية جنيف الرابعة ولا لأية مرجعيات قانونية دولية أخرى بشأن الحقوق ألأنسانية للمدنيين اللذين وقعوا تحت ألأحتلال ، بما في ذلك ألأحتياجات المائية ، بل عملت عكس ذلك تماما وفق ما تضمنته الأوامر العسكرية العسكرية بشأن المياه وفي ممارساتها التي ادت الى تدمير وجفاف الأبار والينابيع الفلسطينية التي كانت تشكل المصدر الوحيد والرئيسي لحياة الفلسطنيين ، كما ادت شبكة ابارها العميقة التي تم حفرها على امتداد الخط الأخضر، الى إستنزاف كامل لطاقة الحوضين الغربي والشمالي الشرقي . إضافة الى ألأضرار الجسيمة التي لحقت بالممتلكات الفلسطينية خاصة ألأراضي الزراعية وأبار المياه ، نتيجة لبناء جدار الفصل العنصري . اي بخلاصة شديدة تدمير ممنهج ومتعمد لكل ما يرتبط بحياة الفلسطينيين من ارض وزرع ومياه.
ألأهداف والغايات التي سعى ألأسرائيليون ولا زالوا يسعون الى تحقيقها من خلال الممارسات المائية وسياسة التعطيش وتجفيف العروق ، تتعدى الجوانب الأجتماعية وألأقتصادية ، وترتبط بأبعاد سياسية خطيرة جدا كان من اهمها قهر الفلسطينيين والضغط عليهم ليتركوا اراضيهم التي جفت ويهجروا عنها ، او ان يتحولوا الى عمال عاديين يعملون في المستوطنات الأسرائيلية او داخل اسرائيل . وهو ما حصل بالفعل ، حيث هاجر عشرات ألألاف من المزارعين الفلسطينيين مع عائلاتهم الى ألأردن والدول العربية ألأخرى بحثا عن لقمة العيش ، كما تحول عشرات ألألاف ألآخرين مجبرين الى عمال بألأجر اليومي لدى ألأسرائيليين .
كان ألأسرائيليون يأملون تفريغ الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل ، وإزالة القرى الفلسطينية وإحلال المستعمرات ألأسرائيلية مكانها تدريجيا ، لم يكن لدى ألأسرائيليين اي نية او رغبة للتعايش مع الفلسطينيين ، ولم تكن سياساتهم العنصرية تتضمن اي توجه لأقامة علاقات حسن الجوار وألأحترام المتبادل وبناء وترسيخ سلام دائم ، وما اوردناه اعلاه من امثلة على السياسة المائية الأسرائيلية والممارسات وألأجراءات العملية الناتجة عن تلك السياسة ، تبين طبيعة النوايا ألأسرائيلية الحقيقية وتكشف خفاياها المعادية لكافة جهود عملية السلام والمساعي الدولية المبذولة في هذا الشأن .
مرحلة ما بعد إنطلاق عملية السلام
ملف المياه من ضمن قائمة الملفات الستة الرئيسية لمفاوضات الوضع الدائم والتي تشمل : ملف القدس ، ملف اللاجئين ، ملف الأراضي والحدود ، ملف المستوطنات ، ملف ألأمن وملف المياه .
لم يكن ملف المياه مدرجا بألأساس ضمن هذه القائمة ، وفق اتفاقية اعلان المباديء 1993 ، وكان من المفترض ان ينتهي الطرفان من مناقشة قضايا المياه في إطار مفاوضات المرحلة ألأنتقالية ، إلا ان الموقف ألأسرائيلي المتشدد والرافض لمسألة حقوق المياه الفلسطينية ، ادى الى تأجيل البحث في هذا الملف وضمه الى قائمة ملفات الوضع الدائم .
وقد انتهت كما هو معروف مفاوضات المرحلة ألأنتقالية باالتوقيع على ما سمي اتفاقية طابا لعام 1995 والتي عرفت ايضا بأسم اتفاقية اوسلو2 ، وتضمنت هذه ألأتفاقية بندا خاصا بقضايا التعاون المرحلي في مجال المياه والمجاري ، وهي الماد أل40 .
تضمنت المادة ألأربعون اعلاه اعترافا صريحا من قبل ألأسرائيليين بمسألة الحقوق المائية للفلسطينيين ، على ان يتم البحث بشأن هذه المسألة في إطار مفاوضات الوضع الدائم ، ويعني هذا ألأعتراف من النواحي القانونية ، حقوق الفلسطينيين في ألأحواض المائية المشتركة الجوفية منها والسطحية ، بما في ذلك حوض نهر ألأردن ، بأعتبار ان الفلسطينيين طرف مشاطيء وشريك كامل في هذا الحوض ، وان معايير التقييم والبت في طبيعة وأبعاد تلك الحقوق ، تخضع كما هو معروف لمباديء وقواعد القانون الدولي بشأن المياه ، وخاصة قواعد هلسنكي وما تلاها لاحقا من إتفاقيات وقوانين وإعلانات وأعراف فقهية ، واهمها اتفاقية ألأمم المتحدة لعام 1997 بشأن مجاري المياه الدولية للأغراض غير الملاحية .
كما تضنت المادة ال40 ، التزام أسرائيلي بالتعاون وتسهيل توفير كميات مياه إضافية عاجلة للفلسطينيين حددت ب 80 مليون متر مكعب في السنة من مصادر مختلفة ، وذلك من خلال لجنة المياه المشتركة التي شكلت خصيصا لتنفيذ ما اتفق حوله .
رغم ألأعتراف ألأسرلئيل بالحقوق المائية للفلسطينيين في حوض نهر ألأردن وفي ألأحواض الجوفية المشتركة ، وفق البند ألأول من المادة أل40 من اتفاقية طابا المرحلية لعام 1995 ، كما اشرنا اعلاه ....
ورغم معرفة ألأسرائيليين بشكل جيد بل ومفصل بطبيعة وحجم وأبعاد المعاناة التي يعيشها الفلسطينييون جراء أزمات المياه الحادة والمتفاقمة يوما بعد يوم والتي اصبحت تغطي معظم المناطق الفلسطينية بما في ذلك المدن الكبرى ، في الضف الغربية وقطاع غزة على السواء .
ورغم ان ألأسرائيليين يدركون جيدا ، انه لا يمكن بناء سلام حقيقي مع جيرانهم الفلسطينيين في ظل استمرار عمليات السيطرة والتحكم والنهب والسرقة لمصادر المياه الفلسطينية لأستخدامها في ري المحاصيل الزراعية في مناطق السهل الساحلي وصولا الى شمالي النقب ، وحرمان اصحابها الفلسطينيين من الوصول والأنتفاع بمياههم طيلة اكثر من اربعة عقود متواصلة، وهي حياتهم وهي جزء هام من حقوقهم الوطنية الثابتة والمشروعة .
ورغم ان الأسرائيليين قد ادعوا مرارا بألتزامهم بمباديء حسن النوايا وحسن الجوار وباحترام كل طرف لحقوق الطرف ألأخر وهي المباديء التي قامت على اساسها عملية السلام ، وتشكل ركائزها الأساسية ، وهي ايضا تشكل المباديء ألأخلاقية التي يقوم عليها القانون الدولي العام .
رغم كل ذلك لم يقم الأسرائيليون بأية خطوات عملية على ألأرض من شأنها مساعدة الفلسطينيين للوصول الى مصادرهم المائية وألأنتفاع بها وفق إحتياجاتهم الضرورية ، وإثبات حسن النوايا والرغبة ألأكيدة وألألتزام بألأحترام المتبادل والعيش المشترك ، وهو الذي لم يحصل ابدا ولم يخطوا ألأسرائيليون خطوة واحدة تجاه هذا ألأمر منذ اربعة عقود ونيف ، ولن يفعلوا ذلك لأن ذلك يتعارض كما يبدوا مع سياساتهم ونواياهم العنصرية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة والتي لا يعترف ألأسرائيليون بها ولن يفعلوا ذلك ابدا كما يبدو من مواقفهم المتشددة وممارساتهم العدائية تجاه الفلسطينيين .......
لذلك لم يتمكن الفلسطينيون حتى اليوم وبعد مرور اكثر من 20 عاما من التفاوض ، من استعادة ولو جزء بسيط من حقوقهم المائية التي هي بألأساس هبة من الله ، وهل سينتظر الفلسطينييون 20 عاما اخرى او ربما اكثر بكثير ليستعيدوا بعض من مياههم المصادرة والمنهوبة .
وهل الفلسطينييون اصحاب حقوق في حوض نهر ألأردن كطرف مشاطيء وشريك كامل في الحوض ، وكذلك في ألأحواض الجوفية المشتركة وفق ألأجندة الفلسطينية المطروحة على طاولة المفاوضات منذ انطلاق عملية السلام ، ام ان الفلسطينيين لن يحصلوا على اي شيء اكثر مما لديهم ألأن من كميات المياه الشحيحة، وأن مفاوضات الوضع الدائم حول ملف المياه لن تتضمن مناقشة ألأجندة الفلسطينية ، وستنحصر المفاوضات حسب ما يريدها الأسرائيليون بمناقشة اوجه التعاون للبحث عن بدائل غير تقليدية للمياه من خلال مشاريع تحلية مياه البحر وغير ذلك وهي ما تركز عليه الأجندة ألأسرائيلية المطروحة منذ 20 عاما على طاولة المفاوضات والمبينة ادناه .
الممارسات ألأسرائيلية في إطار لجنة المياه المشتركة منذ بدء عملها في 1/1/1996 وحتى تاريخه .
للأهمية ، نذكر بما سبق وان تناولناه في مقالات سابقة حول الممارسات الأسرائيلية بهذا الشأن :
•- في إلأجتماع ألأول للجنة المياه المشتركة والذي ترأسه عن الجانب ألأسرائيلي رئيس سلطة المياه ألأسرائيلية أنذاك مائير بن مائير وهو يميني متطرف وجه هذا ألأخير رسالة إستباقية للوفد الفلسطيني المشارك في إجتماع اللجنة حيث قال حرفيا : ان مفهومه لمسألة حقوق المياه التي نصت عليها ألأتفاقية المرحلية بأنها مسألة إحتياجات وليست مسألة سيادة وبأنه لا يعترف باية سيادة للفلسطينيين لا على ألأرض ولا على مصادر المياه وبأنه المسؤول ألأول عن إدارة مصادر المياه وحمايتها من البحر الى النهر ، وبأنه ملتزم بتوفير ألأحتياجات الفلسطينية من المياه بمعدل 35 متر مكعب في السنة ( اي ما يعادل 95 ليتر للفرد في اليوم لجميع ألأغراض المنزلية والصناعية والزراعة ، وهو ما يشكل أقل من 25% من إستهلاك الفرد في إسرائيل والذي يتجاوز 400 لتر للفرد في اليوم لجميع ألأغراض ، وأقل من 10% من إستهلاك المستوطنين في الضفة الغربية والذي يتجاوز 800 ليتر للفرد في اليوم) . وأضاف مائير بن مائير مخاطبا الوفد الفلسطيني بأنه لن يسمح بأي شكل من ألأشكال للفلسطينين بحفر حتى بئرا واحدا في الحوض الغربي وسيدرس إمكانية السماح لحفر بعض ألأبار المحدودة جدا في الحوض الشمالي الشرقي ، وقد يسمح بحفر عدد من ألأبار في الحوض الشرقي وهذا يعتمد على مواقع ألأبار وتأثيرها على المستوطنات ألأسرائيلية حسب قوله، وكرر تهديده للفلسطينيين بأنه لن يكون متساهلا تجاه حفر ألأبار غير المرخصة أو حتى صيانة ألأبار الزراعية القديمة .
•- رسالة مائير بن مائير ترجمت تباعا على ارض الواقع الى إجراءات عملية تم تطبيقها خلال إجتماعات لجنة المياه المشتركة طيلة فترة ترأس هذا اليميني المتطرف للجنة المشتركة حيث رفض مائير بن مائير أكثر من 90% من القوائم التي تقدم بها الجانب الفلسطيني للحصول على موافقة اللجنة بشأن مشاريع حفر وصيانة ألأبار . وبالفعل لم يحصل الجانب الفلسطيني على موافقة اللجنة المشتركة لحفر حتى بئرا واحدا في الحوض الغربي ولا حتى على صيانة الأبار الزراعية الموجودة في هذا الحوض منذ تاريخ توقيع ألأتفاقية المرحلية وحتى يومنا هذا، وفي الحوض الشمالي الشرقي تمت الموافقة على حفر عدد محدود جدا من ألأبار لا يتجاوز عددها الستة أبار وفي الحوض الشرقي وافقت اللجنة المشتركة على حفر 16 بئرا ، علما بأن إنتاجية ألأبار التي تم حفرها بالفعل في الحوضين الشمالي الشرقي والشرقي لا تتجاوز بمجموعها 22 مليون متر مكعب .
للتذكير فأن إجمالي ما يحصل عليه الفلسطينييون من المياه من كامل الطاقة المائية السنوية المتجددة للأحواض الثلاثة والمقدرة بحوالي 730 مليون متر مكعب ، ما يحصل عليه الفلسطينيون فعليا من هذه الكميات لا يتجاوزحاليا ال100 مليون متر مكعب ،اي اقل من 15 % من مجموع هذه الطاقة المائية العذبة والمتجددة . اما الكميات الكبرى والتي تشكل نسبة 85 % فيتم نهبها وتحويلها الى المستعمرات ألأسرائيلية داخل الضفة الغربية والى داخل إسرائيل لري الحدائق المنزلية والعامة وتعبئة برك السباحة ولري حقول القطن والحبوب في مناطق السهل الساحلي وصولا الى شمال النقب .
•- ننوهه هنا وللأهمية بأن مائير بن مائير قد ابدى تحفظه الشديد على الدراسات التي اعدتها إحدى ألشركات ألأمريكية (سي دي أم ) بتمويل من قبل الحكومة ألأمريكية عام 1999 لصالح سلطة المياه الفلسطينية وقد تضمنت تلك الدراسة توصيات فنية تشمل أوجه تطوير مصادر المياه وتحديد مواقع للأبار الجديدة التي سيتم حفرها في ألأحواض الثلاثة وقد بلغ عدد ألأبار الجديدة التي أوصت الدراسة بحفرها حوالي 96 بئرا ، رفضها مائير بن مائير بل قام بتوجيه إنتقاد لاذع وتوبيخ للمسؤولين الأمريكيين في وكالة التنمية ألأمريكية عندما إجتمعوا معه وقدموا له نسخة من المسودة النهائية للدراسة ، حيث طلب منهم تجميدها وعدم تسليمها للفلسطينيين إلا بعد إجراء تعديلات جذرية عليها وفق ملاحظاته وتعليماته .....
•- خلال صيف عام 1998 شهدت محافظتي الخليل وبيت لحم أزمة مياه خانقة جدا ، إنقطعت المياه عن المنازل والمستشفيات ، وعلى أثر ذلك قام عدد من الديبلوماسيين ألأجانب بالتوجه الى المحافظتين تعبيرا عن تضامنهم مع الفلسطينيين وإحتجاجهم على ما يجري وقد تعرضوا الى محاولة لمنعهم من الوصول الى المنطقة من قبل الجيش ألأسرائيلي ، وطالب الديبلوماسيون السلطات ألأسرائيلية بالتدخل العاجل لأن الوضع خطير ولا يحتمل التأجيل وقد علم لاحقا بأن السبب الرئيسي في إستفحال المشكلة يعود الى قيام شركة ميكيروت في تخفيض كميات المياه المزودة لهاتين المحافظتين وتحويل المياه الى المستوطنات ، ولأن المسؤوليين في شركة ميكوروت ، كانوا يخشون تهديد المستوطنين في حالة نقص المياه المزودة لهم .
وفي اليوم التالي للأزمة عقد إجتماع طاريء وموسع لمعالجة المشكلة في مقر سلطة المياه الفلسطينية حضره نواب إسرائيليون من الكنيسيت ونواب فلسطينيون من المجلس التشريعي الفلسطيني والسيد مائير بن مائير رئيس سلطة المياه الأسرائيلية ومعه وفد من المستشارين والخبراء وبحضور رئيس سلطة المياه الفلسطينية ومساعديه ، وقد تركز ألأجتماع على معالجة سريعة لأزمة المياه الخانقة في مناطق جنوب الضفة الغربية وطالب الجميع من السيد مائير بن مائير التدخل وتوجيه التعليمات لشركة ميكوروت لأعادة ضخ المياه الى المحافظتين وزيادتها بما يفي بتغطية الحد ألأدنى من ألأحتياجات المنزلية والشرب ، وعدم تكرار قطعها او تخفيضها ، رد السيد مائير بن مائير قائلا امام الحضور من اليهود والعرب بأنه لا يستطيع إسترجاع ليتر واحد من المياه التي يستخدمها الأسرائليون وتحويله للفلسطينيين ، هذا الرد العنصري صعق الجميع وقد رفضه إعضاء الكنيسيت الموجودين في ألأجتماع وردوا على مائير بن مائير بأنه لا يجوز ان نتحدث عن سلام وتعايش وحسن جوار وفي نفس الوقت نحرم الناس من الحصول على حاجتهم من مياه الشرب .
بعد تغيير الحكومة الأسرائيلية وتولي براك من حزب العمل تشكيل وترأس الحكومة الجديدة ، تولى السيد نوح كنارتي مهام رئاسة لجنة المياه المشتركة وهو من حزب العمل ، لم يتغير شيء ، بل على العكس فقد أضاف نوح كنارتي قيودا جديدة على القيود التي وضعها سلفه مائير بن مائير ، حيث رفض كنارتي زيادة كميات المياه للمناطق الفلسطينية من خلال شركة ميكوروت بأعتبار ان سياسة حزب العمل تقوم على الفصل بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وبالتالي فأنه حسب كنارتي لا يجوز ألأستمرار في تزويد ألأراضي الفلسطينية بالمياه مباشرة من مصادر إسرائيلية ويجب وقف التزود القائم وعلى الفلسطينيين ودائما حسب كنارتي ان يعتمدوا على مصادرهم الذاتية ، ولكن كنارتي لم يوضح ما هي واين هي تلك المصادر الذاتية ، بل تمسك بموقف سلفه رافضا الموافقة على قوائم حفر الأبار التي قدمها الجانب الفلسطيني للجنة المشتركة ، بل انه الغى بعض الموافقات السابقة والتي كانت تخص حفر ثلاثة ابار في منطقة جنين وبئرين في منطقة نابلس مدعيا ان هذه ألأبار ستؤثر سلبا وبشكل كبير على ألأسرائليين داخل الخط ألأخضر
•- ناشدت سلطة المياه الجانب ألأسرائيلي مرارا وتكرارا لتزويد بعض البلدات والقرى الفلسطينية التي كانت تواجه أزمات عطش حادة وخانقة ، خاصة خلال فترات الصيف ، بسبب إنقطاع المياه المستمر وبسبب جفاف الينابيع وألأبار الزراعية التي كانت مصدرا متاحا للمياه ورغم ان ما كانت تطالب به سلطة المياه هو فقط لسد الأحتاجات المائية الضرورية وبالحد ألأقل من ألأدنى لسكان تلك البلدات والقرى وهي كميات محدودة جدا لا تتجاوز بضع من ألأمتار المكعبة من المياه بما يكفي حاجة الشرب وألأستخدام المنزلي وبمعدل لا يتجاوز 30 ليتر للفرد في اليوم ، ورغم علم ومعرفة الأسرائليين الكامل بطبيعة وحدة ألأزمة المائية وشدة المعاناة ، كان الرفض هو الرد الدائم للجانب ألأسرائيلي على مناشدات سلطة المياه ، غير عابئين وغير معنيين بمعاناة الفلسطينيين وعطشهم ....
•- مارس ألأسرائيليون منهج وأسلوب ألأبتزاز في لجنة المياه المشتركة مستغلين بذلك الوضع المائي الصعب والحاجة الماسة للمياه لدى الفلسطينيين ، فقاموا بفرض ألية لمناقشة المشاريع المقدمة الى اللجنة ، واشترطوا ان يناقش مشروع إسرائيلي يتعلق بالمياه او المجاري للمستوطنات مقابل كل مشروع فلسطيني مماثل ، وفي حالة رفض الفلسطينيين لأي مشروع إسرائيلي يقابله فيتو إسرائيلي برفض للمشاريع الفلسطينية المقدمة للجنة المشتركة وخاصة المشاريع الهامة والتي تتعلق تحديدا بحفر وصيانة ألأبار ، علما بأن المادة ألأربعون لم تنص على اية مشاريع مياه او مجاري تخص المستوطنات ، ولكن ألأسرائيليين إستغلوا عدم الوضوح في إتفاقية طابا المرحلية وفرضوا شروطهم ، خاصة وانهم يملكون زمام ألأمور في كل شيء....
•- كما مارس ألأسرائيليون سياسة الفيتو والرفض والعرقلة للمشاريع الفلسطينية التي كانت تحصل على موافقة من قبل اللجنة المشتركة ولكنها تعاد وترفض من قبل ما يسمى بمكتب التنسيق المدني او ما كان يعرف سابقا بألأدارة المدنية ، ويأتي الرفض من هذه الجهة لأسباب يدعون انها امنية تتعارض مع شروط الصلاحيات الفلسطينية في المنطقة المصنفة "ج" ولكن حقيقة ودواعي الرفض كانت في غالبيتها بسبب وقوع المشروع الفلسطيني المرفوض امنيا بالقرب من مناطق عسكرية او مستوطنات إسرائيلية او قريبا من الطرق المؤدية لتلك المناطق ، ويتم الرفض من قبل الجيش ألأسرائيلي دون اية مراعاة لأهمية المشروع والحاجة الماسة للمياه في المناطق الفلسطينية العطشى والمحرومة من المياه .
•- حتى مشاريع المجاري لم تسلم هي ألأخرى من الفيتو ألأسرائيلي ومن وسياسة ألأبتزاز، حيث وضع الأسرائيليون شروطا تعجيزية على مشاريع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الفلسطينية المقدمة الى اللجنة المشتركة ومن أهم تلك الشروط ان يأخذ الفلسطينيون بألأعتبار مراعاة ان تخدم تلك المشاريع المستوطنات ألأسرائيلية الوقعة بالقرب من منطقة المشروع ، وهذا ما حصل بالفعل للعديد من المشاريع الفلسطينية لمدن سلفيت ، نابلس ، طولكرم ، الخليل وغيرها حيث تأخر تنفيذها لسنوات طويلة مما اضطر الجهات المانحة الى إلغاء المنح المالية المخصصة لغالبيتها .
يتضح جليا مما تقدم أعلاه ، بأن ألأسرائيليين لم يكونوا يوما ما يرغبون او يريدون صنع السلام مع الفلسطينيين بل كل ما كانوا وما زالوا يسعون اليه هو قمع الفلسطينيين وإبقائهم خاضعين لرغباتهم وأوامرهم وان يعيشوا الى ألأبد تحت وصاية وتبعية كاملة للدولة العبرية وقادتها الصهاينة ، لأن من يريد السلام حقا لا يمكن ان يتصرف على هذا النحو العنصري تجاه جاره وشريكه ألأخر بالسلام ، خاصة وان ألأمر يتعلق بموضوع المياه التي هي حياة الناس ، فكيف يمكن ان يصدق الفلسطينيون دعوات العيش المشترك وحسن الجوار وحسن النوايا في الوقت الذي تقطع المياه عن المستشفيات والمنازل ومناطق بأكملها خاصة خلال فترات الصيف ولفترات طويلة تجاوزت عدة أشهر.
حاجة الناس الى المياه هي أهم وأكبر من حاجتهم للسلام ، فلا سلام يمكن ان يقوم ويحيا في ظل العطش والحرمان من عنصر الحياة ، والسلام هو ألأمن وألأمان والتعايش الحقيقي بين الشعوب وليس بين الحكام ، السلام يبدء ويحيا ويستقر عند بناء الثقة وألأحترام المتبادل بين الشعوب ، فكيف يمكن لشعب يُحْرَمُ من حقوقه المائية ويعيش أزمات العطش الخانقة والمستمرة لسنوات طويلة ، ان يتقبل أكاذيب وإدعاءات شركاء السلام .....أكثر من 17 سنة مرت على اتفاقية طابا المرحلية لعام 1995 وازمات المياه والعطش والمعاناة الفلسطينية تزداد حدة من سنة لأخرى ولم يفهم ولم يتفهم ألمسؤولين ألأسرائيليين بأن سياساتهم المائية العنصرية لن تخدم عملية السلام لأنهم كما يبدو وكما ثبت من الوقائع والحقائق لا يريدو صنع السلام مع الفلسطينيين ، لهذا فهم لم ولن يأبهوا بمعاناتهم .
ولو كانت النوايا ألأسرائيلية صادقة تجاه تحقيق السلام مع الفلسطينيين لما كانوا أعاقوا ومنعوا الفلسطينيين على سبيل المثال لا الحصر من حفر بئر اليامون الذي رفضوه عام 1999 لتزويد مدينة كبرى مثل مدينة جنين وقراها بالمياه التي كانت ولا زالت تعاني أزمة مياه قاتلة وكان ألأسرائيليون على علم ودراية تامة بالوضع المأساوي في جنين ، ولكنهم رفضوا وأعترضوا بشدة على حفر هذه البئر بحجج ومبررات واهية وغير منطقية على ألأطلاق حيث إدعوا بأن حفر البئر في اليامون سيؤثر سلبا على ينابيع بيسان التي تبعد اكثر من 60 كيلو متر عن جنين ، وهذا الكلام نوع من السخرية والهراء ولا معنى له لا علميا ولا منطقيا ولا حتى إنسانيا ولا أخلاقيا، رفضوه رغم تدخل جهات ديبلوماسية عليا بألأمر ، وبئر اليامون ليس إلا حالة واحدة من عشرات مشاريع الأبار التي رفضت وكما أشرنا أعلاه فأن 90% من مشاريع حفر ألأبار الجديدة او تطوير وصيانة ألأبار القديمة قد رفضت من قبل لجنة المياه المشتركة .
كافة المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية ومن ضمنها المدن الكبرى والبلدات والقرى عانت ولا تزال تعاني من مشاكل نقص وشح المياه وهناك أكثر من 35 % من التجمعات السكنية لا تزال تفتقر الى شبكات المياه وأكثر من 50% تفتقرالى مصادر مياه نظيفة قابلة للشرب .
ولو كان ألأسرائيليون أيضا معنيون حقا بالسلام لكانو تحركوا وترجموا نواياهم افعالا ووقائع على ألأرض بتسهيل أعمال حفر ألأبار بما يتفق مع مانصت علية اتفاقية المياه أعلاه وليس برفض وعرقلة المشاريع الفلسطينية وخاصة مشاريع حفر الأبار ، ولكانوا سارعوا الى المساعدة والمساهمة الحقيقية في معالجة كوارث الدمار الشامل في قطاع غزة وتخفيف حدة وأزمات المياه الخانقة عن أهالي القطاع الصامد ، خاصة وأن ألأسرائليين هم وحدهم المسؤولين مباشرة عن كل ما حصل ويحصل في القطاع من كوارث صحية ومائية وبيئية سببها الرئيسي مشاكل نقص وتلوث المياه وعدم بناء محطات معالجة لمياه المجاري خلال فترة ألأحتلال للقطاع.....
يتمسك الأسرائيليون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بمواقفهم العدائية والرافضة للحقوق الفلسطينية المشروعة وفي مقدمتها الحقوق المائية في ألأحواض المشتركة الجوفية والسطحية بما في ذلك حوض نهر ألأردن ، ويعتبر ألأسرائيليون ان حقوق المياه التي يطالب بها الفلسطينيون هي حقوق إحتياجات تقاس وتقييم بمعدل إحتياجات الفرد من المياه في اليوم لآغراض الشرب والمنزل ، او إحتياجات الدونم الواحد من ألأرض الزراعية ، وبأن هذه ألأحتياجات يمكن توفيرها حسب مائير بن مائير وغيره من المسؤولين ألأسرائيليين من مياه البحر المحلاة او من مصادر مياه مستوردة ولكن ليس من مياه ألأحواض المشتركة المستغلة بكامل طاقتها من قبل ألأسرائيلين ، ولن يتفاوض ألأسرائيليون حول حقوق سيادية للفلسطينيين ولن يعترفوا بأية مرجعيات سياسية وقانونية تقر وتثبت للفلسطينيين حقوقهم المائية ،...... فهل يمكن ان يتحقق سلام وتعايش بين الشعبين في ظل هذه المواقف العدائية والمتشددة تجاه حقوق الفلسطينيين .
السياسة التفاوضية ألأسرائيلية حول ملف المياه ، وفق المواقف ألأسرائيلية المعلنة في إطار المرحلة ألأولى من مفاوضات الوضع الدائم التي جرت بين الطرفين خلال العم 2008
خلفية ألموقف التفاوضي ألأسرائيلي : يتمسك ألأسرائيليون بموقفهم التفاوضي المتشدد تجاه قضايا المياه والذي يتضمن المفاهيم التالية :
أ- أسلوب التفاوض : المفاوضات يجب ان تكون براغماتية ، وقضية المياه قضية فنية وإقتصادية وليست سياسية وبالتالي لا حاجة للحديث عن مرجعيات قانونية مثل القانون الدولي وغيره ولا حاجة ايضا لأية مرجعيات سياسية، ولن يقبل الجانب ألأسرائيلي البحث او التفاوض حول مياه غير موجودة ولن يعيد ألأسرائيليون ليترا واحدا للفلسطينيين من مياه مستخدمة من قبل مواطنيهم وإن اساس التفاوض هو إيجاد الصيغ الجيدة للتعاون الفني في مجال المياه .
ب- أوجه التعاون : تطوير أوجه ومجالات العمل والتعاون المشترك لمعالجة قضايا المياه التي تهم مصلحة وفائدة الجانبين:
- اوجه ألتعاون في مواجة المخاطر والتهديدات للمتغيرات المناخية
- أوجه التعاون في تطوير مصادر مياه إضافية غير تقليدية وأهمها إقامة مشاريع مركزية لتحلية مياه البحر
- أوجه الحماية البيئية المائية وخاصة ما يتهدد الأحواض المائية الجوفية الجبلية المشتركة من مخاطر الأستنزاف والتلوث
- تطوير الرقابة المائية المشتركة من خلال إعادة تفعيل دور فرق الرقابة والتفتيش التابعة للجنة المياه المشتركة الدائمة
ج- مصادر المياه ألأضافية المتاحه للجانب الفلسطيني:
- لن يكون بألأمكان السماح للفلسطينين بحفر أبار جديدة في مناطق الحوضين الجوفيين الغربي والشمالي الشرقي، وسيتم دراسة الأحتياجات وزيادة الطلب على المياه للفلسطينين، لآغراض الشرب والمنزل ليتم توفيرها من خلال شركة المياه الأسرائيلية "ميكوروت" بمعدل 35 متر مكعب للفرد الواحد في السنة كما اقترح السيد مائير بن مائير .
- سيكون بأمكان الفلسطينين سحب المياه المتبقية في الجزء السفلي لمجرى نهر الأردن في المناطق المحاذية للضفة الغربية وسيتم تحويل المزيد من مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا الى هذا الجزء من النهر ، بمعدل قد يصل الى 30 مليون متر مكعب.
( إلا ان هذا الكرم الأسرائيلي لن يكون له أية فائدة لأن معظم المياه المتبقية في المجرى السفلي للنهر بما في ذلك مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا هي مياه عالية الملوحة وملوثة ولا تصلح لأي نوع من ألأستخدام، ومعالجتها مكلفة جدا) .
- تزويد قطاع غزة بكميات مياه إضافية مباشرة من محطة التحلية في منطقة عسقلان بمعدل سنوي يمكن ان يصل الى20 مليون متر مكعب وبسعر 3 شيكل للمتر المكعب الواحد، ويمكن البدء فورا بضخ 5 ملايين متر مكعب من خلال الوصلة الموجوده في منطقة نحال عوز. (تم طرح هذا الموضوع في السابق وجرت مناقشته وربطه بمشروع الخط الناقل ألذي بوشر العمل في تفيذه بتمويل من الأمريكان، ولكن بسب ألأوضاع السياسية وألأمنية المتلاحقة تم تجميد تلك المشاريع المركزية الهامة)
- يعتبر الجانب ألأسرائيلي بأن قضية حقوق المشاطئة في حوض نهر الأردن هي مسألة سياسية مرتبطة بقضية الحدود ولذلك لن يكون هناك حديث حول هذا الموضوع في إطار لجنة المفاوضات للوضع الدائم حول المياه ويرفضوا إعتبار الفلسطينيين طرفا مشاطئا ويدعوا بأن للفلسطينيين حقوق في الأودية الجانبية المشتركة بين الطرفين فقط لا غير وليس في مياه مجرى نهر ألأردن . (علما بانه في واقع الأمر لا توجد أودية جانبية مشتركة ذات اهمية مائية وما هو موجود ليس الا عدد قليل من مجاري فرعية لبعض الأودية الجانبية التي قد لا يتجاوز معدل تصريفها السنوي عن 2 الى 3 مليون متر مكعب وغالبيتها مياه فياضانات موسمية لا يمكن إسثمارها) .
بمعنى ان ألأسرائيليين قد قرروا إنهاء المفاوضات حول حقوق الفلسطينيين في حوض نهر الأردن قبل ان تبدء حيث لا إعتراف بحقوق مشاطئة ولا بحقوق ادارة مشتركة ولا ايضا بحقوق الأنتفاع بمياه مجرى النهر، لأن الفلسطينيين ببساطة وكما يدعون ليسوا طرفا سياسيا بحدود الحوض ولا حدود لهم في هذا الحوض، هذا هو الموقف المعلن مرارا وتكرار عبر وسائل ألأعلام وعلى طاولة المفاوضات وعلى أساسه يستمر الجانب ألأسرائيلي بتصرفاته وممارساته المائية تجاه الحقوق المائية الفلسطينية.
النوايا ألأسرائيلية ليست نوايا لطرف يحترم مباديء حسن الجوار وحقوق الأخرين ولا نوايا لطرف يبحث عن السلام ويرغب في العيش المشترك :
بعد مرور اكثر من 20 عاما على إنطلاق عملية السلام في مدريد عام 1991 ، وبدء المفاوضات ، تضاعفت حدة ازمات المياه وازداد العطش الفلسطيني ، ولم يتمكن الفلسطينيون من تحقيق اي تقدم ملموس بشأن تخفيف معاناة العطش وأزمات المياه الخانقة والمتفاقمة ، ولم تنجح كل المساعي التي بذلها المفاوض الفلسطيني ، للضغط على ألأسرائليين من اجل إثبات حسن النوايا تجاه الحقوق المائية الفلسطينية ، فكان الموقف الأسرائيلي المدعم بالفيتو السياسي سيد القرار وسيد الموقف في اطار لجنة المياه المشتركة ، حيث إصطدمت المشاريع الفلسطينية بالرفض الأسرائيلي الصارم والمستمر طيلة فترة عمل هذه اللجنة منذ العام 1996 وحتى تاريخه .
لو ان النوايا الأسرائيلية كانت صادقة منذ البداية تجاه عملية السلام ، لكانت تلك النوايا قد ترجمت وتحولت منذ سنوات طويلة ، الى حقائق ومشاريع على الأرض يشاهدها ويلمسها ويعيشها كل فلسطيني يشكك في نوايا السلام الأسرائيلية .
لم تكن عملية حفر عدد من ألأبار المحدودة لأغراض الشرب بحاجة الى مفاوضات ولا الى إنتظار لمدة 20 عاما او اكثر، خاصة وان المادة أل40 من ألأتفاقية المرحلية قد اقرت للفلسطينيين بحقوقهم المائية والتزام اسرائيلي بالتعاون لتسهيل حصول الفلسطينيين على كميات مياه إضافية حددت بمعدل 80 مليون متر مكعب خلال السنوات الخمسة للمرحلة ألأنتقالية 1995- 1999 .
لم يحصل الفلسطينيون من تلك الكميات الأضافية من المياه سوى على 22 مليون متر مكعب ، منذ بدء عمل اللجنة المشتركة في 1/1/1995 وحتى هذا اليوم ، بل فقد الفلسطينيون خلال هذه الفترة اكثر من 30 مليون متر مكعب من مياه الينابيع وألأبار الزراعية التي تراجعت انتاجيتها او جفت كليا بسبب التغيرات المناخية وعمليات ألأستنزاف الجائرة والمستمرة للأحواض من خلال ألأبار ألأسرائيلية، بمعنى ان عملية السلام وما اتت به اتفاقية طابا بشأن المياه ، لم تخفف عطش الفلسطينيين ومعاناتهم .
مئات البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية التي عانت وقاست من مرارة العطش ولا زال قسم كبير منها يعاني حتى ألأن ، كان من الممكن تخفيف معاناتها دون الحاجة للأنتظار 20 عاما ودون الحاجة للتفاوض ، لأن معظم تلك التجمعات قريبة من انابيب المياه الضخمة التي تتزود منها المستعمرات ألأسرائيلية ،وكان من الممكن والسهل جدا ان يتم تزويد التجمعات الفلسطينية بجزيء ولو بسيط من تلك المياه لسد الرمق وتخفيف ازمات العطش ، ولو ان ألأسرائيلين فعلوا ذلك ، لكانت ستجل لهم كبادرة حسن نوايا أسرائيلية تجاه جيرانهم وتجاه عملية السلام ، علما بأن سلطة المياه طالبت ألأسرائليين مرارا وتكرارا تزويد المياه للعديد من تلك القرى العطشى وبالحد ألأدنى ، ولكن هيهات ان تجد المطالب الفلسطينية اذن اسرائيلية تسمع وعين ترى وتشاهد مآسي العطش الفلسطيني ، لأن السياسة المائية ألأسرائيلية هي الأذن المسدودة وهي العين التي لا تريد ان ترى الحقيقة على الدوام .
للفلسطينيين حقوق مائية ثابتة في حوض نهر ألأردن ، وهي حقوق مشاطئة كاملة تستند الى قواعد ومباديء القانون الدولي كما اسلفنا سابقا ، والفلسطينييون كانوا يروون اراضيهم بمياه النهر قبل عام 1967 وقبل قيام الجيش الأسرائيلي بأغلاق المنطقة ، وباالتالي فأن استخدام الفلسطينيين لمياه نهر ألأردن هو إستخدام تاريخي وأولي وقبل قيام الدولة العبرية بمئات السنين ، ولذلك لا نقاش حول قانونية الحقوق الفلسطينيية في حوض نهر ألأردن لأنها حقوق تاريخية ثابتة .
تضمنت خطة المبعوث ألأمريكي للمنطقة اريك جونستون عام 1955 ، تخصيص 220 مليون متر مكعب لري الأراضي الفلسطينية في منطقة ألأغوار ، وقد وافقت جميع ألأطراف العربية وكذلك اسرائيل على الخطة وعلى الحصص التي حددها المبعوث ألأمريكي جونستون ، ووضع الية تنفيذية لكل طرف للحصول على حصته ، ومن ضمنها انشاء قناة الغور الغربية لنقل حصة الفلسطينيين الى مناطق الأراضي الزراعية .
يدرك ألأسرائيليون جيدا ، اهمية منطقة ألأغوار بالنسبة للفلسطينيين ، فهي سلة خضار فلسطين عبر النين الطويلة الماضية ، ولذلك كان من الممكن ان يبادر ألأسرائيليون الى بناء مشروع قناة الغور الغربية بالتعاون مع الفلسطينيين وعدة جهات دولية مانحة ابدت استعدادها الكامل لتمويل المشلروع ، او على ألأقل بناء خط ناقل يحمل ولو جزءا من حصة الفلسطينيين ، ولنقل دفعة اولى من تلك الحصة 50- 70 مليون متر مكعب ، كمرحلة انتقالية وكبادرة حسن نوايا ، خاصة وان ألأراضي الزراعية في منطقة ألأغوار اصبحت بحالة سيئة جدا وشبه جافة ومدمره ، حيث لم تعد هناك زراعة ولم يعد يتجاوزالأنتاج الزراعي نسبة 20 % عما كان عليه قبل عام 1967 .
ولو كانت لدى الأسرائيليين نوايا حسنة تجاه الفلسطينيين ، فيما يخص حقوقهم في مياه نهر ألأردن ، لما قاموا في بداية الخمسينات بأغلاق مخارج النهر عند الساحل الجنوبي للبحيرة لوقف تدفق المياه الى الجزء الجنوبي من التهر والذي يمر بمحاذاة الضفة الغربية ، حيث تحول هذا الجزء الى جدول ملوث لم تعد تجري فيه المياه ، وما تبقى فيه عبارة عن تصريف لمياه المجاري غير المعالجة والقادمة من المناطق ألأسرائيلية في بيسان وطبريا ، ومن مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبرا وهي مياه عالية الملوحة ، لا تصلح لأي نوع من ألستعمال .
ألأسرائيليون ليسوا بحاجة لتوسيع وتطوير الزراعة ، لتغطية احتياجات امنهم الغذائي ، حيث تفوق نسبة التصدير للمنتوجات الزراعية ألأسرائيلية عن 65% من ألأنتاج الزراعي الكلي ، يعنى انهم يصدرون المياه العذبة وهي بغالبيتها مياه فلسطينية منهوبة ومسروقة من ألأحواض ومن حصة الفلسطينيين في حوض نهر ألأردن.
كما لم تكن هناك حاجة للتفاوض وألأنتظار لتزويد قطاع غزة بكميات إضافية من للمياه ، عبر إنشاء خطوط تزود جديدة ، كبادرة حسن نوايا إسرائيلية ، لتخفيف معاناة العطش وملوحة وتلوث المياه في القطاع ، حيث يواجه قطاع غزة كارثة مائية متفاقمة ، وألأسرائيليون على دراية كاملة بطبيعة وأبعاد مخاطر هذه الكارثة ، كما يعرفون جيدا بأنهم السبب الرئيسي في تردي الوضع المائي في القطاع الى هذه الدرجة ، وتقع عليهم المسؤولية الكبرى في ذلك ، ولذلك لا يحتاج ألوضع المائي في قطاع غزة الى مفاوضات والى إنتظار نتائج المفاوضات لعشرين عاما اخرى ، بل ان ألأمر في غاية الخطورة وبحاجة الى تدخل ومعالجة سريعة ، اللهم إلا اذا كانوا ينتظرون وصول الوضع في قطاع غزة الى حالة الدمار الشامل ورحيل اهله عنه ، وهذا ليس بعيدا عن النوايا ألأسرائيلية ، وما اشرنا اليه في كل ما تقدم يعزز تصديق ذلك .
ماذا ينتظر الفلسطينييون ، من مسؤولين ومفاوضين ، هل ينتظرون 20 عاما اخرى للعودة الى طاولة المفاوضات ، او اكثر من ذلك بكثير ، وماذا يتوقعون من المفاوضات لو انها عادت وإنطلقت من جديد غدا او بعد غد ، في ظل حقيقة النوايا ألأسرائيلية ما تخفيه من مواقف متشددة تجاه عملية السلام وتجاه كافة القضايا التفاوضية وعلى رأسها قضية المياه .
الوضع المائي في الضفة الغربية وقطاع غزة اصبح اكثر حرجا ،ولم يعد من الممكن ألأنتظار يوما واحدا ، فقطاع غزة اصبح الكارثة الكارثة كما اشرنا ، ولم تعد توجد في القطاع مياه صالحة للشرب او ألأستخدام البشري ، ملوحة المياه عالية جدا ومصادرتلوث بأشكال وأبعاد صحية مختلفة ، احواض المياه الجوفية الثلاثة في الضفة الغربية اصبحت في وضع إستنزاف كامل ، وهناك مخاوف جدية وحقيقية في حدوث هبوط وتراجع كبير لمستوى سطح المياه الحالي ، مما سيؤدي الى تراجع تدريجي لعمليات الضخ تليها احتمالات بدء توقف ألأبار المنتجة . كما ان العديد من التجمعات السكانية في الضفة الغربية بما في ذلك احياء من المدن الكبرى ، تواجه حاليا نقصا شديدا في المياه لحاجة الشرب والمنزل ، خاصة خلال اشهر الصيف ،كما ان منطقة ألأغوار الزراعية تحولت الى اراضي جافة واغلقت معظمها ، وتراجع التشاط فيها الى اكثر من 65 % كما اسلفنا سابقا....اي ان الفلسطينيين فقدوا سلة الخضار الكبرى التي كانت تنتجها منطقة ألأغوار .