ما بين الإستهتار والإهمال فقد الطفل نبيل حياته غرقا
عهود الخفش
لم يكن يعرف أنها الساعات الأخيرة لوجوده في هذه الحياة ..إغتسل ولبس ثيابه ... تعطر وكأنه عريس في ليلة عرسه كما أخبرته أخته"عندليب"...ذهب للمسجد لأداة صلاة الظهر... توجه الى البيت... جلس مع أهله لتناول طعام الغداء... ومن ثم إصحطب إخوانه إلى المسبح ليجدوا المتعة هناك.. لكنه لم يعلم أنه في سباق مع الموت.. إلى أن إقتربت اللحظات الأخيرة لتعلن وقت رحيله... حاول منع قدومها... كان محتاجا لمن يمد يده لإنقاذه... فأختفت كل أيادي البشر لتتركه وحيدا لمصيره... إلى أن إستسلم لقدره بصمت موجع الى برودة الموت... لفظ أنفاسه الأخيرة بيأس قاتل فأستقر جسده دون حراك... وفاضت روحه, فكان هو الرحيل الأبدي للطفل "نبيل شقير" من بلدة الزاوية غربي مدينه سلفيت..
حزن وألم يسود بيت عائلة نبيل, وبدموع الحسرة إستقبلنا والده, واخذ يحدثنا دون توجيه سؤال له قائلا":الله يرحمه, راح نبيل وترك الحسرة والألم في قلوبنا , البارحة كان بيننا لم أصدق أن اليوم ليس بيننا, ولكن هذا قدره ",أجهش بالبكاء ليعود الصمت لغته, حاولنا التحدث مع والدة نبيل ولكن الحزن ولوعة الفراق لم تسمح لها, لتجهش بالبكاء,
دقائق وبعد ان مسح دموعه عاد والد نبيل مواصلة حديثه معنا قائلا": يوم الخميس سهرنا أنا وعائلتي الخمس بنات وأبنائي الذكور الثلاثة, ولكن عينا نبيل لم تعرف النوم, وبقيت معه للساعة الرابعة صباحا, وليست هذه عادته للسهر, فرحنا وضحكنا كثيرا الى أن غافلني النعاس, بينما هو بقي جالسا, وفي صباح يوم الجمعه إغتسل نبيل وأرتدى ثيابه لدرجة أن أخته "عندليب" قالت له كانك عريس ليش بتزبط بحالك" ذهبنا معا لأداة صلاة الجمعة,ومن ثم عدنا الى البيت فطلب إبني الكبير نعمان الذهاب الى المسبح, فكانت إجابتي أن يذهبوا في وقت آخر, ولكن إصراره فاق منعي لهم, فذهب "نعمان ونبيل ونعيم" الى المسبح, وحسب معلوماتي أن المسبح مغلق منذ أواخر شهر رمضان, ولا يوجد مياه في البرك,ولو كنت أعلم غير ذلك لما سمحت لهم بالذهاب الى هناك, ولكن الطمع وعدم وجود رقابة وعدم الإهتمام هما السبب في عدم إغلاق المسبح وإزالة المياه منه , مما تسبب في وقوع الحادثة ووفاة ابني,
تنهد بحرقه وحاول منع دموعه من النزول, الى أنها أبت, لتختلط كلماته معها ويكمل":لو كان هناك منقذ لما حصلت الحادثة, ولكن يبقى قدر الله , وهو أعطى وهو بيوخذ, وحسب ما سمعته من نعمان ونعيم , أن نبيل غرق في منطقة البركة التي تحتوي على"3متر" من المياه, ومكث فيها ما يقارب النصف ساعة, جائني خبر غرقه فذهبت مسرعا فكان نبيل في صحة بديا, ومن ثم تم نقله الى المستشفى, ليخبرني الطبيب أن أطلب العوض من الله, صمت وكأنه يستذكر ذلك اليوم, ليكمل حديثه":كل هذا حدث ما بعد الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر, فطلبت عوضي من الله ,وكانت هناك أوامر بتشريح الجثة فكان ردي ان إكرام الميت دفنه, الله يرحمه",
وينهي والد نبيل حديثه قائلا":أطالب كافة المسؤولين الإهتمام بأرواح البشر لعدم تكرارمثل هذه الحوادث مع إبن جاري أو إبن قريبي أو مع أي مواطن آخر "
شهود عيان
"مصطفى شقير" أبن عم نبيل كان معه أثناء الحادثة, تحدثنا إليه قائلا":دخلنا المسبح مع أولاد عمي الثلاثة ودفعنا إشتراك"دخول للمسبح" والتي تبلغ 10 شواقل للشخص, وكان هناك شخصين مسؤولين عن المسبح ,كان إحداهما بيأرجل والآخر يتحدث على البلفون ويشرب قهوة, لم يكن هناك إهتمام بوجودنا, ولم نكن لوحدنا, فكان هناك أطفال ليسوا من الزاوية, فدخلنا جميعا في البركة في منطقة التي تحتوي على مترا من المياه, وكنا نلعب بالمياه واصواتنا تعلو, وبعدها بفترة فقدنا نبيل وأخذنا نسأل عنه"
"نعمان" شقيق نبيل يكمل الحديث قائلا": لعبنا معا في نفس البركة ولكن فقدت أخي, فسـألت عنه من في البركة, فقالوا لي أن نبيل خرج للحمام, ولكنه تأخر, فخرجت من البركة لأبحث عنه, فلم أجده في الحمام فقمت بالمناداة عليه, ولكن ما من مجيب فأخذت بالبحث عنه, ونظري وقع على المنطقة التي تحتوي على 3 م من المياه, وكانت تلك المنطقة غير نظيفه, فكان نبيل غرقان على وجهه فنزلت للبركة وحاولت سحبه ولكن كان ثقيلا لم أستطيع ,
": اخذت بالصراخ ساعدوني لإخراج نبيل الى أن إنتبه الأولاد لي, وسمع صوتي المسؤولين الموجودين, فقاموا بإخراج نبيل ولكنه لم يتكلم ولم يتنفس, وأخذوه للطبيب, ويواصل ببراءة الطفولة حديثه بلهجة شاهقة بأنفاس غير متزنة, "مات نبيل", صمت وكأنه لسانه يقول لم أعد قادر عن التعبير "
إتصلنا ب "نصر ابو نبعة" وكان يعمل منقذا في المسبح خلال فترة سابقة, يقول ":أنا أعمل منقذا في المسبح منذ أربع سنوات, ولكن لم يكن هناك عقدا مكتوبا بيننا, وكان الإتفاق على العمل شفهيا, وتركت العمل في المسبح بعد انتهاء العيد, وكان من المفروض إفراغ البرك من المياه لعدم صلاحية إستخدامها "
عطوفة محافظ سلفيت عصام أبو بكرتحدث قائلا": انه ومع بداية فصل الصيف قامت لجنة الصحة والسلامة العامة في المحافظة بعدة زيارات ميدانية لكافة المسابح بما فيها مسبح بلدة الزاوية، الذي كان في حينه مستوفي لكافة شروط الوقاية والسلامة العامة، موضحا أنه وعلى أثر حادث غرق الفتى نبيل محمد شقير تم إتخاذ قرار بإغلاق المسبح، إضافة لتكليف لجنة الصحة والسلامة العامة بإجراء تحقيق في الحادث، وتكليف لجنة الخير والأصلاح بمتابعة تداعيات الحادث.
مبينا أن الجهود توجت بالصلح التام بين عائلة أبو نبعة وآل الغضبان, الذين قدموا موقفا مشرفا بقبول الصلح التام والصفح والعفو، معتبرين أن الحادث هو قضاء الله وقدره.
ودعا أبو بكر كافة المواطنين وأصحاب المهن لأخذ العبرة من هذا الحادث المؤسف، مؤكدا على أهمية وضرورة الإلتزام بمتطلبات التراخيص في المنشآت الصناعية والتجارية والسياحية وقطاع النقل والقطاعات الخدماتية كافة من أجل توفير شروط الصحة والسلامة العامة الهادفة لحماية حياة المواطنين.
وتوجه المحافظ بالتعازي الى أهل وذوي الفقيد ولأهالي بلدة الزاوية عموما، داعيا الله أن يتقبله مع الشهداء ويلهم أهله الصبر والسلوان
المسبح ليس لديه رخصة المزاولة
توجهنا الى بلدية الزاوية بإعتبار أن المسبح تابع لها, كان في إستقبالنا رئيس البلدية "خضر حمودة" تحدث إلينا تعقيبا على الحادثة قائلا":الحادثة قضاء وقدر,المنطقة هناك فيها مسبح ومنتزه للجلسات, والمسبح في نهاية العام وفي هذه الفترة اي بعد العيد يجب إزالة المياه من البركة , وأثناء زيارتنا للمسبح بعد الحادثة كان منسوب المياه فيها ليس كثيرا, وهذا دليل أن ضامن المسبح يريد إزالة المياه,
ويضيف المسبح مرخص تنظيمي من قبل الحكم المحلي, ولكن هناك ما تسمى "برخصة مزاولة حرف" وهذا ما سمعته لأول مرة خلال الخمس سنوات من إقامة المسبح, من خلال اللجنة المكونة من السلامة العامة ومن الشرطة ومن الدفاع المدني, عند زيارتهم للمسبح بعد حدوث الحادثة وعند إستفساري عن الجهة المسؤولة عن هذه الرخصة, فكان الجواب أن البلدية هي المسؤولة عن إصدارها ولكني لم أعرف بها من قبل, ولماذا لم يتم إخباري عنها قبل خمس سنوات؟
ويواصل حمودة ": المسبح حسب المواصفات العالمية بدعم من البلجيك, وكل عام يتم زيارته من قبل لجنة السلامة العامة ويتم إعطاء ملاحظاتهم وتوصياتهم لضامن المسبح, وليس لدي علم اذا كان التأمين ساري المفعول أم لا, ولكن يمكن أن يكون التأمين ليس ساري المفعول لأن فترة السباحة تنتهي بآخر يوم في شهر رمضان "
ويكمل قائلا":حسب معرفتي بالحادثة أن المنقذ جاء لإنقاذ الطفل ولكن كان قد فارق الحياة,وبما ان البلدية مضمنه المسبح فالمسؤولية تقع على عاتق الضامن "
ينهي حمودة حديثه قائلا ": بالنسبة للمرافق العامة يجب أن يكون هناك حيطة وحذر وخصوصا للأطفال "
وتبقى المسابح عندنا حاصدة لأرواح أطفالنا في حوادث تتكرر بنفس الشكل والأسلوب دون أن نستقي العبر من الحوداث المؤلمة التي يذهب فيها أطفال بعمر الورد ضحيتها...
فنأمل أن نتعلم ونستعض من تلك الحوادث المآساوية وأن نتخذ الإحتياطات اللازمة والوقائية في المستقبل قبل وقوع الفأس في الرأس .... يتبع