يشبه "يوم القيامة"..
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
جميل ضبابات
أين سيذهب منصور الكعابنة ابن الأسبوعين؟ ففي هذا المحيط الأصفر لا شيء يمكن أن يقي رأسه الطري. لكن على كل هؤلاء البشر أن يلملموا حاجياتهم بسرعة الرحيل في وقت قريب.
وعلى امتداد منطقة الغور، الشريط الشرقي من الضفة الغربية، على الموجودين في المنطقة إخلاء منازلهم خلال ساعات، إذ سيبدأ الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية. ومنصور الكعابنة هو أصغير سكان المضارب في الميتة، وهي المنطقة التي ستحمل اسمها بعد يومين. إذ ستتحول إلى فراغ يخلو من سكانه.
الميتة المحاطة بجبال صخرية تلونها التربة الصفراء، تطوقها أيضا معسكرات الجيش التي تعتبر قواعد عسكرية لوحدات القوات الإسرائيلية من أهمها "ناحال".
وبدا رحيل السكان عن مساكنهم الهشة المبنية من القصدير والخيش الممزق تراجيديا. ونشطت النساء في نقل الأمتعة لجرارات زراعية تستطيع اجتياز المناطق الوعرة؛ أسرة أطفال حديدية بالية، وأواني المطبخ وبعض الفرش والسكاكين.
كان منصور ينام نوما خفيفا في حضن جدته، فيما صوت جلبة الرجال والنساء في خارج الخربوش ينقلون الأمتعة. "ماذا نعمل. لا نعرف ماذا نعمل" قالت الجدة خضرة نصار وأخذت تهدهد الطفل الذي أفاق على صوت والديه وهما ينقلان الفراش إلى الخارج.
ويتعين على نحو 56 عائلة في منطقة الغور الرحيل عن منازلها لأيام كي تجري مناورات لا تتوقف في المنطقة. وعائلات أخرى طُلب منها الرحيل نهائيا بأوامر خطية صدرت عن قادة الجيش.
صاعدا بين شق صخري منحدر بشدة، قال عيد الزواهرة وهو جار لعائلة الكعابنة، إن الجيش طلب منه الرحيل، وإلا سيصادر كل شيء.
"جاءوا أمس وطلبوا مني الرحيل. أعطوني فقط 48 ساعة لأنقل كل هذه الأمتعة. قالوا سنهدم كل شيء. سنصادر أغنامك".
ويظهر أبناء عيد وزوجتاه وأحفاده يشكلون هم قرية رعوية صغيرة. وعلى الكل أن يرحل بسرعة من أمام الزوبعة. إنه الخوف الذي يشبه "يوم القيامة" كما تصفه نصار. يعلو الصياح خارج المساكن التي تضربها الرياح ظهيرة يوم مغبر مترب.
ويحث رجال رجالا آخرين على السرعة في النقل. لكن ثمة من يعارض فكرة الرحيل بين العائلات الرعوية. من قبل كان الجيش اجبر عشرات العائلات على الرحيل من منطق سكناهم لأنها ستتعرض لقذائف المدفعية.
في الليل يمكن سماع أزير الرصاص في كل مكان. وتدوي أصوات القذائف في شعاب مجاورة. ويصف الفلسطينيون في الغور ما يجري بأنه حرب تشن ضدهم. وتقول إسرائيل إنها تريد إخلاء السكان من أراضيهم التي حولتها إلى مناطق عسكرية مغلقة.
في الغور قيامة الإنسان تسبق قيامة الأرض. فإسرائيل حولت حياة السكان إلى رعب مستمر.
ويظهر أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات يمشون حفاة، لكنهم يبتسمون مرات للكاميرات. بعض هؤلاء الأطفال أبناء وأحفاد لعيد الزواهرة.
قالت خضرة "هذه الأيام لا تروى إلا بالدموع" . وتبكي المرأة دون أن تنبس بكلمة. وثمة شاب من الخارج يعارض فكرة الرحيل المؤقت من المنطقة، لكن الرجال الأكبر سنا يؤيدون الرحيل لأيام درءا لما قد يحصل من هدم أو مصادرة المواشي.
متسلقا صخرة في طريقه إلى جيرانه الذي ينقلون أمتعتهم قال الزواهرة "ليس هناك مكانا أكثر أمنا. إننا مضطرون للرحيل".
ويكاد الرجل يختفي بين الصخور التي تشبه لون لباسه البني".
وتفرض إسرائيل التي تسيطر على مساحات كبيرة من شرق الضفة الغربية قيودا صارمة على سكان الغور الفارغ تقريبا من الفلسطينيين.
في مرات عديدة هذا العام هدمت القوات الإسرائيلية عشرات المساكن وتركت السكان في العراء وشردتهم. ذاته عيد تعرضت مساكنه للهدم من قبل.
داخل المضارب لا يصعب العثور على علامات البؤس والإحباط. قال رئيس مجلس المضارب عارف دراغمة "الغور يتعرض لإفراغ مستمر. إنهم يجعلون طعم الحياة حنظل مر".
على امتداد مساحات واسعة يمكن مشاهدة الجرارات الزراعية تنقل الراحلين إلى مناطق أكثر أمنا. وأمام مضارب الكعابنة والزواهرة تصطف أربعة جرارات زراعية محملة بالفراش.
قال سائق أحد الجرارات ويدعي محمد نجادة "لو الأمر بيدي كنت أوقفت الرحيل. أنا ضد الرحيل". لكن آخرين من السكان يعتقدون أن حربا فقط يمكن أن تحل مشاكلهم.
وللغور تاريخ قريب في هذا السياق.لقد نفذ الفدائيون الفلسطينيون عمليات في الستينيات والسبعينيات ضد الجيش الإسرائيلي.
ويشر رجل يدعي أبو علي إلى معسكر قريب للجيش فيه مهاجع للجيش ومرابض للدبابات التي تشارك في المناورات.
وقال دراغمة الذي أحصى عددا كبيرا من الإنذارات الخطية التي سلمها الجيش للسكان" إنها ساحة حرب. هذه الحرب لا تنتهي في أيام".
ورغم أن إحصاءات دقيقة غير متوفرة، إلا إن رعاة قالوا إن آخرين هربوا خلال السنوات الماضية من المنطقة بسبب التضييق الإسرائيلي.
وتساءل دراغمة "كيف يمكن أن يعيش الناس أمام فوهة المدفعية؟". يردد الرجل صيغة الخوف التي كانت تتحدث بها خضرة "مثل يوم القيامة. مثل يوم القيامة. انظر كيف يتراكض الناس خائفين".
zaجميل ضبابات
أين سيذهب منصور الكعابنة ابن الأسبوعين؟ ففي هذا المحيط الأصفر لا شيء يمكن أن يقي رأسه الطري. لكن على كل هؤلاء البشر أن يلملموا حاجياتهم بسرعة الرحيل في وقت قريب.
وعلى امتداد منطقة الغور، الشريط الشرقي من الضفة الغربية، على الموجودين في المنطقة إخلاء منازلهم خلال ساعات، إذ سيبدأ الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية. ومنصور الكعابنة هو أصغير سكان المضارب في الميتة، وهي المنطقة التي ستحمل اسمها بعد يومين. إذ ستتحول إلى فراغ يخلو من سكانه.
الميتة المحاطة بجبال صخرية تلونها التربة الصفراء، تطوقها أيضا معسكرات الجيش التي تعتبر قواعد عسكرية لوحدات القوات الإسرائيلية من أهمها "ناحال".
وبدا رحيل السكان عن مساكنهم الهشة المبنية من القصدير والخيش الممزق تراجيديا. ونشطت النساء في نقل الأمتعة لجرارات زراعية تستطيع اجتياز المناطق الوعرة؛ أسرة أطفال حديدية بالية، وأواني المطبخ وبعض الفرش والسكاكين.
كان منصور ينام نوما خفيفا في حضن جدته، فيما صوت جلبة الرجال والنساء في خارج الخربوش ينقلون الأمتعة. "ماذا نعمل. لا نعرف ماذا نعمل" قالت الجدة خضرة نصار وأخذت تهدهد الطفل الذي أفاق على صوت والديه وهما ينقلان الفراش إلى الخارج.
ويتعين على نحو 56 عائلة في منطقة الغور الرحيل عن منازلها لأيام كي تجري مناورات لا تتوقف في المنطقة. وعائلات أخرى طُلب منها الرحيل نهائيا بأوامر خطية صدرت عن قادة الجيش.
صاعدا بين شق صخري منحدر بشدة، قال عيد الزواهرة وهو جار لعائلة الكعابنة، إن الجيش طلب منه الرحيل، وإلا سيصادر كل شيء.
"جاءوا أمس وطلبوا مني الرحيل. أعطوني فقط 48 ساعة لأنقل كل هذه الأمتعة. قالوا سنهدم كل شيء. سنصادر أغنامك".
ويظهر أبناء عيد وزوجتاه وأحفاده يشكلون هم قرية رعوية صغيرة. وعلى الكل أن يرحل بسرعة من أمام الزوبعة. إنه الخوف الذي يشبه "يوم القيامة" كما تصفه نصار. يعلو الصياح خارج المساكن التي تضربها الرياح ظهيرة يوم مغبر مترب.
ويحث رجال رجالا آخرين على السرعة في النقل. لكن ثمة من يعارض فكرة الرحيل بين العائلات الرعوية. من قبل كان الجيش اجبر عشرات العائلات على الرحيل من منطق سكناهم لأنها ستتعرض لقذائف المدفعية.
في الليل يمكن سماع أزير الرصاص في كل مكان. وتدوي أصوات القذائف في شعاب مجاورة. ويصف الفلسطينيون في الغور ما يجري بأنه حرب تشن ضدهم. وتقول إسرائيل إنها تريد إخلاء السكان من أراضيهم التي حولتها إلى مناطق عسكرية مغلقة.
في الغور قيامة الإنسان تسبق قيامة الأرض. فإسرائيل حولت حياة السكان إلى رعب مستمر.
ويظهر أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات يمشون حفاة، لكنهم يبتسمون مرات للكاميرات. بعض هؤلاء الأطفال أبناء وأحفاد لعيد الزواهرة.
قالت خضرة "هذه الأيام لا تروى إلا بالدموع" . وتبكي المرأة دون أن تنبس بكلمة. وثمة شاب من الخارج يعارض فكرة الرحيل المؤقت من المنطقة، لكن الرجال الأكبر سنا يؤيدون الرحيل لأيام درءا لما قد يحصل من هدم أو مصادرة المواشي.
متسلقا صخرة في طريقه إلى جيرانه الذي ينقلون أمتعتهم قال الزواهرة "ليس هناك مكانا أكثر أمنا. إننا مضطرون للرحيل".
ويكاد الرجل يختفي بين الصخور التي تشبه لون لباسه البني".
وتفرض إسرائيل التي تسيطر على مساحات كبيرة من شرق الضفة الغربية قيودا صارمة على سكان الغور الفارغ تقريبا من الفلسطينيين.
في مرات عديدة هذا العام هدمت القوات الإسرائيلية عشرات المساكن وتركت السكان في العراء وشردتهم. ذاته عيد تعرضت مساكنه للهدم من قبل.
داخل المضارب لا يصعب العثور على علامات البؤس والإحباط. قال رئيس مجلس المضارب عارف دراغمة "الغور يتعرض لإفراغ مستمر. إنهم يجعلون طعم الحياة حنظل مر".
على امتداد مساحات واسعة يمكن مشاهدة الجرارات الزراعية تنقل الراحلين إلى مناطق أكثر أمنا. وأمام مضارب الكعابنة والزواهرة تصطف أربعة جرارات زراعية محملة بالفراش.
قال سائق أحد الجرارات ويدعي محمد نجادة "لو الأمر بيدي كنت أوقفت الرحيل. أنا ضد الرحيل". لكن آخرين من السكان يعتقدون أن حربا فقط يمكن أن تحل مشاكلهم.
وللغور تاريخ قريب في هذا السياق.لقد نفذ الفدائيون الفلسطينيون عمليات في الستينيات والسبعينيات ضد الجيش الإسرائيلي.
ويشر رجل يدعي أبو علي إلى معسكر قريب للجيش فيه مهاجع للجيش ومرابض للدبابات التي تشارك في المناورات.
وقال دراغمة الذي أحصى عددا كبيرا من الإنذارات الخطية التي سلمها الجيش للسكان" إنها ساحة حرب. هذه الحرب لا تنتهي في أيام".
ورغم أن إحصاءات دقيقة غير متوفرة، إلا إن رعاة قالوا إن آخرين هربوا خلال السنوات الماضية من المنطقة بسبب التضييق الإسرائيلي.
وتساءل دراغمة "كيف يمكن أن يعيش الناس أمام فوهة المدفعية؟". يردد الرجل صيغة الخوف التي كانت تتحدث بها خضرة "مثل يوم القيامة. مثل يوم القيامة. انظر كيف يتراكض الناس خائفين".