محمد الصباغ ( 70 عاما) .. الاستقرار حلمه والاحتلال يلاحقه من يافا إلى القدس
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
كان طفلا حين طرد من يافا، ولم يشعر بمرارة الهجرة إلا عندما زارها مجددا، ووجد منزله تحول لكنيس يهودي، وآخر لبيت للمستوطنين، وبيارات البرتقال استملكها يهودي زورًا، فأصبحت فكرة تحول منزل آل الصباغ لكنيس ومرتعا للمستوطنين لا تفارق أذهان العائلة، وكابوسا مرعبا يعيشونه يوميا.
يقول محمد الصباغ (70 عاما) مرهقا من محاكم الاحتلال ومضايقات المستوطنين، "كلما أتذكر أنني سأطرد من منزلي أشعر بروحي تنتزع من داخلي، فكل الذكريات والآمال والأحلام في هذا المنزل" .
فهاهما القاضي والجلاد التقيا في ذات الفريق في قاعات محاكم الاحتلال، يتلقفون مصير (41 مقدسيا)، لتمضي الأيام ولم يتبقَ للجلسة التاسعة والأخيرة سوى أياما قليلة، والكرة ما زالت في ملعب الأقوى، وفوز آل الصباغ في انحسار، "سنضحي حتى آخر رمق، رغم أننا على يقين أن محاكم الاحتلال لن تنصفنا، فالقاضي مستوطن، ومن المؤكد أنه سيخرج بقرار استيطاني" يقول محمد الصباغ.
ففي عام (2009) تخللت مشاعر الخوف والتهديد بالطرد من مدينة القدس أفراد عائلة الصباغ، بعد أن تسلمت قرارا بإخلائها منزلها الكائن في حي الشيخ جراح- الحي الفاصل بين غرب القدس وشرقها- بذريعة أن المنزل مقام على مغارة الصديق شمعون، إلا أن الخرائط تثبت أن المنزل يقع جنوب المغارة، "المغارة لا تمت لليهود بصلة، واسمها الأصلي مغارة إسماعيل الصادق السعدي، وكان الناس يعتبرونها مكانا مقدسا "ولي" ويذهبون إليها كل خميس، لإضاءة الشموع هناك".
وعلى الرغم من تقديم كل الأوراق الثبوتية اللازمة التي أحضر معظمها محامي العائلة من تركيا – المحتفظة بالطابو العثماني- إلا أن القاضي ما زال يرفض الاقتناع بها، وبما تحتويه من تأكيد على إسلامية المغارة، والتي سكنها آل حجازي آلاف السنوات، "ننفي من جهة أخرى ادعاء المستوطنين أن يهود سكنوا البيت قبل أن يستولوا عليه آل الصباغ بالقوة".
ويذكر الصباغ في أحد الأيام، قيام مسؤول المستوطنين في حي الشيخ جراح بتوزيع منشورات كتب فيها(عندما تنوي مغادرة منزلك اتصل بنا لنعطيك النقود)،متسائلا،" لو أنه صاحب الأرض، فهل من الممكن أن يعرض مثل هذه الفكرة؟!".
ليفرض القدر على عائلة الصباغ أن تبقى لاجئة ومشردة في وطنها، فمن يافا إلى لبنة ثم إلى وادي الجوزة ، ولتستقر رحالها أخيرا في الشيخ جراح عام (1956) حين عرضت الحكومة الأردنية عليها، وعلى عائلات أخرى الإقامة في الشيخ جراح مقابل تخليها عن "كرت المؤن"، فأجرتهم حكومة الأردن المنازل بمبالغ بسيطة، ووعدتهم بتمليكهم إياها بعد ثلاث سنوات، إلا أنها لم تفي بوعدها حتى الآن، "لأننا لاجئون من يافا، يعتبرنا القانون الإسرائيلي محتلين للأرض، ويسعى لتهجيرنا مرة أخرى، ولكن لا ندري متى وأين هذه المرة".
و عام 1972 بدأ صراع بين (19عائلة) تقطن الحي ومستوطنين في محاكم الاحتلال، استمر (10 أعوام) دون تحقيق أي إنجاز، ليتوصل المحامون لإيجاد مخرج قانوني آخر متمثل ببقاء العائلات في الحي، بشرط دفع الإيجار لحارس أملاك الغائبين كما كانت تدفعها للحكومة الأردنية. إلا أن العائلات الفلسطينية رفضت الفكرة، باعتبارها إقرار بملكية الأرض للطرف الآخر، فاقترح المحامي وضع ضمان مالي في صندوق المحكمة بقيمة (180 ألف شيقل)، إلا أن حكومة الاحتلال والمستوطنين استطاعوا التملص من كافة الاتفاقات المبرمة بين الطرفين وبدؤوا بطرد العائلات الواحدة تلو الأخرى.
فيروي الصباغ أنه منذ عام (2000) اشتدت الهجمة على الشيخ الجراح، فأفرغ المستوطنون المنزل تلو الآخ، وطردوا عائلات الغاوي، وحنون، والكرد، ليصبح منزل الصباغ يتيما محاصرا بخمس عائلات يهودية ومكتبة دينية. "المنزل الذي قطنته عائلة مقدسية واحدة، أحلوا فيه ثلاث عائلات يهودية، وحرمنا من التوسع أو البناء على الرغم من أننا عائلة كبيرة جدا، وأرغمني الاحتلال على دفع (26 ألف شيقل)، ومثله لإخوتي الأربعة كغرامات ومخالفات".
ويعي الصباغ تماما أن الاحتلال يخطط لإفراغ المدينة من كل ما هو فلسطيني، فبعد أن بات الفلسطينيون يشكلون (36%) يسعى على قدم وساق لتصل نسبتهم إلى (12%) عام 2020 و(0%) عام 2050. "يهدف الاحتلال إلى حصر الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة فقط، وتحويلها في المستقبل إلى مركز آثار، دون بيوت أو دكاكين".
والصباغ لا يتنبأ وباقي سكان الحي، إلا أن يبقى العالم متفرجا على التهجير الطرد الجماعي، بعد أن منح سكوته الضوء الأخضر للاحتلال لاستكمال جريمته في الحي.
تقرير: شذى حماد