كان مروان...- صالح مشارقة
كنت اراه في مكاتب رام الله وفي شوارعها دائما، يدخن على باب المقر القديم لنادي الاسير، وحيدا او على خصومة ما في اروقة التشريعي, او مبحوحا بين ثلاثة شبان واقفين على مدخل "الحركية العليا" قرب مسجد عبد الناصر.
طبعا زيه البرلماني الفاخر لم يتعد جاكيت جلد اسود واحدا على رجل قصير وبنطال قد تجد منه 30 الف نسخة في متاجر رام الله، وسيارة برلمانية مغبرة ومشحمة كانها خارجة من كراج للتو, وبقايا نوم لم يأت الى عينيه.
غير معطر وغير حليق، ورغم ذلك كانوا يجبرونه على الجلوس على رأس الطاولة.
مرة نادى عليّ الدكتور سمير فجأة: يلا تعال... عزت بدو يكرم كتاب وادباء من الجليل والناصرة. وهناك كانت الطاولة عامرة بالرؤوس والشوارب البيضاء. كتاب شيوعيون وعلمانيون ودروز ومسيحيون وهكذا....
كان يحترم الكتّاب الكبار "طه محمد علي وسالم جبران ومحمد علي طه واخرين... خاف مثلنا وجلس معنا على اخر الطاولة. وقبل تسليم التكريم قال الراحل عزت والدكتور سمير مازحين: الكلمة الان لقائدنا السياسي وضحكا، فانحنى كطفل وقال: معاذ الله معاذ الله... انتم اساتذتي.. انت المعلمون الاوائل والكبار.
اعتقدت انه مجبر وان عقله السياسي اليومي لن يضيف شيئا في حضرة الكتاب الكبار. وانتبهت بعد دقائق من كلمته على ابتسامات بيضاء واياد لم تعرف سوى الكتابة تصفق كأنها منذ سنين محرومة من ذلك. صفقوا له كحفيد ذكي او ابن بار عاد بعلامة عالية من المدرسة.
كان مروان...هكذا.
حسين البرغوثي كان يقول لي دائما: لا لا مروان مختلف يا صالح... مروان شيوعي ووطني ممتاز.
نتذكره اليوم وقد وقع السقف على رؤوس كثيرين يختنقون ويعدمون انفسهم بالقول: المرحلة ليست لنا. وان الحياد طريقنا الوحيد.
نتذكره وسط انكسارات كثيرة يتم التعتيم على ارتطاماتها، وبين مجاميع كثيرة تتذكر حنجرته التي لم يسكتها مرض الاوتار وقراره الذي لم ينتظر احدا وشبابه المنتفضين والجاهزين دوما لرفع السقف المنهار.